الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَبِالْجُمْلَةِ، فَأُصُولُ الشَّرْعِ تَشْهَدُ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى الْخَيْرِ، ولَكِنْ إِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ وَجَبَ أَنْ تُسْتَثْنَى الصَّلَاةُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَعْمَالِ الْقُرَبِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ مَتَّى يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَبَعْضٌ اسْتَحْسَنَ الْبَدْءَ فِي أَوَّلِ الْإِقَامَةِ عَلَى الْأَصْلِ فِي التَّرْغِيبِ فِي الْمُسَارَعَةِ، وَبَعْضٌ عِنْدَ قَوْلِهِ: قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ، وَبَعْضُهُمْ عِنْدَ حَيِّ عَلَى الْفَلَاحِ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: حَتَّى يَرَوُا الْإِمَامَ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَحُدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا كَمَالِكٍ رضي الله عنه فَإِنَّهُ وَكَلَ ذَلِكَ إِلَى قَدْرِ طَاقَةِ النَّاسِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا شَرْعٌ مَسْمُوعٌ إِلَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام:«إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي» فَإِنْ صَحَّ هَذَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِلَّا فَالْمَسْأَلَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى أَصْلِهَا الْمَعْفُوِّ عَنْهُ (أَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شَرْعٌ) وَأَنَّهُ مَتَى قَامَ كُلٌّ حَسَنٌ.
الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الدَّاخِلَ وَرَاءَ الْإِمَامِ إِذَا خَافَ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ بِأَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْهَا إِنْ تَمَادَى حَتَّى يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ دُونَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ يَدُبُّ رَاكِعًا، وَكَرِهَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ، وَفَرَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ، وَالْوَاحِدِ، فَكَرِهَهُ لِلْوَاحِدِ، وَأَجَازَهُ لِلْجَمَاعَةِ.
وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ مَرْوِيٌّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: اخْتِلَافُهُمْ فِي تَصْحِيحِ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، وَهُوَ «أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَهُمْ رُكُوعٌ، فَرَكَعَ، ثُمَّ سَعَى إِلَى الصَّفِّ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنِ السَّاعِي؟ قَالَ: أَبُو بَكْرَةَ أَنَا، قَالَ: زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» .
[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي مَعْرِفَةِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَتْبَعَ فِيهِ الْإِمَامَ]
في الْفَصْل الرَّابِع: فِي مَعْرِفَةِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَتْبَعَ فِيهِ الْإِمَامَ. وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَتْبَعَ الْإِمَامَ فِي جَمِيعِ أَقْوَالِهِ، وَأَفْعَالِهِ إِلَّا فِي قَوْلِهِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَفِي جُلُوسِهِ إِذَا صَلَّى جَالِسًا لِمَرَضٍ عِنْدَ مَنْ أَجَازَ إِمَامَةَ الْجَالِسِ.
; وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي قَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَإِنَّ طَائِفَةً ذَهَبَتْ إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَطْ، وَيَقُولُ الْمَأْمُومُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَقَطْ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمَا.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ يَقُولَانِ جَمِيعًا سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَأنَّ الْمَأْمُومَ يَتْبَعُ فِيهِمَا مَعًا الْإِمَامَ كَسَائِرِ التَّكْبِيرِ سَوَاءً.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ وَالْإِمَامَ يَقُولَانِهِمَا جَمِيعًا، وَلَا خِلَافَ فِي الْمُنْفَرِدِ (أَعْنِي أَنَّهُ يَقُولُهُمَا جَمِيعًا) .
وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ حَدِيثَانِ مُتَعَارِضَانِ: أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» وَالْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» ، فَمَنْ رَجَّحَ مَفْهُومَ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: لَا يَقُولُ الْمَأْمُومُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَلَا الْإِمَامُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَهُوَ مِنْ بَابِ دَلِيلِ الْخِطَابِ لِأَنَّهُ جَعَلَ حُكْمَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ خِلَاف حُكْمِ الْمَنْطُوقِ بِهِ. وَمَنْ رَجَّحَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: يَقُولُ الْإِمَامُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَتْبَعَ الْإِمَامَ فِي قَوْلِهِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» ، وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ.
وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ يَقْتَضِي بِدَلِيلِ الْخِطَابِ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ.
وَحَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ يَقْتَضِي نَصًّا أَنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، فَلَا يَجِبُ أَنْ يُتْرَكَ النَّصُّ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ فَإِنَّ النَّصَّ أَقْوَى مِنْ دَلِيلِ الْخِطَابِ.
