المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفصل الأول في القصر] - بداية المجتهد ونهاية المقتصد - جـ ١

[ابن رشد الحفيد]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ مِنَ الْحَدَثِ] [

- ‌كِتَابُ الْوُضُوءِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي مَعْرِفَةُ أَعْمَالِ الْوُضُوءِ]

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْمِيَاهِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ وَهُوَ مَعْرِفَةُ الْأَفْعَالِ الَّتِي تُشْتَرَطُ هَذِهِ الطَّهَارَةُ فِي فِعْلِهَا]

- ‌[كِتَابُ الْغُسْلِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ نَوَاقِضِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي أَحْكَامِ هَذَيْنِ الْحَدَثَيْنِ الْجَنَابَةَ وَالْحَيْضَ]

- ‌[أَحْكَامُ الدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنَ الرَّحِمِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ أَنْوَاعُ الدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنَ الرَّحِمِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَعْرِفَةُ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ]

- ‌[كِتَابُ التَّيَمُّمِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الطَّهَارَةِ الَّتِي هَذِهِ الطَّهَارَةُ بَدَلٌ مِنْهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ مَنْ تَجُوزُ لَهُ هَذِهِ الطَّهَارَةُ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ شُرُوطِ جَوَازِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَا تُصْنَعُ بِهِ هَذِهِ الطَّهَارَةُ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي نَوَاقِضِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي هَذِهِ الطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا أَوْ فِي اسْتِبَاحَتِهَا]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ مِنَ النَّجَسِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ هَذِهِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ أَنْوَاعِ النَّجَاسَاتِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَحَالِّ الَّتِي تُزَالُ عَنْهَا النَّجَاسَاتُ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي تُزَالُ بِهِ النجاسات]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الصِّفَةُ الَّتِي بِهَا تَزُولُ النجاسات]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي آدَابِ الِاسْتِنْجَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ] [

- ‌الْجُمْلَةُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الشُّرُوطِ شُرُوطُ الصَّلَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ أَوْقَاتِ الصلاة]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَوْقَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ أَوْقَاتُ الصلاة الْمُوَسَّعَةُ وَالْمُخْتَارَةُ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ أَوْقَاتُ الضَّرُورَةِ وَالْعُذْرِ للصلاة]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ الْأَذَانُ]

- ‌[الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْأَذَانِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ الثَّانِي حُكْمُ الْأَذَانِ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَقْتُ الْأَذَانِ]

- ‌[الْقِسْمُ الرَّابِعُ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فِي شُّرُوطِ الأذان]

- ‌[الْقِسْمُ الْخَامِسُ فِيمَا يَقُولُهُ السَّامِعُ لِلْمُؤَذِّنِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ الثَّانِي مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْإِقَامَةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْقِبْلَةِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي مِنَ الْبَابِ الرَّابِعِ فِيمَا يُجْزِئُ فِي اللِّبَاسِ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ الْمَوَاضِعُ الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي مَعْرِفَةِ التُّرُوكِ الَّتِي هِيَ شُرُوطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّامِنُ فِي مَعْرِفَةِ النِّيَّةِ وَكَيْفِيَّةِ اشْتِرَاطِهَا فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَرْكَانُ الصَّلَاةِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ الْحَاضِرِ الْآمِنِ الصَّحِيحِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي أَقْوَالِ الصَّلَاةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي هِيَ أَرْكَان في الصلاة]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ] [

- ‌الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ وَمَنْ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ وَأَحْكَامِ الْإِمَامِ الْخَاصَّةِ بِهِ]

- ‌[أَحْكَامُ الْإِمَامِ الْخَاصَّةِ بِهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَقَامِ الْمَأْمُومِ مِنَ الْإِمَامِ وَالْأَحْكَامِ الْخَاصَّةِ بِالْمَأْمُومِينَ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي مَعْرِفَةِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنْ يَتْبَعَ فِيهِ الْإِمَامَ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي صِفَةِ اتِّبَاعِ المأموم للإمام]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ فِيمَا يَحْمِلُهُ الْإِمَامُ عَنِ الْمَأْمُومِينَ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي إِذَا فَسَدَتْ لَهَا صَلَاةُ الْإِمَامِ يَتَعَدَّى الْفَسَادُ إِلَى الْمَأْمُومِينَ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ في حكم الصلاة]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أَرْكَان الجمعة]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي أَحْكَامِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْقَصْرِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي الْجَمْعِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ الْقَوْلُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ مِنَ الْجُمْلَةِ الثَّالِثَةِ فِي صَلَاةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[الْجُمْلَةُ الرَّابِعَةُ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ وَجَبْرِ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ خَلَلٍ]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْإِعَادَةِ مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي قَضَاء الصلاة]

