الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أدلة تقتضي التحريم وليس فيها لفظ الربا
قال الله تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء: 29 - 30].
أخرج ابن جرير
(1)
بسند حسن عن ابن عباس في الرجل يشتري من الرجل الثوبَ فيقول: إن رضيتُه أخذتُه وإن رددتُه رددتُ معه درهمًا، قال: هو الذي قال الله: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} .
أقول: هذا من قول ابن عباس ظاهر في أن المراد بالباطل ما كان بغير عوضٍ ولا طيبِ نفس.
وأخرج
(2)
عن السدّي قال: نهى عن أكلهم أموالهم بينهم بالباطل وبالربا وبالقمار والبخس والظلم، إلّا أن تكون تجارة ليربح في الدرهم ألفًا إن استطاع.
وهذا لا يخالف الأول، وإنما ذكر الربا والقمار لأن من شأنهما ذلك، أي أخْذ مال الغير بغير عوض ولا طيب نفس.
وعلى هذا القول فالاستثناء متصل كما هو الأصل، فإن التاجر يَغْبِن الناس فيربح منهم زيادة عن ثمن المثل، وتلك الزيادة في الحقيقة ليس لها
(1)
«تفسيره» (6/ 627).
(2)
(6/ 626).
عوض ولا طيب، لأن المغبون لو علم بثمن المثل لما زاد عليه، وإنما أحلَّها الله عز وجل لمصلحة غالبة، كما سبق في القسم الأول. [ق 19] فأما ما أعطى بطيب نفس ــ كالصدقة والهبة والهدية والضيافة وغير ذلك ــ فإن له عوضًا من أجر أو حمد أو مكافأة أو نحو ذلك، وهكذا الزكوات والنفقات والديات الواجبة لها عوض كما مرَّ في القسم الأول.
وفسَّر جماعة «الباطل» بالحرام، فاحتاجوا إلى أن يقولوا: إن الاستثناء منقطع. ولا يخفى بُعْدُه.
وفي قوله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} كالإشارة إلى أن أخذ المال بغير حق ــ ولا سيما إذا كان باضطراره إلى إعطائه ــ كقتلِه، والناس يقولون:«ذبحَ فلانٌ فلانًا» إذ اغتنم حاجتَه فأقرضه عشرين صاعًا بشرط أن يردَّ ثلاثين مثلًا.
ومن السنة الحديث المشهور بل المتواتر الذي خطب به النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنًى في حجة الوداع، وفيه
(1)
: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا» الحديث. وفي بعض طرقه
(2)
: «ألا لا يحلُّ مال امرئ مسلم إلّا بطِيْبٍ من نفسه» . وقد عدَّ الفقهاء هذا من القواعد القطعية، حتى ردّ بعضهم أحاديثَ صحاحًا ظنَّ
(1)
أخرجه البخاري (67 ومواضع أخرى) ومسلم (1679) من حديث أبي بكرة. وفي الباب عن جماعة من الصحابة.
(2)
أخرجه أحمد في «مسنده» (20695) والدارقطني (3/ 26) من حديث عمّ أبي حرة الرقاشي. وفي الباب عن عمرو بن يثربي عند أحمد (15488) والبيهقي (6/ 97)، وعن ابن عباس عند البيهقي (6/ 97)، وعن عمرو بن الأحوص عند الترمذي (3087).
مخالفتها لهذه القاعدة، منها حديث غرز الخشبة
(1)
، وحديث الأكل من الحوائط
(2)
، وأحاديث وجوب الضيافة
(3)
وغيرها.
إذا تقرر هذا فالزيادة المشروطة في القرض يأخذها المُقرِض باطلًا كما تقدم في القسم الأول، ولا يعطيها المستقرض بطيب من نفسه كما هو معلوم، فهي حرام بنصّ القرآن والسنة المقطوع بها.
وحديث «الصحيحين»
(4)
وغيرهما عن عائشة وغيرها أنه صلى الله عليه وآله وسلم خطب الناس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:«أما بعد، فما بالُ رجالٍ يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله تعالى. ما كان من شرطٍ ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل وإن كان مئة شرطٍ. قضاء الله أحقّ، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق» .
الإجماع
نقل صاحب الاستفتاء عن «شرح البخاري»
(5)
للبدر العيني الحنفي
(1)
أخرجه البخاري (2463) ومسلم (1609) من حديث أبي هريرة مرفوعًا: «لا يمنع أحدكم جارَه أن يَغرِز خشبةً في جداره» .
(2)
أخرجه الترمذي (1287) من حديث ابن عمر مرفوعًا: «من دخل حائطًا فليأكل ولا يتخذْ خُبْنَةً» . وقال: حديث ابن عمر حديث غريب لا نعرفه من هذا الوجه إلا من حديث يحيى بن سليم. وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، وعبَّاد بن شرحبيل، ورافع بن عمرو، وعمير مولى آبي اللحم، وأبي هريرة.
(3)
ورد فيه عدة أحاديث، انظر «السنن الكبرى» للبيهقي (9/ 197).
(4)
البخاري (2560) ومسلم (1504/ 8).
(5)
«عمدة القاري» (12/ 45، 135). وسبق ذكره.