الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن لم تطمئن نفسك إلى عموم العدل في الآية الأولى، وزعمتَ أن المراد العدل المعروف لا العدل الكامل ولا نوع من العدل، فلنا أن نسلِّم لك ذلك ثم نقول: قوله: {فَانْكِحُوا} صيغة أمر، وليس للوجوب قطعًا، فيُحمَل على الاستحباب؛ لأنه أقرب المحتملات إلى الحقيقة المتعذرة، وهي الوجوب. وإذا ثبت هذا ثبت مثلُه في قوله:{فَوَاحِدَةً} ، أي فانكحوا واحدةً. فتوضيح الآية هكذا: المستحب لكم أن تنكحوا اليتامى اللاتي في حجوركم إلّا أن تخافوا أن لا تُقسِطوا إليهن، فالمستحب لكم أن تنكحوا غيرهن من النساء مثنى وثلاث ورباع، إلَّا أن تخافوا أن لا تعدلوا بين الزوجات العدلَ المعروف، فالمستحبّ لكم أن تنكحوا واحدةً فقط.
فغاية ما في الآية أنه عند الخوف لا يستحب نكاحُ أكثر من واحدة، وعدم الاستحباب لا يستلزم عدم الإباحة. فأما غير الإسلام من الأديان فحسبُك أن إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام كان له عدة زوجات، كما تعترف به التوراة. والله أعلم.
تعدد الزوجات والفطرة:
1 -
المقصود الأصلي من الزواج هو التناسل، والمرأة لا تستطيع أن تَحْبَل إلا مرة واحدة في السنة تقريبًا، والرجل يستطيع أن يُحبِل في ليلة واحدة عدة نساء. وقد نُقل عن عمر بن عبيد الله بن معمر أنه جامع في ليلةٍ سبعَ عشرة مرةً، وحُكي أن إفرنجيًّا وحبشيًّا تباريا، فلم يستطيع الإفرنجي إلّا ثلاث مرات بعد الجهد، وأتمَّ الحبشي ثلاثين مرة.
2 -
مصلحة الطفل تقتضي أن لا ترضعه إلَّا أمُّه، وإذا جومعت أو حملت
قبلَ الرضاع أضرَّ ذلك بالطفل، ولاسيما إذا حملت. وأما الرجل فلا شأن له بذلك، أي أن جِماعه لامرأة في حالِ أن امرأة أخرى تُرضِع ولده لا يضرُّ بالطفل.
روى أبو داود
(1)
بسند صحيح عن الربيع بن أبي مسلمة عن مولاته عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لا تقتلوا أولادكم سرًّا، فإن الغَيْلَ يُدرِك الفارسَ فيُدَعْثِره» .
وهذا الحديث إذا صحَّ فلابدَّ أن يكون متأخرًا عن قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الغِيْلة: «لو كان ذلك ضارًّا ضرَّ فارسَ والرومَ» ، وقوله:«لقد هممتُ أن أنهى عن الغِيْلة، فنظرتُ في الروم وفارس، فإذا هم يُغِيلون أولادهم، فلا يضرُّ أولادهم ذلك شيئًا» رواهما مسلم
(2)
.
والدليل على تأخر حديث النهي أن قوله في الحديث الثالث: «لقد هممتُ أن أنهى» صريح في أنه لم يتقدم منه نهيٌ، والحديث الأول نهيٌ صريح.
ودليل آخر، وهو أن الحديثين الأخيرين كانا عن اجتهادٍ وظنٍّ كما هو واضح، وحديث النهي جزمٌ بالضرر ولو بعد حينٍ، وظاهرٌ أن مثله لا يقوله صلى الله عليه وآله وسلم إلا عن وحي.
فإذا التزم الرجل والمرأة ترك الغيلة كان حاصل ذلك أن الرجل يجامع مرةً للغرض الأصلي وهو النسل، ثم يبقى نحو ثلاث سنين معطلًا إذا لم
(1)
رقم (3881).
(2)
رقم (1442، 1443).