المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الباب الثاني معرفة أعمال الوضوء] - بداية المجتهد ونهاية المقتصد - جـ ١

[ابن رشد الحفيد]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ مِنَ الْحَدَثِ] [

- ‌كِتَابُ الْوُضُوءِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي مَعْرِفَةُ أَعْمَالِ الْوُضُوءِ]

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْمِيَاهِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ وَهُوَ مَعْرِفَةُ الْأَفْعَالِ الَّتِي تُشْتَرَطُ هَذِهِ الطَّهَارَةُ فِي فِعْلِهَا]

- ‌[كِتَابُ الْغُسْلِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ نَوَاقِضِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِ هَذَيْنِ الْحَدَثَيْنِ الْجَنَابَةَ وَالْحَيْضَ]

- ‌[أَحْكَامُ الدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنَ الرَّحِمِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ أَنْوَاعُ الدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنَ الرَّحِمِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ]

- ‌[كِتَابُ التَّيَمُّمِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الطَّهَارَةِ الَّتِي هَذِهِ الطَّهَارَةُ بَدَلٌ مِنْهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ مَنْ تَجُوزُ لَهُ هَذِهِ الطَّهَارَةُ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ شُرُوطِ جَوَازِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَا تُصْنَعُ بِهِ هَذِهِ الطَّهَارَةُ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي نَوَاقِضِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي هَذِهِ الطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا أَوْ فِي اسْتِبَاحَتِهَا]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ مِنَ النَّجَسِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ أَنْوَاعِ النَّجَاسَاتِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَحَالِّ الَّتِي تُزَالُ عَنْهَا النَّجَاسَاتُ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي تُزَالُ بِهِ النجاسات]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الصِّفَةُ الَّتِي بِهَا تَزُولُ النجاسات]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي آدَابِ الِاسْتِنْجَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ] [

- ‌الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الشُّرُوطِ شُرُوطُ الصَّلَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ أَوْقَاتِ الصلاة]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَوْقَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ أَوْقَاتُ الصلاة الْمُوَسَّعَةُ وَالْمُخْتَارَةُ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ أَوْقَاتُ الضَّرُورَةِ وَالْعُذْرِ للصلاة]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ الْأَذَانُ]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْأَذَانِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الثَّانِي حُكْمُ الْأَذَانِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَقْتُ الْأَذَانِ]

- ‌[الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِي شُّرُوطِ الأذان]

- ‌[الْقِسْمُ الْخَامِسُ فِيمَا يَقُولُهُ السَّامِعُ لِلْمُؤَذِّنِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ الثَّانِي مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْإِقَامَةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْقِبْلَةِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ الرَّابِعِ فِيمَا يُجْزِئُ فِي اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ الْمَوَاضِعُ الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي مَعْرِفَةِ التُّرُوكِ الَّتِي هِيَ شُرُوطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّامِنُ فِي مَعْرِفَةِ النِّيَّةِ وَكَيْفِيَّةِ اشْتِرَاطِهَا فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَرْكَانُ الصَّلَاةِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ الْحَاضِرِ الْآمِنِ الصَّحِيحِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَقْوَالِ الصَّلَاةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ أَرْكَان في الصلاة]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ وَمَنْ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ وَأَحْكَامِ الْإِمَامِ الْخَاصَّةِ بِهِ]

- ‌[أَحْكَامُ الْإِمَامِ الْخَاصَّةِ بِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَقَامِ الْمَأْمُومِ مِنَ الْإِمَامِ وَالْأَحْكَامِ الْخَاصَّةِ بِالْمَأْمُومِينَ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي مَعْرِفَةِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَتْبَعَ فِيهِ الْإِمَامَ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي صِفَةِ اتِّبَاعِ المأموم للإمام]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِيمَا يَحْمِلُهُ الْإِمَامُ عَنِ الْمَأْمُومِينَ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي إِذَا فَسَدَتْ لَهَا صَلَاةُ الْإِمَامِ يَتَعَدَّى الْفَسَادُ إِلَى الْمَأْمُومِينَ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ في حكم الصلاة]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أَرْكَان الجمعة]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي أَحْكَامِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْقَصْرِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْجَمْعِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ الْقَوْلُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الرَّابِعَةُ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ وَجَبْرِ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ خَلَلٍ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْإِعَادَةِ مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي قَضَاء الصلاة]

- ‌[عَلَى مَنْ يَجِبُ قضَاء الصلاة]

- ‌[صِفَةُ قَضَاءِ الصلاة]

- ‌[قَضَاءُ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[قَضَاءُ بَعْضِ الصَّلَاةِ]

- ‌[قَضَاءُ بَعْضِ الصَّلَاةِ بِسَبَبِ النِّسْيَانِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ مِنَ الْجُمْلَةِ الرَّابِعَةِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[السُّجُودُ الَّذِي يَكُونُ لِلنِّسْيَانِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ السُّجُودِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ مَوَاضِعِ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي يَسْجُدُ لَهَا]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي مَعْرِفَةِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ بِمَاذَا يُنَبِّهُ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ السَّاهِيَ]

