الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
في حكم الحديث
قد صحَّحه مسلم والترمذي وغيرهما، ومقتضى النظر أن يقال: إذا ثبت رجحانُ التوثيق فلا كلامَ في صحته، وإذا بقي التردُّد لموضع التليين فصنيعُ أئمة الحديث يقتضي أنه بعد النظر في جميع ما قيل في سعد ينبغي أن يُنظَر في الحديث، فإذا كان له متابعات وشواهد صحَّ، وإلَّا بانَ [أنه] انفرد به، فإن قامت قرينة على خطائه ضُعِّف الحديث، وإن قامت قرينة على صحته صحّ، وإلّا حُكِم بحسنه، وقد يتوقف فيه بعضهم.
فعلى فرض أن سعدًا تفرد بهذا الحديث فلم تقُمْ قرينة على خطائه فيه، وقد أيَّده أهل العلم بوجوهٍ سوى المتابعات. ساقه الترمذي ثم قال
(1)
: "قال أبو عيسى: حديث أبي أيوب حديث حسن صحيح. قد استحبَّ قوم صيامَ ستة أيام من شوال بهذا الحديث. قال ابن المبارك: هو حسن، هو مثل صيام ثلاثة أيام من كل شهر. قال ابن المبارك: ويُروى في بعض الحديث: "ويُلْحق هذا الصيام برمضان". واختار ابن المبارك أن تكون ستة أيام من أول الشهر. وقد رُوي عن ابن المبارك أنه قال: إن صام ستة أيام من شوال متفرقًا فهو جائز. قال: وقد روى عبد العزيز بن محمد عن صفوان بن سُليم وسعد بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا. وروى شعبة عن ورقاء بن عمر عن سعد بن سعيد هذا. وقد تكلم بعض أهل
(1)
عقب الحديث رقم (759).
الحديث في سعد بن سعيد [من] قِبَلِ حفظه"
(1)
.
فأيَّد صحةَ الحديث باحتجاج قوم من أهل العلم به، وخاصة ابن المبارك، فإنه ــ مع علمه وفقهه وتثبُّتِه ونقده وجلالته وإمامته ــ ممن صحب سعدًا وخَبَرَه، وسمع منه هذا الحديث وغيره كما مرَّ.
ثم أيَّده بمتابعة صفوان، وستأتي.
[ص 4] وأيَّده برواية شعبة عن ورقاء عن سعد له، مع أن شعبة على جلالته وشدة نقده ومعرفته قد روى عن سعد نفسه، ثم روى هذا الحديث عن رجلٍ عنه. ورواية شعبة هذه في "مسند أحمد"، قال: "ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة قال: سمعتُ ورقاء يحدِّث عن سعد بن سعيد
…
"
(2)
.
وذكر الطحاوي رواية شعبة هذه ثم قال: "فكان هذا الحديث مما لم يكن بالقوي في قلوبنا من سعد بن سعيد مثله في الرواية عند أهل الحديث ومن رغبتهم عنه، حتى وجدناه قد أخذه عنه من قد ذكرنا أخْذَه إياه عنه من أهل الجلالة في الرواية والتثبت"
(3)
.
ثم قال: "وممن حدَّث به عنه أيضًا: قرة بن عبد الرحمن، وعسى أن يكون سنّه كسنّه
…
وممن حدَّث به عنه سفيان بن عيينة".
(1)
"سنن الترمذي" طبع مصر سنة 1292 (ج 1 ص 146). [المؤلف]. وانظر (3/ 132 - 133) بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي.
(2)
"مسند أحمد"(ج 5 ص 419). [المؤلف]. رقم (23556) ط. الرسالة. وبهذا الطريق أخرجه النسائي في "الكبرى"(2877) والطحاوي في "مشكل الآثار"(2340) والطبراني في "الكبير"(3903).
(3)
"مشكل الآثار"(ج 3 ص 117). [المؤلف]. وانظر (6/ 121) ط. الرسالة.
ثم ذكر رواية حفص بن غياث، ثم ذكر المتابعات والشواهد، وستأتي.
وقال السبكي: "وقد اعتنى شيخنا أبو محمد الدمياطي بجمع طرقه، فأسنده عن بضعة وعشرين رجلًا رووه عن سعد بن سعيد، وأكثرهم حفَّاظ ثقات، منهم السفيانان"
(1)
.
أقول: وموضع التأييد في رواية الحفّاظ الأثبات أنهم من أئمة النقد والمعرفة بالرجال والحديث وعلله، وقد كان من عادة كثير منهم الامتناع عن أن يحدِّث بالحديث إذا خاف أن يكون خطأً، يَعرف ذلك مَن مارسَ كتب الرجال. فاتفاقُهم على رواية هذا الحديث عن هذا الرجل وسكوتُهم عن بيان الطعن فيه أو الشك ــ بل مع تصريح بعضهم بالاحتجاج به ــ يدلُّ دلالةً واضحةً أنهم لم يشكُّوا في الحديث ولم يستنكروه، فاتفاقُهم على ذلك فيه تأييد واضح.
(1)
"سبل السلام"(ج 1 ص 236). [المؤلف]. وطبعة دار الفكر (2/ 167).