المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الأذان قوله: (وما رواه كان تعليمًا فظنه ترجيعًا). ولا يظن بأبي - التنبيه على مشكلات الهداية - جـ ١

[ابن أبي العز]

الفصل: ‌ ‌باب الأذان قوله: (وما رواه كان تعليمًا فظنه ترجيعًا). ولا يظن بأبي

‌باب الأذان

قوله: (وما رواه كان تعليمًا فظنه ترجيعًا).

ولا يظن بأبي محذورة الغلط، ولو كان على وجه الغلط لبين له، ولما كان الصحابة رضي الله عنهم يسمعونه ويقرونه على الغلط، بل ذلك يؤدي إلى تغليط كل من سمعه من الصحابة.

وأيضًا ففي بعض طرق حديث أبي مح

ذورة في الصحيح قال: "تقول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. ترفع بها صوتك، ثم تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله. تخفض بها صوتك، ثم ترفع صوتك بالشهادة: أشهد أن

ص: 489

لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله

إلى آخره". فهذا يدل على أنه فعله بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له به. فانتفى أن يكون فعله ذلك بظنه.

ولا يؤخذ بأذن بلال وإقامة أبي محذورة على وجه الإهمال لغيرهما، بل على وجه أن كلًا سنة، يفعل هذا في مكان وهذا في مكان، أو هذا تارة وهذا تارة. ومن رجحهما على وجه الإهمال لغيرهما، أو رجح أذان أبي محذورة وإقامة بلال على وجه الإهمال لغيرهما فهو مشكل.

ص: 490

قوله: (ويزيد في أذان الفجر بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم مرتين؛ لأن بلالًا رضي الله عنه قال: الصلاة خير من النوم، حين وجد النبي صلى الله عليه وسلم راقدًا؛ فقال عليه الصلاة والسلام: "وما أحسن هذا يا بلال، اجعله في أذانك").

عن سعيد بن المسيب عن بلال رضي الله عنه، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه لصلاة الفجر، فقيل: هو نائم؛ فقال: "الصلاة خير من النوم- مرتين"، فأقرت في تأذين الفجر، فثبت الأمر على ذلك. أخرجه الإمام أحمد، وابن ماجه، وليس فيه: ما أحسن هذا يا بلال!.

ص: 491

وفي حديث أبي محذورة قال: قلت يا رسول الله! علمني سنة الأذان، فمسح مقدم رأسه وعلمه، وقال:"فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم، [الصلاة خير من النوم]، الله أكبر، الله أكبر، [لا إله إلا الله] "، أخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وأبو حاتم.

قوله: (والإقامة مثل الأذان إلا أنه يزيد بعد الفلاح: قد قامت الصلاة، مرتين. هكذا فعل الملك النازل من السماء، وهو المشهور).

فيه نظر، فقد روى الإمام أحمد، والترمذي، وأبو داود، وابن ماجه، وابن خزيمة في صحيحة حديث عبد الله بن زيد الذي فيه قصة المنام الذي رأى فيه الملك النازل من/ السماء، وفيه أنه أفرد الإقامة. وصححه الترمذي،

ص: 492

وذكر أنه سأل عنه البخاري فقال: هو عندي صحيح. انتهى. وإنما روى أن الإقامة مثنى في حديث المنام الدارقطني، وأبو داود من طريق فيه كلام.

وفي "الصحيحين" وغيرهما: "أن بلالًا أمر أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" ............................

ص: 493

وإنما يروى بشفع الإقامة عن أبي محذورة. وعنه في رواية: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة". وقال بكير بن عبد الله بن الأشج: (أدركت أهل المدينة في الأذان مثنى مثنى، وفي الإقامة مرة). وبكير من كبار التابعين، وهو يخبر بهذا عن الصحابة والتابعين في دار الهجرة. وكان

ص: 494

يقام للخلفاء الأربعة مرة مرة. وهو مذهب ابن عمر، وابن عباس، وأنس رضي الله عنهم.

ومذهب الفقهاء السبعة وأكثر العلماء بعدهم، منهم الأئمة الثلاثة، ولم ينقل اختيار تثنية الإقامة إلا عن الثوري، وأبي حنيفة،

ص: 495

وابن المبارك، كذا ذكره الحاكم. فظهر أن المشهور إنما هو إفراد الإقامة، خلاف ما ادعاه صاحب الهداية.

قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا أذنت فترسَّل، وإذا أقمت فاحدُر").

ص: 496

هذا حديث ضعيف. قال الترمذي: وإسناده مجهول.

قوله: (والتثويب في الفجر: حيَّ على الصلاة حي على الفلاح مرتين بين الأذان والإقامة حسن).

