المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفصل الثاني في الأفعال التي هي أركان في الصلاة] - بداية المجتهد ونهاية المقتصد - جـ ١

[ابن رشد الحفيد]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ مِنَ الْحَدَثِ] [

- ‌كِتَابُ الْوُضُوءِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي مَعْرِفَةُ أَعْمَالِ الْوُضُوءِ]

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْمِيَاهِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ وَهُوَ مَعْرِفَةُ الْأَفْعَالِ الَّتِي تُشْتَرَطُ هَذِهِ الطَّهَارَةُ فِي فِعْلِهَا]

- ‌[كِتَابُ الْغُسْلِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ نَوَاقِضِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِ هَذَيْنِ الْحَدَثَيْنِ الْجَنَابَةَ وَالْحَيْضَ]

- ‌[أَحْكَامُ الدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنَ الرَّحِمِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ أَنْوَاعُ الدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنَ الرَّحِمِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ]

- ‌[كِتَابُ التَّيَمُّمِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الطَّهَارَةِ الَّتِي هَذِهِ الطَّهَارَةُ بَدَلٌ مِنْهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ مَنْ تَجُوزُ لَهُ هَذِهِ الطَّهَارَةُ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ شُرُوطِ جَوَازِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَا تُصْنَعُ بِهِ هَذِهِ الطَّهَارَةُ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي نَوَاقِضِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي هَذِهِ الطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا أَوْ فِي اسْتِبَاحَتِهَا]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ مِنَ النَّجَسِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ أَنْوَاعِ النَّجَاسَاتِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَحَالِّ الَّتِي تُزَالُ عَنْهَا النَّجَاسَاتُ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي تُزَالُ بِهِ النجاسات]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الصِّفَةُ الَّتِي بِهَا تَزُولُ النجاسات]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي آدَابِ الِاسْتِنْجَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ] [

- ‌الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الشُّرُوطِ شُرُوطُ الصَّلَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ أَوْقَاتِ الصلاة]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَوْقَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ أَوْقَاتُ الصلاة الْمُوَسَّعَةُ وَالْمُخْتَارَةُ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ أَوْقَاتُ الضَّرُورَةِ وَالْعُذْرِ للصلاة]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ الْأَذَانُ]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْأَذَانِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الثَّانِي حُكْمُ الْأَذَانِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَقْتُ الْأَذَانِ]

- ‌[الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِي شُّرُوطِ الأذان]

- ‌[الْقِسْمُ الْخَامِسُ فِيمَا يَقُولُهُ السَّامِعُ لِلْمُؤَذِّنِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ الثَّانِي مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْإِقَامَةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْقِبْلَةِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ الرَّابِعِ فِيمَا يُجْزِئُ فِي اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ الْمَوَاضِعُ الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي مَعْرِفَةِ التُّرُوكِ الَّتِي هِيَ شُرُوطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّامِنُ فِي مَعْرِفَةِ النِّيَّةِ وَكَيْفِيَّةِ اشْتِرَاطِهَا فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَرْكَانُ الصَّلَاةِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ الْحَاضِرِ الْآمِنِ الصَّحِيحِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَقْوَالِ الصَّلَاةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ أَرْكَان في الصلاة]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ وَمَنْ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ وَأَحْكَامِ الْإِمَامِ الْخَاصَّةِ بِهِ]

- ‌[أَحْكَامُ الْإِمَامِ الْخَاصَّةِ بِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَقَامِ الْمَأْمُومِ مِنَ الْإِمَامِ وَالْأَحْكَامِ الْخَاصَّةِ بِالْمَأْمُومِينَ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي مَعْرِفَةِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَتْبَعَ فِيهِ الْإِمَامَ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي صِفَةِ اتِّبَاعِ المأموم للإمام]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِيمَا يَحْمِلُهُ الْإِمَامُ عَنِ الْمَأْمُومِينَ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي إِذَا فَسَدَتْ لَهَا صَلَاةُ الْإِمَامِ يَتَعَدَّى الْفَسَادُ إِلَى الْمَأْمُومِينَ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ في حكم الصلاة]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أَرْكَان الجمعة]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي أَحْكَامِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْقَصْرِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْجَمْعِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ الْقَوْلُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الرَّابِعَةُ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ وَجَبْرِ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ خَلَلٍ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْإِعَادَةِ مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي قَضَاء الصلاة]

