المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في نواقض الوضوء - التنبيه على مشكلات الهداية - جـ ١

[ابن أبي العز]

الفصل: ‌فصل في نواقض الوضوء

‌فصل في نواقض الوضوء

قوله: (وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وما الحدث؟ قال: "ما يخرج من السبيلين").

قال السروجي فيي شرحه: إن هذا الحديث لا يعرف أصلاً. انتهى.

وأحاديث الوضوء من الخارج من الخارج من غير السبيلين نفيًا ........

ص: 281

وإثباتًا، لم يخرج أهل الصحيح منها شيئًا، بل ضعف أهل الحديث غالبها.

قال أبو عمر ابن عبد البر: المتوضئ بإجماع لا ينتقض وضوؤه باختلاف إلا أن يكون هناك سنة، وهي معدومة هاهنا.

وقال أبو بكر ابن المنذر في "الإشراف": لا أعلم مع من أوجب الوضوء من ذلك حجة. قال ذلك بعد ذكره أقوال/ العلماء فيه.

وقد احتج بعض الأصحاب لوجوب الوضوء من الخارج من غير السبيلين

ص: 282

بحديث عائشة رضي الله عنها: أن فاطمة بنت أبي حبيش جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم -فقالت: إني امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال:"لا، إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي، وتوضئي لكل صلاة". فنبه على العلة الموجبة للوضوء وهي كونه دم عرق، ثم أمرها بالوضوء لكل صلاة. وعزاه بعضهم

ص: 283

بهذه الزيادة إلى "الصحيحين"، وليس هذه الزيادة في "صحيح مسلم"، وإنما هي في صحيح البخاري وحده، فبطل عزوها إلى "الصحيحين".

ثم هي في بعض طرق الحديث، قال البخاري بعد أن فرغ من سياق الحديث: قال هشام -يعني ابن عروة بن الزبير -قال أبي: "ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت".

ولهذا قال مالك رحمه الله: إن المستحاضة ومن في معناها يستحب لهم الوضوء لكل صلاة، ولا يجب؛ لأن هذه الزيادة مضطربة لا تثبت بمثلها حجة.

ص: 284

والصحيح أن هذه الزيادة مرفوعة، وقد رواها مرفوعة أيضًا أحمد، وأبو داود، والترمذي وصححها، ولكن هل لكون ذلك الدم من أحد السبيلين تأثيرًا، أم المؤثر كونه دم عرق مع قطع النظر عن كونه من أحد السبيلين؟ فيه احتمال!.

ففي انتفاض الطهارة الثابتة بيقين به ..............

ص: 285

والحالة هذه -نظر!.

قوله: (والاقتصار على الأعضاء الأربعة غير معقول).

إطلاق كثير من الفقهاء على بعض الأحكام أنه غير معقول إنما هو لكونهم لم يعقلوا معناه، وإلا فله معنى يعقل في نفس الأمر، علمه من علمه وجهله من جهله. ففي إطلاق مثل هذا النفي نظر! وهو نظير قولهم:

ص: 286

على خلاف القياس، وقولهم: تعبد لا يعقل، ونحو هذه العبارة، وسيأتي لذلك زيادة بيان إن شاء الله تعالى.

قوله: (ثم مالا يكون حدثًا لا يكون نجسًا، يروى ذلك عن أبي يوسف، وهو الصحيح؛ لأنه ليس بنجس حكمًا حيث لم تنقض به الطهارة).

في تصحيح المصنف رحمه الله -نظر، وإن كان قد سبقه إلى التصحيح السمرقندي وغيره.

والذي صححه غيرهم أنه نجس أولى. وهو قول محمد، واختاره

ص: 287

أبو جعفر الهندواني وغيره. وهذا الذي يجب الأخذ به؛ لأن لازم القول الأول أنه لو عصر بثرة فخرج بعصره دم كثير، أو قيح، أو صديد، أو تقيأ قليلاً في مجالس بحيث لو جمع كان كثيرًا لا يكون نجسًا لأن الأول مخرج.

وقالوا: إنه لا يكون حدثًا فلا يكون نجسًا، وكذلك القيء لأنه في مجالس. ولو صب هذا المقدار الكثير في الماء القليل وتغير به لا ينجس؛ لأنه طاهر اختلط بطهور فلا يسلبه الطهورية ما لم يغلب عليه. وإنما ألجأهم إلى هذا، دعوى التلازم بين وصف النجاسة والحدث؛ أي ما كان نجسًا كان خروجه حدثًا، وخروج هذا ليس بحدث فلا يكون نجسًا.

