الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَقَامِ الْمَأْمُومِ مِنَ الْإِمَامِ وَالْأَحْكَامِ الْخَاصَّةِ بِالْمَأْمُومِينَ]
الْفَصْلُ الثَّالِثُ
فِي مَقَامِ الْمَأْمُومِ مِنَ الْإِمَامِ، وَالْأَحْكَامِ الْخَاصَّةِ بِالْمَأْمُومِينَ ; الْمَسْأَلَةُ الأُولَى اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ سُنَّةَ الْوَاحِدِ الْمُنْفَرِدِ أَنْ يَقُومَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ لِثُبُوتِ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ، وَأَنَّهُمْ إِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً سِوَى الْإِمَامِ قَامُوا وَرَاءَهُ، وَاخْتَلَفُوا إِذَا كَانَا اثْنَيْنِ سِوَى الْإِمَامِ، فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُمَا يَقُومَانِ خَلْفَ الْإِمَامِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالْكُوفِيُّونَ: بَلْ يَقُومُ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: أَنَّ فِي ذَلِكَ حَدِيثَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ: أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «قُمْتُ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ جَاءَ جَابِرُ بْنُ صَخْرٍ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ جَاءَ، فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا، فَدَفَعَنَا حَتَّى قُمْنَا خَلْفَهُ» ، وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدِ فَقَامَ وَسَطَهُمَا، وَأَسْنَدَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَاخْتَلَفَ رُوَاةُ الْحَدِيثِ، فَبَعْضُهُمْ أَوْقَفَهُ وَبَعْضُهُمْ أَسْنَدَهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَأَمَّا أَنَّ سُنَّةَ الْمَرْأَةِ أَنْ تَقِفَ خَلْفَ الرَّجُلِ أَوِ الرِّجَالِ إِنْ كَانَ هُنَالِكَ رَجُلٌ سِوَى الْإِمَامِ، أَوْ خَلْفَ الْإِمَامِ إِنْ كَانَتْ وَحْدَهَا، فَلَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا لِثُبُوتِ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِ وَبِأُمِّهِ أَوْ خَالَتِهِ، قَالَ: فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ خَلْفَنَا» وَالَّذِي خَرَّجَهُ عَنْهُ أَيْضًا مَالِكٌ أَنَّهُ قَالَ «فَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ عليه الصلاة والسلام وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا» وَسُنَّةُ الْوَاحِدِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنْ يَقِفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ حِينَ بَاتَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ.
وَقَالَ قَوْمٌ: بَلْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمَرْأَةَ الْوَاحِدَةَ تُصَلِّي خَلْفَ الْإِمَامِ، وَأَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مَعَ الرَّجُلِ صَلَّى الرَّجُلُ إِلَى جَانِبِ الْإِمَامِ، وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ; أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ مُرَغَّبٌ فِيهِ، وَكَذَلِكَ تَرَاصُّ الصُّفُوفِ وَتَسْوِيَتُهَا لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاخْتَلَفُوا إِذَا صَلَّى إِنْسَانٌ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُ تُجْزِي.
وَقَالَ أَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَجَمَاعَةٌ: صَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ.
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: اخْتِلَافُهُمْ فِي تَصْحِيحِ حَدِيثِ وَابِصَةَ وَمُخَالَفَةُ الْعَمَلِ لَهُ، وَحَدِيثُ وَابِصَةَ هُوَ أَنَّهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا صَلَاةَ لِقَائِمٍ خَلْفَ الصَّفِّ» وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَرَى أَنَّ هَذَا يُعَارِضُهُ قِيَامُ الْعَجُوزِ وَحْدَهَا خَلْفَ الصَّفِّ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ.
وَكَانَ أَحْمَدُ يَقُولُ: لَيْسَ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ ; لِأَنَّ سُنَّةَ النِّسَاءِ هِيَ الْقِيَامُ خَلْفَ الرِّجَالِ. وَكَانَ أَحْمَدُ كَمَا قُلْنَا يُصَحِّحُ حَدِيثَ وَابِصَةَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ من مُضْطَرِب الْإِسْنَادِ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ فَلَمْ يَأْمُرْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْإِعَادَةِ، وَقَالَ لَهُ «زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» وَلَوْ حُمِلَ هَذَا عَلَى النَّدْبِ لَمْ يَكُنْ تَعَارُضٌ:(أَعْنِي: بَيْنَ حَدِيثِ وَابِصَةَ وَحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ; اخْتَلَفَ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ فِي الرَّجُلِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَيَسْمَعُ الْإِقَامَةَ هَلْ يُسْرِعُ الْمَشْيَ إِلَى الْمَسْجِدِ أَمْ لَا مَخَافَةَ أَنْ يَفُوتَهُ جُزْءٌ مِنَ الصَّلَاةِ؟ فَرُوِيَ عَنْ عَمْرٍو، وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسْرِعُونَ الْمَشْيَ إِذَا سَمِعُوا الْإِقَامَةَ، وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ السَّعْيَ، بَلْ أَنْ تُؤْتَى الصَّلَاةُ بِوَقَارٍ وَسَكِينَةٍ.
وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الثَّابِتِ: «إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ» .
وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ: أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ أَوْ رَأَوْا أَنَّ الْكِتَابَ يُعَارِضُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148] وَقَوْلِهِ: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة: 10]{أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة: 11] وَقَوْلِهِ: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] .