المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الباب الثالث وهو معرفة أحكام الحيض والاستحاضة] - بداية المجتهد ونهاية المقتصد - جـ ١

[ابن رشد الحفيد]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ مِنَ الْحَدَثِ] [

- ‌كِتَابُ الْوُضُوءِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي مَعْرِفَةُ أَعْمَالِ الْوُضُوءِ]

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْمِيَاهِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ وَهُوَ مَعْرِفَةُ الْأَفْعَالِ الَّتِي تُشْتَرَطُ هَذِهِ الطَّهَارَةُ فِي فِعْلِهَا]

- ‌[كِتَابُ الْغُسْلِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ نَوَاقِضِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِ هَذَيْنِ الْحَدَثَيْنِ الْجَنَابَةَ وَالْحَيْضَ]

- ‌[أَحْكَامُ الدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنَ الرَّحِمِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ أَنْوَاعُ الدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنَ الرَّحِمِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ]

- ‌[كِتَابُ التَّيَمُّمِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الطَّهَارَةِ الَّتِي هَذِهِ الطَّهَارَةُ بَدَلٌ مِنْهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ مَنْ تَجُوزُ لَهُ هَذِهِ الطَّهَارَةُ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ شُرُوطِ جَوَازِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَا تُصْنَعُ بِهِ هَذِهِ الطَّهَارَةُ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي نَوَاقِضِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي هَذِهِ الطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا أَوْ فِي اسْتِبَاحَتِهَا]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ مِنَ النَّجَسِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ أَنْوَاعِ النَّجَاسَاتِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَحَالِّ الَّتِي تُزَالُ عَنْهَا النَّجَاسَاتُ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي تُزَالُ بِهِ النجاسات]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الصِّفَةُ الَّتِي بِهَا تَزُولُ النجاسات]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي آدَابِ الِاسْتِنْجَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ] [

- ‌الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الشُّرُوطِ شُرُوطُ الصَّلَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ أَوْقَاتِ الصلاة]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَوْقَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ أَوْقَاتُ الصلاة الْمُوَسَّعَةُ وَالْمُخْتَارَةُ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ أَوْقَاتُ الضَّرُورَةِ وَالْعُذْرِ للصلاة]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ الْأَذَانُ]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْأَذَانِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الثَّانِي حُكْمُ الْأَذَانِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَقْتُ الْأَذَانِ]

- ‌[الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِي شُّرُوطِ الأذان]

- ‌[الْقِسْمُ الْخَامِسُ فِيمَا يَقُولُهُ السَّامِعُ لِلْمُؤَذِّنِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ الثَّانِي مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْإِقَامَةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْقِبْلَةِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ الرَّابِعِ فِيمَا يُجْزِئُ فِي اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ الْمَوَاضِعُ الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي مَعْرِفَةِ التُّرُوكِ الَّتِي هِيَ شُرُوطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّامِنُ فِي مَعْرِفَةِ النِّيَّةِ وَكَيْفِيَّةِ اشْتِرَاطِهَا فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَرْكَانُ الصَّلَاةِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ الْحَاضِرِ الْآمِنِ الصَّحِيحِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَقْوَالِ الصَّلَاةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ أَرْكَان في الصلاة]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ وَمَنْ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ وَأَحْكَامِ الْإِمَامِ الْخَاصَّةِ بِهِ]

- ‌[أَحْكَامُ الْإِمَامِ الْخَاصَّةِ بِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَقَامِ الْمَأْمُومِ مِنَ الْإِمَامِ وَالْأَحْكَامِ الْخَاصَّةِ بِالْمَأْمُومِينَ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي مَعْرِفَةِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَتْبَعَ فِيهِ الْإِمَامَ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي صِفَةِ اتِّبَاعِ المأموم للإمام]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِيمَا يَحْمِلُهُ الْإِمَامُ عَنِ الْمَأْمُومِينَ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي إِذَا فَسَدَتْ لَهَا صَلَاةُ الْإِمَامِ يَتَعَدَّى الْفَسَادُ إِلَى الْمَأْمُومِينَ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ في حكم الصلاة]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أَرْكَان الجمعة]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي أَحْكَامِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْقَصْرِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْجَمْعِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ الْقَوْلُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الرَّابِعَةُ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ وَجَبْرِ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ خَلَلٍ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْإِعَادَةِ مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي قَضَاء الصلاة]

