الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الأوقات التي تكره فيها الصلاة
قوله: (في حديث عقبة: "وعند زوالها حتى تزول").
ليس لفظ الحديث كما قال المصنف، وإنما قال:"وحين تقوم قائمة الظهيرة حتى تميل". وليس في معناه قول المصنف: عند زوالها؛ لأن زوالها بعد استوائها، والمكروه الصلاة عند استوائها لا عند زوالها.
قوله: (والمراد بقوله: "أن نقبر" صلاة الجنازة، لأن الدفن غير مكروه).
فيه نظر! لأن الإمام أحمد يقول بكراهة الدفن في هذه الأوقات الثلاثة. وكره الشافعي تحري الدفن فيها؛ لحديث عقبة المذكور، وهو
نص في كراهة الدفن فيها. فإنه يقال: قبره إذا دفنه، وأقبره إذ أعد له قبرًا.
ولا وجه لحمله على صلاة الجنازة؛ لأنه يقال: قبره إذا صلى عليه. وقد عرف حكم كراهة الصلاة عليه في هذه الأوقات الثلاثة من ذكر الصلاة، ودخلت في عمومها بقرينة ذكر الدفن.
قوله: (إلا عصر يومه عند الغروب؛ لأن السبب هو الجزء القائم من الوقت).
قال السروجي: وفيه منع؛ فإنه يجوز أن يكون السبب الجزء الأول وتكون الصلاة في الجزء الثاني والثالث قبل خروج الوقت أداء لا قضاء لبقاء الوقت؛ إذ الواجب موسع. ويمكن أن يقال: إن أجزاء الوقت فارقت خارج الوقت في جعل الواقع فيها أداء، وفي خارج الوقت قضاء. وهذا الاختصاص لصلاحية كل جزء من أجزاء الوقت للسببية.
ثم نقل بعد ذلك بأسطر عن شمس الأئمة السرخسي أنه قال في أصول الفقه: ولا بد من أن يجعل جزء من الوقت سببًا للوجوب، فقلنا: سبب الوجوب الجزء الأول من الوقت، فبإدراكه يثبت حكم الوجوب وصحة أداء الواجب.
قال: هذا معنى ما نقل عن محمد بن شجاع أن الصلاة تجب بأول جزء من الوقت وجوبًا موسعًا، وهو الأصح. وكذال نقله علاء الدين السمرقندي في "الميزان".
وفي "التقويم" لأبي زيد: ومن الناس من ظن أن الأداء لما لم يلزم في أوال الوقت لم يكن وجوب الصلاة متعلقًا بأوله- وإنه غلط- ويتعين وقته بالفعل كالكفارة.
وفي "مختصر البزدوي": الوجوب بأول جزء من الوقت، خلافًا لبعض مشايخنا. انتهى.
وهذا القول هو الموافق لقول سائر الأئمة، وهو الذي يتعين الأخذ به. والكلام في ذلك مبسوط في موضعه.
فإذا عرف أن الصحيح من المذهب أن الصلاة تجب بأول الوقت وجوبًا
موسعًا (استوى) الفجر والعصر، وظهر ضعف دعوى نقصان السبب في حق من أخر العصر إلى اصفرار الشمس، وضعف تفريق المصنف بين صلاة الفجر وصلاة العصر بقوله عن العصر: إنه أداها ناقصة كما وجبت،÷ بخلاف غيرها من الصلوات لأنها وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر، أخرجه الجماعة. وفي رواية للبخاري: "إذا أدرك أحدكم سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته، وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته". والمراد بالسجدة الركعة.
وقال صلى الله عليه وسلم: "تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلًا" رواه مسلم وغيره.
فثبت أنه يكره تأخير الفجر/إلى طلوع الشمس، ولا تفسد بطلوعها فيها. ويكره تأخير العصر إلى غروبها، ولا تفسد بغروبها بل يتمها لأنه مأمور بإتمامها بقوله:"فليتم صلاته" كما تقدم.
والنهي عن الصلاة في ذلك الوقت يحمل على النهي عن ابتدائها فيه لا عن استدامتها توفيقًا بين الدليلين؛ فإنه لم يقل: لا تتموا الصلاة في هذا الوقت. والدوام أسهل منت الابتداء، كما أن العدة تنافي ابتداء النكاح دون بقائه، والإسلام ينافي ابتداء الرق دون دوامه، والذهول عن النية ينافي
ابتداء العبادة دون بقائها، وأمثال ذلك.
قوله: (والمراد بالنفي المذكور في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة الكراهة، حتى لو صلاها فيه أو تلا فيها سجدة فسجدها جاز؛ لأنها أديت ناقصة كما وجبت، إذ الوجوب بحضور الجنازة والتلاوة).