عن مجاهد قال: دخلت مع ابن عمر مسجدًا وقد أذن فيه، ونحن نريد أن نصلي فيه، فثوب المؤذن فخرج عبد الله بن عمر من المسجد وقال:(اخرج بنا من عند هذا المبتدع)، ولم يصل فيه. رواه أبو داود والترمذي.

وعن بلال قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُثَوِّبَنَّ في شئ من الصلوات إلا في صلاة الفجر". أخرجه الترمذي.

ص: 497

والمصنف قال بعد ذلك: (وهذا تثويب أحدثه علماء الكوفة بعد عهد الصحابة رضي الله عنهم لتغير أحوال الناس). وفيه نظر؛ فإن ما أحدث بعد عهد الصحابة لا يكون حسنًا. وقد قال رسول الله: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة". رواه أبو داود والترمذي.

وقال عليه الصلاة والسلام: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد".

وفي رواية: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" أخرجه البخاري ومسلم، وأبو داود.

وما يروى أنه عليه الصلاة والسلام قال: "ما رآه المسلمون حسنًا

ص: 498

فهو عند الله حسن"، الصحيح أنه من كلام عبد الله بن مسعود، ولا يدل على أنه ما رآه بعض المسلمين حسنًا فهو عند الله حسن، وإنما يدل على أن ما رآه المسلمون كلهم حسنًا؛ لأن الألف واللام للعموم بمنزلة كل، وهذا يكون إجماعًا ولا كلام فيه. وإنما الكلام فيما استحسنه بعضهم ومنعه بعضهم.

وما يستدل به من قول عليه الصلاة والسلام: "من سنن سنة خيرٍ واتبع عليها فله أجره ومثل أجور من اتبعه غير منقوص من أجورهم شيئًا. ومن سن سنة شر فاتبع عليها كان عليها وزره ومثل أوزار من اتبعه غير منقوص من أوزارهم شيئًا" أخرجه الترمذي، على أن البدع منها حسن، ومنها

ص: 499

قبيح، وذلك قال عمر رضي الله عنه صلاة التراويح:"نعم البدعة هذه"، فغير مسلم، بل عموم قوله عليه الصلاة والسلام:"كل بدعة ضلالة" لا يخص منها شئ؛ لأن المراد المبدعة الشرعية لا اللغوية. أي كل بدعة لم تشرع في الدين فهي ضلالة.

وصلا التراويح ليست ببدعة شرعية، وإن كانت بدعة لغوية لكونها حدثت بعد الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم بين العذر في ترك المواظبة عليها، وهو خشية أن تكتب علينا، وهذا/ بعده مأمون.

ص: 500

مع أنه لو لم يبين العذر في ترك المواظبة لكان مما سنه الخلفاء الراشدون، وقد أمرنا بإتباعهم فيما سنوه لنا.

وإحداث عثمان رضي الله عنه الأذان الأول يوم الجمعة لم يخالفه فيه أحد من الصحابة، فكان مما رآه المسلمون حسنًا، فيكون ثابتًا بالإجماع، وأيضًا فقد سنه هذا الإمام الخليفة الراشد المهدي فوجب إتباعه. وأما ما حدث بعد الخلفاء الراشدين ورآه بعض الناس حسنًا دون البعض ففيه الكلام.

ص: 501

قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: "يؤذن لكم خياركم").

رواه أبو داود وابن ماجه. وفي سنده الحسين بن عيسى الحنفي منكر الحديث، قاله أبو زرعة وأبو حاتم.

قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام: لابني أبي مليكة: "إذا سافرتما أذنا وأقيما").

إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لمالك بن الحويرث، ولابن عم له، أو صاحب له، وفي آخر الحديث:"وليؤمكما أكبركما"، رواه الترمذي، والنسائي، وأبو داود.

ص: 502

وفي "الصحيحين" عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يومًا- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيمًا رفيقًا- وظن أن قد اشتقنا إلى أهلنا، فسألنا عمن تركنا من أهلنا فأخبرناه. قال:"ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم، ومرورهم فليصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم".

وللبخاري: "وصلوا كما رأيتموني أصلي".

ولمسلم مختصر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي فقال لنا: "إذا حضرت الصلاة فأدنا ثم أقيما، وليؤمكما أكبركما".

وقد اشتبه على المصنف اسم من قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أذناه وأقيما

الحديث"، فنسبه إلى ابني أبي مليكة، وابنا أبي مليكة تابعان:

أحدهما: عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي، مشهور، روى عن

ص: 503

جماعة من الصحابة، وروى له الجماعة كلهم في كتبهم. توفي سنة سبع عشرة ومائة.

وأخوه أبو بكر روى عن عائشة، ومن التابعين عن عبيد بن عمير، وروى عنه ابنه عبد الرحمن وابن جريح وغيرهما. روى له البخاري، وهو من المقلين.

ص: 504