- ‌[عَلَى مَنْ يَجِبُ قضَاء الصلاة]

- ‌[صِفَةُ قَضَاءِ الصلاة]

- ‌[قَضَاءُ جُمْلَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[قَضَاءُ بَعْضِ الصَّلَاةِ]

- ‌[قَضَاءُ بَعْضِ الصَّلَاةِ بِسَبَبِ النِّسْيَانِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ مِنَ الْجُمْلَةِ الرَّابِعَةِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[السُّجُودُ الَّذِي يَكُونُ لِلنِّسْيَانِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمِ السُّجُودِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَعْرِفَةِ مَوَاضِعِ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي مَعْرِفَةِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي يَسْجُدُ لَهَا]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي مَعْرِفَةِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ]

- ‌[الْفَصْلُ السَّادِسُ بِمَاذَا يُنَبِّهُ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ السَّاهِيَ]

- ‌[السُّجُودُ الَّذِي يَكُونُ لِلشَّكِّ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ الثَّانِي]

- ‌[الْبَابُ الْأَوَّلُ الْقَوْلُ فِي الْوِتْرِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي النَّوَافِلِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي رَكْعَتَيْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ]

- ‌[الْبَابُ السَّابِعُ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّامِنُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[الْبَابُ التَّاسِعُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ]

- ‌[كِتَابُ أَحْكَامِ الْمَيِّتِ] [

- ‌الْبَابُ الْأَوَّلُ فِيمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهِ عِنْدَ الِاحْتِضَارِ وَبَعْدَهُ]

- ‌[الْبَابُ الثَّانِي فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي حُكْمِ الْغُسْلِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَنْ يَجِبُ غُسْلُهُ مِنَ الْمَوْتَى]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِيمَنْ يَجُوزُ أَنْ يُغَسِّلَ الْمَيِّتَ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ الْغُسْلِ]

- ‌[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْأَكْفَانِ]

- ‌[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي صِفَةِ الْمَشْيِ مَعَ الْجَنَازَةِ]

- ‌[الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي صِفَةِ صَلَاةِ الْجَنَازَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَمَنْ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ]

- ‌[الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ]

- ‌[الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِي مَوَاضِعِ صلاة الجنازة]

- ‌[الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ]

- ‌[الْبَابُ السَّادِسُ فِي الدَّفْنِ]

الفصل: ‌[الفصل الأول في القصر]

فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ، وَجَمَاعَةً مِنَ الْعُلَمَاءِ اعْتَقَدُوا أَنَّ هَذِهِ السَّاعَاتِ هِيَ سَاعَاتُ النَّهَارِ فَنَدَبُوا إِلَى الرَّوَاحِ مِنْ النَّهَارِ، وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهَا أَجْزَاءُ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، وَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ أَجْزَاءُ سَاعَةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِوُجُوبِ السَّعْيِ بَعْدَ الزَّوَالِ إِلَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْوَاجِبَ يَدْخُلُهُ الْفَضِيلَةُ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ ; وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقْتَ النِّدَاءِ فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا بفسخ الْبَيْع إِذَا وَقَعَ النِّدَاءِ، وَقَوْم قَالُوا: لَا يُفْسَخُ.

وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ: هَلِ النَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي أَصْلُهُ مُبَاحٌ إِذَا تَقَيَّدَ النَّهْيُ بِصِفَةٍ يَعُودُ بِفَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَمْ لَا؟ .

وَآدَابُ الْجُمُعَةِ ثَلَاثٌ: الطِّيبُ، وَالسِّوَاكُ، وَاللِّبَاسُ الْحَسَنُ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ لِوُرُودِ الْآثَارِ بِذَلِكَ.

[الْبَابُ الرَّابِعُ فِي صَلَاةِ السَّفَرِ]

[الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي الْقَصْرِ]

الْبَابُ الرَّابِعُ

فِي صَلَاةِ السَّفَرِ - وَهَذَا الْبَابُ فِيهِ فَصْلَانِ:

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي الْقَصْرِ. الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي الْجَمْعِ

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

فِي الْقَصْرِ وَالسَّفَرُ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الْقَصْرِ بِاتِّفَاقٍ، وَفِي الْجَمْعِ بِاخْتِلَافٍ.

