الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
ومنها قيام المرأة بتدبير منزل الرجل، وإذا كان الرجل غنيًّا كثير المال لم تكفِ المرأة الواحدة لتدبير منزله، فيضطر على اتخاذ الخدم، والخدم لا يهتمون بمصالحه كما تهتم زوجته.
مفاسد تعدد الزوجات:
أعظم مفاسده أنه معيبٌ عند الإفرنج، وقد كاد ينعقد الإجماع أن من تظاهر من المسلمين بموافقة الإفرنج في قضيةٍ منحه المتعلمون ذلك الوسام المحبوب وسامَ حرية الفكر، وهو في الحقيقة إما منافق ساقط الهمة ضعيف الإرادة خسيس النفس، وإما رِقُّ الفكر في أسفل درجات الرق. لأنه إذا كان يعلم الحقيقة، ولكنه تظاهر بمخالفتها ليقال حرّ الفكر، ورجَّح هذا الغرض الأدنى على الحق الديني الفطري المصلحي، الذي يحقّ أن يفتخر أسلافه وقومه بموافقته= فهو من الضرب الأول. وإن كان يجهل الحق، واغترَّ بعظمة الإفرنج الصورية، وتوهَّم أن ما عابوه يكون معيبًا في نفس الأمر= فهو من الضرب الثاني.
1 -
تضرُّر المرأة بمشاركة غيرها لها في نفس زوجها وماله.
2 -
ما يُخشى من تعادي المرأتين الذي ربما جرَّ إلى تعادي عائلتيهما.
3 -
إذا ولد للرجل أولاد من هذه وأولاد من هذه اختصموا بعد موته، ومزَّقوا تركته، [بخلاف ما إذا كانوا]
(1)
كلهم أبناء امرأة واحدة، ربما اتفقوا وأبقَوا التركة محفوظة مشتركة.
(1)
مطموس في الأصل.
4 -
إذا كان للرجل عدة زوجات احتاج إلى نفقة كثيرة، وهذا مخلٌّ بالاقتصاد.
5 -
ربما تتبَّع الغني النساء الحسان فيُحرَم منهن من يهواهن ويهوينه، وإذا مُنع من التعدد لم يتمكن من ذلك إلَّا في امرأة واحدة.
6 -
إذا كان للرجل زوجة واحدة حَرَصَتْ على حفظ ماله، لعلمها أنه آئلٌ إلى أولادها، وإذا كان له زوجتان أو أكثر أخذت كلُّ واحدة تُبذِّر في المال، لعلمها أنه آئلٌ إلى أولاد عدوّتها.
7 -
إذا كان للرجل زوجتان فأكثر احتاج إلى معاشرتهن كلهن، فيضرُّ ذلك بصحته.
8 -
إذا كان للرجل زوجة واحدة تأكَّدت المودَّة بينهما، لعلْمِ كلٍّ منهما أنه لصاحبه وصاحبه له، وأما إذا كان له زوجتان فأكثر فإن المودة تضعف.
هذه هي المفاسد التي أتصورها. وأنت إذا قابلتَ بينها وبين فوائد التعدد وجدتَ هذه لا تخدِش في الثلاثة الأوجه الأولى من الأوجه الفطرية، وربما تعارض الرابع، وقد سبق جواب ذلك. ولكنها تُعارض الأوجه المصلحية، والترجيح يختلف باختلاف الأشخاص، فكم من شخص غني مُغرم بالنساء إذا كان عنده زوجة واحدة لا يستغني بها، فإذا مُنِع من التزوج عليها فإما أن يطلِّقها ويتزوج غيرها، وإما أن يقع في الزنا، فإن طلَّقها وتزوَّج غيرها وقعت مفاسد أشدُّ من المفسدة الأولى والثانية والرابعة، وحصلت المفاسد الثالثة والخامسة.
