الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى لَهُ فِي جَمَاعَةٍ، وَاسْتَحَبّوا أَنْ يُصَلِّيَ النَّاسُ لَهُ أَفْذَاذًا رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ النَّافِلَةِ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمُ: اخْتِلَافُهُمْ فِي مَفْهُومِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى يَكْشِفَ مَا بِكُمْ، وَتَصَدَّقُوا» . خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
فَمَنْ فَهِمَ هَاهُنَا مِنَ الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ فِيهِمَا مَعْنًى وَاحِدًا، وَهِيَ الصِّفَةُ الَّتِي فَعَلَهَا فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ رَأَى الصَّلَاةَ فِيهَا فِي جَمَاعَةٍ.
وَمَنْ فَهِمَ مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى مُخْتَلِفًا لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ صَلَّى فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ مَعَ كَثْرَةِ دَوَرَانِهِ قَالَ: الْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ صَلَاةٍ فِي الشَّرْعِ، وَهِيَ النَّافِلَةُ فَذًّا، وَكَأَنَّ قَائِلَ هَذَا القول يرَى أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ أَنْ يُحْمَلَ اسْمُ الصَّلَاةِ فِي الشَّرْعِ إِذَا وَرَدَ الْأَمْرُ بِهَا عَلَى أَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ فِي الشَّرْعِ إِلَّا أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَلَّ فِعْلُهُ عليه الصلاة والسلام فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ بَقِيَ الْمَفْهُومُ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ عَلَى أَصْلِهِ، وَالشَّافِعِيُّ يَحْمِلُ فِعْلَهُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ بَيَانًا لِمُجْمَلِ مَا أَمَرَ بِهِ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِمَا، فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَ ذَلِكَ.
وَزَعَمَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا صَلَّيَا فِي الْقَمَرِ فِي جَمَاعَةٍ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَدِ اسْتَحَبَّ قَوْمٌ الصَّلَاةَ لِلزَّلْزَلَةِ وَالرِّيحِ وَالظُّلْمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ قِيَاسًا عَلَى كُسُوفِ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ لِنَصِّهِ عليه الصلاة والسلام عَلَى الْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ كَوْنُهَا آيَةً، وَهُوَ مِنْ أَقْوَى أَجْنَاسِ الْقِيَاسِ عِنْدَهُمْ، لِأَنَّهُ قِيَاسُ الْعِلَّةِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا، لَكِنْ لَمْ يَرَ هَذَا مَالِكٌ وَلَا الشَّافِعِيُّ وَلَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ صَلَّى لِلزَّلْزَلَةِ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَإِلَّا فَلَا حَرَجَ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى لَهَا مِثْلَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ.
[الْبَابُ السَّابِعُ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]
ِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ، وَالْبُرُوزَ عَنِ الْمِصْرِ، وَالدُّعَاءَ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَالتَّضَرُّعَ إِلَيْهِ فِي نُزُولِ الْمَطَرِ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ فِي
الِاسْتِسْقَاءِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ الْخُرُوجِ إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ مِنْ سُنَّتِهِ الصَّلَاةُ.
وَسَبَبُ الْخِلَافِ: أَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْآثَارِ «أَنَّهُ اسْتَسْقَى وَصَلَّى» ، وَفِي بَعْضِهَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا صَلَاةٌ.
وَمِنْ أَشْهَرِ مَا وَرَدَ فِي أَنَّهُ صَلَّى، وَبِهِ أَخَذَ الْجُمْهُورَ حَدِيثُ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي، فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهمَا بِالْقِرَاءَةِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَاسْتَسْقَى» خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا الِاسْتِسْقَاءُ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ لِلصَّلَاةِ، فَمِنْهَا: حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْمَوَاشِي، وَانقطعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمُطِرْنَا مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ» . وَمِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنِيِّ، وَفِيهِ أَنَّهُ قَالَ:«خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَسْقَى، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ صَلَاةً، وَزَعَمَ الْقَائِلُونَ بِظَاهِرِ هَذَا الْأَثَرِ أَنَّ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - أَعْنِي:«أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَلَمْ يُصَلِّ» -.
وَالْحُجَّةُ لِلْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا، فَلَيْسَ هُوَ بِحُجَّةٍ عَلَى مَنْ ذَكَرَهُ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ اخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ لَيْسَ عِنْدِي فِيهِ شَيْءٌ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَتْ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الِاسْتِسْقَاءِ، إِذْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَدِ اسْتَسْقَى عَلَى الْمِنْبَرِ، لَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مَنْ سُننهِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ. وَأَجْمَعَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ سُننهِ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ أَيْضًا مِنْ سُننهِ لِوُرُودِ ذَلِكَ فِي الْأَثَرِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «صَلَّى صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ وَخَطَبَ» .
وَاخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا؟ لِاخْتِلَافِ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ، فَرَأَى قَوْمٌ أَنَّهَا بَعْدَ
الصَّلَاةِ قِيَاسًا عَلَى الْعِيدَيْنِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: الْخُطْبَةُ قَبْلَ الصَّلَاةِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّهُ اسْتَسْقَى فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ» وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلُ ذَلِكَ وَبِهِ نَأْخُذُ. قَالَ الْقَاضِي: وَقَدْ خَرَّجَ ذَلِكَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طُرُقٍ، وَمَنْ ذَكَرَ الْخُطْبَةَ فَإِنَّمَا ذَكَرَهَا فِي عِلْمِي قَبْلَ الصَّلَاةِ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِيهَا جَهْرا، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُكَبِّرُ فِيهَا كَمَا يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ؟ فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِيهَا كَمَا يُكَبِّرُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِيهَا كَمَا يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ.
وَسَبَبُ الْخِلَافِ: اخْتِلَافُهُمْ فِي قِيَاسِهَا عَلَى صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ. وَقَدِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ لِمَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِيهَا رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدَيْنِ» .
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِنْ سُننهَا أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْإِمَامُ الْقِبْلَةَ وَاقِفًا وَيَدْعُوَ، وَيُحَوِّلَ رِدَاءَهُ رَافِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْآثَارِ، وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ، وَمَتَى يَفْعَلُ ذَلِكَ؟
فَأَمَّا كيف يفعل ذَلِكَ: فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَجْعَلُ مَا عَلَى يَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، وَمَا عَلَى شِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَلْ يَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ، وَمَا عَلَى يَمِينِهِ مِنْهُ عَلَى يَسَارِهِ، وَمَا عَلَى يَسَارِهِ عَلَى يَمِينِهِ.
وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ: اخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ جَاءَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ:«أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَقَلَبَ رِدَاءَهُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ» . وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ قُلْتُ: «أَجْعَلُ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ، وَالْيَمِينَ عَلَى الشِّمَالِ؟ أَمْ أَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ؟ قَالَ: بَلِ اجْعَلِ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَالْيَمِينَ عَلَى الشِّمَالِ» . وَجَاءَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا أَنَّهُ قَالَ: «اسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ لَهُ سَوْدَاءُ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا فَيَجْعَلُهُ أَعْلَاهَا، فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ» .