- ‌[عَلَى مَنْ يَجِبُ قضَاء الصلاة]

- ‌[صِفَةُ قَضَاءِ الصلاة]

- ‌[قَضَاءُ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[قَضَاءُ بَعْضِ الصَّلَاةِ]

- ‌[قَضَاءُ بَعْضِ الصَّلَاةِ بِسَبَبِ النِّسْيَانِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ مِنَ الْجُمْلَةِ الرَّابِعَةِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[السُّجُودُ الَّذِي يَكُونُ لِلنِّسْيَانِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ السُّجُودِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ مَوَاضِعِ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي يَسْجُدُ لَهَا]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي مَعْرِفَةِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ بِمَاذَا يُنَبِّهُ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ السَّاهِيَ]

- ‌[السُّجُودُ الَّذِي يَكُونُ لِلشَّكِّ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ الثَّانِي]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ الْقَوْلُ فِي الْوِتْرِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي النَّوَافِلِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي رَكْعَتَيْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّامِنُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[الْبَابُ التَّاسِعُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ]

- ‌[كِتَابُ أَحْكَامِ الْمَيِّتِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ وَبَعْدَهُ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ الْغُسْلِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَنْ يَجِبُ غُسْلُهُ مِنَ الْمَوْتَى]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِيمَنْ يَجُوزُ أَنْ يُغَسِّلَ الْمَيِّتَ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ الْغُسْلِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْأَكْفَانِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ الْمَشْيِ مَعَ الْجَنَازَةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ صَلَاةِ الْجَنَازَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَمَنْ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي مَوَاضِعِ صلاة الجنازة]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي الدَّفْنِ]

الفصل: ‌[الباب الثالث وهو معرفة أحكام الحيض والاستحاضة]

الَّذِي وَرَدَتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ، وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ فَمَسْكُوتٌ عَنْهَا (أَعْنِي: عَنْ تَحْدِيدِهَا) وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ فِي انْتِقَالِ النِّفَاسِ إِلَى الِاسْتِحَاضَةِ.

[الْبَابُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ]

الْبَابُ الثَّالِثُ:

وَهُوَ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ.

وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْله تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] الْآيَةَ، وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا.

وَاتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ يَمْنَعُ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ:

أَحَدُهما: فِعْلُ الصَّلَاةِ وَوُجُوبُهَا (أَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ) وَالثَّانِي أَنَّهُ يَمْنَعُ فِعْلَ الصَّوْمِ لَا قَضَاءَهُ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الثَّابِتِ أَنَّهَا قَالَتْ:«كُنَّا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» وَإِنَّمَا قَالَ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهَا طَائِفَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ.

وَالثَّالِثُ - فِيمَا أَحْسَبُ - الطَّوَافُ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الثَّابِتِ حِينَ أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَفْعَلَ كُلَّ مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ.

وَالرَّابِعُ: الْجِمَاعُ فِي الْفَرْجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] الْآيَةَ.

وَاخْتَلَفُوا مِنْ أَحْكَامِهَا فِي مَسَائِلَ نَذْكُرُ مِنْهَا مَشْهُورَاتِهَا، وَهِيَ خَمْسٌ:

