الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل العاشر
في معنى الحديث
قوله: "فكأنما صام السنة" قد فُسِّر في حديث ثوبان، وحاصله أن الله عز وجل قال:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [سورة الأنعام: 160]، فعُلِم منه أن من صام شهر رمضان عشرةَ أمثالِه فكأنه صام عشرةَ أشهر بغير تضعيف، فيبقى من السنة شهران، فإذا صام ستة أيام من شوال كانت بعشرة أمثالها، وذلك ستون يومًا، فذلك تمام السنة ..
وأما قوله: "فكأنما صام الدهر" فالمراد بالدهر هنا عمره من حين تكليفه إلى وفاته، وذلك يحصل له بأن يصوم في كل سنةٍ من عمره رمضانَ وستة أيام.
بقي أن يقال: فلو صام ستة أيام من غير شوال من الشهور أو فرَّقها، لحصل له أيضًا ستون بمقتضى الآية، فلماذا قُيِّدت في الحديث بقوله:"وأتبعَه بستٍّ من شوال"؟
وقد أُجيب عن هذا بما حاصله: أن الحسنات وإن كانت سواءً في أن كلًّا منها بعشر أمثالها، فإنها تتفاوت في القدر، فاليوم من رمضان وإن كان كاليوم من جمادى في تعشير الجزاء، لكن اليوم من رمضان حسنة عظيمة، فهو بعشرة أمثاله كلها عظيمة، واليوم من جمادى حسنة دون تلك، فعشرةُ أمثالها كلها دون تلك.
فمعنى الحديث أن الله عز وجل تفضَّل على عباده فجعل صوم ستٍّ من
شوال بحسب ما ورد في السنُّة يُساوي ستًّا من رمضان في الفضل لا في الفرض، أي أن الثواب كالثواب في القدر. وعلى هذا فصيام ستة أيامٍ غيرِها لا يحصل بها المقصود، بل لو صام ستين غيرَ مشتملةٍ على المنصوصة لم يحصل له مثلُ ثواب من صام الستَّ المنصوصة.
وبناءً على هذا المعنى استُشْكِل الحديث، قال الطحاوي: "فقال قائل: وكيف يجوز لكم أن تقبلوا مثلَ هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما فيه أن صوم غير رمضان يَعدِلُ صومَ رمضان
…
" (3/ 120)
(1)
.
ثم أجاب عن ذلك بما حاصله: أن فضل الله عز وجل واسعٌ، لا حَجْرَ عليه.
أقول: وقد يقال في حكمة ذلك: إن الصيام زكاة البدن، وقد تكون الزكاة العُشر كما في زكاة الزروع والثمار، فكأنه في علم الله عز وجل أن الحكمة تقتضي أن يُفْرَض على المكلف صيامُ عُشرِ عمرِه. [ص 15] ولما كان المشروع في الصيام التتابع، فلو وجبتْ لوجب وصلُها برمضان، ولكن عارض ذلك من الرحمة والحكمة ما اقتضى التخفيف، فخفَّف سبحانه ستة أيام فلم يفرضها، بل ندبَ الناسَ إلى صيامها. ولكن لما اقتضت الحكمة إيجابَ فِطر العيد أوجبَ فِطْرَه، وندبَهم إلى صيامها عقبَه، واقتضى فضلُه وكرمه أن لا يخفِّف من ثوابها، بل من صامها يكون له مثلُ أجرها لو كانت مفروضةً.
ونظير ذلك ما ورد أن فضل الفرض يَعدِل سبعين من فضل النفل، وقد
(1)
(6/ 126) ط. الرسالة. وانظر "المفهم" للقرطبي (3/ 236، 237).
ورد أن صلاةً بسواكٍ تعدِل سبعين صلاةً بغير سواك
(1)
. وسِرُّه: أنه كان حقُّ السِّواك الوجوب، كما صحَّ عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:"لولا أن أشُقَّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"
(2)
أي أمرَ إيجاب، فخفَّف الله عز وجل على الأمة، فلم يُوجب السِّواك ولكنه أبقى أجره على حاله لو كان واجبًا.
