الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُمَا غَيْرُ وَاجِبَيْنِ فِيهَا، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى وُجُوبِهِمَا ; وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِهِمَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِهِمَا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: مُعَارَضَةُ ظَاهِرِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي نُقِلَتْ مِنْ صِفَةِ وُضُوئِهِ عليه الصلاة والسلام فِي طُهْرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي نُقِلَتْ مِنْ صِفَةِ وُضُوئِهِ فِي الطُّهْرِ فِيهَا الْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ، وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ لَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ لَا بِمَضْمَضَةٍ وَلَا بِاسْتِنْشَاقٍ.
فَمَنْ جَعَلَ حَدِيثَ عَائِشَةَ، وَمَيْمُونَةَ مُفَسِّرًا لِمُجْمَلِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] أَوْجَبَ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ، وَمَنْ جَعَلَهُ مُعَارِضًا جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ حَمَلَ حَدِيثَيْ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ عَلَى النَّدْبِ، وَحَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ عَلَى الْوُجُوبِ، وَلِهَذَا السَّبَبِ بِعَيْنِهِ اخْتَلَفُوا فِي تَخْلِيلِ الرَّأْسِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ فِي هَذِهِ الطَّهَارَةِ أَمْ لَا؟ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَمَذْهَبُ غَيْرِهِ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَقَدْ عَضَّدَ مَذْهَبَهُ مَنْ أَوْجَبَ التَّخْلِيلَ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ:«تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ فَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ وَبُلُّوا الشَّعْرَ» .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:
اخْتَلَفُوا هَلْ مِنْ شُرُوطِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ الْفَوْرُ وَالتَّرْتِيبُ، أَوْ لَيْسَا مِنْ شُرُوطِهَا كَاخْتِلَافِهِمْ في ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ؟ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ: هَلْ فِعْلُهُ عليه الصلاة والسلام مَحْمُولٌ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ بِهِ؟ فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ مَا تَوَضَّأَ قَطُّ إِلَّا مُرَتَّبًا مُتَوَالِيًا، وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي هَذِهِ الطَّهَارَةِ أَبْيَنُ مِنْهَا فِي الْوُضُوءِ، وَذَلِكَ بَيْنَ الرَّأْسِ وَسَائِرِ الْجَسَدِ، لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ:«إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِي الْمَاءَ عَلَى جَسَدِكِ» وَحَرْفُ " ثُمَّ " يَقْتَضِي التَّرْتِيبَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ.
[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ نَوَاقِضِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]
الْبَابُ الثَّانِي:
فِي مَعْرِفَةِ نَوَاقِضِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ
وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] وَقَوْلُهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] الْآيَةَ.
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ مِنْ حَدَثَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: خُرُوجُ الْمَنِيِّ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ فِي النَّوْمِ أَوِ الْيَقَظَةِ مِنْ ذَكَرٍ كَانَ أَوْ أُنْثَى، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ مِنْ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى عَلَى الْمَرْأَةِ غُسْلًا مِنْ الِاحْتِلَامِ، وَإِنَّمَا اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ
عَلَى مُسَاوَاةِ الْمَرْأَةِ فِي الِاحْتِلَامِ لِلرَّجُلِ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الثَّابِتِ أَنَّهَا قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمَرْأَةُ تَرَى فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ هَلْ عَلَيْهَا غُسْلٌ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ» .
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي الَّذِي اتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَيْهِ، فَهُوَ دَمُ الْحَيْضِ، (أَعْنِي: إِذَا انْقَطَعَ) وَذَلِكَ أَيْضًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] الْآيَةَ، وَلِتَعْلِيمِهِ الْغُسْلَ مِنَ الْحَيْضِ لِعَائِشَةَ، وَغَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا يَجْرِي مَجْرَى الْأُصُولِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ مَشْهُورَتَيْنِ.
الْمَسْأَلَةُ الأُولَى:
اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم فِي سَبَبِ إِيجَابِ الطُّهْرِ مِنَ الْوَطْءِ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى الطُّهْرَ وَاجِبًا فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ إِلَى إِيجَابِ الطُّهْرِ مَعَ الْإِنْزَالِ فَقَطْ.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ تَعَارُضُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثَانِ ثَابِتَانِ اتَّفَقَ أَهْلُ الصَّحِيحِ عَلَى تَخْرِيجِهِمَا.
(قَالَ الْقَاضِي رضي الله عنه: وَمَتَى قُلْتُ: ثَابِتٌ، فَإِنَّمَا أَعْنِي بِهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَوْ مُسْلِمٌ، أَوْ مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ) .
أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَأَلْزَقَ الْخِتَانَ بِالْخِتَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ: «حَدِيثُ عُثْمَانَ أَنَّهُ سُئِلَ فَقِيلَ لَهُ: " أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ إِذَا جَامَعَ أَهْلَهُ وَلَمْ يُمْنِ؟ قَالَ عُثْمَانُ: يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم» فَذَهَبَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَذْهَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَذْهَبُ النَّسْخِ، وَالثَّانِي مَذْهَبُ الرُّجُوعِ إِلَى مَا عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ عِنْدَ التَّعَارُضِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ فِيهِ وَلَا التَّرْجِيحُ.
فَالْجُمْهُورُ رَأَوْا أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ، وَمِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا جَعَلَ ذَلِكَ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْغُسْلِ، خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَأَمَّا مَنْ رَأَى أَنَّ التَّعَارُضَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ هُوَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ فِيهِ بَيْنَهُمَا وَلَا