الْمَسْأَلَةُ الأُولَى:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ وَمَا يُسْتَبَاحُ مِنْهَا، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَهُ مِنْهَا مَا فَوْقَ الْإِزَارِ فَقَطْ.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ: إِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَ مَوْضِعَ الدَّمِ فَقَطْ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَالِاحْتِمَالُ الَّذِي فِي مَفْهُومِ آيَةِ الْحَيْضِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ عَنْ عَائِشَةَ، وَمَيْمُونَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَأْمُرُ إِذَا كَانَتْ إِحْدَاهُنَّ حَائِضًا أَنْ تَشُدَّ عَلَيْهَا إِزَارَهَا، ثُمَّ يُبَاشِرَهَا» ، وَوَرَدَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ بِالْحَائِضِ إِلَّا النِّكَاحَ» وَذَكَرَ أَبُو

ص: 62

دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا، وَهِيَ حَائِضٌ " اكْشِفِي عَنْ فَخِذِكِ، قَالَتْ: فَكَشَفْتُ، فَوَضَعَ خَدَّهُ وَصَدْرَهُ عَلَى فَخِذِي، وَحَنَيْتُ عَلَيْهِ حَتَّى دَفِئَ، وَكَانَ قَدْ أَوْجَعَهُ الْبَرْدُ» .

وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الَّذِي فِي آيَةِ الْحَيْضِ، فَهُوَ تَرَدُّدُ قَوْله تَعَالَى:{قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] بَيْنَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِهِ إِلَّا مَا خَصَّصَهُ الدَّلِيلُ، أَوْ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْعَامِّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى فِيهِ:{قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222] وَالْأَذَى إِنَّمَا يَكُونُ فِي مَوْضِعِ الدَّمِ.

فَمَنْ كَانَ الْمَفْهُومُ مِنْهُ عِنْدَهُ الْعُمُومَ (أَعْنِي أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْوَاجِبُ عِنْدَهُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا الْقَوْلُ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يُخَصِّصَهُ الدَّلِيلُ، اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ بِالسُّنَّةِ، إِذِ الْمَشْهُورُ جَوَازُ تَخْصِيصِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ) وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ الْعَامِّ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ رَجَّحَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى الْآثَارِ الْمَانِعَةِ مِمَّا تَحْتَ الْإِزَارِ، وَقَوِيَ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِالْآثَارِ الْمُعَارِضَةِ لِلْآثَارِ الْمَانِعَةِ مِمَّا تَحْتَ الْإِزَارِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ رَامَ الْجَمْعَ بَيْنَ هَذِهِ الْآثَارِ، وَبَيْنَ مَفْهُومِ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي نَبَّهَ عَلَيْهِ الْخِطَابُ الْوَارِدُ فِيهَا وَهُوَ كَوْنُهُ أَذًى، فَحَمَلَ أَحَادِيثَ الْمَنْعِ لِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ، وَأَحَادِيثَ الْإِبَاحَةِ وَمَفْهُومَ الْآيَةِ عَلَى الْجَوَازِ، وَرَجَّحُوا تَأْوِيلَهُمْ هَذَا بِأَنَّهُ قَدْ دَلَّتِ السُّنَّةُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِسْمِ الْحَائِضِ شَيْءٌ نَجِسٌ إِلَّا مَوْضِعُ الدَّمِ، وَذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ عَائِشَةَ أَنْ تُنَاوِلَهُ الْخُمْرَةَ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَتْ: إِنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» وَمَا ثَبَتَ أَيْضًا مِنْ تَرْجِيلِهَا رَأْسَهُ عليه الصلاة والسلام وَهِيَ حَائِضٌ، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ» .

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ

اخْتَلَفُوا فِي وَطْءِ الْحَائِضِ فِي طُهْرِهَا، وَقَبْلَ الِاغْتِسَالِ، فَذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ حَتَّى تَغْتَسِلَ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ إِذَا طَهُرَتْ لِأَكْثَرِ أَمَدِ الْحَيْضِ، وَهُوَ عِنْدَهُ

ص: 63

عَشَرَةُ أَيَّامٍ، وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ إِلَى أَنَّهَا إِنْ غَسَلَتْ فَرَجْهَا بِالْمَاءِ جَازَ وَطْؤُهَا (أَعْنِي كُلَّ حَائِضٍ طَهُرَتْ مَتَى طَهُرَتْ) وَبِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: الِاحْتِمَالُ الَّذِي فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] هَلِ الْمُرَادُ بِهِ الطُّهْرُ الَّذِي هُوَ انْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ أَمِ الطُّهْرُ بِالْمَاءِ؟ ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الطُّهْرَ بِالْمَاءِ، فَهَلِ الْمُرَادُ بِهِ طُهْرُ جَمِيعِ الْجَسَدِ أَمْ طُهْرُ الْفَرْجِ؟ فَإِنَّ الطُّهْرَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَعُرْفِ الشَّرْعِ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يُقَالُ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَعَانِي.