في تعليله نظر؛ فإنه كلام متناقض؛ لأن قوله: لأنها أديت ناقصة كما وجبت يشير إلى أن السبب في حق صلاة الجنازة وسجدة التلاوة هو الوقت الناقص.
وقوله: إذ الوجوب بحضور الجنازة والتلاوة، يشير إلى أن سبب صلاة الجنازة حضور الجنازة، وسبب سجدة التلاوة تلاوة آيتها. وهذا تناقض بين.
والصحيح أن حضور الجنازة سبب لصلاتها، وتلاوة آية السجدة سبب لسجدتها. والوقت ليس بسبب لهما، ولا شرط فيهما، وإنما هو ظرف محض، ولكن ورد النهي عن الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة. وصلاة الجنازة صلاة، وسجدة التلاوة في معنى الصلاة، فدخلتا في عموم النهي.
وقلنا بالكراهة دون عدم الأجزاء لأن النهي لسد الذريعة إلى التشبه بمن يصلي للشمس أو يسجد لها، وإن كان المصلي والساجد لا يقصد ذلك.
فعلى هذا سواء تلا قبل الطلوع وسجد عنده، أو تلا عند الطلوع وسجد عنده فإنه يكره، وكذلك صلاة الجنازة.
قوله: (لأن الكراهة كانت لحق الفرد ليصير الوقت كالمشغول به، لا لمعنى في الوقت).
في تعليله نظر؛ إذ لو كان كذلك لكره التنفل بعد سائر الفروض، ولكره غير الصلاة أيضًا من الأفعال المنافية لصلاة الفرض، ولكان غير الصلاة أولى بالكراهة من الصلاة.
ولكن التعليل الصحيح أن ما يقرب من الشيء يأخذ حكمه، والصلاة عند الطلوع والغروب مكروهة، فكرهت أيضًا بعد الفرض قبلهما سدًا للذريعة. وكان هذا بمنزلة الحريم للوقت [المكروه] والحمى له. كما شبه النبي-صلى الله عليه وسلم بالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه.
قوله: (لأن الوجوب لغيره).
أي لا يصلى بعد صلاة الفجر، ولا بعد صلاة العصر ما وجب لغيره، ويصلى فيهما ما وجب لعينه. والتفريق في ذلك بين ما له سبب وما لا سبب له أولى من التفريق فيه بين ما وجب لعينه وما وجب لغيره؛ لأنه فرق شهد له النص بالاعتبار، وهو:"أن النبي-صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر لما شغله ناس من عبد القيس عنها" متفق عليه.
ففي الحديث دليل على أن السنن تقضى وأن ما له سبب لا يكره فعله في أوقات النهي. ويؤيده قوله-صلى الله عليه وسلم: "لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها". متفق عليه. وفي لفظ: "لا تحينوا"، فيحمل المطلق على المقيد
لأن الحكم واحد.
قوله: (ولا يتنفل بعد الغروب قبل الفرض لما فيه من تأخير الفرض).
فيه نظر؛ فإنه صح عن أنس أنه قال: "كان المؤذن إذا أذن قام الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي-صلى الله عليه وسلم وهم كذلك يصلون ركعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الآذان والإقامة شيء".
وفي رواية: "ولم يكن بينهما إلا قليل".
وفي رواية قال: "كنا بالمدينة، فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري فركعوا ركعتين، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من (يصليهما). أخرج الأولى البخاري والنسائي، والثانية مسلم.
وعن عبد الله بن مغفل المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلوا قبل صلاة المغرب ركعتين"، ثم قال:"صلوا قبل المغرب ركعتين". قال في الثالثة:
"لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة". رواه أحمد، والبخاري، وأبو داود، وأبو حيان/ وزاد:"أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين".
وعنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة". قال في الثالثة: "لمن شاء". أخرجه الجماعة إلا الموطأ. وما قال السروجي: إنما يحمل حديث الركعتين التي كان يصليها الصحابة
رضي الله عنهم قبل المغرب على أول الأمر قبل النهي، أو قبل أن يعلم ذلك رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، فقول بغير دليل.
بل يرده حديث المختار بن فلفل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كنا نصلي على عهد صلى الله عليه وسلم كعتين بعد غروب الشمس قبل المغرب".
قال: فقلت: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم (صلاهما)؟ قال: "كانا يرانا (نصليهما) فلم يأمرنا ولم ينهنا". أخرجه مسلم وأبو داود.
وكذلك قوله فيما تقدم: "حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك".
وأصرح من ذلك كله قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا قبل المغرب ركعتين .... " الحديث كما تقدم ذكره.
قوله: (ولا إذا خرج الإمام للخطبة يوم الجمعة إلى أن يفرغ).