- ‌[عَلَى مَنْ يَجِبُ قضَاء الصلاة]

- ‌[صِفَةُ قَضَاءِ الصلاة]

- ‌[قَضَاءُ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[قَضَاءُ بَعْضِ الصَّلَاةِ]

- ‌[قَضَاءُ بَعْضِ الصَّلَاةِ بِسَبَبِ النِّسْيَانِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ مِنَ الْجُمْلَةِ الرَّابِعَةِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[السُّجُودُ الَّذِي يَكُونُ لِلنِّسْيَانِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ السُّجُودِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ مَوَاضِعِ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي يَسْجُدُ لَهَا]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي مَعْرِفَةِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ بِمَاذَا يُنَبِّهُ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ السَّاهِيَ]

- ‌[السُّجُودُ الَّذِي يَكُونُ لِلشَّكِّ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ الثَّانِي]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ الْقَوْلُ فِي الْوِتْرِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي النَّوَافِلِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي رَكْعَتَيْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّامِنُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[الْبَابُ التَّاسِعُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ]

- ‌[كِتَابُ أَحْكَامِ الْمَيِّتِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ وَبَعْدَهُ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ الْغُسْلِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَنْ يَجِبُ غُسْلُهُ مِنَ الْمَوْتَى]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِيمَنْ يَجُوزُ أَنْ يُغَسِّلَ الْمَيِّتَ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ الْغُسْلِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْأَكْفَانِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ الْمَشْيِ مَعَ الْجَنَازَةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ صَلَاةِ الْجَنَازَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَمَنْ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي مَوَاضِعِ صلاة الجنازة]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي الدَّفْنِ]

الفصل: ‌[الفصل الثاني في الأفعال التي هي أركان في الصلاة]

قَالَ الْقَاضِي: وَلَقَدْ حَدَّثَنِي الْأَشْيَاخُ أَنَّهُ كَانَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ بِمَسْجِدِهِ عِنْدَنَا بِقُرْطُبَةَ، وَأَنَّهُ اسْتَمَرَّ إِلَى زَمَانِنَا أَوْ قَرِيبٍ مِنْ زَمَانِنَا.

وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا نَزَلَتْ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [آل عمران: 128] ، وَخَرَّجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَنَتَ فِي الظُّهْرِ، وَالْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ» .

وَخَرَّجَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام «أَنَّهُ قَنَتَ شَهْرًا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ يَدْعُو عَلَى بَنِي عُصَيَّةَ» .

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَقْنُتُ بِهِ، فَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْقُنُوتَ بِـ «اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ، وَنَسْتَغْفِرُكَ، وَنَسْتَهْدِيكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ، وَنَخْنَعُ لَكَ، وَنخالعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُكَ، اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ، وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ، وَنَخَافُ عَذَابَكَ إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكفار مُلْحِقٌ» وَيُسَمِّيهَا أَهْلُ الْعِرَاقِ السُّورَتَيْنِ، وَيُرْوَى أَنَّهَا فِي مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ: بَلْ يَقْنُتُ بِـ «اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ» وَهَذَا يَرْوِيهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ طُرُقٍ ثَابِتَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام: عَلَّمَهُ هَذَا الدُّعَاءَ يَقْنُتُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ: مَنْ لَمْ يَقْنُتْ به بِالسُّورَتَيْنِ فَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ فِي الْقُنُوتِ شَيْءٌ مَوْقُوتٌ.