والشأن في ثبوت هذه الدعوى؛ فإن القول بأن خروج النجاسة مؤثر في زوال الطهارة عن جميع البدن، ودعوى أن هذا معقول المعنى، فيه نظر! بل بدنه طاهر حقيقة وحكمًا؛ أما حقيقة فظاهر، وأما حكمًا فلحديث حذيفة

ص: 288

ابن اليمان رضي الله عنه -أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -لقيه وهو جنب، فحاد عنه فاغتسل، ثم جاء فقال: كنت جنبًا، فقال:"إن المسلم لا ينجس"، رواه الجماعة إلا البخاريـ والترمذي. وروى الجماعة كلهم نحوه عن أبي هريرة. وهو عام في الحي والميت.

وزاد البخاري: قال ابن عباس: "لا ينجس حيًا ولا ميتًا". وأيضًا؛ فإن الغسل يجب بالجماع، وفيه نجاسة المني كلام سيأتي إن شاء الله تعالى.

وإنما يجب إمساس هذه الأعضاء الماء امتثالاً لأمر الله، وطاعة له، وتعبدًا، وذلك يؤثر في نظافته وطهارته ما لا يؤثر غسله بالماء والسدر.

ص: 289

وكان الأصل أنه كلما قام إلى الصلاة يتوضأ، لكن خفف الله عنه، وأبقى حكمه إلى غاية، وقد أعلمنا أن خروج الخارج من السبيلين غاية للطهارة، وشككنا في خروج الخارج من غير السبيلين، وهو طاهر بيقين، والأصل بقاء الطهارة/ فلا يخرج [عنها] بالشك.

ص: 290

وفي صحة هذه الرواية عن أبي يوسف نظر! ولكن قد قال السروجي بعد حكاية القولين: وعلى الأول لو امتلأ الثوب لا يمنع جواز الصلاة، كما يكون لأصحاب القروح يصيب ثيابهم مرة بعد مرة من غير تجاوز مكان العذر لا يمنع وإن كثر. روى ذلك أصحابنا عن ابن عمر، وحكوه عن أبي يوسف وعليه الفتوى. انتهى.

وأظن المنقول عن ابن عمر وأبي يوسف في حق صاحب القروح، وخرج على أنه لم يمنع جواز الصلاة لأنه ليس بحدث، فلا يكون نجسًا. ولا يلزم من جواز صلاة مثل هذا المعذور أن يكون ذلك الدم والقيح طاهرًا، بل هو نجس عفي عنه للضرورة، كما في أكل الميتة حالة الضرورة.

ص: 291

قوله: (والنوم مضطجعًا أو متكئًا أو مستندًا إلى شيء لو أزيل لسقط).

قال الشيخ حافظ الدين النسفي في "الكافي": ولو نام مستندًا إلى شيء لو أزيل عنه لسقط لا ينتقض في ظاهر المذهب، وعن الطحاوي أنه ينتقض. انتهى.

قال السروجي: وهو اختيار القدوري في مختصر جمعه لابنه. والصحيح رواية أبي يوسف عن أبي حنيفة أنه إذا كان مقعده على الأرض لا ينتقض وضوؤه كيف ما كان.

ص: 292

قوله: (والأصل فيه قوله عليه [الصلاة والسلام]: "لا وضوء على من نام قائمًا، أو قاعدًا، أو راكعًا، أو ساجدًا، إنما الوضوء على من نام مضجعًا؛ فإنه إذا نام مضجعًا استرخت مفاصله").

هذا الحديث ضعيف، ولم يخرجه أهل الحديث بهذا اللفظ كله إلا في رواية شاذة.

ص: 293

قوله: (ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: "ألا من ضحك منكم قهقهة فليعد الوضوء والصلاة جميعًا"). هذا الحديث قد روي من طرق كلها ضعيفة.

قوله: (وأما إذا عصرها فخرج بعصره لا ينقض؛ لأنه مخرج وليس بخارج).

فيه نظر؛ لأن المخرج خارج أيضًا، فلا يصح أن يقال: وليس بخارج،

ص: 294

ولهذا لم يفرق في انتقاض الطهارة بالقيء بين من ذرعه القيء وبين من استقاء. وقد ذكر في "النوازل"، و"الذخيرة" أنه ينتقض. وكذلك الخارج من السبيلين، لا يفترق الحكم فيه بين من سبقه القيام وبين من استدعاه. وقد تقدم الكلام في انتقاض الطهارة بالخارج من غير السبيلين.

* * *

ص: 295