وقريبٌ منه شأن العيد، وقد كتبتُ فيه مقالةً
(3)
حاصلُها: أن العيد يوم زينة كما سُمِّي في كتاب الله عز وجل
(4)
، والزينة يَلْحقُها اللهو، وقد عُرِف من الشريعة أنها رخَّصت في اللهو ــ كضرب الدفّ والغناء الذي لا رِيبةَ فيه وغير ذلك ــ في النكاح والختان والقدوم من الغزْو. والسرُّ في ذلك: أن هذه المواضع يحصل لأصحابها فرح طبيعي، فاقتضت الحكمة أن يُرخَّصَ لهم فيما يقتضيه فرحُهم. ولما كان يوم العيد يومَ زينة ولهوٍ اقتضت الحكمة أن يُختار له يوم يحدث فيه بطبيعة الحال فرحٌ عام، وهذا متحقق في عيد الفطر، فإنه يحدث فيه بطبيعة الحال فرحٌ عام، لخروج الناس من حبْس الصوم.
ثم نظرتُ في عيد الأضحى، فلم أره يتحقق فيه ذلك إلا للحجّاج، لخروجهم من ضيق الإحرام. ثم ذكرتُ ما صحَّ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما خطب الناس فقال:"إن الله قد فرضَ عليكم الحج فحُجُّوا". قال رجل: أكلَّ عامٍ يا رسولَ الله؟ فسكتَ، ثم عاد فعادَ الرجل، حتى كانت الثالثة قال: "لا، ولو
(1)
أخرجه أحمد (26340) وابن خزيمة (137) والحاكم في "المستدرك"(1/ 145، 146) والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 38) من حديث عائشة. وإسناده ضعيف.
(2)
أخرجه البخاري (887) ومسلم (252) من حديث أبي هريرة.
(3)
بعنوان "فلسفة الأعياد في الإسلام" ضمن هذه المجموعة.
(4)
في سورة طه: 59 {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ} .
قلتُ نعم لوجبتْ"
(1)
.
فظهر لي أن الحكمة كانت تقتضي وجوبَ الحج على كل مسلمٍ كلَّ سنة، وأيَّد ذلك إيجاب الاجتماع على أهل المحلة في الجماعة كل يوم خمس مرات، وعلى أهل البلدة في الجمعة، فكان يناسب ذلك إيجابَ اجتماع جميع المسلمين ولو مرةً في السنة وذلك الحج، ولكن عارضَ ذلك ما فيه من المشقَّة وضياع كثير من المصالح، فخفَّف الله عز وجل عنهم وجعل الفرض على كلٍّ منهم مرةً في العمر، لأنه يحصل بذلك اجتماعُ جمعٍ كبير مشتمل على جماعةٍ من كلِّ جهة. واقتضى فضلُه وكرمه أن لا يمنع غيرَ الحجاج مما كانوا يستحقون الترخيصَ فيه ــ لو وجبَ عليهم الحجُّ فحجُّوا ــ من الزينة واللهو.
ويظهر من قضية السواك والحج أنه لِتعارُضِ الحكمة في اقتضاء الوجوب وعدمه جعل الله تبارك وتعالى الخِيرَةَ لرسولِه: إن شاء اختار الوجوب فيكون ذلك واجبًا بإيجاب الله تعالى، وإن شاء خفَّف. فاختار صلى الله عليه وآله وسلم التخفيف، ولذلك علَّق صلى الله عليه وآله وسلم الوجوبَ فيهما على مجرد أمره وقوله، فتدبَّرْ. وتمام هذا في مقالة العيد.
وقد يظهر من هذا أن أجر حجّ التطوع مثل أجر حج الفريضة، ولا حَجْرَ على فضل الله عز وجل. ويدلُّ عليه إطلاق الأحاديث في فضل الحج، بخلاف الصلاة والصيام، فإن فيها أحاديث في فضل الفرض وأحاديث في فضل النفل، والله أعلم.
(1)
أخرجه مسلم (1337) من حديث أبي هريرة.
الرسالة الثامنة والعشرون
جواب الاستفتاء عن حقيقة الربا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى.
قبل سنين نشر بعض الفضلاء في حيدراباد الدكن ــ إحدى مدن الهند ــ رسالة بعنوان "الاستفتاء في حقيقة الربا" أجلبَ فيها بخيله ورَجِلِه لتحليل ربا القرض. وأُرسِلتْ من طرف الصدارة العالية (مشيخة الإسلام) في حيدراباد إلى علماء الآفاق ليُبدوا رأيهم فيها، وأنا مطلع على المقصود من تأليفها ونشرها، ولا حاجة الآن إلى ذِكر ذلك.