[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ أَرْكَان في الصلاة]

الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ أَرْكَانُ وَفِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ قَوَاعِدِ الْمَسَائِلِ ثَمَانِي مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الأُولَى اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا: فِي حُكْمِهِ. وَالثَّانِي: فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي ترْفَعُ فِيهَا مِنَ الصَّلَاةِ. وَالثَّالِثُ: إِلَى أَيْنَ يَنْتَهِي بِرَفْعِهَا. فَأَمَّا الْحُكْمُ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي الصَّلَاةِ، وَذَهَبَ دَاوُدُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ فَرْضٌ، وَهَؤُلَاءِ انْقَسَمُوا أَقْسَامًا فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَقَطْ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ فِي الِاسْتِفْتَاحِ وَعِنْدَ الرُّكُوعِ: أَعْنِي: عِنْدَ الِانْحِطَاطِ فِيهِ وَعِنْدَ الِارْتِفَاعِ

ص: 141

مِنْهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ وَعِنْدَ السُّجُودِ، وَذَلِكَ بِحَسْبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُرْفَعُ فِيهَا.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: مُعَارَضَةُ ظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي فِيهِ تَعْلِيمُ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ لِفِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام وَذَلِكَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: وَكَبِّرْ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِرَفْعِ يَدَيْهِ، وَثَبَتَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ «أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ» وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تُرْفَعُ فِيهَا فَذَهَبَ أَهْلُ الْكُوفَةِ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَسَائِرُ فُقَهَائِهِمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْمُصَلِّي يَدَيْهِ إِلَّا عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَقَطْ، وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى الرَّفْعِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَعِنْدَ الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ إِلَّا أَنَّهُ عِنْدَ بَعْضِ أُولَئِكَ فَرْضٌ وَعِنْدَ مَالِكٍ سُنَّةٌ.

وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِلَى رَفْعِهَا عِنْدَ السُّجُودِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ.

وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ كُلِّهِ اخْتِلَافُ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَمُخَالَفَةُ الْعَمَلِ بِالْمَدِينَةِ لِبَعْضِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثَ: أَحَدُهَا: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ «أَنَّهُ كَانَ عليه الصلاة والسلام يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا» ، وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا أَيْضًا كَذَلِكَ وَقَالَ: " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ " وكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ» ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَزَعَمُوا أَنَّهُ رَوَى ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ.

ص: 142

وَالْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ السُّجُودِ» فَمَنْ حَمَلَ الرَّفْعَ هَاهُنَا عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ أَوْ فَرِيضَةٌ، فَمِنْهُمْ مَنِ اقْتَصَرَ بِهِ عَلَى الْإِحْرَامِ فَقَطْ تَرْجِيحًا لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ لِمُوَافَقَةِ الْعَمَلِ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَرَأَى الرَّفْعَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ (أَعْنِي: فِي الرُّكُوعِ وَفِي الِافْتِتَاحِ لِشُهْرَتِهِ) وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ رَأْيُهُ مِنْ هَؤُلَاءِ أَنَّ الرَّفْعَ فَرِيضَةٌ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْفَرِيضَةِ، وَمَنْ كَانَ رَأْيُهُ أَنَّهُ نَدْبٌ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْجَمْعِ وَقَالَ: إِنَّهُ يَجِبُ أَنْ تُجْمَعَ هَذِهِ الزِّيَادَاتُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، فَإِذن الْعُلَمَاءُ ذَهَبُوا فِي هَذِهِ الْآثَارِ مَذْهَبَيْنِ: إِمَّا مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ، وَإِمَّا مَذْهَبَ الْجَمْعِ.

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي حَمْلِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ: هَلْ عَلَى النَّدْبِ أَو الْفَرْضِ؟ هُوَ السَّبَبُ الَّذِي قُلْنَاهُ قَبْلُ مِنْ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَرَى الْأَصْلَ فِي أَفْعَالِهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُحْمَلَ عَلَى الْوُجُوبِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يُزَادَ فِيمَا صَحَّ بِدَلِيلٍ وَاضِحٍ مِنْ قَوْلٍ ثَابِتٍ أَوْ إِجْمَاعٍ أَنَّهُ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَاضِحٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا مِنْ قَوْلِنَا، وَلَا مَعْنَى لِتَكْرِيرِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ، وَأَمَّا الْحَدُّ الَّذِي تُرْفَعُ إِلَيْهِ الْيَدَانِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ الْمَنْكِبَانِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى رَفْعِهَا إِلَى الْأُذُنَيْنِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى رَفْعِها إِلَى الصَّدْرِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَرْوِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إِلَّا أَنَّ أَثْبَتَ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَالرَّفْعُ إِلَى الْأُذُنَيْنِ أَثْبَتُ مِنَ الرَّفْعِ إِلَى الصَّدْرِ وَأَشْهَرُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الِاعْتِدَالَ مِنَ الرُّكُوعِ وَفِي الرُّكُوعِ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ وَاجِبٌ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ: هَلْ ظَاهِرُ مَذْهَبِهِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ سُنَّةً أَوْ وَاجِبًا إِذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ نَصٌّ فِي ذَلِكَ.