- ‌[السُّجُودُ الَّذِي يَكُونُ لِلشَّكِّ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ الثَّانِي]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ الْقَوْلُ فِي الْوِتْرِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي النَّوَافِلِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي رَكْعَتَيْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّامِنُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[الْبَابُ التَّاسِعُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ]

- ‌[كِتَابُ أَحْكَامِ الْمَيِّتِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ وَبَعْدَهُ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ الْغُسْلِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَنْ يَجِبُ غُسْلُهُ مِنَ الْمَوْتَى]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِيمَنْ يَجُوزُ أَنْ يُغَسِّلَ الْمَيِّتَ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ الْغُسْلِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْأَكْفَانِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ الْمَشْيِ مَعَ الْجَنَازَةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ صَلَاةِ الْجَنَازَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَمَنْ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي مَوَاضِعِ صلاة الجنازة]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي الدَّفْنِ]

الفصل: ‌[الباب الثاني معرفة أعمال الوضوء]

وُجُوبِهَا الْإِسْلَامُ أَمْ لَا؟ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ قَلِيلَةٌ الْغَنَاءِ فِي الْفِقْهِ، لِأَنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى الْحُكْمِ الْأُخْرَوِيِّ. وَأَمَّا مَتَى تَجِبُ، فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ، وَأَرَادَ الْإِنْسَانُ الْفِعْلَ الَّذِي الْوُضُوءُ شَرْطٌ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُتَعَلِّقًا بِوَقْتٍ، أَمَّا وُجُوبُهُ عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُحْدِثِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] الْآيَةَ، فَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ، وَمِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ دُخُولُ الْوَقْتِ. وَأَمَّا دَلِيلُ وُجُوبِهِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْأَفْعَالِ الَّتِي هُوَ شَرْطٌ فِيهَا فَسَيَأْتِي ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُفْعَلُ الْوُضُوءُ مِنْ أَجْلِهَا، وَاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ.

[الْبَابُ الثَّانِي مَعْرِفَةُ أَعْمَالِ الْوُضُوءِ]

الْبَابُ الثَّانِي - وَأَمَّا مَعْرِفَةُ فِعْلِ الْوُضُوءِ: فَالْأَصْلُ فِيهِ مَا وَرَدَ مِنْ صِفَتِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] . وَمَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْآثَارِ الثَّابِتَةِ، وَيَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مَسَائِلُ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَشْهُورَةٌ تَجْرِي مَجْرَى الْأُمَّهَاتِ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى مَعْرِفَةِ الشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ وَصِفَةِ الْأَفْعَالِ وَأَعْدَادِهَا وَتَعْيِينِهَا وَتَحْدِيدِ مَحَالِّ أَنْوَاعِ أَحْكَامِ جَمِيعِ ذَلِكَ.

الْمَسْأَلَةُ الأُولَى مِنَ الشُّرُوطِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ هَلِ النِّيَّةُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْوُضُوءِ أَمْ لَا؟ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] .

وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ. فَذَهَبَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ إِلَى أَنَّهَا شَرْطٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُدَ، وَذَهَبَ فَرِيقٌ آخَرُ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ تَرَدُّدُ الْوُضُوءِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً مَحْضَةً أَعْنِي: غَيْرَ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَا الْقُرْبَةُ فَقَطْ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ عِبَادَةً مَعْقُولَةَ الْمَعْنَى كَغَسْلِ النَّجَاسَةِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الْعِبَادَةَ الْمَحْضَةَ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى النِّيَّةِ، وَالْعِبَادَةَ الْمَفْهُومَةَ الْمَعْنَى غَيْرُ مُفْتَقِرَةٍ إِلَى النِّيَّةِ، وَالْوُضُوءُ فِيهِ شَبَهٌ مِنَ الْعِبَادَتَيْنِ، وَلِذَلِكَ وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَجْمَعُ عِبَادَةً وَنَظَافَةً، وَالْفِقْهُ أَنْ يُنْظَرَ بِأَيِّهِمَا هُوَ أَقْوَى شَبَهًا فَيُلْحَقَ بِهِ.

ص: 15

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْأَحْكَامِ

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي غَسْلِ الْيَدِ قَبْلَ إِدْخَالِهَا فِي إِنَاءِ الْوُضُوءِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ بِإِطْلَاقٍ، وَإِنْ تَيَقَّنَ طَهَارَةَ الْيَدِ، وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.

وَقِيلَ: إِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِلشَّاكِّ فِي طَهَارَةِ يَدِهِ ; وَهُوَ أَيْضًا مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ. وَقِيلَ: إِنَّ غَسْلَ الْيَدِ وَاجِبٌ عَلَى الْمُنْتَبِهِ مِنَ النَّوْمِ، وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ وَأَصْحَابُهُ.

وَفَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَ نَوْمِ اللَّيْلِ وَنَوْمِ النَّهَارِ، فَأَوْجَبُوا ذَلِكَ فِي نَوْمِ اللَّيْلِ وَلَمْ يُوجِبُوهُ فِي نَوْمِ النَّهَارِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ.

فَتَحَصَّلَ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلٌ: إِنَّهُ سُنَّةٌ بِإِطْلَاقٍ، وَقَوْلٌ: إِنَّهُ اسْتِحْبَابٌ لِلشَّاكِّ، وَقَوْلٌ: إِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُنْتَبِهِ مِنْ النَوْمٍ، وَقَوْلٌ: إِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُنْتَبِهِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ دُونَ نَوْمِ النَّهَارِ.