وراجعتُ حينئذٍ مؤلفَها في بعض المباحث، وأردت أن أجمع جوابًا عنها. ثم وردتْ بعض الأجوبة من علماء الآفاق، وأجود ما اطلعت عليها جواب العلامة الجليل مولانا أشرف علي التهانوي
(1)
، فاستغنيتُ بذلك. ثم تنبَّهت بعد ذلك لدقائق في أحكام الربا وحِكَمه، حتى وقفتُ أخيرًا على كلام للشاطبي في "موافقاته"، فاتَّجهتْ همتي إلى تقييد ما ظهر لي. وأسأل الله تبارك وتعالى التوفيق والهداية إلى سواء السبيل بمنّه وكرمه.
* * * *
(1)
بعنوان "كشف الدجى عن وجه الربا"، وقد حرَّره الشيخ ظفر أحمد التهانوي تحت إشرافه، وفرغ منه في 24 من ذي الحجة سنة 1347. وهو ضمن مجموعة فتاواه "إمداد الفتاوى" (3/ 179 - 301) ط. كراتشي.
[ص 7] [
…
]
(1)
يكون له حكمة واحدة [
…
] في إدراك الحكم، فقد يدرك أحدهم حكمة، وتخفى على غيره [وقد يدرك] الرجلان الحكمة، ولكن أحدهما أتم إدراكًا لها من الآخر، وذلك لكثرة ما يتفرغ [للبحث عنها].
ومثال ذلك أن من مفاسد الزنا الجهل بالأنساب، فالمفاسـ[ـد
] بالأنساب كثيرة، والناس متفاوتون في إدراكها، وعسى أن يكون منها ما [ما يظهر للناس، و] للزنا مفاسد أخرى قد تخفى على بعض الناس أو جميعهم، فالعدوى بـ[الأمراض الخبيثة لم تكن معلومة في الماضي،] وإنما علمت أخيرًا.
ومن الأحكام ما لا يدرك الناس له حكمة أصلًا.
وللبحث عن الحكم بواعث:
الأول: وهو أعظمها، بحث العلماء لأجل قياس ما لا نصَّ فيه على ما فيه نص، فإذا [وجد الحكمة] في شيء، ثم وجد تلك الحكمة بتمامها في شيء آخر غيرِ منصوصٍ حَكَم بتحريمه، وهكـ[ـذا].
الثاني: البحث ليتأكد الإيمان، وهذا محمود إذا كان الباحث راسخًا في الـ[ـعلم، فإنه إن] ظهرت له الحكمة زادته طمأنينة، وإن لم تظهر له أحال
(1)
الورقتان الأوليان من الأصل ذهبت أطرافهما، فسقطت كثير من الكلمات والجمل، وقد وضعنا المعكوفتين للإشارة إلى هذه المواضع واقترحنا أحيانًا بعض الكلمات التي تُكمل النقص.
ذلك على قصور فهـ[ـمه، وأحال الحكمة] إلى علم الشارع سبحانه وتعالى، وأنه من المعلوم المحقق أنه عز [وجل
…
] الحكم ما لا تصل إليه أفهام الناس.
الثالث: البحث ليزداد علمه، وهذا كالثاني، أو هو هو.
الرابع: البحث لترغيب الناس في الطاعات، وتحذيرهم من المعاصي [فإذا علموا] مصالح المأمور به، ومفاسد المنهي عنه، كان ذلك أدعى لانقياد [هم، فإن معرفة] الباعث من الحكماء الربانيين الذين يدركون حكمة الله تعالى في [الأمر والنهي] ينبغي أن يكون الإظهار.
فإنه إذا قال الواعظ: إن حكمة تحريم [الزنا الوقاية] من العدوى بالأمراض الخبيثة، أوشك أن يقول [
] وقد شهد لها الطبيب [
…
].
[ص 8] [
…
] إجلاله، فيعذبهم [
…
] الجهل بالأنساب [
…
] على أن لا يحملن [
…
] أولاد [
…
] بعلة التناسل يؤدي إلى ضعف [
…
].
ومن مفاسده [
…
] إما أن لا يتزوج [البتةَ] وإما أن يترك زوجته، ويذهب للزنا، وبذلك يفسد ما بين الزوجين [
…
] محل الوفاق، ويوشك أن يدع الرجل امرأته وأطفاله وأباه وأمه، [ويوشك أن
يدفع] ماله لإحدى البغايا، وعسى أن تقلده امرأته وبنوه وجيرانه.
ويسترسل [بحيث] يحيط بجميع صور الزنا.