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: هَلِ الْوَاجِبُ الْأَخْذُ بِبَعْضِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ أَمْ بِكُلِّ ذَلِكَ الشَّيْءِ

ص: 143

الَّذِي يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، فَمَنْ كَانَ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ الْأَخْذَ بِبَعْضِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ لَمْ يَشْتَرِطْ الِاعْتِدَالَ فِي الرُّكُوعِ، وَمَنْ كَانَ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ الْأَخْذَ بِالْكُلِّ اشْتَرَطَ الِاعْتِدَالَ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ لِلرَّجُلِ الَّذِي عَلَّمَهُ فُرُوضَ الصَّلَاةِ:«ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، وَارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَافِعًا» فَالْوَاجِبُ اعْتِقَادُ كَوْنِهِ فَرْضًا، وَعَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عَوَّلَ كُلُّ مَنْ رَأَى أَنَّ الْأَصْلَ لَا تُحْمَلَ أَفْعَالُهُ عليه الصلاة والسلام فِي سَائِرِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ مِمَّا لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْوُجُوبِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ، وَمِنْ قِبَلِ هَذَا لَمْ يَرَوْا رَفْعَ الْيَدَيْنِ فَرْضًا وَلَا مَا عَدَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةَ مِنَ الْأَقَاوِيلِ الَّتِي فِي الصَّلَاةِ، فَتَأَمَّلْ هَذَا، فَإِنَّهُ أَصْلٌ مُنَاقِضٌ لِلْأَصْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ سَبَبُ الْخِلَافِ فِي أَكْثَرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَيْئَةِ الْجُلُوسِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ يُفْضِي بِأَلْيَتَيْهِ إِلَى الْأَرْضِ، وَيَنْصُبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَيَثْنِي الْيُسْرَى، وَجُلُوسُ الْمَرْأَةِ عِنْدَهُ كَجُلُوسِ الرَّجُلِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: يَنْصُبُ رجْلَه الْيُمْنَى وَيَقْعُدُ عَلَى الْيُسْرَى. وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ الْجَلْسَةِ الْوُسْطَى وَالْأَخِيرَةِ، فَقَالَ فِي الْوُسْطَى بِمِثْلِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي الْأَخِيرَةِ بِمِثْلِ قَوْلِ مَالِكٍ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ تَعَارُضُ الْآثَارِ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ آثَارٍ: أَحَدُهَا: وَهُوَ ثَابِتٌ بِاتِّفَاقٍ حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ الْوَارِدِ فِي وَصْفِ صَلَاتِهِ عليه الصلاة والسلام وَفِيهِ «وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ» . وَالثَّانِي: حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، وَفِيهِ «أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ نَصَبَ الْيُمْنَى وَقَعَدَ عَلَى الْيُسْرَى» . وَالثَّالِثُ: مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى، وَتَثْنِيَ الْيُسْرَى، وَهُوَ مدْخل فِي الْمُسْنَدِ لِقَوْلِهِ فِيهِ: إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلَاةِ، وَفِي رِوَايَتِهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ أَرَاهُمُ الْجُلُوسَ فِي التَّشَهُّدِ، فَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَثَنَى الْيُسْرَى، وَجَلَسَ عَلَى وِرْكِهِ الْأَيْسَرِ وَلَمْ يَجْلِسْ عَلَى قَدَمِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَرَانِي هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَحَدَّثَنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، فَذَهَبَ مَالِكٌ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ

ص: 144

مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ لِحَدِيثِ وَائِلٍ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ مَذْهَبَ الْجَمْعِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ، وَذَهَبَ الطَّبَرِيُّ مَذْهَبَ التَّخْيِيرِ، وَقَالَ: هَذِهِ الْهَيْئَاتُ كُلُّهَا جَائِزَةٌ وَحَسَنٌ فِعْلُهَا لِثُبُوتِهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ، فَإِنَّ الْأَفْعَالَ الْمُخْتَلِفَةَ أَوْلَى أَنْ تُحْمَلَ عَلَى التَّخْيِيرِ مِنْهَا عَلَى التَّعَارُضِ، وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ التَّعَارُضُ أَكْثَرَ فِي الْفِعْلِ مَعَ الْقَوْلِ أَوْ فِي الْقَوْلِ مَعَ الْقَوْلِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَلْسَةِ الْوُسْطَى وَالْأَخِيرَةِ، فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ فِي الْوُسْطَى إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَلَيْسَتْ بِفَرْضٍ، وَشَذَّ قَوْمٌ وَقَالُوا: إِنَّهَا فَرْضٌ، وَكَذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ فِي الْجَلْسَةِ الْأُخْرَى إِلَى أَنَّهَا فَرْضٌ وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ.

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: هُوَ تَعَارُضُ مَفْهُومِ الْأَحَادِيثِ، وَقِيَاسُ إِحْدَى الْجَلْسَتَيْنِ عَلَى الأخرى، وَذَلِكَ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ «اجْلِسْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا» فَوَجَبَ الْجُلُوسُ عَلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا، فَمَنْ أَخَذَ بِهَذَا قَالَ: إِنَّ الْجُلُوسَ كُلَّهُ فَرْضٌ، وَلِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ الثَّابِتِ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَسْقَطَ الْجَلْسَةَ الْوُسْطَى، وَلَمْ يَجْبُرْهَا، وَسَجَدَ لَهَا» وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ أَسْقَطَ رَكْعَتَيْنِ فَجَبَرَهُمَا، وَكَذَلِكَ رَكْعَةٌ ; فَهِمَ الْفُقَهَاءُ مِنْ هَذَا الْفَرْقَ بَيْنَ حُكْمِ الْجَلْسَةِ الْوُسْطَى وَحُكْمِ الرَّكْعَةِ، وَكَانَتْ الرَّكْعَةُ عِنْدَهُمُ فَرْضًا بِإِجْمَاعٍ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ الْجَلْسَةُ الْوُسْطَى فَرْضًا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الْجَلْسَتَيْنِ، وَرَأَوْا أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ إِنَّمَا يَكُونُ لِلسُّنَنِ دُونَ الْفُرُوضِ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهَا فَرْضٌ قَالَ: السُّجُودُ لِلْجَلْسَةِ الْوُسْطَى شَيْءٌ يَخُصُّهَا دُونَ سَائِرِ الْفَرَائِضِ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضٍ، وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُمَا كِلَيْهِمَا سُنَّةٌ فَقَاسَ الْجَلْسَةَ الْأَخِيرَةَ عَلَى الْوُسْطَى بَعْدَ أَنِ اعْتَقَدَ فِي الْوُسْطَى بِالدَّلِيلِ الَّذِي اعْتَقَدَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا سُنَّةٌ.

فَإِذَن السَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ آيِلٌ إِلَى مُعَارَضَةِ الِاسْتِدْلَالِ لِظَاهِرِ الْقَوْلِ أَوْ ظَاهِرِ الْفِعْلِ، فَإِنَّ مِنَ النَّاسِ أَيْضًا مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الْجَلْسَتَيْنِ كِلَيْهِمَا فَرْضٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَفْعَالَهُ - عَلَيْهِ