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ، اخْتِلَافُهُمْ فِي مَفْهُومِ الثَّابِتِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ:«إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا الْإِنَاءَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» .

وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ: " فَلْيَغْسِلْهَا ثَلَاثًا ".

فَمَنْ لَمْ يَرَ بَيْنَ الزِّيَادَةِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا فِي آيَةِ الْوُضُوءِ مُعَارَضَةً، وَبَيْنَ آيَةِ الْوُضُوءِ - حَمَلَ لَفْظَ الْأَمْرِ هَاهُنَا عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ الْوُجُوبِ، وَجَعَلَ ذَلِكَ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِ الْوُضُوءِ، وَمَنْ فَهِمَ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ لَفْظِ الْبَيَاتِ نَوْمَ اللَّيْلِ أَوْجَبَ ذَلِكَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ فَقَطْ، وَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ مِنْهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا فَهِمَ مِنْهُ النَّوْمَ فَقَطْ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ مُسْتَيْقِظٍ مِنَ النَّوْمِ نَهَارًا أَوْ لَيْلًا، وَمَنْ رَأَى أَنَّ بَيْنَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَالْآيَةِ تَعَارُضًا، إِذْ كَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ حَصْرُ فُرُوضِ الْوُضُوءِ - كَانَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ أَنْ يُخْرِجَ لَفْظَ الْأَمْرِ عَنْ ظَاهِرِهِ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ إِلَى النَّدْبِ، وَمَنْ تَأَكَّدَ عِنْدَهُ هَذَا النَّدْبُ لِمُثَابَرَتِهِ عليه الصلاة والسلام عَلَى ذَلِكَ، قَالَ: إِنَّهُ مِنْ جِنْسِ السُّنَنِ، وَمَنْ لَمْ يَتَأَكَّدْ عِنْدَهُ هَذَا النَّدْبُ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ الْمَنْدُوبِ الْمُسْتَحَبِّ.

وَهَؤُلَاءِ غَسْلُ الْيَدِ عِنْدَهُمْ بِهَذِهِ الْحَالِ إِذَا تُيُقِّنَتْ طَهَارَتُهَا: أَعْنِي مَنْ يَقُولُ إِنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ، وَمَنْ يَقُولُ إِنَّهُ نَدْبٌ.

ص: 16

وَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عِلَّةً تُوجِبُ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ، كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُ مَنْدُوبًا لِلْمُسْتَيْقِظِ مِنَ النَّوْمِ فَقَطْ، وَمَنْ فَهِمَ مِنْهُ عِلَّةَ الشَّكِّ، وَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْخَاصِّ أُرِيدَ بِهِ الْعَامُّ، كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُ لِلشَّاكِّ ; لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّائِمِ. وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ حُكْمُ الْيَدِ فِي الْوُضُوءِ، وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهِ حُكْمُ الْمَاءِ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ إِذْ كَانَ الْمَاءُ مُشْتَرَطًا فِيهِ الطَّهَارَةُ، وَأَمَّا مَنْ نَقَلَهُ مِنْ غَسْلِهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ قَبْلَ إِدْخَالِهَا فِي الْإِنَاءِ فِي أَكْثَرِ أَحْيَانِهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حُكْمِ الْيَدِ عَلَى أَنْ يَكُونَ غَسْلُهَا فِي الِابْتِدَاءِ مِنْ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حُكْمِ الْمَاءِ، أَعْنِي أَنْ لَا يَنْجُسَ أَوْ يَقَعَ فِيهِ شَكٌّ إِنْ قُلْنَا إِنَّ الشَّكَّ مُؤَثِّرٌ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ الْأَرْكَانِ اخْتَلَفُوا فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الْوُضُوءِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: قَوْلٌ: إِنَّهُمَا سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلٌ: إِنَّهُمَا فَرْضٌ فِيهِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ دَاوُدَ، وَقَوْلٌ: إِنَّ الِاسْتِنْشَاقَ فَرْضٌ وَالْمَضْمَضَةَ سُنَّةٌ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي كَوْنِهَا فَرْضًا أَوْ سُنَّةً: اخْتِلَافُهُمْ فِي السُّنَنِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، هَلْ هِيَ زِيَادَةٌ تَقْتَضِي مُعَارَضَةَ آيَةِ الْوُضُوءِ أَوْ لَا تَقْتَضِي ذَلِكَ؟ فَمَنْ رَأَى أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ إِنْ حُمِلَتْ عَلَى الْوُجُوبِ اقْتَضَتْ مُعَارَضَةَ الْآيَةِ، إِذِ الْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ تَأْصِيلُ هَذَا الْحُكْمِ وَتَبْيِينُهُ - أَخْرَجَهَا مِنْ بَابِ الْوُجُوبِ إِلَى بَابِ النَّدْبِ، وَمَنْ لَمْ يَرَ أَنَّهَا تَقْتَضِي مُعَارَضَةً حَمَلَهَا عَلَى الظَّاهِرِ مِنَ الْوُجُوبِ، وَمَنِ اسْتَوَتْ عِنْدَهُ هَذِهِ الْأَقْوَالُ وَالْأَفْعَالُ فِي حَمْلِهَا عَلَى الْوُجُوبِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ الْقَوْلُ مَحْمُولًا عَلَى الْوُجُوبِ وَالْفِعْلُ مَحْمُولًا عَلَى النَّدْبِ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَضْمَضَةَ نُقِلَتْ مِنْ فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام وَلَمْ تُنْقَلْ مِنْ أَمْرِهِ. وَأَمَّا الِاسْتِنْشَاقُ فَمِنْ أَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام وَفِعْلِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:«إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً، ثُمَّ لْيَنْثُرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» خَرَّجَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ، وَالْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ تَحْدِيدِ الْمَحَالِّ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ غَسْلَ الْوَجْهِ بِالْجُمْلَةِ مِنْ فَرَائِضِ