ويختم بنحو ما بدأ به، فيذكر أنها قد بقيت حِكَم [، وأن هناك] حِكَمًا لا يعلمها، وأنّ المقصد الأعظم هو ابتلاء الله عز وجل لعباده ليظهر ما ينطوي [عليه القلب] من الإجلال والمحبة له، والخوف منه، أو عدم ذلك.
[وينبغي أن تعرف] الحكمة للرد على الطاعنين في الإسلام، كالطاعنين بتحريم لحم الخنزير، وإباحة الطلاق [والزواج] من أربع أزواج، وشرع الرق، ونحو ذلك.
[
…
] شرط أن يقرر المجيب أولًا أنه قد ثبت عندنا بالقواطع وجود الخالق عز وجل بصفاته [
…
] ونبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أن كل ما جاء به عن ربه فهو حقٌّ قطعًا، وأنه جاء بهذا الحكم [
…
] عن الله قطعًا، والله تعالى أحكم الحاكمين، المحيط بكل شيء علمًا.
فحرمة لحم الخنزير ثابت عن الله تعالى [، وحكمةُ] ذلك ابتلاء عبيده، فإذا لم يعرف البشر حكمة أخرى، فأين يكون علمهم من علم الخالق عز وجل.
[
…
] للطاعن أن يناظر علماء الإسلام في هذه المقدمات.
[
…
] التي بعدها إلى آخرها، فإنهم مستعدون لإثباتها بالقواطع، فإذا أثبتوها [
…
] أصله.
[
…
] لا يعلم مضرة في أكل لحم الخنزير، وإن لم تُقنِعه براهينهم على تلك المقدمات [
…
] أن يظهر أن في أكله مضرة أو
مضار.
[
…
] يذكر ما استطاع ذكره من المفاسد في أكل لحم الخنزير.
[
…
] مضرة أوأكثر، فقد لا تقنع الطاعن، فيبقى مصرًّا على زعمه أنه قد طعن في الإسلام.
[
…
] طلع على الطعن، والجواب من عوام المسلمين وغيرهم، قد لا يقنعه الجواب، فيقع [
…
] طعن متوجه، وأنه يدل على بطلان الإسلام. فليتنبه لهذا.
[ص 5] الثمن
(1)
مكافئًا للمبيع، وخيرًا له منه، وإن المشتري كا [
…
].
وعلى هذا فإذا تحقق الرضا حكم بأن العوضين متكا [فئان
…
].
الثانية: أن ننظر إلى ما يقتضيه الحال و [
…
] بيد الرجل سلعة باعها بدون قيمة المثل لجهله بها مثلًا [
…
] حكم بأن العوضين غير متكافئين.
الثالثة: أن ننظر إلى ما هو أدق من هذا، فنقول: إذا كان لرجل أرض فزرعها [
…
] ثمرتها، فقد يقال: ينبغي أن يحسب قيمة البِذْر وأجرة العمل، ويحطّ من ذلك ما استفاده منها في أثناء
(1)
يبدو أن هنا خرمًا بقدر ورقة أو ورقتين.
السنة، فما [بقي] فهو قيمة الثمرة، فليس له أن يبيعها بأكثر من ذلك، فإن اشتراها تاجر منه، وجلبها إلى بلد آخر، وأراد أن يبيعها، فإن كان اشتراها بالقيمة، فله أن يضم إليها مقدار أجرته في الابتياع والحمل والنقل [
…
] أكثر من ذلك.
وإن كان اشتراها بأنقص من القيمة [
…
] صاحب الزرع تبرع منه له، فلا يلزمه أن لا يحسبه.
ويمكن أن يقال: من تبرع [
…
] فعليه أن يتبرع به.
وإن كان اشتراها بأكثر من القيمة فتلك زيادة ظلم بها [
…
] غير من ظلمه.
فقد يظهر للناظر أن الطريق الثالث هي العدل المحض، وأن الثانية بعيدة عن العدل، وإن [
…
].
ولكن الثالثة يكثر فيها الخفاء وعدم الانضباط، وإناطة الحكم بها تؤدي إلى ضيق المعاملة [
…
] إلى رغبة النا [س عن الزراعة] والصناعة والتجارة، ويؤدي ذلك إلى تأخر الحضارة، بل ربما أدَّى إلى خراب الدنيا.
وهكذا الثانية، وإمكان الظهور والانضباط عليها يكون في شيء دون آخر.