أَمَّا الْقَصْرُ فَإِنَّهُ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ قَصْرِ الصَّلَاةِ لِلْمُسَافِرِ إِلَّا قَوْلًا شَاذًّا، وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ: وَهُوَ أَنَّ الْقَصْرَ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِلْخَائِفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] وَقَالُوا: إِنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام إِنَّمَا قَصَرَ ; لِأَنَّهُ كَانَ خَائِفًا، وَاخْتَلَفُوا مِنْ ذَلِكَ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ:

أَحَدُهَا: فِي حُكْمِ الْقَصْرِ. وَالثَّانِي: فِي الْمَسَافَةِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْقَصْرُ. وَالثَّالِثُ: فِي السَّفَرِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْقَصْرُ. وَالرَّابِعُ: فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَبْدَأُ مِنْهُ الْمُسَافِرُ بِالتَّقْصِيرِ. وَالْخَامِسُ: فِي مِقْدَارِ الزَّمَانِ الَّذِي يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ فِيهِ إِذَا أَقَامَ فِي مَوْضِعٍ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلَاةَ.

فَأَمَّا حُكْمُ الْقَصْرِ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ الْقَصْرَ هُوَ فَرْضُ الْمُسَافِرِ الْمُتَعَيَّنُ عَلَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ الْقَصْرَ وَالْإِتْمَامَ كِلَاهُمَا فَرْضٌ مُخَيَّرٌ لَهُ كَالْخِيَارِ فِي وَاجِبِ الْكَفَّارَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّ الْقَصْرَ سُنَّةٌ. وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّهُ رُخْصَةٌ وَأَنَّ الْإِتْمَامَ

ص: 176

أَفْضَلُ، وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَالْكُوفِيُّونَ بِأَسْرِهِمْ (أَعْنِي أَنَّهُ فَرْضٌ مُتَعَيَّنٌ) وَبِالثَّانِي قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَبِالثَّالِثِ (أَعْنِي أَنَّهُ سُنَّةٌ) قَالَ مَالِكٌ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ.

وَبِالرَّابِعِ (أَعْنِي أَنَّهُ رُخْصَةٌ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ، وَهُوَ الْمَنْصُورُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ.

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: مُعَارَضَةُ الْمَعْقُولِ لِصِيغَةِ اللَّفْظِ الْمَنْقُولِ، وَمُعَارَضَةُ دَلِيلِ الْفِعْلِ أَيْضًا لِلْمَعْنَى الْمَعْقُولِ وَلِصِيغَةِ اللَّفْظِ الْمَنْقُولِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ لِلْمُسَافِرِ إِنَّمَا هُوَ الرُّخْصَةُ لِمَوْضِعِ الْمَشَقَّةِ كَمَا رُخِّصَ لَهُ فِي الْفِطْرِ، وَفِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا حَدِيثُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ:«قُلْتُ لِعُمَرَ: إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] يُرِيدُ فِي قَصْرِ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ عُمَرُ: " عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَمَّا سَأَلْتَنِي عَنْهُ فَقَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ " فَمَفْهُومُ هَذَا الرُّخْصَةُ» .

وَحَدِيثُ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ «أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ، وَشَطْرَ الصَّلَاةِ» وَهُمَا فِي الصَّحِيحِ، وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَالرُّخْصَةِ وَرَفْعِ الْحَرَجِ، لَا أَنَّ الْقَصْرَ هُوَ الْوَاجِبُ، وَلَا أَنَّهُ سُنَّةٌ.

وَأَمَّا الْأَثَرُ الَّذِي يُعَارِضُ بِصِيغَتِهِ الْمَعْنَى الْمَعْقُولَ، وَمَفْهُومَ هَذِهِ الْآثَارِ فَحَدِيثُ عَائِشَةَ الثَّابِتُ بِاتِّفَاقٍ قَالَتْ «فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ» وَأَمَّا دَلِيلُ الْفِعْلِ الَّذِي يُعَارِضُ الْمَعْنَى الْمَعْقُولَ وَمَفْهُومَ الْأَثَرِ الْمَنْقُولِ فَإِنَّهُ مَا نُقِلَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام مِنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي كُلِّ أَسْفَارِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ قَطُّ فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ مُخَيَّرٌ فَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ " أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَمَا هَذَا شَأْنُهُ " فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ:(أَعْنِي: إِمَّا وَاجِبًا مُخَيَّرًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سُنَّةً) وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا مُعَيَّنًا، لَكِنَّ كَوْنَهُ فَرْضًا مُعَيَّنًا