وَقَدْ رَجَّحَ الْجُمْهُورُ مَذْهَبَهُمْ بِأَنَّ صِيغَةَ التَّفَعُّلَ إِنَّمَا تَنْطَلِقُ عَلَى مَا يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الْمُكَلَّفِينَ، لَا عَلَى مَا يَكُونُ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِمْ، فَيَكُونُ قَوْله تَعَالَى:{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] أَظْهَرَ فِي مَعْنَى الْغُسْلِ بِالْمَاءِ مِنْهُ فِي الطُّهْرِ الَّذِي هُوَ انْقِطَاعُ الدَّمِ، وَالْأَظْهَرُ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ حَتَّى يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ، وَرَجَّحَ أَبُو حَنِيفَةَ مَذْهَبَهُ بِأَنَّ لَفْظَ يَفْعُلْنَ فِي قَوْله تَعَالَى:{حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] هُوَ أَظْهَرُ فِي الطُّهْرِ الَّذِي هُوَ انْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ مِنْهُ فِي التَّطَهُّرِ بِالْمَاءِ.

وَالْمَسْأَلَةُ كَمَا تَرَى مُحْتَمِلَةٌ.

وَيَجِبُ عَلَى مَنْ فَهِمَ مِنْ لَفْظِ الطُّهْرِ فِي قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] مَعْنًى وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ أَنْ يَفْهَمَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] لِأَنَّهُ مِمَّا لَيْسَ يُمْكِنُ أَوْ مِمَّا يَعْسُرُ أَنْ يُجْمَعَ فِي الْآيَةِ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي مُخْتَلِفَيْنِ حَتَّى يُفْهَمَ مِنْ لَفْظَةِ {يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]" النَّقَاءُ، وَيُفْهَمَ مِنْ لَفْظِ {تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] " الْغُسْلُ بِالْمَاءِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمَالِكِيِّينَ فِي الِاحْتِجَاجِ لِمَالِكٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ أَنْ يَقُولُوا لَا تُعْطِ فُلَانًا دِرْهَمًا حَتَّى يَدْخُلَ الدَّارَ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا، بَلْ إِنَّمَا يَقُولُونَ: وَإِذَا دَخَلَ الدَّارَ فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا ; لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ هِيَ مُؤَكِّدَةٌ لِمَفْهُومِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى.

وَمَنْ تَأَوَّلَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] عَلَى أَنَّهُ النَّقَاءُ، وَقَوْلَهُ:{فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] عَلَى أَنَّهُ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ لَا تُعْطِ فُلَانًا دِرْهَمًا حَتَّى يَدْخُلَ الدَّارَ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَأَعْطِهِ دِرْهَمًا، وَذَلِكَ غَيْرُ مَفْهُومٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَالِكَ مَحْذُوفٌ، وَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ وَيَتَطَهَّرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ، وَفِي تَقْدِيرِ هَذَا الْحَذْفِ بُعْدٌ أما، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: ظُهُورُ لَفْظِ التَّطَهُّرِ فِي مَعْنَى الِاغْتِسَالِ هُوَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ، لَكِنَّ هَذَا يُعَارِضُهُ ظُهُورُ عَدَمِ الْحَذْفِ فِي الْآيَةِ، فَإِنَّ الْحَذْفَ مَجَازٌ، وَحَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَظْهَرُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ، وَكَذَلِكَ فَرْضُ الْمُجْتَهِدِ هاهنَا إِذَا انْتَهَى بِنَظَرِهِ إِلَى مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يُوَازِنَ بَيْنَ الظَّاهِرَيْنِ، فَمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ عَمِلَ عَلَيْهِ (وَأَعْنِي بِالظَّاهِرَيْنِ أَنْ يُقَايِسَ بَيْنَ ظُهُورِ لَفْظِ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] فِي الِاغْتِسَالِ بِالْمَاءِ وَظُهُورِ عَدَمِ الْحَذْفِ فِي الْآيَةِ) إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَحْمِلَ لَفْظَ {تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] عَلَى