ص: 145

الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عِنْدَهُ الْأَصْلُ فِيهَا أَنْ تَكُونَ فِي الصَّلَاةِ مَحْمُولَةً عَلَى الْوُجُوبِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَإِذَنِ الْأَصْلَانِ جَمِيعًا يَقْضِيَانِ هَاهُنَا أَنَّ الْجُلُوسَ الْأَخِيرَ فَرْضٌ، وَلِذَلِكَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْجُمْهُورِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُعَارِضٌ إِلَّا الْقِيَاسُ (وَأَعْنِي: بِالْأَصْلَيْنِ الْقَوْلَ وَالْعَمَلَ) ، وَلِذَلِكَ أَضْعَفُ الْأَقَاوِيلِ مَنْ رَأَى أَنَّ الْجَلْسَتَيْنِ سُنَّةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَثَبَتَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام «أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَكَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَيُشِيرُ بِإِصْبَعِهِ» وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ مِنْ هَيْئَات الْجُلُوسِ الْمُسْتَحْسَنَةُ فِي الصَّلَاةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْرِيكِ الْأَصَابِعِ لِاخْتِلَافِ الْأَثَرِ فِي ذَلِكَ، وَالثَّابِتُ أَنَّهُ كَانَ يُشِيرُ فَقَطْ.

الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَضْعِ الْيَدَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ، فَكَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ فِي الْفَرْضِ، وَأَجَازَهُ فِي النَّفْلِ. وَرَأَى قَوْمٌ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَهُمُ الْجُمْهُورُ. وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ أَنَّهُ قَدْ جَاءَتْ آثَارٌ ثَابِتَةٌ نُقِلَتْ فِيهَا صِفَةُ صَلَاتِهِ عليه الصلاة والسلام، وَلَمْ يُنْقَلْ فِيهَا أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَثَبَتَ أَيْضًا أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يُؤْمَرُونَ بِذَلِكَ. وَوَرَدَ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ صِفَةِ صَلَاتِهِ عليه الصلاة والسلام فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فَرَأَى قَوْمٌ أَنَّ الْآثَارَ الَّتِي أَثْبَتَتْ ذَلِكَ اقْتَضَتْ زِيَادَةً عَلَى الْآثَارِ الَّتِي لَمْ تُنْقَلْ فِيهَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَأَنَّ الزِّيَادَةَ يَجِبُ أَنْ يُصَارَ إِلَيْهَا.

وَرَأَى قَوْمٌ أَنَّ الْأَوْجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى الْآثَارِ الَّتِي لَيْسَت فِيهَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ ; لِأَنَّهَا أَكْثَرُ، وَلِكَوْنِ هَذِهِ لَيْسَتْ مُنَاسِبَةً لِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ بَابِ الِاسْتِعَانَةِ، وَلِذَلِكَ أَجَازَهَا مَالِكٌ فِي النَّفْلِ وَلَمْ يُجِزْهَا فِي الْفَرْضِ، وَقَدْ يَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهَا أَنَّهَا هَيْئَةٌ تَقْتَضِي الْخُضُوعَ، وَهُوَ الْأَوْلَى بِهَا.

الْمَسْأَلَةُ السّادِسَةُ ; اخْتَارَ قَوْمٌ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ فِي وَتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ أَنْ لَا يَنْهَضَ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا، وَاخْتَارَ آخَرُونَ أَنْ يَنْهَضَ مِنْ سُجُودِهِ نَفْسِهِ، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ، وَبِالثَّانِي قَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ.