ص: 177

يُعَارِضُهُ الْمَعْنَى الْمَعْقُولُ، وَكَوْنَهُ رُخْصَةً يُعَارِضُهُ اللَّفْظُ الْمَنْقُولُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا مُخَيَّرًا أَوْ سُنَّةً، وَكَانَ هَذَا نَوْعًا مِنْ طَرِيقِ الْجَمْعِ، وَقَدِ اعْتَلُّوا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ بِالْمَشْهُورِ عَنْهَا مِنْ أَنَّهَا كَانَتْ تُتِمُّ، وَرَوَى عَطَاءٌ «عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُتِمُّ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ وَيَقْصُرُ وَيَصُومُ وَيُفْطِرُ وَيُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَيُعَجِّلُ الْعَصْرَ وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَيُعَجِّلُ الْعِشَاءَ» وَمِمَّا يُعَارِضُهُ أَيْضًا حَدِيثُ أَنَسٍ، وَأَبِي نَجِيحٍ الْمَكِّيِّ قَالَ: اصْطَحَبْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُتِمُّ وَبَعْضُهُمْ يَقْصُرُ وَبَعْضُهُمْ يَصُومُ، وَبَعْضُهُمْ يُفْطِرُ، فَلَا يَعِيبُ هَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَلَا هَؤُلَاءِ عَلَى هَؤُلَاءِ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي إِتْمَامِ الصَّلَاةِ عَنْ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ، فَهَذَا هُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ.

أَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي، (وَهِيَ الْمَسَافَةُ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا الْقَصْرُ) ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ أَيْضًا اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَجَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ تُقْصَرُ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، وَذَلِكَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ بِالسَّيْرِ الْوَسَطِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَالْكُوفِيُّونَ: أَقَلُّ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَإِنَّ الْقَصْرَ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ سَارَ مِنْ أُفُقٍ إِلَى أُفُقٍ.

وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ: الْقَصْرُ فِي كُلِّ سَفَرٍ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا.

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: مُعَارَضَةُ الْمَعْنَى الْمَعْقُولِ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْقُولَ مِنْ تَأْثِيرِ السَّفَرِ فِي الْقَصْرِ أَنَّهُ لِمَكَانِ الْمَشَقَّةِ الْمَوْجُودَةِ فِيهِ مِثْلُ تَأْثِيرِهِ فِي الصَّوْمِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَجِبُ الْقَصْرُ حَيْثُ الْمَشَقَّةُ.

وَأَمَّا مَنْ لَا يُرَاعِي فِي ذَلِكَ إِلَّا اللَّفْظَ فَقَطْ، فَقَال: قَدْ قَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ» فَكُلُّ مَنِ انْطَلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مُسَافِرٍ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ وَالْفِطْرُ، وَأَيَّدُوا ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ «أَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَقْصُرُ فِي نَحْوِ السَبْعَةَ عَشَرَ مِيلًا» وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى خَامِسٍ كَمَا قُلْنَا وَهُوَ أَنَّ

ص: 178

الْقَصْرَ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِلْخَائِفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101]، وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ مَذْهَبُ عَائِشَةَ وَقَالُوا: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا قَصَرَ ; لِأَنَّهُ كَانَ خَائِفًا.

أَمَّا اخْتِلَافُ أُولَئِكَ الَّذِينَ اعْتَبَرُوا الْمَشَقَّةَ فَسَبَبُهُ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَ الْأَرْبَعَةِ بُرُدٍ روي عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ، وَمَذْهَبُ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ مَرْوِيٌّ أَيْضًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعُثْمَانَ، وَغَيْرِهِمَا.

وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ وَهُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي نَوْعِ السَّفَرِ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ مَقْصُورٌ عَلَى السَّفَرِ الْمُتَقَرَّبِ بِهِ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْجِهَادِ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ أَحْمَدُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ فِي السَّفَرِ الْمُبَاحِ دُونَ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ فِي كُلِّ سَفَرٍ قُرْبَةً كَانَ أَوْ مُبَاحًا أَوْ مَعْصِيَةً وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ.

وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ: مُعَارَضَةُ الْمَعْنَى الْمَعْقُولِ أَوْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ لِدَلِيلِ الْفِعْلِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنِ اعْتَبَرَ الْمَشَقَّةَ أَوْ ظَاهِرَ لَفْظِ السَّفَرِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ سَفَرٍ وَسَفَرٍ. وَأَمَّا مَنِ اعْتَبَرَ دَلِيلَ الْفِعْلِ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي السَّفَرِ الْمُتَقَرَّبِ بِهِ ; «لِأَنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَقْصُرْ قَطُّ إِلَّا فِي سَفَرٍ مُتَقَرَّبٍ بِهِ» . وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُبَاحِ وَالْمَعْصِيَةِ فَعَلَى جِهَةِ التَّغْلِيظِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ: هَلْ تَجُوزُ الرُّخصة لِلْعُصَاةِ أَمْ لَا؟ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَارَضَ فِيهَا اللَّفْظُ الْمَعْنَى، فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا لِذَلِكَ.

