المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مفاسد الربا تمهيد المقصود من شرع الأحكام تطبيق العدل، ولكن الجزئيات لا - آثار عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني - جـ ١٨

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

فهرس الكتاب

- ‌ المسألة الثالثةهل تجب الزيادة على الفاتحة

- ‌المسألة الرابعةقراءة المأموم الفاتحة

- ‌لم تقم حجة على إدراك الركعة بإدراك الركوع

- ‌ المسألة الخامسةهل يزيد المأموم في الأُولَيين من الظهر والعصر على الفاتحة

- ‌ المسألة السادسةإذا كان المأموم أصمَّ أو بعيدًا عن الإمام لا يسمع قراءته؛ فهل يقرأ غير الفاتحة والإمام يجهر

- ‌ظواهر الأحاديث المتقدمة المنع

- ‌الفصل الأولفي حديث أبي أيوب

- ‌الفصل الثانيفي حكم الحديث

- ‌الفصل الثالثفي المتابعات

- ‌الفصل الرابعحديث ثوبان

- ‌الفصل الخامسحديث أبي هريرة

- ‌ الفصل السادسفي حديث جابر

- ‌الفصل السابعفي بقية الأحاديث

- ‌ الفصل الثامنفي الآثار

- ‌الفصل التاسعفي مذاهب الفقهاء

- ‌الفصل العاشرفي معنى الحديث

- ‌مفاسد الربا

- ‌أسباب التملك

- ‌ الدين الممطول به والمال المغصوب

- ‌الربا مع الحربي

- ‌ المضاربة

- ‌وجوه الربا

- ‌ العِينة

- ‌ المفاسد التي تترتب على بيع الوفاء

- ‌الباب الأولفي تبايعها مع النسيئة

- ‌الفصل الأول: فيما اتحد فيه جنس العوضين

- ‌ الفصل الثاني: في بيع واحد من الستة بآخر منها نسيئةً

- ‌الباب الثانيفي تبايعها نقدًا

- ‌ فصلفي الاحتكار وإيضاح علاقته بهذا الحكم

- ‌القسم الثانيفي البحث مع صاحب الاستفتاء

- ‌الربا في اللغة

- ‌ الزيادة المشروطة في القرض ربا منصوصفي الكتاب والسنة

- ‌ شبهة ودفعها

- ‌ تفسير العِيْنة

- ‌ معارضة وجوابها

- ‌أدلة تقتضي التحريم وليس فيها لفظ الربا

- ‌ بعض الآثار عن الصحابة والتابعين

- ‌القياس

- ‌ أحوال هذا العصر

- ‌الأحوال التي نعرفها

- ‌الترخيص في الربا هو الداء العضال

- ‌ العلاج

- ‌ يكفي في الضمان لفظٌ يُشعِر بالالتزام

- ‌[قضية أخرى في الضمان]

- ‌تعدد الزوجات والفطرة:

- ‌تعدد الزوجات والمصالح:

- ‌مفاسد تعدد الزوجات:

- ‌ فتوى جماعة من متأخري الشافعية بجواز إنكاح غير الأب والجد الصغيرةَ

- ‌الجوابإن لهذين الصبيين خمس حالات:

الفصل: ‌ ‌مفاسد الربا تمهيد المقصود من شرع الأحكام تطبيق العدل، ولكن الجزئيات لا

‌مفاسد الربا

تمهيد

المقصود من شرع الأحكام تطبيق العدل، ولكن الجزئيات لا تحصى ولا تتناهى، والحكمة المقتضية للحكم تختلف في الجزئيات، فتخفى في بعضها، وتظهر في أخر، [وتشتدُّ في بعضها، وتخِفُّ في أخر،] ولا ينضبط مقدارها.

مثال ذلك: الزنا، فإنه جرم يوجب العقوبة، ولكنه يكون تارة جرمًا شديدًا جدًّا، وتارة يكون أخفَّ.

فرجل شائب ضعيف الشهوة غني عَمَدَ إلى امرأة قبيحة لا يحبها، فسعى بعدها حتى زنى بها.

وآخر شابٌّ قوي الشهوة فقير، لا يجد من يُزوِّجه، عشق امرأة جميلة، فكان يتجنب لقاءها، فاتفق أن صادفها في مكان خالٍ، فلم يصبر أن وقع عليها.

فبين الجرمين بون بعيد، وبينهما درجات لا تحصى، وهكذا يزداد الاختلاف إذا نظرنا إلى ما ينشأ عن الزنا من إفساد المرأة، وإسقاط شرفها، وإلحاق العار بأهلها، وتضييع الولد، وما يخشى من انتشار الزنا في الناس، وغير ذلك.

فلو كُلِّف عاقل سَنَّ عقوبةٍ للزنا كان أمامه أربع طرق:

الأولى: أن يفصِّل القانون تفصيلًا بعدد ما يمكن من اختلاف الجزئيات.

ص: 289

الثانية: أن يكِلَ الأمر إلى الحكام، ليقرر كل حاكم في الجزئية التي تعرض عليه ما يراه مناسبًا لها.