ص: 146

وَسَبَبُ الْخِلَافِ: أَنَّ فِي ذَلِكَ حَدِيثَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ: أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ الثَّابِتُ «أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي " فَإِذَا كَانَ فِي وَتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا» ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صِلَاتِهِ عليه الصلاة والسلام «أَنَّهُ لَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأَوْلَى قَامَ وَلَمْ يَتَوَرَّكْ» فَأَخَذَ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الشَّافِعِيُّ، وَأَخَذَ بِالثَّانِي مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا إِذَا سَجَدَ، هَلْ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ، أَوْ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ؟ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَضْعُ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: أَنَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ حُجْرٍ قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ:«إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ، وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ: حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ يَكُونُ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ: الْوَجْهِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ» ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ سَجَدَ عَلَى وَجْهِهِ وَنَقَصَهُ السُّجُودُ عَلَى عُضْوٍ مِنْ تِلْكَ الْأَعْضَاءِ هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَمْ لَا؟ فَقَالَ قَوْمٌ: لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ ; لِأَنَّ اسْمَ السُّجُودِ إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْوَجْهَ فَقَطْ، وَقَالَ قَوْمٌ: تَبْطُلُ إِنْ لَمْ يَسْجُدْ عَلَى السَّبْعَةِ الْأَعْضَاءِ لِلْحَدِيثِ الثَّابِتِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ مَنْ سَجَدَ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ فَقَدْ سَجَدَ عَلَى وَجْهِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ سَجَدَ عَلَى أَحَدِهِمَا، فَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ سَجَدَ عَلَى جَبْهَتِهِ دُونَ أَنْفِهِ جَازَ، وَإِنْ سَجَدَ عَلَى أَنْفِهِ دُونَ جَبْهَتِهِ لَمْ يَجُزْ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ إِلَّا أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا.

ص: 147

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلِ الْوَاجِبُ هُوَ امْتِثَالُ بَعْضِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ أَمْ كُلِّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام الثَّابِتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ» فَذَكَرَ مِنْهَا الْوَجْهَ.

فَمَنْ رَأَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ بَعْضُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، قَالَ: إِنْ سَجَدَ عَلَى الْجَبْهَةِ أَوِ الْأَنْفِ أَجْزَأَهُ.

، وَمَنْ رَأَى أَنَّ اسْمَ السُّجُودِ يَتَنَاوَلُ مَنْ سَجَدَ عَلَى الْجَبْهَةِ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ سَجَدَ عَلَى الْأَنْفِ أَجَازَ السُّجُودَ عَلَى الْجَبْهَةِ دُونَ الْأَنْفِ، وَهَذَا كَأَنَّهُ تَحْدِيدٌ الْبَعْضِ الَّذِي امْتِثَالُهُ هُوَ الْوَاجِبُ مِمَّا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَكَانَ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُفَرِّقُ بَيْنَ أَبْعَاضِ الشَّيْءِ، فَرَأَى أَنَّ بَعْضَهَا يَقُومُ فِي امْتِثَالِهِ مَقَامَ الْوُجُوبِ وَبَعْضَهَا لَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَتَأَمَّلْ هَذَا، فَإِنَّهُ أَصْلٌ فِي هَذَا الْبَابِ، وَإِلَّا جَازَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّهُ إِنْ مَسَّ مِنْ أَنْفِهِ الْأَرْضَ مِثْقَالُ خَرْدَلَةٍ تَمَّ سُجُودُهُ، وَأَمَّا مَنْ رَأَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ امْتِثَالُ كُلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، فَالْوَاجِبُ عِنْدَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ. وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ الَّذِي مِنْ قِبَلِ اللَّفْظِ قَدْ أَزَالَهُ فِعْلُهُ عليه الصلاة والسلام وَبَيَّنَهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى الْأَنْفِ وَالْجَبْهَةِ لِمَا جَاءَ مِنْ أَنَّهُ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ، وَعَلَى جَبْهَتِهِ، وَأَنْفِهِ أَثَرُ الطِّينِ وَالْمَاءِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ مُفَسِّرًا لِلْحَدِيثِ الْمُجْمَلِ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرُوا فِيهِ الْأَنْفَ، وَالْجَبْهَةَ.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: وَذَكَرَ بَعْضُهُمُ الْجَبْهَةَ فَقَطْ، وَكِلَا الرِّوَايَتَيْنِ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ، وَذَلِكَ حُجَّةٌ لِمَالِكٍ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ مِنْ شَرْطِ السُّجُودِ أَنْ تَكُونَ يَدُ السَّاجِدِ بَارِزَةً وَمَوْضُوعَةً عَلَى الَّذِي يُوضَعُ عَلَيْهِ الْوَجْهُ أَمْ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شرطه؟ فَقَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ مِنْ شَرْطِ السُّجُودِ أَحْسَبُهُ شَرْطَ تَمَامِهِ. وَقَالَتْ جَمَاعَةٌ: لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِ السُّجُودِ. وَمِنْ هَذَا الْبَابِ اخْتِلَافُهُمْ فِي السُّجُودِ عَلَى طَاقَاتِ الْعِمَامَةِ، وَلِلنَّاسِ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ: قَوْلٌ بِالْمَنْعِ، وَقَوْلٌ بِالْجَوَازِ، وَقَوْلٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى طَاقَاتٍ يَسِيرَةٍ مِنَ الْعِمَامَةِ أَوْ كَثِيرَةٍ، وَقَوْلٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَمَسَّ مِنْ جَبْهَتِهِ الْأَرْضَ شَيْءٌ أَوْ لَا يَمَسَّ مِنْهَا شَيْءٌ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ

