المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الغسل - التنبيه على مشكلات الهداية - جـ ١

[ابن أبي العز]

الفصل: ‌فصل في الغسل

‌فصل في الغسل

قوله: (بدليل قوله عليه -[الصلاة و] السلام -: "إنهما فرضان في الجنابة، سنتان في الوضوء"). يعني المضمضة والاستنشاق. قال السروجي: لا يعرف هذا الحديث. انتهى.

فإن قيل: هذا الحديث رواه أصحابنا وهم ثقات؟.

فالجواب: إنهم وإن كانوا ثقاتًا فبينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم -مفاوز لابد فيها من الإسناد، والإسناد من خصائص دين الإسلام، به حفظ الله الدين.

قال عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. فإذا سئل عمَّن؟ بقي. انتهى. أي دام الدين واستمر، وإلا

ص: 296

ذهب إذا لم يسند الحديث، بل قال من شاء ما شاء. وقال أيضًا: بيننا وبين القوم القوائم. يعني الإسناد. جعل الحديث كالحيوان لا يقوم بغير إسناد، كما لا يقوم الحيوان بغير قوائم.

وحكى أبو إسحاق الطالقاني قال: قلت لابن المبارك: الحديث الذي جاء: "إن من البر أن تصلي لأبويك مع صلاتك، وتصوم لهما مع صومك"، فقال ابن المبارك: عمن هذا؟ قلت: من حديث شهاب بن خراش، قال: ثقة. عمن؟ قلت: عن الحجاج بن

ص: 297

دينار. قال: ثقة. عمن؟ قلت: قال رسول صلى الله عليه وسلم. قال: يا أبا إسحاق! إن بين الحجاج بين دينار وبين النبي صلى الله عليه وسلم -مفاوز تنقطع فيها أعناق المطي، ولكن ليس في الصدقة اختلاف. والحجاج بن دينار من تابعي التابعين، فكيف بمن بعده! وهذا إنما ينفع عند بحث أهل المذهب بعضهم مع بعض، وأما مع المخالف فلا يكون حجة حتى يثبت؛ لأن المنقولات لا يميز بين صدقها وكذبها إلا بالطرق الدالة على ذلك، وإلا فدعوى النقل المجرد بمنزلة سائر الدعاوى. والمرجع في التمييز من هذا وهذا إلى أهل العلم بالحديث، فلكل علم رجال يعرفون به.

ص: 298

وقال السروجي في شرحه: وروى/ أبو بكر الرازي عن خالد الحذاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة: "أنه عليه الصلاة والسلام -جعل المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثًا فريضة".

وانعقد الإجماع على إخراج اثنتين منها عن الفرض، فبقي مرة واحدة حتى لا يلزم ترك النص. انتهى. وهذا استدلال ضعيف لوجهين:

ص: 299

أحدهما: أن هذا الحديث قال ابن الجوزي: إنه حديث موضوع. وقال الدارقطني: هذا باطل، لم يحدث به غير بركة بن محمد، وببركة هذا يضع الحديث. والصواب حديث وكيع الذي كتبناه قبل هذا مرسلاً عن ابن سيرين عن النبي صلى الله عليه وسلم:"أنه سن الاستنشاق في الجنابة ثلاثًا". وتابع [وكيعًا] عبيد الله بن موسى وغيره.

الثاني: قوله: انعقد الإجماع على إخراج اثنين منها عن الفرض، فإن الإجماع لا ينسخ الكتاب ولا السنة عند جمهور العلماء، وإنما شذت

ص: 300

طائفة وجوزته، وهو باطل؛ لأنه لا نسخ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإسقاط اثنين من ثلاث بمنزلة إسقاط الثلاث؛ لأنه اسم خاص.

وقال السروجي أيضًا: وفي الدارقطني عن ابن سيرين، قال:"أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم -بالاستنشاق من الجنابة ثلاثًا"، وفيه عن ابن عباس:"فإذا نسي المضمضة والاستنشاق إن كان جنبًا أعاد المضمضة والاستنشاق واستأنف الصلاة". انتهى.

وهذا استدلال واه، لأن الأول مرسل ضعيف، والثاني موقوف

ص: 301

ضعيف؛ فإنه يرويه الحجاج بن أرطاة، عن عائشة بنت عجرد، عن ابن عباس. والحجاج بن أرطأة ليس بحجة، وعائشة بنت عجرد زعم بعضهم أن لها صحبة، وليس ذلك بصحيح، بل هي امرأة لا يعرف من حالها ما يوجب قبول خبرها، ولم يثبت سماعها من ابن

ص: 302

عباس. وقال الدارقطني: لا تقوم بها حجة. وقال الشيخ أبو الحجاج المزي/ روت عن رجل عن ابن عباس، وروى أبو حنيفة عن رجل عنها.