الثالثة: أن يقرِّر عقوبة تنطبق على أخفِّ الجزئيات جرمًا، أو أشدِّها، أو أوسطها، يطلقها في جميع الجزئيات.

الرابعة: أن يقرِّر عقوبة تنطبق على الغالب من الجزئيات [

].

[ص 11] فأما الأولى: فليست بممكنة:

أولًا: لكثرة الاختلاف بحيث يصعب [حصره].

ثانيًا: لأن من الأحوال التي يختلف مقدار الجرم باختلافها [

] ومقدار ما ينشأ عن الزنا من المضار [والمفاسد

] الأنبياء في الناس حتى يكونوا هم الحكام، ويوحي إليهم في كل [جزئية

].

وإما أن يوحي إلى رسوله كتابًا يحصي فيه وقائع الزنا إلى يوم القيامة باسم [الرجل

] بحيث لا تشتبه واقعة بأخرى.

فأما الأول: فكان ممكنًا، ولكنه ينافي ما [

] والاختبار، وغير ذلك، ولاسيما إذا علمنا أنه يقتضي أن يكون الناس كلهم أنبياء، لأنه [

] لأجل عقوبة الزنا، لزم اختياره لجميع الأحكام حتى التي يكون فيها كل إنسان حاكم نفسه [

].

ص: 290

وأما الثاني: فلأنه منافٍ للحكمة من وجوه، أقربها إلى الفهم اقتضاؤه أن يكون في عقوبة الزنا وحدها قرآن يبلغ آلافًا وملايينَ وأكثر من ذلك من المجلدات، فكيف يسهل نقله وحفظه وكشفه؟ وهكذا في كل حكم من الأحكام غير عقوبة الزنا.

وأما الطريقة الثانية ففيها:

أولًا: أنها لا تُغنِي، لخفاء بعض الصفات التي توجب اختلاف الجرم، كما تقدم.

وثانيًا: أنه فتحٌ لباب الظلم، وتلاعب الحكام، فهذا يداهن، وهذا يرتشي، وهذا تؤثر عليه الشفاعات، وهذا يخاف، وهذا يتهم، مع ما يلزمه من كثرة العمل الذي يكلف به الحاكم، فيستدعي ذلك كثرة الحكام، ولا سيما إذا علمنا أنه لو اختير ذلك في عقوبة الزنا انبغى أن يختار في غيرها من الأحكام، ومع ذلك فيصعب الفصل في القضايا ويتأخر، ويتعسَّر ويتعذَّر، وفي ذلك عين الفساد العام.

وأما الثالثة: فتعيين أخفِّ العقوبات لا يؤدي إلى المقصود من الزجر والتأديب، وتعيين أشدِّها قد يصادف أن يكون استحقاقه نادرًا، فيكون الغالب وقوع العقوبات على من لا يستحقُّها، وتعيين أوسطها قد يكون غلطًا، إذا فرض أن الغالب هو استحقاق الأشدِّ، أو استحقاق الأخفِّ.

وأما الرابعة: فهي العدل الممكن، ولكن يبقى معرفة الغالب، فإن العاقل قد يتردد فيه، وقد يغلط، وقد يخالفه غيره. ويبقى أيضًا تعيين العقوبة، ويبقى أيضًا أن تطبيق العقوبة على من كان من غير الغالب فيه إضرار به بغير استحقاق.

ص: 291

ولكنه إذا كان الشارع هو الله عز وجل تزول هذه النقائص كما ستراه.

[ص 12] [

] للرجل والمرأة، ومنع المرأة من الخروج، وذلك [كما قال تعالى:{وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ] فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي [الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ] أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ [تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا] إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء 15 - 16].

واقعة

[

] السيد الإمام محمد بن علي بن إدريس رحمه الله أن يتلو كل يوم جزءًا من القرآن بتدبُّرٍ وتفكر، وكان [

] يشكل، فكان فيما تلاه يومًا هذه الآيات، ثم دعاني، فذكر لي تردده في معنى [قوله تعالى: ] {وَاللَّذَانِ} وأنه تأمل فيها، ثم راجع التفاسير ولم يطمئن قلبه إلى قول مما قالوه، لأن منهم من قال: المراد بهما الرجل والمرأة، قال: وهذا فيه بُعد، لأن المرأة قد سبق حكمها في قوله:{وَاللَّاتِي} وفيه مع ذلك التغليب، وهو خلاف الأصل.

ومنهم من قال: المراد بهما الفاعل والمفعول في اللواطة.

قال: وهذا أبعد؛ لأن اللواطة جرمٌ عظيمٌ، ولم يرد بعد ذلك من الشرع ما يقوى أن يكون ناسخًا لذلك.

وفيه مع ذلك أن تكون الآيات لم تتعرض لحكم الرجل الزاني.

ص: 292

فبحثتُ معه رحمه الله بحثًا سأورده بنحو معناه، ولعل فيما أحكيه ههنا زيادة أو نقصًا.