ص: 17

الْوُضُوءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] وَاخْتَلَفُوا مِنْهُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي غَسْلِ الْبَيَاضِ الَّذِي بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ، وَفِي غَسْلِ مَا انْسَدَلَ مِنَ اللِّحْيَةِ، وَفِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ.

فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ الْبَيَاضُ الَّذِي بَيْنَ الْعِذَارِ وَالْأُذُنِ مِنَ الْوَجْهِ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَذْهَبِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْأَمْرَدِ وَالْمُلْتَحِي، فَيَكُونُ فِي الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: هُوَ مِنَ الْوَجْهِ، وَأَمَّا مَا انْسَدَلَ مِنَ اللِّحْيَةِ، فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى وُجُوبِ إِمْرَارِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُوجِبْهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ: هُوَ خَفَاءُ تَنَاوُلِ اسْمِ الْوَجْهِ لِهَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ أَعْنِي: هَلْ يَتَنَاوَلُهُمَا أَوْ لَا يَتَنَاوَلُهُمَا؟ وَأَمَّا تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ: فَمَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَيْسَ وَاجِبًا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْوُضُوءِ، وَأَوْجَبَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي صِحَّةِ الْآثَارِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا الْأَمْرُ بِتَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ، مَعَ أَنَّ الْآثَارَ الصِّحَاحَ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا صِفَةُ وُضِوئِهِ عليه الصلاة والسلام لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا التَّخْلِيلُ.

الْمَسْأَلَةُ الخَامِسَةُ مِنَ التَّحْدِيدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ غَسْلَ الْيَدَيْنِ وَالذِّرَاعَيْنِ مِنْ فُرُوضِ الْوُضُوءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] وَاخْتَلَفُوا فِي إِدْخَالِ الْمَرَافِقِ فِيهَا ; فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى وُجُوبِ إِدْخَالِهَا، وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَبَعْضُ مُتَأَخِرِي أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالطَّبَرِيِّ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِدْخَالُهَا فِي الْغَسْلِ.

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ: الِاشْتِرَاكُ الَّذِي فِي حَرْفِ (إِلَى) وَفِي اسْمِ الْيَدِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّ حَرْفَ (إِلَى) مَرَّةً يَدُلُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى الْغَايَةِ، وَمَرَّةً يَكُونُ بِمَعْنَى (مَعَ) وَالْيَدُ أَيْضًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تُطْلَقُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ عَلَى الْكَفِّ فَقَطْ، وَعَلَى الْكَفِّ وَالذِّرَاعِ، وَعَلَى الْكَفِّ وَالذِّرَاعِ وَالْعَضُدِ.

فَمَنْ جَعَلَ (إِلَى) بِمَعْنَى (مَعَ) أَوْ فَهِمَ مِنَ الْيَدِ مَجْمُوعَ الثَّلَاثَةِ الْأَعْضَاءِ أَوْجَبَ دُخُولَهَا فِي الْغَسْلِ، وَمَنْ فَهِمَ مِنْ (إِلَى) الْغَايَةَ وَمِنَ الْيَدِ مَا دُونَ الْمِرْفَقِ وَلَمْ يَكُنِ الْحَدُّ عِنْدَهُ دَاخِلًا فِي الْمَحْدُودِ لَمْ يُدْخِلْهُمَا فِي الْغَسْلِ.

وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: " أَنَّهُ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ الْيُسْرَى كَذَلِكَ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ»

