المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب المسح على الخفين - التنبيه على مشكلات الهداية - جـ ١

[ابن أبي العز]

الفصل: ‌باب المسح على الخفين

‌باب المسح على الخفين

قوله: لكن من رآه ثم لم يمسح آخذًا بالعزيمة كان مأجورًا).

فيه نظر؛ لقوله عليه السلام: "إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته" رواه أحمد، وابن خزيمة، والحاكم في صحيحه. ولهذا قال الإمام أحمد بتفضيل المسح.

وفي الصحيحين" عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس

ص: 395

منه". وقال صلى الله عليه وسلم: "أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة".

وليس أفضل الأعمال أعظمها مشقة، بل ما كان لله أطوع ولصاحبه أنفع. ولم يكن صلى الله عليه وسلم يتكلف ضد حاله التي عليها قدماه، بل إن كانتا في الخف مسح عليهما ولم ينزع الخف، وإن كانتا مكشوفتين غسلهما ولم يلبس الخف للمسح عليه. وهذا أعدل الأقوال في مسألة "الأفضل من المسح والغسل".

قوله: (لأنه معدول عن القياس، فيراعي جميع ما ورد به الشرع).

في كلامه المؤاخذة التي تقدم التنبيه عليها، وهي أن الشريعة لا تأتي على خلاف القياس الصحيح.

ص: 396

فالعبارة السديدة أن يقال: لأنه عرف من جهة الشرع فيراعى فيه جميع ما ورد به الشرع؛ فإن المراد أنه أمر تعبدي قد لا يدرك العقل معناه، لا أن العقل يدرك خلافه. فإن الشرع قد يأتي بما يحار فيه العقل، ولا يأتي قط بما يحيله العقل.

وقوله: "معدول عن القياس" يوهم أن العقل يحيله والقياس الصحيح يأباه ولكن الشرع ورد به. وهذه العبارة فيها فساد وإن كانت متداولة على ألسنة كثير من الفقهاء، لكن من يطلقها منهم لا يتنبه للازمها.

قوله: (فإنه يقول: البدل لا يكون له بدل).

هذا تعليل لا يرتضيه الشافعي؛ فإن البدل قد يكون له بدل، كما في كفارة الظهار، فإن الصوم بدل عن التحرير، والإطعام بدل عن الصوم، وغير ذلك.

ص: 397

وإنما يقول: إن المسح على خف بدل عن غسل/ القدم، ولو جاز المسح على الجرموق فوق الخف من غير نص شرعي لكان في ذلك نصب بدل عن البدل الشرعي بغير دليل. فحينئذ ساغ أن يقال في جوابه: إنه كخف ذي طاقين، وليس ببدل عن الخف.

قوله: (ولا يجوز المسح على العمامة).

قال ابن المنذر في "الإشراف": وثبت أن رسول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على "العمامة، وبه نقول.

واختلفوا في المسح على العمامة، فممن مسح على العمامة أبو بكر الصديق، وبه قال عمر بن الخطاب، ......................

ص: 398

وأنس، وأبو أمامة، وروي ذلك عن سعد بن أبي وقاص، وأبي الدرداء، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول، والحسن البصري، وقتادة، وبه قال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور. انتهى.

وحديث المسح على العمامة رواه مسلم من حديث المغيره بن شعبة، وقد تقدم، ومن حديث بلال. والبخاري من حديث عمرو بن أمية الضمري، وأحمد من حديث .............................

ص: 399

بلال، والمغيرة، وثوبان، وسلمان، وعمرو بن أمية الضمري.

ولما كان المسح على الخفين أشهر من المسح على العمامة حصل الخلاف في المسح عليها دونهما، ولكن لا عذر لمن بلغه الحديث الصحيح فيه. وحكى ابن المنذر عن أنس أنه مسح على قلنسوته، وقال ابن المنذر: ولا نعلم أحدًا قال به.

ص: 400

وحكى أيضًا عن أم سلمة أنها كانت تمسح على الخمار. ولم يثبت في غير الخفين والعمامة حديث مرفوع.

قوله: (ويجوز المسح على الجبائر وإن شدها على غير وضوء؛ لأنه عليه الصلاة والسلام فعل ذلك وأمر عليًا به).

روى الدارقطني عن ابن عمر أنه عليه السلام: "مسح على الجبائر".

قال البيهقي: لا يثبت عنه عليه السلام في مسح الجبائر شيء، وإنما هو عن

ص: 401

ابن عمر من فعله صحيح.

وروى ابن ماجه عن زيد بن علي عن أبيه عن جده علي قال: كسرت إحدى زندي يوم أحد، "فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أمسح على الجبائر". قال النووي: اتفقوا على ضعفه. انتهى.

ولكن صح عن ابن عمر ولم يعرف له مخالف من الصحابة. وهو أولى بشرع المسح من الخفين؛ لأن الحرج فيه فوق الحرج في نزع الخف.

ص: 402