فأما السادسة والثامنة فإنهما حاصلتان قبل الطلاق، لأن المرأة تكون دائمًا على خطر أن يطلِّقها وينكح غيرها. وقد لاحظت بعض القوانين هذا المعنى وحده فحظرت الطلاق، فترتَّب على ذلك مفاسد أعظم، منها: وقوع الرجل في الزنا واستحكام العداوة بينه وبين المرأة، لأنها (غلّ قمل)، فيظلمها ويضطهدها إلى أن يحتاج إلى الوقوع في الزنا أيضًا. ولذلك أصبحت النساء يطالبن بشرْع الطلاق، بل ربما سعت المرأة في قتل زوجها أو سعى في قتلها، ليتمكن كلٌّ منهما من الزواج، وكلٌّ منهما قبل الموت على خطر أن يموت فيذهب الآخر فيتزوج، ولعل بُغْضها يمنع الرجل أن يتزوج بعد موت زوجته. فنشأت عن ذلك مفاسد شديدة. ولتخفيف تلك المفاسد شرع وثنيُّوا الهند أن الزوج إذا مات فعند ما تُحرق جثته يُؤتى بامرأته، فتُحرق معه حتى تموت.
وأما إن عدل الزوج عن الطلاق ووقع في الزنا فإنها تحصل مفاسد أشد من المفاسد الثمان:
أما الأولى فإن المرأة تشعر بأن عددًا غير محصور من البغايا يشاركنها في نفس زوجها وماله بغير حق شرعي.
وأما الثانية فإن الرجل يصير عدوًّا لزوجته، فيجرُّ ذلك إلى تعادي عائلتيهما.
وأما الثالثة فإن الرجل يمزِّق تركته قبل موته في الفجور.
وأما الرابعة فإن ما يحتاجه الرجل لاسترضاء البغايا أكثر مما يحتاجه لنفقة زوجة شرعية.
وأما الخامسة فإن الغني الزاني يتتبع [النساء الجميلات]
(1)
فيُفسِدهن وإن كن مزوَّجات.
وأما السادسة فإن المرأة تعلم أن زوجها يبذِّر ماله في [الفجور]
(2)
، فتشرع هي تبذِّر أيضًا، لأنها ترى الحفظ متعذرًا.
وأما السابعة فالضرر الذي يلحق صحةَ الرجل إذا اعتاد الفجور أشد مما يلحقه في تعدد الزوجات.
وأما الثامنة فأنَّى تبقى مودةٌ من المرأة لزوجها الذي يدعها ويذهب إلى الفجور.
ووراء ذلك مفاسد أخبث وأخبث من فساد الأخلاق وخراب الدين وغير ذلك.
(1)
مطموس في الأصل.
(2)
الكلمة مطموسة.
الرسالة السادسة والثلاثون
مسألة في رجل حنفي تزوَّج صغيرة بولاية أمها
الحمد لله.
مولانا السيد محمد مخدوم الحسيني مفتي المدرسة النظامية، وفَّقه الله وإياي لما فيه رضاه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وصل السؤال الذي ذكرتم فيه: «ما قولكم في رجلٍ حنفي تزوج صغيرةً بولاية أمها
…
إلخ».
فأقول: معلوم لديكم أن من مذهب الشافعي رحمه الله تعالى أن الزواج لا يصح إلّا بولي صحيح الولاية، وأن الأم لا تلي عقدَ ابنتها، وأن الحرة الصغيرة لا يزوِّجها إلا أبوها أو أبوه عند فقده. وهذا مشهور من مذهبه مستغنٍ عن النقل، ولكن لا بأس بنقل بعض كلامه.
جاء في كتاب «اختلاف العراقيين» للشافعي ما لفظه: «قال الشافعي رحمه الله: ولا يجوز نكاح الصغار من الرجال ولا من النساء إلّا أن يزوِّجهن الآباء، والأجداد إذا لم يكن لهنّ آباء فإنهم آباء. وإذا زوَّجهن أحدٌ سواهم فالنكاح مفسوخ.
ولا يتوارثان فيه وإن كبرا. فإن دخل عليها فأصابها فلها المهر، ويُفرَّق بينهما. ولو طلَّقها قبلَ أن يُفسَخ النكاح لم يقع طلاقه ولا ظهاره ولا إيلاؤه، لأنها لم تكن زوجةً قطُّ» («الأم» ج 7 ص 147)
(1)
.
وقولكم: «فبلغتْ وولدتْ ولدًا» قد عُلِم جوابُه، وهو أنها لم تكن زوجةً قطُّ، فلا أثر لبلوغها ولا لتمكينها ولا لولادتها.
(1)
(8/ 364) ط. دار الوفاء.
وقولكم: «فالآن تريد أمها وخالتها أن تفسخا نكاحها من زوجها» فجوابه أنكم قد عرفتم من كلام الشافعي أن هذا النكاح مفسوخ من أصله، أي باطل، لأنها لم تكن زوجة، ولو صحَّ النكاح لما كان للأم والخالة في مذهب الشافعي فسخُه، بل إن كان حقٌّ فهو للبنت نفسها أو لمن كانت له ولاية صحيحة عليها، فيما إذا كان المتزوج غير كُفءٍ بشرطه.