ص: 18

وَهُوَ حُجَّةٌ لِقَوْلِ مَنْ أَوْجَبَ إِدْخَالَهَا فِي الْغَسْلِ ; لِأَنَّهُ إِذَا تَرَدَّدَ اللَّفْظُ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ وَجَبَ أَنْ لَا يُصَارَ إِلَى أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَإِنْ كَانَتْ (إِلَى) فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَظَهَرَ فِي مَعْنَى الْغَايَةِ مِنْهَا فِي مَعْنَى (مَعَ) وَكَذَلِكَ اسْمُ الْيَدِ أَظَهَرُ فِيمَا دُونَ الْعَضُدِ مِنْهُ فِيمَا فَوْقَ الْعَضُدِ، فَقَوْلُ مَنْ لَمْ يُدْخِلْهَا مِنْ جِهَةِ الدَّلَالَةِ اللَّفْظِيَّةِ أَرَجَحُ، وَقَوْلُ مَنْ أَدْخَلَهَا مِنْ جِهَةِ هَذَا الْأَثَرِ أَبْيَنُ، إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ هَذَا الْأَثَرُ عَلَى النَّدْبِ، وَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمِلَةٌ كَمَا تَرَى، وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إِنَّ الْغَايَةَ إِذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسِ ذِي الْغَايَةِ دَخَلَتْ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ جِنْسِهِ لَمْ تَدْخُلْ فِيهِ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ مِنَ التَّحْدِيدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ مِنْ فُرُوضِ الْوُضُوءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَدْرِ الْمُجْزِئِ مِنْهُ. فَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مَسْحُهُ كُلُّهُ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ مَسْحَ بَعْضِهِ هُوَ الْفَرْضُ، وَمِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ مَنْ حَدَّ هَذَا الْبَعْضَ بِالثُّلُثِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَدَّهُ بِالثُّلُثَيْنِ، وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَحَدَّهُ بِالرُّبُعِ، وَحَدَّ مَعَ هَذَا الْقَدْرَ مِنَ الْيَدِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْمَسْحُ، فَقَالَ: إِنْ مَسَحَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ لَمْ يُجْزِهِ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلَمْ يَحُدَّ فِي الْمَاسِحِ وَلَا فِي الْمَمْسُوحِ حَدًّا.

وَأَصْلُ هَذَا الِاخْتِلَافِ الِاشْتِرَاكُ الَّذِي فِي الْبَاءِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا مَرَّةً تَكُونُ زَائِدَةً مِثْلَ قَوْله تَعَالَى:{تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20] عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ " تُنْبِتُ " بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ مِنْ " أَنْبَتَ "، وَمَرَّةً تَدُلُّ عَلَى التَّبْعِيضِ مِثْلَ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَخَذْتُ بِثَوْبِهِ وَبِعَضُدِهِ، وَلَا مَعْنَى لِإِنْكَارِ هَذَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ (أَعْنِي كَوْنَ الْبَاءِ مُبَعِّضَةً) وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ مِنَ النَّحْوِيِّينَ.

فَمَنْ رَآهَا زَائِدَةً أَوْجَبَ مَسْحَ الرَّأْسِ كُلِّهِ ; وَمَعْنَى الزَّائِدَةِ هَاهُنَا كَوْنُهَا مُؤَكِّدَةً، وَمَنْ رَآهَا مُبَعِّضَةً أَوْجَبَ مَسْحَ بَعْضِهِ.

وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ رَجَّحَ هَذَا الْمَفْهُومَ بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ «أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ» خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ.

وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْبَاءَ زَائِدَةٌ بَقِيَ هَاهُنَا أَيْضًا احْتِمَالٌ آخَرُ، وَهُوَ هَلِ الْوَاجِبُ الْأَخْذُ بِأَوَائِلِ الْأَسْمَاءِ أَوْ بِأَوَاخِرِهَا.

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ مِنَ الْأَعْدَادِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ طَهَارَةِ الْأَعْضَاءِ الْمَغْسُولَةِ مَرَّةً مَرَّةً إِذَا أَسْبَغَ، وَأَنَّ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِمَا، لِمَا صَحَّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَتَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَتَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا» وَلِأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ يَقْتَضِي إِلَّا الْفِعْلَ مَرَّةً مَرَّةً (أَعْنِي الْأَمْرَ

ص: 19

الْوَارِدَ فِي الْغَسْلِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ) وَاخْتَلَفُوا فِي تَكَرُّرِ مَسْحِ الرَّأْسِ هَلْ هُوَ فَضِيلَةٌ أَمْ لَيْسَ فِي تَكْرِيرِهِ فَضِيلَةٌ.

فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ مَنْ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا يَمْسَحُ رَأْسَهُ أَيْضًا ثَلَاثًا، وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ يَرَوْنَ أَنَّ الْمَسْحَ لَا فَضِيلَةَ فِي تَكْرِيرِهِ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي قَبُولِ الزِّيَادَةِ الْوَارِدَةِ فِي الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ إِذَا أَتَتْ مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يَرْوِهَا الْأَكْثَرُ، وَذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي رُوِيَ فِيهَا أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ لَمْ يُنْقَلْ فِيهَا إِلَّا أَنَّهُ مَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلَاثًا، وَعَضَّدَ الشَّافِعِيُّ وُجُوبَ قَبُولِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِظَاهِرِ عُمُومِ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا» ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ عُمُومِ هَذَا اللَّفْظِ وَإِنْ كَانَ مِنْ لَفْظِ الصَّحَابِيِّ، هُوَ حَمْلُهُ عَلَى سَائِرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَإِنْ صَحَّتْ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا ; لِأَنَّ مَنْ سَكَتَ عَنْ شَيْءٍ لَيْسَ هُوَ بِحُجَّةٍ عَلَى مَنْ ذَكَرَهُ.

وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَوْجَبَ تَجْدِيدَ الْمَاءِ لِمَسْحِ الرَّأْسِ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا نَفَدَ الْمَاءُ مَسَحَ رَأْسَهُ بِبَلَلِ لِحْيَتِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ حَبِيبٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.

وَيُسْتَحَبُّ فِي صِفَةِ الْمَسْحِ أَنْ يَبْدَأَ بِمُقَدَّمِ الرَّأْسِ فَيُمِرُّ يَدَيْهِ إِلَى قَفَاهُ، ثُمَّ يَرُدُّهُمَا إِلَى حَيْثُ بَدَأَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الثَّابِتِ.

وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَخْتَارُ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ مُؤَخَّرِ الرَّأْسِ، وَذَلِكَ أَيْضًا مَرْوِيٌّ مِنْ صِفَةِ وُضُوئِهِ عليه الصلاة والسلام مِنْ حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ مِنْ تَعْيِينِ الْمَحَالِّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ، فَأَجَازَ ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ وَجَمَاعَةٌ، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافُهُمْ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْأَثَرِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ وَغَيْرِهِ " أَنَّهُ - «عليه الصلاة والسلام مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ» " وَقِيَاسًا عَلَى الْخُفِّ، وَلِذَلِكَ اشْتَرَطَ أَكْثَرُهُمْ

لُبْسُهَا عَلَى طَهَارَةٍ، وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا رَدَّهُ مِنْ رَدَّهُ، إِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ

ص: 20

يَصِحَّ عِنْدَهُ، وَإِمَّا لِأَنَّ ظَاهِرَ الْكِتَابِ عَارَضَهُ عِنْدَهُ (أَعْنِي الْأَمْرَ فِيهِ بِمَسْحِ الرَّأْسِ) وَإِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَهِرِ الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ اشْتِهَارَ الْعَمَلِ فِيمَا نُقِلَ مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ وَبِخَاصَّةٍ فِي الْمَدِينَةِ عَلَى الْمَعْلُومِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ يَرَى اشْتِهَارَ الْعَمَلِ، وَهُوَ حَدِيثٌ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ فِيهِ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: إِنَّهُ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَلَمْ يَذْكُرِ النَّاصِيَةَ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَشْتَرِطْ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ الْمَسْحَ عَلَى النَّاصِيَةِ، إِذْ لَا يَجْتَمِعُ الْأَصْلُ وَالْبَدَلُ فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ.

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ مِنَ الْأَرْكَانِ اخْتَلَفُوا فِي مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَوْ فَرِيضَةٌ، وَهَلْ يُجَدَّدُ لَهُمَا الْمَاءُ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ بَعْضُ النَّاسِ إِلَى أَنَّهُ فَرِيضَةٌ، وَأَنَّهُ يُجَدَّدُ لَهُمَا الْمَاءُ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَيَتَأَوَّلُونَ مَعَ هَذَا أَنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ لِقَوْلِهِ فِيهِمَا: إِنَّهُمَا مِنَ الرَّأْسِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: مَسْحُهُمَا فَرْضٌ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُمَا يُمْسَحَانِ مَعَ الرَّأْسِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَسْحُهُمَا سُنَّةٌ، وَيُجَدَّدُ لَهُمَا الْمَاءُ. وَقَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ جَمَاعَةٌ أَيْضًا مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ ; وَيَتَأَوَّلُونَ أَيْضًا أَنَّهُ قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: حُكْمُ مَسْحِهِمَا حُكْمُ الْمَضْمَضَةِ.

وَأَصْلُ اخْتِلَافِهِمْ فِي كَوْنِ مَسْحِهِمَا سُنَّةً أَوْ فَرْضًا: اخْتِلَافُهُمْ فِي الْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ، (أَعْنِي مَسْحَهُ عليه الصلاة والسلام أُذُنَيْهِ) هَلْ هِيَ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ فَيَكُونَ حُكْمُهُمَا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّدْبِ لِمَكَانِ التَّعَارُضِ الَّذِي يُتَخَيَّلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْآيَةِ إِنْ حُمِلَتْ عَلَى الْوُجُوبِ، أَمْ هِيَ مُبَيِّنَةٌ لِلْمُجْمَلِ الَّذِي فِي الْكِتَابِ فَيَكُونَ حُكْمُهُمَا حُكْمَ الرَّأْسِ فِي الْوُجُوبِ، فَمَنْ أَوْجَبَهُمَا جَعَلَهَا مُبَيِّنَةً لِمُجْمَلِ الْكِتَابِ، وَمَنْ لَمْ يُوجِبْهُمَا جَعَلَهَا زَائِدَةً كَالْمَضْمَضَةِ، وَالْآثَارُ الْوَارِدَةُ بِذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَثْبُتْ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَهِيَ قَدِ اشْتُهِرَ الْعَمَلُ بِهَا.

وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي تَجْدِيدِ الْمَاءِ لَهُمَا: فَسَبَبُهُ تَرَدُّدُ الْأُذُنَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا عُضْوًا مُفْرَدًا بِذَاتِهِ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، أَوْ يَكُونَا جُزْءًا مِنَ الرَّأْسِ. وَقَدْ شَذَّ قَوْمٌ فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُمَا يُغْسَلَانِ مَعَ الْوَجْهِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنْ يُمْسَحُ بَاطِنُهُمَا مَعَ الرَّأْسِ وَيُغْسَلُ ظَاهِرُهُمَا مَعَ الْوَجْهِ، وَذَلِكَ لِتَرَدُّدِ هَذَا الْعُضْوِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جُزْءًا مِنَ الْوَجْهِ أَوْ جُزْءًا مِنَ الرَّأْسِ، وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ مَعَ اشْتِهَارِ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ بِالْمَسْحِ، وَاشْتِهَارِ الْعَمَلِ بِهِ. وَالشَّافِعِيُّ يَسْتَحِبُّ فِيهِمَا التَّكْرَارَ كَمَا يَسْتَحِبُّهُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ.