قلت: أفلا يحتمل أن تكون هذه الآية في حكم الرجال الزناة خاصة، كما أن الأولى في حكم النساء خاصة؟

فقال السيد: لو أريد هذا لقيل: "والذين يأتونها .. "، فما وجه العدول عن ذلك إلى التثنية؟

فقلت: قد يقال: إنها باعتبار أن الرجال الزناة على نوعين: محصن وغير محصن، فثنِّي باعتبار النوعين.

فقال: وما الدليل على جواز مثل هذا؟

فذكرتُ قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} ، وقول الشاعر

(1)

:

عَيُّوا بأمرِهِمُ كما

عَيَّتْ بِبَيضَتِها الحمامهْ

جَعلتْ لها عودَين من

نَشَمٍ وآخرَ من ثُمامهْ

فقد فُسِّر الشعر بأن المعنى: أن فيهم حليمًا وسفيهًا، فسفيههم يُفسِد على حليمهم، كالحمامة إذا نسجت بيتها من عيدانٍ فيها القوي كالنشم، والضعيف كالثمامة. قالوا: والتقدير: جعلت لها عودين: عودًا من نشم، وآخر من ثمامة.

ومن المعلوم أن التثنية في المثل والممثَّل به إنما هي باعتبار النوعين،

(1)

هو عبيد بن الأبرص، والبيتان في "ديوانه"(ص 138) و"الحيوان"(3/ 189) و"عيون الأخبار"(2/ 85) و"لسان العرب"(حيا، عيا) وغيرها.

ص: 293

فلم يرد أن فيهم رجلًا واحدًا حليمًا، ورجلًا واحدًا سفيهًا، ولا أن الحمامة جعلت عودًا واحدًا من نشم، وآخر واحدًا من ثمامة.

فقال: هذا قريب، ولكن هل قال به أحد من المفسرين في هذه الآية؟

قلت: لا أدري. فراجعنا التفاسير فإذا في بعضها: عن مجاهد قال: هما الرجلان الزانيان

(1)

.

فقال السيد رحمه الله: قد راجعت أنا هذا التفسير اليوم، ومررت على [هذا] القول، ولكني لم ألتفت إليه، ولم يَعْلَقْ بذهني.

[أقول: ] ثم وقفتُ بعد ذلك على ما يؤيد ما ظهر لي، كقول الجبَّائي وغيره في قوله تعالى:{فَلَمَّا أَثْقَلَتْ [دَعَوَا اللَّهَ} ].

[ص 13] ولكنه ترجح عندي في الآية ما قدمته، وهو [

] للرجل والمرأة، وأما إمساك المرأة في البيت، فليس [

] أن تجمع على المرأة عقوبتان. فتدبر.

ثم نزلت قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} ]، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر [بالبكر جَلْدُ مائةٍ وتغريبُ عام]، والثيب بالثيب جَلْدُ مائة والرجم" رواه مسلم

(2)

.

(1)

انظر "تفسير الطبري"(6/ 499، 500) وابن المنذر (1472) وابن أبي حاتم (3/ 895).

(2)

رقم (1690) عن عبادة بن الصامت.

ص: 294

جعل حد البكر خفيفًا؛ لأن الغالب أن يكون شابًّا شديد الشهوة، وحد [الثيب شديدًا]؛ لأن الغالب أن يكون متزوجًا أو شيخًا، ولم يعلّق الحكم بكونه ذا زوجة لحِكَمٍ:

منها: [أن لا] يودي حبُّ الزنا بالرجل إلى أن يفارق زوجته ليزني، وتخفّ عقوبته، وفي ذلك ما فيه من الفساد.

فإن قيل: إن الرجم أشدُّ العقوبات، وليس بأوسطها.

قلت: قد يقال: هو وسط في مقابل هذا الجرم الشنيع، كما قال بعض القدماء في بعض العقوبات: إن القتل لا يكفي عقوبةً لهذا الجرم، ولكن هو أقصى ما يمكن!

وفوق ذلك فإن الرب عز وجل يتمِّم العدل بقضائه وقدره، فيستر هذا، ويفضح هذا، ويزيد هذا تتمةَ ما يستحقُّه من العقوبة، ويعوِّض هذا فيما إذا كان الذي ناله من العقوبة أشدَّ مما يستوجبه جرمه، وهكذا .. وههنا حقائق ودقائق، ليس هذا موضع بسط ما ندركه فيها.

بقي أنه قد صح أن الله تعالى أنزل آية في الرجم، ثم نُسِخت تلاوتها

(1)

، وهي: {الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة

}.

فهل كان نزولها عند نزول آية الجلد، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "خذوا عني

"، ويكون الشيخ والشيخة كناية عن الثيبين؟

أو كانت نزلتْ قبل نزول آية الرجم، وبعد نزول آية الإيذاء، فبينتْ سبيلًا

(1)

أخرجه مسلم (1691) عن عمر بن الخطاب.

ص: 295