وأما قولكم: «والزوج الحنفي يقول: إن النكاح صحَّ ولزم في مذهب الأحناف» ، فجوابه أنه إن كان قد قضى قاضٍ معتبر بصحة هذا النكاح فقد صح ولزم، لما تقرر في الأصول أن الاجتهاد لا يُنقَض بالاجتهاد، وأن حكم الحاكم يقطع الخلاف، واستثنوا صورًا ليس هذا منها فيما ظهر. وإن لم يكن قضاء فلا يخلو العالم الشافعي أن يكون قاضيًا أو مفتيًا، فأما القاضي فإنه يقضي بمذهبه، ولا يلتفت إلى مذهب الخصوم كما لا يخفى عليكم. وأما المفتي الشافعي إذا سُئل عن هذه المسألة فجوابه أنه إذا كان المتزوج والأم والبنت كلهم حنفيون، وكان عمل الزوج والأم بمقتضى مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى= فقد صح النكاح لأجل التقليد.
ثم إذا أريد إبطالُ النكاح بعد ذلك تقليدًا للشافعي، فإن كان قد قضى قاضٍ بصحة النكاح فلا يجوز الإبطال، وإلا فإن كان المريد لذلك الأم وحدها فلا أثر لها، وإن اتفق المتزوج والبنت معًا على تقليد الشافعي لإبطال النكاح ففي المسألة خلاف، والراجح عند المتأخرين جواز مثل ذلك بشرط عدم التقليد. قال في «التحفة»:«ولا ينافي ذلك قول ابن الحاجب كالآمدي: «من عمل في مسألة بقول إمام لا يجوز له العمل فيها بقول غيره اتفاقًا» ، لتعين حمله على ما إذا بقى من آثار العمل الأول ما يلزم عليه مع
الثاني تركّبُ حقيقةٍ لا يقول بها كلُّ من الإمامين
…
ثم رأيت السبكي في الصلاة من «فتاويه» ذكر نحو ذلك مع زيادة بسط فيه، وتبعه عليه جمعٌ فقالوا: إنما يمتنع تقليد الغير بعد العمل في تلك الحادثة نفسها لا مثلها، أي خلافًا للجلال المحلي، كأن أفتى ببينونة زوجته في نحو تعليق، فنكح أختها، ثم أفتى بأن لا بينونة، فأراد أن يرجع للأولى ويُعرِض عن الثانية من غير إبانتها». («التحفة» بهامش حواشي الشرواني ج 1 ص 48 - 49).
ومراده بقوله: «من غير إبانتها» أي من غير قطع زوجيتها، يريد أنه رجع للأولى وأعرض عن الثانية، مع عزمه أن يرجع لها عندما يريد، فإنه في هذه الصورة قد اعتقد أن كلتا الأختين زوجة له في وقتٍ واحد. وهذا مبيَّن في «النهاية» وحواشيها و «فتاوى الرملي» و «حواشي التحفة» ، فلا نطيل بالنقل.
والحاصل أن المتزوج والبنت في مسألتنا إذا اتفقا على تقليد الشافعي لإبطال النكاح صحَّ، إذ لا تلفيق ههنا. فإما إذا انفرد أحدهما بإرادة التقليد ليبطل النكاح، فإن كانت الزوجة هي المريدة فليس لها ذلك، قياسًا على قولهم: «لو زوجه الحاكم مجهولة النسب ثم استلحقها أبوه
…
وإن لم تكن بينة، وصدقته الزوجة فقط= لم ينفسخ النكاح لحقّ الزوج
…
». («النهاية» ج 5 ص 207).
ويجري هذا التفصيل كله فيما إذا كان الزوج أو الأم أو أحدهما شافعيين والبنت حنفية تبعًا لأبيها، واتفق الزوج والأم عند العقد على تقليد أبي حنيفة رحمه الله تعالى. وكذا إذا كانت البنت شافعية تبعًا لأبيها، ولكن أفتى مفتٍ معتبر بجواز تزويجها تقليدًا لأبي حنيفة رحمه الله لمصلحة محققة لها، وتصير البنت حنيئذٍ حنفيةً في هذه المسألة، فيطلب الحكم من