الْمَسْأَلَةُ العَاشِرَةُ مِنَ الصِّفَاتِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنّ الرِّجْلَيْنِ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي نَوْعِ طَهَارَتِهِمَا، فَقَالَ قَوْمٌ: طَهَارَتُهُمَا الْغَسْلُ، وَهُمُ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ قَوْمٌ: فَرْضُهُمَا الْمَسْحُ، وَقَالَ

ص: 21

قَوْمٌ: بَلْ طَهَارَتُهُمَا تَجُوزُ بِالنَّوْعَيْنِ: الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، وَأَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى اخْتِيَارِ الْمُكَلَّفِ، وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمُ الْقِرَاءَتَانِ الْمَشْهُورَتَانِ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ: أَعْنِي قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ (وَأَرْجُلَكُمْ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْمَغْسُولِ، وَقِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ:(وَأَرْجُلِكُمْ) بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى الْمَمْسُوحِ، وَذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَةَ النَّصْبِ ظَاهِرَةٌ فِي الْغَسْلِ، وَقِرَاءَةَ الْخَفْضِ ظَاهِرَةٌ فِي الْمَسْحِ كَظُهُورِ تِلْكَ فِي الْغَسْلِ، فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ فَرْضَهُمَا وَاحِدٌ مِنْ هَاتَيْنِ الطَّهَارَتَيْنِ عَلَى التَّعْيِينِ إِمَّا الْغَسْلُ وَإِمَّا الْمَسْحُ ذَهَبَ إِلَى تَرْجِيحِ ظَاهِرِ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ، وَصَرَفَ بِالتَّأْوِيلِ ظَاهِرَ الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى مَعْنَى ظَاهِرِ الْقِرَاءَةِ الَّتِي تَرَجَّحَتْ عِنْدَهُ.

وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ دَلَالَةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْقِرَاءَتَيْنِ عَلَى ظَاهِرِهَا عَلَى السَّوَاءِ، وَأَنَّهُ لَيْسَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى ظَاهِرِهَا أَدَلَّ مِنَ الثَّانِيَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا أَيْضًا جَعَلَ ذَلِكَ مِنَ الْوَاجِبِ الْمُخَيَّرِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَدَاوُدُ.

وَلِلْجُمْهُورِ تَأْوِيلَاتٌ فِي قِرَاءَةِ الْخَفْضِ، أَجْوَدُهَا أَنَّ ذَلِكَ عَطْفٌ عَلَى اللَّفْظِ لَا عَلَى الْمَعْنَى، إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِثْلَ قَوْلِ الشَّاعِرِ:

لَعِبَ الزَّمَانُ بِهَا وَغَيَّرَهَا

بَعْدِي سَوَافِي الْمُورِ وَالْقَطْرِ

بِالْخَفْضِ، وَلَوْ عَطَفَ عَلَى الْمَعْنَى لَرَفَعَ " الْقَطْرِ ".

وَأَمَّا الْفَرِيقُ الثَّانِي، وَهُمُ الَّذِينَ أَوْجَبُوا الْمَسْحَ، فَإِنَّهُمْ تَأَوَّلُوا قِرَاءَةَ النَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا عَطْفٌ عَلَى الْمَوْضِعِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلَا الْحَدِيدَا

وَقَدْ رَجَّحَ الْجُمْهُورُ قِرَاءَتَهُمْ هَذِهِ بِالثَّابِتِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام إِذْ قَالَ فِي قَوْمٍ لَمْ يَسْتَوْفُوا غَسْلَ أَقْدَامِهِمْ فِي الْوُضُوءِ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» قَالُوا: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغَسْلَ هُوَ الْفَرْضُ ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِتَرْكِهِ الْعِقَابُ، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَقَعَ الْوَعِيدُ عَلَى أَنَّهُمْ تَرَكُوا أَعْقَابَهُمْ دُونَ غَسْلٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي الْغَسْلِ فَفَرْضُهُ الْغَسْلُ فِي جَمِيعِ الْقَدَمِ، كَمَا أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي الْمَسْحِ فَفَرْضُهُ الْمَسْحُ عِنْدَ مَنْ يُخَيِّرُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا جَاءَ فِي أَثَرٍ آخَرَ خَرَّجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ أَنَّهُ قَالَ: فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَى: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» وَهَذَا الْأَثَرُ وَإِنْ كَانَتِ الْعَادَةُ قَدْ جَرَتْ بِالِاحْتِجَاجِ بِهِ فِي مَنْعِ الْمَسْحِ، فَهُوَ أَدَلُّ عَلَى جَوَازِهِ مِنْهُ عَلَى مَنْعِهِ ; لِأَنَّ الْوَعِيدَ إِنَّمَا تَعَلَّقَ فِيهِ بِتَرْكِ التَّعْمِيمِ لَا بِنَوْعِ الطَّهَارَةِ، بَلْ سَكَتَ عَنْ نَوْعِهَا، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهَا.