فلهذا كان الحكمة حق الحكمة أن يناط الحكم بالتراضي، على أن في نوط الحكم به مصالح أخرى، منها: [
…
] وتربية العقول.
ولكن دلالة الرضا على المكافأة تختلف باختلاف العقول والأفهام،
وذلك اختلاف لا ينفـ[ـي
…
] فنِيطَ الحكم بالبلوغ والعقل.
ومن العلماء من يضمُّ إلى ذلك أن لا يكون [المشتري] مضطرًّا إلى العوض كمن اشتد به الجوع، فاشترى رغيفًا بدينار، والحال أن [
…
] في تلك البقعة دانق مثلًا.
ومنهم من يستثني الغبن الفاحش فيرد به، ومنهم [
…
] المسترسل، وهو من يحسن الظن بصاحبه، فيرى أنه لن يحاول أن يغبنه، وقـ[ـد قيل:] "غَبْنُ المسترسل ربًا".
[ص 6] [
…
] عشرة دراهم من مال المشتري [
…
].
وباعتبار الثانية [
…
] هم من مال بالباطل.
وباعتبار الطريقة الأولى لم يأكل [
…
فأفهمت الآية أن [
…
].
الإجارة: يأتي فيها نحو ما تقدم في البيع.
ولننظر الآن في الربا، ونُقدِّم أشهر ما يطلق عليه ربا، وهو الزيادة المشروطة في القرض، [
…
] عشرة دراهم بشرط أن يقضي أحد عشر.
فهذا الدرهم ظلم وباطل، ولا مُلْجِئ ههنا إلى اعتبار [
…
] إنما اعتبر في البيع للخفاء، وعدم الانضباط في الطريقين الأخريين، وما ينشأ عنهما من المفسدة [
…
] غير موجود في القرض.
[
…
] يحاول بها إثبات أن الربا ليس بظلم. [
…
] رضا، ويقول بعضهم: أرأيت لو وهب الرجل ماله لآخر، فأخذه، أيكون الأخذ ظلمًا؟
[والجـ]ـواب: أن الرضا هنا ليس كالرضا في الهبة، [ألا] ترى أن الرجل لا يأخذ بالربا إلا مضطرًّا، ولو وجد من يعطيه بغير ربًا لما أخذ من المُرِبي، ولو خيَّره [المـ]ـقرض بين أن يعطي ربًا أو لا يعطي، لاختار عدم الإعطاء.
فإن قيل: ولكن الرضا هنا كالرضا في البيع سواء، فإن البائع في المثال المتقدم لو خيَّر المشتري بين أن يعطي عشرة أو عشرين، لاختار العشرة، ولو خيّره المشتري بين أخذ عشرين أو ثلاثين، لاختار الثلاثين.
والجواب: أننا قد قررنا الفرق آنفًا، وهو أنه كان مقتضى العدل في البيع اعتبار الطريقة الثالثة، فإن لم تكن فالثانية، ولكن لخفائهما وعدمِ انضباطهما وما ينبني عليهما من المفاسد نِيطَ الحكم بالرضا. وهذا المعنى منتفٍ في القرض.
فإن قيل: فإنه يوجد في القرض ما يُشبِه هذا المعنى، وهو أن المنع من الربا يؤدي إلى امتناع الناس عن الإقراض.
قلنا: فقد مضت قرون زاهرة على المسلمين لم يمتنعوا فيها عن القرض بدون رِبا.
ولماذا يُؤثِر الرجل الممنوع من الربا كنزَ دراهمِه على دفعها لأخيه، ينتفع بها ويردها في وقتها، مع وثوق لدافع بالقضاء، كأن استوثق برهنٍ أو ضامنٍ، أو وثقَ بوفاء أخيه. مع ما يحصل في ذلك للمقرض من الأجر والشكر وغير ذلك من المنافع، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
على أن خشية امتناع الناس عن القرض لا يوازي خشية تقاعدهم عن الزراعة والصناعة والتجارة، وما يلزم من خفاء المناط، وعدم انضباطه في البيع من كثرة التشاجر والتنازع، وتحيُّر الحكام، وغير ذلك.
[ص 9] الشبهة الثانية: أن هناك فائدتين [تحصلان للمستقرض من القرض
…
] أو نحو ذلك [
] بذلك القرض [
…
].
الجواب عن الفائدة الأولى: أن ما حصل للمقرض من [النفع
] المال الذي استقرضه.