وَأَمَّا الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ: وَهُوَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي مِنْهُ يَبْدَأُ الْمُسَافِرُ بِقَصْرِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الْمُوَطَّأِ: لَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ وَلَا يُتِمُّ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلَ بُيُوتِهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ إِذَا كَانَتْ قَرْيَةً جَامِعَةً حَتَّى يَكُونَ مِنْهَا بِنَحْوِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَذَلِكَ عِنْدَهُ أَقْصَى مَا يَجِبُ فِيهِ الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَبِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ الْجُمْهُورُ.

وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ: مُعَارَضَةُ مَفْهُومِ الِاسْمِ لِدَلِيلِ الْفِعْلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا شَرَعَ فِي السَّفَرِ فَقَدِ انْطَلَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مُسَافِرٍ فَمَنْ رَاعَى مَفْهُومَ الِاسْمِ قَالَ: إِذَا خَرَجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ قَصَرَ. وَمَنْ رَاعَى دَلِيلَ الْفِعْلِ (أَعْنِي فِعْلَهُ عليه الصلاة والسلام) قَالَ: لَا يَقْصُرُ إِلَّا إِذَا خَرَجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ لِمَا صَحَّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ مَسِيرَةَ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ - شُعْبَةُ الشَّاكُّ - صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» .

ص: 179

وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي الزَّمَانِ الَّذِي يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ إِذَا أقَامَ فِيهِ فِي بَلَدٍ أَنْ يَقْصُرَ فَاخْتِلَافٌ كَثِيرٌ حَكَى فِيهِ أَبُو عُمَرَ نَحْوًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا، إِلَّا أَنَّ الْأَشْهَرَ مِنْهَا هُوَ مَا عَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ أنَّهُ إِذَا أَزْمَعَ الْمُسَافِرُ عَلَى إِقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ. وَالثَّانِي: مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ إِذَا أَزْمَعَ عَلَى إِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَتَمَّ.

وَالثَّالِثُ: مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَدَاوُدَ أَنَّهُ إِذَا أَزْمَعَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ.

وَسَبَبُ الْخِلَافِ: أَنَّهُ أَمْرٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي الشَّرْعِ وَالْقِيَاسُ عَلَى التَّحْدِيدِ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَلِذَلِكَ رَامَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أَنْ يَسْتَدِلُّوا لِمَذْهَبِهِمْ مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي نُقِلَتْ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام «أَنَّهُ أَقَامَ فِيهَا مُقْصِرًا» ، أَوْ «أَنَّهُ جَعَلَ لَهَا حُكْمَ الْمُسَافِرِ» .

فَالْفَرِيقُ الْأَوَّلُ: احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ " أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «أَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلَاثًا يَقْصُرُ فِي عُمْرَتِهِ» ، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّهُ النِّهَايَةُ لِلتَّقْصِيرِ، وَإِنَّمَا فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّهُ يَقْصُرُ فِي الثَّلَاثَةِ فَمَا دُونَهَا.

وَالْفَرِيقُ الثَّانِي: احْتَجُّوا لِمَذْهَبِهِمْ بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ أَقَامَ بِمَكَّةَ عام الفتح مُقْصِرًا» ، وَذَلِكَ نَحْوًا مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَقَدْ رُوِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَتِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِكُلٍّ قَالَ فَرِيقٌ.

وَالْفَرِيقُ الثَّالِثُ: احْتَجُّوا بِمَقَامِهِ فِي حَجِّهِ بِمَكَّةَ مُقْصِرًا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، وَقَدِ احْتَجَّتِ الْمَالِكِيَّةُ لِمَذْهَبِهَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ لِلْمُهَاجِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِمَكَّةَ مُقَامَ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ» فَدَلَّ هَذَا عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّ إِقَامَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَيْسَتْ تَسْلُبُ عَنِ الْمُقِيمِ فِيهَا اسْمَ السَّفَرَ، وَهِيَ النُّكْتَةُ الَّتِي ذَهَبَ الْجَمِيعُ إِلَيْهَا، وَرَامُوا اسْتِنْبَاطَهَا مِنْ فِعْلِهِ عليه الصلاة والسلام (أَعْنِي: من يَرْتَفِعُ عَنْهُ بِقَصْدِ الْإِقَامَةِ اسْمُ السَّفَرِ) وَلِذَلِكَ اتَّفَقُوا

ص: 180