وَجَوَازُ الْمَسْحِ هُوَ أَيْضًا مَرْوِيٌّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَكِنْ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى، وَالْغَسْلُ أَشَدُّ مُنَاسَبَةً لِلْقَدَمَيْنِ مِنَ الْمَسْحِ كَمَا أَنَّ الْمَسْحَ أَشَدُّ مُنَاسَبَةً لِلرَّأْسِ مِنَ

ص: 22

الْغَسْلِ، إِذْ كَانَتِ الْقَدَمَانِ لَا يُنْفَى دَنَسُهُمَا غَالِبًا إِلَّا بِالْغَسْلِ، وَيُنْفَى دَنَسُ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ وَذَلِكَ أَيْضًا غَالِبٌ، وَالْمَصَالِحُ الْمَعْقُولَةُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا لِلْعِبَادَاتِ الْمَفْرُوضَةِ حَتَّى يَكُونَ الشَّرْعُ لَاحَظَ فِيهِمَا مَعْنَيَيْنِ: مَعْنًى مَصْلَحِيًّا، وَمَعْنًى عِبَادِيًّا (وَأَعْنِي بِالْمَصْلَحِيِّ: مَا رَجَعَ إِلَى الْأُمُورِ الْمَحْسُوسَةِ، وَبِالْعِبَادِيِّ: مَا رَجَعَ إِلَى زَكَاةِ النَّفْسِ) .

وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي الْكَعْبَيْنِ هَلْ يَدْخُلَانِ فِي الْمَسْحِ أَوْ فِي الْغَسْلِ عِنْدَ مَنْ أَجَازَ الْمَسْحَ؟ وَأَصْلُ اخْتِلَافِهِمْ الِاشْتِرَاكُ الَّذِي فِي حَرْفِ (إِلَى) أَعْنِي: فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي اشْتِرَاكِ هَذَا الْحَرْفِ فِي قَوْله تَعَالَى: {إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] لَكِنَّ الِاشْتِرَاكَ وَقَعَ هُنَالِكَ مِنْ جِهَتَيْنِ مَنِ اشْتَرَاكِ اسْمِ الْيَدِ، وَمِنِ اشْتَرَاكِ حَرْفِ (إِلَى) وَهُنَا مِنْ قِبَلِ اشْتِرَاكِ حَرْفِ (إِلَى) فَقَطْ.

وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْكَعْبِ مَا هُوَ، وَذَلِكَ لِاشْتِرَاكِ اسْمِ الْكَعْبِ وَاخْتِلَافِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي دَلَالَتِهِ، فَقِيلَ: هُمَا الْعَظْمَانِ اللَّذَانِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، وَقِيلَ: هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ فِي طَرَفِ السَّاقِ، وَلَا خِلَافَ فِيمَا أَحْسَبُ فِي دُخُولِهِمَا فِي الْغَسْلِ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّهُمَا عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ إِذَا كَانَا جُزْءًا مِنَ الْقَدَمِ، لِذَلِكَ قَالَ قَوْمٌ: إِنَّهُ إِذَا كَانَ الْحَدُّ مِنْ جِنْسِ الْمَحْدُودِ دَخَلَتِ الْغَايَةُ فِيهِ: (أَعْنِي الشَّيْءَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ حَرْفُ " إِلَى ")، وإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْمَحْدُودِ لَا يَدْخُلْ فِيهِ مِثْلَ قَوْله تَعَالَى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] .

الْمَسْأَلَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنَ الشُّرُوطِ:

اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ تَرْتِيبِ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ عَلَى نَسَقِ الْآيَةِ. فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ سُنَّةٌ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ عَنِ الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَدَاوُدُ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ فَرِيضَةٌ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ.

وَهَذَا كُلُّهُ فِي تَرْتِيبِ الْمَفْرُوضِ مَعَ الْمَفْرُوضِ، وَأَمَّا تَرْتِيبُ الْأَفْعَالِ الْمَفْرُوضَةِ مَعَ الْأَفْعَالِ الْمَسْنُونَةِ، فَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ مُسْتَحَبٌّ ; وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ سُنَّةٌ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا الِاشْتِرَاكُ الَّذِي فِي وَاوِ الْعَطْفِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يُعْطَفُ بِهَا الْأَشْيَاءُ الْمُرَتَّبَةُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَقَدْ يُعْطَفُ بِهَا غَيْرُ الْمُرَتَّبَةِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنِ اسْتِقْرَاءِ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَلِذَلِكَ انْقَسَمَ النَّحْوِيُّونَ فِيهَا قِسْمَيْنِ، فَقَالَ نُحَاةُ الْبَصْرَةِ: لَيْسَ تَقْتَضِي نَسَقًا وَلَا تَرْتِيبًا، وَإِنَّمَا تَقْتَضِي الْجَمْعَ فَقَطْ، وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: بَلْ تَقْتَضِي النَّسَقَ وَالتَّرْتِيبَ ; فَمَنْ رَأَى أَنَّ الْوَاوَ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ قَالَ بِإِيجَابِ التَّرْتِيبِ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ لَمْ يَقُلْ بِإِيجَابِهِ.

وَالسَّبَبُ الثَّانِي: اخْتِلَافُهُمْ فِي أَفْعَالِهِ عليه الصلاة والسلام هَلْ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ؟ فَمَنْ حَمَلَهَا عَلَى الْوُجُوبِ قَالَ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ تَوَضَّأَ قَطُّ إِلَّا مُرَتَّبًا.

ص: 23