[وحينئذ] فالقضاء
…
] ولو فرض أنه صبر على الجوع والعري حتى وجد مالًا، [فإن
].
وجواب آخر: وهو أن دفع حاجة المضطر مما يوجبه الإسلام، وسائر الشرائع تقتضيه [
…
] إذا كان دفع حاجته لا يوجب نقصانًا ما على الدافع، وههنا كذلك، فإن الدافع إن كان يريد خَزْنَ ماله لو لم يقرض فهو عند المستقرض كأنه في خزانة، بل إن القرض أنفع للمستقرض كما سيأتي، وإن كان يريد أن يتجر فيه، فلا يدري أيربح فيه في مثل مدة القرض،
أم يخسر؟ بل لعله يتلف المال في يده وضمانه. وإن كان يريد أن يصرفه في حوائجه فواضح أن إقراضه أنفع له؛ لأنه يبقى محفوظًا.
والجواب عن الفائدة الثانية: أنها خاصة بما إذا استقرض ليتجر.
ثم نقول: من المحتمل أن يربح أو أن يخسر، فإن رَبِح فهذا الربح في مقابل تعبه، وفي مقابل مخاطرته بأخذ ذلك المال، والتصرف فيه في ضمانه مع احتمال أن يتلف عليه، فيضيع تعبه، ويخيب أمله، ويضطر مع ذلك إلى أن يبيع حلي زوجته أو عقاره أو بيته ليوفي دينه.
وإن خسر فالأمر أوضح.
الشبهة الثالثة: أن هناك مضرّتينِ يتحملهما المقرض بسبب القرض:
الأولى: مخاطرته بإخراج ماله عن يده، وربما يتلف المال عند المستقرض، ويفلس ويموت، فيضيع المال.
الثانية: أن المقرض لو لم يُقرِض ذلك المال فربما اتَّجر فيه لنفسه وربح.
الجواب عن الأولى: أنه يمكن التخلص منها بأخذ رهنٍ، أو ضمانة، فإن أخذ ذلك زالت المخاطرة، وإن لم يأخذه وكان يمكنه ذلك فهو المقصِّر. وإن لم يكن يمكنه فإن كان يعلم أن للمستقرض أموالًا يمكن الأداء منها فلا مخاطرة، وإلا فهذه المخاطرة في مقابل مخاطرة المستقرض التي تقدمت.
وإذا وازنّا بينهما نجد مخاطرة المستقرض أشدَّ، لأنه مخاطر بضرورياته، كالعقار والبيت ونحوه، ومخاطرة المقرض قاصرة على المال
الذي أقرضه، والغالب أنه يكون فاضلًا عن ضرورياته.
والجواب عن الثانية: أنه لا يخلو أن يكون المقرض يريد أن يتجر بذلك المال لو لم يقرضه، أو يريد أن يخزنه، فإن كان يريد أن يخزنه فلم يفته بالقرض ربحٌ أصلًا.
وإن كان يريد أن يتجر فيه فإنه يكون بالاتجار مخاطرًا بين أن يربح، وبين أن يضيع تعبه، ويخيب أمله، ويخسر من رأس المال، أو يتلف المال أصلًا.
[
…
المقرض] من التعب، ومن المخاطرة، مع فوائد أخرى حصلت له كما سيأتي.
فليكن هذا [
…
].
[ص 10] [
…
] [من المستقرض وغيره].
4 -
ما ينشأ عن ذلك من الجاه والقبول.
5 -
ما يترتب عن ذلك من منافع لا تحصى.
6 -
ربما يحتاج في مستقبله إلى الاستقراض [
…
].
7 -
المال معرض للتلف، فإن بقي عنده وتلف لم يضمنه له أحد [
…
المستقرض كان مضمونًا في ذمته].
8 -
[
…
] تحت يد المقرض لوقع فيه يصرفه [
] كان محفوظًا عن ذلك.
9 -
كثيرًا ما يحتاج صاحب المال [
…
] [من سرقة أو نهب] أو غير ذلك، وإذا أودعه كان أمانة عند الوديع لا يضمنه إذا تلف [
…
] كان مضمونًا على المستقرض.
10 -
إذا كان المال طعامًا فإنه يكثر أن يكون عتيقًا لو بقي بعينه لفسد أو تلف، وإذا أقرضه فإن لم يرد له المستقرض أجود منه فلا بد أن يرد مثله حين أخذه.
وهناك أمور أخرى تدرك بالتأمل، وفيما ذكر كفاية. والله أعلم.
* * * *