ومن الأصحاب من استدل لفريضة المضمضة والاستنشاق في الغسل بحديث أبي هريرة رضي الله عنه -أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -قال: "تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشرة" رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه. قال

ص: 303

الأصحاب: وداخل الفم بشرة، وداخل الأنف شعر فيجب غسله. وهذا الحديث في سنده الحارث بن وجيه، قال أبو داود: حديث منكر وهو ضعيف. وكذلك قال أبو حاتم. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن حبان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير.

ويغني عن هذه التعسفات الاستدلال بقوله [تعالى]: {وإن كنتم جنبًا فاطهروا} ، فإنه يقتضي غسل كل ما يمكن غسله من البدن بلا (حرج)، وداخل الفم والأنف غسله ممكن بلا (حرج).

ص: 304

قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام لأم سلمة رضي الله عنها: "يكفيك إذا بلغ الماء أصول شعرك").

حديث أم سلمة رواه مسلم، وأهل السنن الأربعة، وليس فيه هذا اللفظ الذي ذكره المصنف. وإنما لفظه أن أم سلمة قالت: كنت امرأة أشد ضفر رأسي، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم -فقال:"إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، أو ثلاث حنفات ثم تفرغي عليك، فإذا أنت قد طهرت").

ص: 305

قوله: (والجنابة في اللغة خروج المني على وجه الشهوة).

الجنابة ليست خروج المني، بل هي تحصل بخروج المني، فكانت غيره. وإنما هي من البعد؛ لأن الرجل إذا قضي شهوته يجانب المرأة أي يعرض عنها وتنوء بجانبه، ولا يقال: بعد الماء عن محله جنابة؛ لأنه لو كان كذلك لقيل: أجنب الماء. وإنما يقال: أجنب الرجل.

قوله: (والحديث محمول على الخروج عن شهوة).

يعني قوله صلى الله عليه وسلم: "الماء من الماء". وفيه نظر؛ لأنه لابد من بيان السبب الموجب للحمل وإلا فذلك مجرد دعوى. وأقوى منه أن الحديث منسوخ؛ لما روى سهل بن سعد الساعدي عن أبي بن كعب رضي الله عنهما -أنه قال: إن الفتيا التي كانوا يقولون: "الماء من الماء" كانت رخصة كان عليه السلام -رخص

ص: 306

بها في أول الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعدها. رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

وعن رافع بن خديج رضي الله عنه -قال: ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم -وأنا على بطن امرأتي فقمت ولم أنزل، فاغتسلت وخرجت، فأخبرته فقال:"لا عليك،/ الماء من الماء". قال رافع: ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم -بعد ذلك بالغسل. رواه أحمد. وهو حديث ضعيف، ولكن يصلح للاعتضاد لا للاعتماد.

وعن الزهري قال: سألت عروة عن الذي يجامع ولا ينزل فقال: نول الناس أن يأخذوا بالآخر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. حدثني عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -كان يفعل ذلك ولا يغتسل، وذلك قبل فتح مكة، ثم اغتسل

ص: 307

بعد ذلك وأمر الناس بالغسل". رواه أبو حاتم البستي، والدارقطني.

قوله: (والتقاء الختانين من غير إنزال لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا التقى الختانان وغابت الحشفة وجب الغسل، أنزل أو لم ينزل").

هذا الحديث ضعيف، والصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -أنه قال:"إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل". متفق عليه. وعند مسلم وأحمد: "وإن لم ينزل". وفي رواية البيهقي "أنزل أو لم ينزل".

ص: 308

وعن عائشة رضي الله عنها -عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل" رواه مسلم. وعنها رضي الله عنها: "إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل، وفعلته أنا ورسول الله فاغتسلنا". رواه الترمذي وصححه.

قوله: (وقال مالك: هو واجب). يعني غسل الجمعة. وليس ذلك مذهب مالك رحمه الله.

قال ابن عبد البر: أجمع علماء المسلمين قديمًا وحديثًا على أن غسل الجمعة ليس بفرض واجب. انتهى.

ولكن أصحاب مالك يسمون ما تأكد استحبابه وكره تركه سنة واجبة، ولهذا قالوا: غسل الجمعة سنة واجبة، والأضحية سنة واجبة، والعقيقة

ص: 309

سنة واجبة، وطواف القدوم سنة واجبة. وإنما قال بوجوب غسل الجمعة أهل الظاهر، وهو رواية عن أحمد، وهو مروي عن أبي هريرة، وعمار بن ياسر رضي الله عنهما.

قوله: (والودي: الغليظ من البول يتعقب الرقيق منه خروجًا، فيكون معتبرًا به. والمني خائر ينكسر منه الذكر. والمذي رقيق يضرب إلى

ص: 310

البياض يخرج عند ملاعبة الرجل أهله. والتفسير مأثور عن عائشة رضي الله عنها).

لا يعرف هذا التفسير عن عائشة رضي الله عنها، وإنما يذكره أهل اللغة وغيرهم.

* * *

ص: 311