الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ: فَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ الْحَاضِرِ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ لَمْ يُتِمَّ، وَإِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ، فَهَذَا حُكْمُ الْقَضَاءِ الَّذِي يَكُونُ لِبَعْضِ الصَّلَاةِ مِنْ قِبَلِ سَبْقِ الْإِمَامِ لَهُ.
[قَضَاءُ بَعْضِ الصَّلَاةِ بِسَبَبِ النِّسْيَانِ]
; وَأَمَّا حُكْمُ الْقَضَاءِ لِبَعْضِ الصَّلَاةِ الَّذِي يَكُونُ لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ مِنْ قِبَلِ النِّسْيَانِ: فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مِنْهَا رُكْنًا فَهُوَ يُقْضَى - أَعْنِي فَرِيضَةً -، وَأَنَّهُ لَيْسَ يُجْزِي مِنْهُ إِلَّا الْإِتْيَانُ بِهِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ اخْتَلَفُوا فِيهَا، بَعْضُهُمْ أَوْجَبَ فِيهَا الْقَضَاءَ، وَبَعْضُهُمْ أَوْجَبَ فِيهَا الْإِعَادَةَ.
مِثْلُ مَنْ نَسِيَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، سَجْدَةً مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ، فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: يُصْلِحُ الرَّابِعَةَ بِأَنْ يَسْجُدَ لَهَا، وَيُبْطِلُ مَا قَبْلَهَا مِنَ الرَّكَعَاتِ ثُمَّ يَأْتِي بِهَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَوْمٌ قَالُوا: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِأَسْرِهَا وَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَقَوْمٌ قَالُوا: يَأْتِي بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ وَتَكْمُلُ بِهَا صَلَاتُهُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ. وَقَوْمٌ قَالُوا: يُصْلِحُ الرَّابِعَةَ وَيَعْتَدُّ بِسَجْدَتَيْنِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
وَسَبَبُ الْخِلَافِ فِي هَذَا: مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ، فَمَنْ رَاعَاهُ فِي السَّجَدَاتِ والرَّكَعَاتِ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ، وَمَنْ رَاعَاهُ فِي السَّجَدَاتِ أَبْطَلَ الرَّكَعَاتِ مَا عَدَا الْأَخِيرَةَ، قِيَاسًا عَلَى قَضَاءِ مَا فَاتَ الْمَأْمُومَ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ. وَمَنْ لَمْ يُرَاعِ التَّرْتِيبَ أَجَازَ سُجُودَهَا مَعًا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا اعْتَقَدَ أَنَّ التَّرْتِيبَ لَيْسَ هُوَ وَاجِبًا فِي الْفِعْلِ الْمُكَرَّرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ - أَعْنِي السُّجُودَ -، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ تَشْتَمِلُ عَلَى قِيَامٍ وَانْحِنَاءٍ وَسُجُودٍ، وَالسُّجُودُ مُكَرَّرٌ، فَزَعَمَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ السُّجُودَ لَمَّا كَانَ مُكَرَّرًا لَمْ يَجِبْ أَنْ يُرَاعِيَ فِيهِ التَّكْرِيرَ فِي التَّرْتِيبِ.
وَمِنْ هَذَا الْجِنْسِ اخْتِلَافُ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِيمَنْ نَسِيَ قِرَاءَةَ أُمِّ الْقُرْآنِ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَقِيلَ: لَا يَعْتَدُّ بِالرَّكْعَةِ وَيَقْضِيهَا، وَقِيلَ: يُعِيدُ الصَّلَاةَ، وَقِيلَ: يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ. وَفُرُوعُ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّهَا غَيْرُ مَنْطُوقٍ بِهِ، وَلَيْسَ قَصْدُنَا هَاهُنَا إِلَّا مَا يَجْرِي مَجْرَى الْأُصُولِ.
[الْبَابُ الثَّالِثُ مِنَ الْجُمْلَةِ الرَّابِعَةِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ]
[السُّجُودُ الَّذِي يَكُونُ لِلنِّسْيَانِ]
[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ السُّجُودِ]
الْبَابُ الثَّالِثُ مِنَ الْجُمْلَةِ الرَّابِعَةِ: فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَالسُّجُودُ الْمَنْقُولُ فِي الشَّرِيعَةِ فِي أَحَدِ مَوْضِعَيْنِ:
إِمَّا عِنْدَ الزِّيَادَةِ أَوِ النُّقْصَانِ اللَّذَيْنِ يَقَعَانِ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَأَقْوَالِهَا مِنْ قِبَلِ النِّسْيَانِ لَا مِنْ قِبَلِ الْعَمْدِ.