ص: 148

كُلُّهُ مَوْجُودٌ فِي الْمَذْهَبِ وَعِنْدَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَفِي الْبُخَارِيِّ كَانوا يَسْجُدُونَ عَلَى الْقَلَانِسِ وَالْعَمَائِمِ.

وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ إِبْرَازَ الْيَدَيْنِ فِي السُّجُودِ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ، وَلَا نَكْفِتَ ثَوْبًا، وَلَا شَعْرًا» ، وَقِيَاسًا عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ، وَعَلَى الصَّلَاةِ فِي الْخُفَّيْنِ يُمْكِنُ أَنْ يَحْتَجَّ بِهَذَا الْعُمُومِ فِي السُّجُودِ عَلَى الْعِمَامَةِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ

اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهِيَةِ الْإِقْعَاءِ فِي الصَّلَاةِ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مِنَ النَّهْيِ أَنْ يُقْعِيَ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ كَمَا يُقْعِي الْكَلْبُ إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الِاسْمُ، فَبَعْضُهُمْ رَأَى أَنَّ الْإِقْعَاءَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ جُلُوسُ الرَّجُلِ عَلَى أَلْيَتَيْهِ فِي الصَّلَاةِ نَاصِبًا فَخِذَيْهِ مِثْلَ إِقْعَاءِ الْكَلْبِ، وَالسَّبُعِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ لَيْسَتْ مِنْ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ.

وَقَوْمٌ رَأَوْا أَنَّ مَعْنَى الْإِقْعَاءِ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ هُوَ أَنْ يَجْعَلَ أَلْيَتَهُ عَلَى عَقِبَيْهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَأَنْ يَجْلِسَ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ كَانَ يَشْتَكِي قَدَمَيْهِ.

وَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ فَكَانَ يَقُولُ: «الْإِقْعَاءُ عَلَى الْقَدَمَيْنِ فِي السُّجُودِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ هُوَ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ» ، خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هُوَ تَرَدُّدُ اسْمِ الْإِقْعَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ بَيْنَ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوْ يَدُلَّ عَلَى مَعْنًى شَرْعِيٍّ: (أَعْنِي: عَلَى هَيْئَةٍ خَصَّهَا الشَّرْعُ بِهَذَا الِاسْمِ)، فَمَنْ رَأَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ قَالَ: هُوَ إِقْعَاءُ الْكَلْبِ.

وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَعْنًى شَرْعِيٍّ قَالَ: إِنَّمَا أُرِيدَ بِذَلِكَ إِحْدَى هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَلِمَا ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ قُعُودَ الرَّجُلِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ - سَبَقَ إِلَى اعْتِقَادِهِ أَنَّ هَذِهِ الْهَيْئَةَ هِيَ الَّتِي أُرِيدَتْ بِالْإِقْعَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، فَإِنَّ الْأَسْمَاءَ الَّتِي لَمْ تَثْبُتْ لَهَا مَعَانٍ شَرْعِيَّةٌ يَجِبُ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ حَتَّى يَثْبُتَ لَهَا مَعْنًى شَرْعِيٌّ، بِخِلَافِ الْأَمْرِ فِي الْأَسْمَاءِ الَّتِي تَثْبُتُ لَهَا مَعَانٍ شَرْعِيَّةٌ:(أَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَعَانِي الشَّرْعِيَّةِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ) مَعَ أَنَّهُ قَدْ عَارَضَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ.

ص: 149