فيه نظر من وجهين:
أحدهما: قوله: (ولا إذا خرج الإمام للخطبة). وسيأتي ما في ذلك من باب الجمعة.
والثاني: أنه ينبغي أن يستثنى تحية المسجد كما قال به الشافعي، وأحمد؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال:"دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، قال: صليت"؟ قال: لا. قال: "فصل ركعتين".
وفي رواية: "قم فاركع". وفي أخرى: "قم فصل الركعتين".
وفي أخرى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليركع ركعتين". أخرجه البخاري ومسلم.
ولمسلم قال: "جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر فقعد سليك قبل أن يصلي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أركعت ركعتين"؟ قال: لا. قال: "قم فاركع".
وفي أخرى قال له: "يا سليك! قم فاركع ركعتين [و] تجوز فيهما".
زاد في أخرى: ثم قال: "إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما".
وما نقله السروجي عن أبي بكر بن العربي من معارضة هذه الأحاديث لقوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون} ، ولقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب: أنصت فقد لغوت".
فجعل الأمر بالإنصات الذي هو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لغوًا محرمًا، فالنفل أولى.
ولأن الخطبة في حكم الصلاة، ولو وجد الإمام يصلي لم يركع، فكذا إذا وجده يخطب.
ورد حديث سليك بأنه خبر واحد يعارضه ما هو أقوى منه، وأصول من القرآن والشريعة، فوجب تركه، أو أنه يحمل على أنه كان قبل نسخ الكلام من الصلاة، أو أنه لما خاطب سليكًا سقط عنه فرض الاستماع؛ لأنه ترك الخطبة في حال تكليمه إياه - وجعل هذا أقوى ما في الباب - أو أن سليكًا لما كان ذا بذاذة وفقر أراد أن يقيمه لترى حاله فيعتبر به، أو يتصدق
عليه، يمكن أن يجاب عنه.
أما ما ذكره من معارضة الآية الكريمة فغير مسلم، وليست الخطبة كلها قرآنًا فيستدل بالآية على وجوب الإنصات لها، وإن كان فيها قرآن، والاستماع لها واجب فيخص منه هذه السورة بالسنة الثابتة الصحيحة.
وما هذا بأول سنة قيدت مطلق الكتاب، أو خصصت عمومه، وليس هذا من باب المعارضة.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب: أنصت فقد لغوت" فالمراد الحض على الإنصات وترك الكلام وإن كان من باب الأمر بالمعروف، لا ترك هذه الصلاة التي ورد الأمر بها، فيكون هذا الحديث مقيدًا لإطلاق هذا الحديث.
وأما كون الخطبة في حكم الصلاة، فليست في معنى الصلاة من كل وجه حتى يكون من وجده يخطب كمن وجده يصلي، بل كان النبي/ صلى الله عليه وسلم يسأل في الخطبة ويجيب، ........................
ويأمر وينهى.
وأما قوله عن حديث سليك: إنه خبر واحد؛ فقد تقدم أنه حديث ثابت صحيح تلقته الأمة بالقبول، وعمل به من بلغه.
وأما حمله على أنه كان قبل نسخ الكلام في الصلاة، فنسخ الكلام لا يلزم منه نسخه في الخطبة، وإنما يحرم الكلام على المستمع للخطبة لأجل الاستماع لها، وأما على الخطيب فلا.
فقد كان صلى الله عليه وسلم يقطع الخطبة لحاجة تعرض له، أو لسؤال أحد من الصحابة ثم يعود إلى الخطبة.
وربما نزل لحاجة ثم عاد فأتم الخطبة، كما نزل لأخذ الحسن والحسين فأخذهم ثم رقى المنبر فأتم الخطبة. وكان يقول:"يا فلان اجلس، يا فلان صل". ولم يرد لهذا ناسخ.
وأما قوله: إنه لما خاطب سليكًا سقط عنه فرض الاستماع؛ لأنه خطبة في حال تكليمه إياه. فالجواب أنه إنما كلمة قبل صلاته، ولم يكلمه في حال الصلاة.
بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في حال صلاة الرجل كما في السنن من حديث أبي سعيد الخدري وصححه الترمذي، ولفظه:"أن رجلا جاء يوم الجمعة في هيئة بذة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فأمره فصلى ركعتين والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب".
وقوله: إن هذا أقوى دليل في الباب. تبين ضعف الكل؛ لأنه إذا كان هذا الأقوى واهيًا فكيف بغيره؟!.
وأما قوله: إن سلكًا كان ذا بذاذة فأراد أن يقيمه لترى حاله، فلو كان هذا المعنى هو المراد لم يأمره بفعل ما لا يجوز.