وَإِمَّا عِنْدَ الشَّكِّ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ.
فَأَمَّا السُّجُودُ الَّذِي يَكُونُ مِنْ قِبَلِ النِّسْيَانِ لَا مِنْ قِبَلِ الشَّكِّ، فَالْكَلَامُ فِيهِ يَنْحَصِرُ فِي سِتَّةِ فُصُولٍ:
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ السُّجُودِ.
الثَّانِي: فِي مَعْرِفَةِ مَوَاضِعِهِ مِنَ الصَّلَاةِ.
الثَّالِثُ: فِي مَعْرِفَةِ الْجِنْسِ مِنَ الْأَفْعَالِ، وَالْأَفْعَالِ الَّتِي يَسْجُدُ لَهَا.
الرَّابِعُ: فِي صِفَةِ سُجُودِ السَّهْوِ.
الْخَامِسُ: فِي مَعْرِفَةِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ.
السَّادِسُ: بِمَاذَا يُنَبِّهُ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ السَّاهِيَ عَلَى سَهْوِهِ.
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ اخْتَلَفُوا فِي سُجُودِ السَّهْوِ هَلْ هُوَ فَرْضٌ أَوْ سُنَّةٌ؟ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ فَرْضٌ لَكِنْ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ. وَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ السُّجُودِ لِلسَّهْوِ فِي الْأَفْعَالِ، وَبَيْنَ السُّجُودِ لِلسَّهْوِ فِي الْأَقْوَالِ، وَبَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، فَقَالَ: سُجُودُ السَّهْوِ الَّذِي يَكُونُ لِلْأَفْعَالِ النَّاقِصَةِ وَاجِبٌ، وَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ، هَذَا فِي الْمَشْهُورِ، وَعَنْهُ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ لِلنُّقْصَانِ وَاجِبٌ، وَسُجُودُ الزِّيَادَةِ مَنْدُوبٌ.
وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمُ: اخْتِلَافُهُمْ فِي حِمْلِ أَفْعَالِهِ عليه الصلاة والسلام فِي ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى النَّدْبِ:
فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَحَمَلَ أَفْعَالَهُ عليه الصلاة والسلام فِي السُّجُودِ عَلَى الْوُجُوبِ، إِذْ كَانَ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمْ، إِذْ جَاءَ بَيَانًا لِوَاجِبٍ كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام:«صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» .
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَحَمَلَ أَفْعَالَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ، وَأَخْرَجَهَا عَنِ الْأَصْلِ بِالْقِيَاسِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ السُّجُودُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَيْسَ يَنُوبُ عَنْ فَرْضٍ، وَإِنَّمَا يَنُوبُ عَنْ نَدْبٍ رَأَى أَنَّ الْبَدَلَ عَمَّا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لَيْسَ هُوَ بِوَاجِبٍ.
وَأَمَّا مَالِكٌ فَتَأَكَّدَتْ عِنْدَهُ الْأَفْعَالُ أَكْثَرَ مِنَ الْأَقْوَالِ، لِكَوْنِهَا مِنْ صُلْبِ الصَّلَاةِ أَكْثَرَ مِنَ الْأَقْوَالِ - أَعْنِي: أَنَّ الْفُرُوضَ الَّتِي هِيَ أَفْعَالٌ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ فُرُوضِ الْأَقْوَالِ -، فَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْأَفْعَالَ آكَدُ مِنَ الْأَقْوَالِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ يَنُوبُ سُجُودُ السَّهْوِ إِلَّا عَمَّا كَانَ مِنْهَا لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَتَفْرِيقُهُ أَيْضًا بَيْنَ سُجُودِ النُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لِيَكُونَ سُجُودُ النُّقْصَانِ شُرِعَ بَدَلًا مِمَّا سَقَطَ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ، وَسُجُودُ الزِّيَادَةِ كَأَنَّهُ اسْتِغْفَارٌ لَا بَدَلٌ.