ص: 64

ظَاهِرِهِ مِنَ النَّقَاءِ، فَأَيُّ الظَّاهِرَيْنِ كَانَ عِنْدَهُ أَرْجَحَ عَمِلَ عَلَيْهِ أَعْنِي إِمَّا أَنْ لَا يُقَدِّرَ فِي الْآيَةِ حَذْفًا وَيَحْمِلَ لَفْظَ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] " عَلَى الْغُسْلِ بِالْمَاءِ، أَوْ يُقَايِسَ بَيْنَ ظُهُورِ لَفْظِ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: 222] " فِي الِاغْتِسَالِ وَظُهُورِ لَفْظِ {يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] فِي النَّقَاءِ. فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَظْهَرَ أَيْضًا صَرَفَ تَأْوِيلَ اللَّفْظِ الثَّانِي لَهُ وَعَمِلَ عَلَى أَنَّهُمَا يَدُلَّانِ فِي الْآيَةِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ أَعْنِي: إِمَّا عَلَى مَعْنَى النَّقَاءِ وَإِمَّا عَلَى مَعْنَى الِاغْتِسَالِ بِالْمَاءِ وَلَيْسَ فِي طِبَاعِ النَّظَرِ الْفِقْهِيِّ أَنْ يَنْتَهِيَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَتَأَمَّلْهُ.

وَفِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ.

وَأَمَّا اعْتِبَارُ أَبِي حَنِيفَةَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَضَعِيفٌ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ: إِنْ وَطِئَ فِي الدَّمِ فَعَلَيْهِ دِينَارٌ، وَإِنْ وَطِئَ فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ فَنِصْفُ دِينَارٍ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي صِحَّةِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ أَوْ وَهْيِهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ أَنَّهُ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ» .

«وَرُوِيَ عَنْهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ» . وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا أَنَّهُ «إِنْ وَطِئَ فِي الدَّمِ فَعَلَيْهِ دِينَارٌ» ، «وَإِنْ وَطِئَ فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ فَنِصْفُ دِينَارٍ» .

وَرُوِيَ فِي هَذَا الْحَدِيثُ «يَتَصَدَّقُ بِخُمْسَيْ دِينَارٍ» ، وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، فَمَنْ صَحَّ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ صَارَ إِلَى الْعَمَلِ بِهَا، وَمَنْ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْهَا وَهُمُ الْجُمْهُورُ عَمِلَ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ سُقُوطُ الْحُكْمِ حَتَّى يَثْبُتَ بِدَلِيلٍ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ، فَقَوْمٌ أَوْجَبُوا عَلَيْهَا طُهْرًا وَاحِدًا فَقَطْ، وَذَلِكَ عِنْدَمَا تَرَى أَنَّهُ قَدِ انْقَطَعَ حَيْضَهَا بِإِحْدَى تِلْكَ الْعَلَامَاتِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ عَلَى حَسَبِ مَذْهَبِ هَؤُلَاءِ فِي تِلْكَ الْعَلَامَاتِ.

وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَوْجَبُوا عَلَيْهَا طُهْرًا وَاحِدًا انْقَسَمُوا قِسْمَيْنِ:

فَقَوْمٌ أَوْجَبُوا عَلَيْهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَقَوْمٌ اسْتَحَبُّوا ذَلِكَ لَهَا وَلَمْ يُوجِبُوهُ عَلَيْهَا،

ص: 65

وَالَّذِينَ أَوْجَبُوا عَلَيْهَا طُهْرًا وَاحِدًا فَقَطْ هُمْ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُمْ وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَأَكْثَرُ هَؤُلَاءِ أَوْجَبُوا عَلَيْهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَبَعْضُهُمْ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهَا إِلَّا اسْتِحْبَابًا، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَقَوْمٌ آخَرُونَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ رَأَوْا أَنَّ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ أَنْ تَتَطَهَّرَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَقَوْمٌ رَأَوْا أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ تُؤَخِّرَ الظُّهْرَ إِلَى أَوَّلِ الْعَصْرِ، ثُمَّ تَتَطَهَّرَ وَتَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَكَذَلِكَ تُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ، وَتَتَطَهَّرُ طُهْرًا ثَانِيًا وَتَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ تَتَطَهَّرُ طُهْرًا ثَالِثًا لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَأَوْجَبُوا عَلَيْهَا ثَلَاثَةَ أَطْهَارٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ.

وَقَوْمٌ رَأَوْا أَنَّ عَلَيْهَا طُهْرًا وَاحِدًا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ لَمْ يَحُدَّ لَهُ وَقْتًا، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ.

وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنْ تَتَطَهَّرَ مِنْ طُهْرٍ إِلَى طُهْرٍ، فَيَتَحَصَّلُ فِي الْمَسْأَلَةِ بِالْجُمْلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلٌ إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا إِلَّا طُهْرٌ وَاحِدٌ فَقَطْ عِنْدَ انْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ.

وَقَوْلٌ: إِنَّ عَلَيْهَا الطُّهْرَ لِكُلِّ صَلَاةٍ.

وَقَوْلٌ: إِنَّ عَلَيْهَا ثَلَاثَةَ أَطْهَارٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ.

وَقَوْلٌ: إِنَّ عَلَيْهَا طُهْرًا وَاحِدًا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ.

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ اخْتِلَافُ ظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَارِدَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ وَاحِدٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَثَلَاثَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا.

أَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ فَحَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ «جَاءَتْ فَاطِمَةُ ابْنَةُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ لَهَا عليه الصلاة والسلام: لَا، إِنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ، فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي» وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ «وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ» وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَمْ يُخَرِّجْهَا الْبُخَارِيُّ وَلَا مُسْلِمٌ، وَخَرَّجَهَا أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ.

وَالْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ عَائِشَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «أَنَّهَا اسْتَحَاضَتْ فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ» .

وَهَذَا الْحَدِيثُ هَكَذَا أَسْنَدَهُ إِسْحَاقُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَمَّا سَائِرُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ، فَإِنَّمَا رَوَوْا عَنْهُ «أَنَّهَا اسْتُحِيضَتْ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهَا:" إِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ "

ص: 66

وَأَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّي، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ» عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي فَهِمَتْ مِنْهُ، لَا أَنْ ذَلِكَ مَنْقُولٌ مِنْ لَفْظِهِ عليه الصلاة والسلام وَمِنْ هَذَا الطَّرِيقِ خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ فَحَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ " أَنَّهَا قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ فَاطِمَةَ ابْنَةَ أَبِي حُبَيْشٍ اسْتُحِيضَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لِتَغْتَسِلْ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَلِلْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ غُسْلًا وَاحِدًا، وَتَغْتَسِلْ لِلْفَجْرِ، وَتَتَوَضَّأْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ.