وَحَدِيثُ أَنَسٍ يَقْتَضِي بِعُمُومِهِ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» وَبِدَلِيلِ خِطَابِهِ أَلَّا يَقُولَهَا، فَوَجَبَ أَنْ يُرَجَّحَ بَيْنَ الْعُمُومِ وَدَلِيلِ الْخِطَابِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْعُمُومَ أَقْوَى مِنْ دَلِيلِ الْخِطَابِ، لَكِنَّ الْعُمُومَ يَخْتَلِفُ أَيْضًا فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَلِذَلِكَ لَيْسَ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ أَدِلَّةِ الْخِطَابِ أَقْوَى مِنْ بَعْضِ أَدِلَّةِ الْعُمُومِ فَالْمَسْأَلَةُ لَعَمْرِي اجْتِهَادِيَّةٌ:(أَعْنِي: فِي الْمَأْمُومِ.)
; وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ (وَهِيَ صَلَاةُ الْقَائِمِ خَلْفَ الْقَاعِدِ) فَإِنَّ حَاصِلَ الْقَوْلِ فِيهَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلصَّحِيحِ أَنْ يُصَلِّيَ فَرْضًا قَاعِدًا إِذَا كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إِمَامًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وَاخْتَلَفُوا إِذَا كَانَ الْمَأْمُومُ صَحِيحًا، فَصَلَّى خَلْفَ إِمَامٍ مَرِيضٍ يُصَلِّي قَاعِدًا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَأْمُومَ يُصَلِّي خَلْفَهُ قَاعِدًا، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ خَلْفَهُ قِيَامًا.
قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَزَادَ هَؤُلَاءِ فَقَالُوا يُصَلُّونَ وَرَاءَهُ قِيَامًا وَإِنْ كَانَ لَا يَقْوَى عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بَلْ يُومِئُ إِيمَاءً.
وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِمَامَةُ الْقَاعِدِ وَأَنَّهُ إِنْ صَلَّوْا خَلْفَهُ قِيَامًا أَوْ قُعُودًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمْ يُعِيدُونَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ، وَهَذَا إِنَّمَا عَلَى الْكَرَاهَةِ لَا عَلَى الْمَنْعِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ. وَسَبَبُ الِاخْتِلَافِ تَعَارُضُ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ وَمُعَارَضَةُ الْعَمَلِ لِلْآثَارِ (أَعْنِي عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عِنْدَ مَالِكٍ) وَذَلِكَ أَنَّ فِي ذَلِكَ حَدِيثَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ: أَحَدُهُمَا حَدِيثُ أَنَسٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا» وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي مَعْنَاهُ، وَهُوَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى وَهُوَ شَاكٍ جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ " إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا» وَالْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فيه، فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ كَمَا أَنْتَ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ» فَذَهَبَ النَّاسُ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَذْهَبَيْنِ: مَذْهَبَ النَّسْخِ، وَمَذْهَبَ التَّرْجِيحِ. فَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ النَّسْخِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَهُوَ " أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَؤُمُّ النَّاسَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مُسْمِعًا " ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إِمَامَانِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنَّ النَّاسَ كَانُوا قِيَامًا، وَأَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام كَانَ جَالِسًا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام إِذْ كَانَ آخِرُ فعله نَاسِخًا لِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ. وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ فَإِنَّهُمْ رَجَّحُوا حَدِيثَ أَنَسٍ بِأَنْ قَالُوا إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدِ اضْطَرَبَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ عَائِشَةَ فِيهِ فِيمَنْ كَانَ الْإِمَامَ، هَلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَبُو بَكْرٍ؟ . وَأَمَّا مَالِكٌ فَلَيْسَ لَهُ مُسْتَنَدٌ مِنَ السَّمَاعِ لِأَنَّ كِلَا الْحَدِيثَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى جَوَازِ إِمَامَةِ الْقَاعِدِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي قِيَامِ الْمَأْمُومِ أَوْ قُعُودِهِ، حَتَّى إِنَّهُ لقَدْ قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ إِنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّاسَ صَلَّوْا لَا قِيَامًا وَلَا قُعُودًا، وَلَيْسَ يَجِبُ أَنْ يُتْرَكَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ لِشَيْءٍ لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الْمُصْعَبِ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَؤُمُّ النَّاسَ أَحَدٌ قَاعِدًا، فَإِن