وَأَمَّا الرَّابِعُ: فَحَدِيثُ حَمْنَةَ ابْنَةِ جَحْشٍ، وَفِيهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَهَا بَيْنَ أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ بِطُهْرٍ وَاحِدٍ عِنْدَمَا تَرَى أَنَّهُ قَدِ انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ، وَبَيْنَ أَنْ تَغْتَسِلَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» عَلَى حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ، إِلَّا أَنَّ هُنَالِكَ ظَاهِرُهُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَهُنَا عَلَى التَّخْيِيرِ، فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ ظَوَاهِرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي تَأْوِيلِهَا أَرْبَعَةَ مَذَاهِبَ: مَذْهَبَ النَّسْخِ، وَمَذْهَبَ التَّرْجِيحِ، وَمَذْهَبَ الْجَمْعِ، وَمَذْهَبَ الْبِنَاءِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَمْعِ وَالْبِنَاءِ أَنَّ الْبَانِيَ لَيْسَ يَرَى أَنَّ هُنَالِكَ تَعَارُضًا فَيَجْمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَأَمَّا الْجَامِعُ فَهُوَ يَرَى أَنَّ هُنَالِكَ تَعَارُضًا فِي الظَّاهِرِ، فَتَأَمَّلْ هَذَا، فَإِنَّهُ فَرْقٌ بَيِّنٌ.

أَمَّا مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ، فَمَنْ أَخَذَ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ ابْنَةِ حُبَيْشٍ لِمَكَانِ الِاتِّفَاقِ عَلَى صِحَّتِهِ، عَمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ، أَعْنِي مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهَا صلى الله عليه وسلم أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْمَذَاهِبِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ هَؤُلَاءِ، وَهُمُ الْجُمْهُورُ، وَمَنْ صَحَّتْ عِنْدَهُ مِنْ هَؤُلَاءِ الزِّيَادَةُ الْوَارِدَةُ فِيهِ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَمَنْ لَمْ تَصِحَّ عِنْدَهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهَا، وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ الْبِنَاءِ فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ حَدِيثِ فَاطِمَةَ وَحَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ الَّذِي مِنْ رُوَاتِهِ ابْنُ إِسْحَاقَ تَعَارُضٌ أَصْلًا، وَأَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ مِنْ ذَلِكَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ، فَإِنَّ حَدِيثَ فَاطِمَةَ إِنَّمَا وَقَعَ الْجَوَابُ فِيهِ عَنِ السُّؤَالِ، هَلْ ذَلِكَ الدَّمُ حَيْضٌ يَمْنَعُ الصَّلَاةَ أَمْ لَا؟ فَأَخْبَرَهَا عليه الصلاة والسلام أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَيْضَةٍ تَمْنَعُ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُخْبِرْهَا فِيهِ بِوُجُوبِ الطُّهْرِ أَصْلًا لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلَا عِنْدَ انْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ ; وَفِي حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ أَمَرَهَا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التَّطَهُّرُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، لَكِنْ لِلْجُمْهُورِ أَنْ

ص: 67

يَقُولُوا إِنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ، فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهَا الطُّهْرُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ، وَيَبْعُدُ أَنْ يَدَّعِيَ مُدَّعٍ أَنَّهَا كَانَتْ تَعْرِفُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ تَجْهَلُ الْفَرْقَ بَيْنَ الِاسْتِحَاضَةِ وَالْحَيْضِ.

وَأَمَّا تَرْكُهُ عليه الصلاة والسلام إِعْلَامَهَا بِالطُّهْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا عِنْدَ انْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ، فَمُضَمَّنٌ فِي قَوْلِهِ:«إِنَّهَا لَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ» ; لِأَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا مِنْ سُنَّتِهِ عليه الصلاة والسلام أَنَّ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ يُوجِبُ الْغُسْلَ، فَإِذًا إِنَّمَا لَمْ يُخْبِرْهَا بِذَلِكَ لِأَنَّهَا كَانَتْ عَالِمَةً بِهِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي وُجُوبِ الطُّهْرِ لِكُلِّ صَلَاةٍ إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ مُدَّعٍ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَمْ تَكُنْ قَبْلُ ثَابِتَةً وَثَبَتَتْ بَعْدُ، فَيَتَطَرَّقُ إِلَى ذَلِكَ الْمَسْأَلَةُ المَشْهُورَةُ: هَلِ الزِّيَادَةُ نَسْخٌ أَمْ لَا؟ وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ فَاطِمَةَ أَمْرُهُ عليه الصلاة والسلام لَهَا بِالْغُسْلِ، فَهَذَا هُوَ حَالُ مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ التَّرْجِيحِ وَمَذْهَبَ الْبِنَاءِ.

وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ مَذْهَبَ النَّسْخِ فَقَالَ: إِنَّ حَدِيثَ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ سَهْلَةَ بِنْتَ سُهَيْلٍ اسْتُحِيضَتْ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُهَا بِالْغُسْلِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، فَلَمَّا جَهَدَهَا ذَلِكَ أَمَرَهَا أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ، وَتَغْتَسِلَ ثَالِثًا لِلصُّبْحِ» .

وَأَمَّا الَّذِينَ ذَهَبُوا مَذْهَبَ الْجَمْعِ فَقَالُوا: إِنَّ حَدِيثَ فَاطِمَةَ ابْنَةِ حُبَيْشٍ مَحْمُولٌ عَلَى الَّتِي تَعْرِفُ أَيَّامَ الْحَيْضِ مِنْ أَيَّامِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَحَدِيثَ أُمِّ حَبِيبَةَ مَحْمُولٌ عَلَى الَّتِي لَا تَعْرِفُ ذَلِكَ، فَأُمِرَتْ بِالطُّهْرِ فِي كُلِّ وَقْتٍ احْتِيَاطًا لِلصَّلَاةِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ إِذَا قَامَتْ إِلَى الصَّلَاةِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ طَهُرَتْ فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ.

وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ ابْنَةِ عُمَيْسٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى الَّتِي لَا يَتَمَيَّزُ لَهَا أَيَّامُ الْحَيْضِ مِنْ أَيَّامِ الِاسْتِحَاضَةِ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ يَنْقَطِعُ عَنْهَا فِي أَوْقَاتٍ فَهَذِهِ إِذَا انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ بِذَلِكَ الْغُسْلِ صَلَاتَيْنِ.

وَهُنَا قَوْمٌ ذَهَبُوا مَذْهَبَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ حَدِيثَيْ أُمِّ حَبِيبَةَ وَأَسْمَاءَ وَاحْتَجُّوا لِذَلِكَ بِحَدِيثِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ وَفِيهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيَّرَهَا " وَهَؤُلَاءِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُخَيَّرَةَ هِيَ الَّتِي لَا تَعْرِفُ أَيَّامَ حَيْضَتِهَا.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ هِيَ الْمُسْتَحَاضَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ عَارِفَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ عَارِفَةٍ، وَهَذَا هُوَ قَوْلٌ خَامِسٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، إِلَّا أَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ حَمْنَةَ ابْنَةِ جَحْشٍ إِنَّمَا هُوَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا بِطُهْرٍ وَاحِدٍ، وَبَيْنَ أَنْ تَتَطَهَّرَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَأَمَّا

ص: 68

مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ تَطَّهَّرَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَلَعَلَّهُ إِنَّمَا أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهَا لِمَكَانِ الشَّكِّ، وَلَسْتُ أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ أَثَرًا.

الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: فَقَالَ قَوْمٌ: يَجُوزُ وَطْؤُهَا، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ.

وَقَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ يَجُوزُ وَطْؤُهَا، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ.

وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا إِلَّا أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ بِهَا، وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلْ إِبَاحَةُ الصَّلَاةِ لَهَا هِيَ رُخْصَةٌ لِمَكَانِ تَأْكِيدِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ، أَمْ إِنَّمَا أُبِيحَتْ لَهَا الصَّلَاةُ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الطَّاهِرِ؟ فَمَنْ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ رُخْصَةٌ لَمْ يُجِزْ لِزَوْجِهَا أَنْ يَطَأَهَا، وَمَنْ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الطَّاهِرِ أَبَاحَ لَهَا ذَلِكَ، وَهِيَ بِالْجُمْلَةِ مَسْأَلَةٌ مَسْكُوتٌ عَنْهَا. وَأَمَّا التَّفْرِيقُ بَيْنَ الطُّولِ وَلَا طُولَ فَاسْتِحْسَانٌ.

ص: 69