المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَإِن تجلت للنَّفس مرتبَة من مَرَاتِب الْوُجُود أَن تكون مصدرا - التوحيد لمحمد عبده

[محمد عبده]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌مُقَدمَات

- ‌أَقسَام الْمَعْلُوم

- ‌حكم المستحيل

- ‌أَحْكَام الْمُمكن

- ‌الْمُمكن مَوْجُود قطعا

- ‌وجود الْمُمكن يقتضى بِالضَّرُورَةِ وجود الْوَاجِب

- ‌أَحْكَام الْوَاجِب

- ‌الْقدَم والبقاء وَنفى التَّرْكِيب

- ‌الْحَيَاة

- ‌ الْعلم

- ‌الْإِرَادَة

- ‌الْقُدْرَة

- ‌الإختيار

- ‌الْوحدَة

- ‌الصِّفَات السمعية الَّتِى يجب الإعتقاد بهَا

- ‌كَلِمَات فِي الصِّفَات إِجْمَالا

- ‌أَفعَال الله جلّ شَأْنه

- ‌أَفعَال الْعباد

- ‌حسن الْأَفْعَال وقبحها

- ‌الرسَالَة الْعَامَّة

- ‌حَاجَة الْبشر إِلَى الرسَالَة

- ‌امكان الوحى

- ‌وُقُوع الْوَحْي والرسالة

- ‌وَظِيفَة الرُّسُل عليهم السلام

- ‌اعْتِرَاض مشهود

- ‌رِسَالَة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

- ‌الْقُرْآن

- ‌الْإِسْلَام أَو الدّين الإسلامى

- ‌انتشار الْإِسْلَام

- ‌بِسُرْعَة لم يعْهَد لَهَا نَظِير فى التَّارِيخ

- ‌ايراد سهل الايراد

- ‌الْجَواب

- ‌التَّصْدِيق بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

- ‌خَاتِمَة

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

الفصل: فَإِن تجلت للنَّفس مرتبَة من مَرَاتِب الْوُجُود أَن تكون مصدرا

فَإِن تجلت للنَّفس مرتبَة من مَرَاتِب الْوُجُود أَن تكون مصدرا لكل نظام كَانَ ذَلِك عنوانا على أَنَّهَا أكمل الْمَرَاتِب وأعلاها وأرفعها وأقواها

وجود الْوَاجِب هُوَ مصدر كل وجود مُمكن كَمَا قُلْنَا وَظهر بالبرهان الْقَاطِع فَهُوَ بِحكم ذَلِك أقوى الوجودات وأعلاها فَهُوَ يستتبع من الصِّفَات الوجودية مَا يلائم تِلْكَ الْمرتبَة الْعليا وكل مَا تصَوره الْعقل كمالا فِي الْوُجُود من حَيْثُ مَا يُحِيط بِهِ من معنى الثَّبَات والاستقرار والظهور وَأمكن أَن يكون لَهُ وَجب أَن يثبت لَهُ وَكَونه مصدرا للنظام وتصريف الْأَعْمَال على وَجه لَا اضْطِرَاب فِيهِ يعد من كَمَال الْوُجُود كَمَا ذكرنَا فَيجب أَن يكون ذَلِك ثَابتا لَهُ فالوجود الْوَاجِب يستتبع من الصِّفَات الوجودية الَّتِى تقتضيها هَذِه الْمرتبَة مَا يُمكن أَن يكون لَهُ

فمما يجب أَن يكون لَهُ صفة الْحَيَاة وهى صفة تستتبع‌

‌ الْعلم

والإرادة وَذَلِكَ أَن الْحَيَاة مِمَّا يعْتَبر كمالا للوجود بداهة فَإِن الْحَيَاة مَعَ مَا يتبعهَا مصدر النظام وناموس الْحِكْمَة وهى فِي أى مراتبها مبدأ الظُّهُور والاستقرار فِي تِلْكَ الْمرتبَة فهى كَمَال وجودى وَيُمكن أَن يَتَّصِف بهَا الْوَاجِب وكل كَمَال وجودى يُمكن أَن يَتَّصِف بِهِ وَجب أَن يثبت لَهُ فَوَاجِب الْوُجُود حى وَإِن باينت حَيَاته الممكنات فَإِن مَا هُوَ كَمَال للوجود إِنَّمَا هُوَ مبدأ الْعلم والإرادة وَلَو لم تثبت لَهُ هَذِه الصّفة لَكَانَ فِي الممكنات فَإِن مَا هُوَ كَمَال للوجود إِنَّمَا هُوَ مبدأ الْعلم والإرادة وَلَو لم تثبت لَهُ هَذِه الصّفة لَكَانَ فِي الممكنات مَا هُوَ أكمل مِنْهُ وجودا وَقد تقدم أَنه أَعلَى الموجودات وأكملها فِيهِ

وَالْوَاجِب هُوَ واهب الْوُجُود وَمَا يتبعهُ فَكيف لَو كَانَ فاقدا للحياة يُعْطِيهَا فالحياة لَهُ كَمَا أَنه مصدرها

الْعلم

وَمِمَّا يجب لَهُ صفة الْعلم وَيُرَاد بِهِ مَا بِهِ انكشاف شىء عِنْد من ثبتَتْ لَهُ تِلْكَ الصّفة أى مصدر ذَلِك الانكشاف مِنْهُ لِأَن الْعلم من الصِّفَات الوجودية الَّتِى تعد كمالا فِي الْوُجُود وَيُمكن أَن تكون للْوَاجِب وكل مَا كَانَ كَذَلِك وَجب أَن يثبت لَهُ فَوَاجِب الْوُجُود عَالم

ص: 19

ثمَّ البداهة قاضية بِأَن الْعلم كَمَال فِي الموجودات الممكنة وَمن الممكنات من هُوَ عَالم فَلَو لم يكن الْوَاجِب عَالما لَكَانَ فِي الموجودات الممكنة مَا هُوَ أكمل من الْمَوْجُود الْوَاجِب وَهُوَ محَال كَمَا قدمنَا ثمَّ هُوَ واهب الْعلم فِي عَالم الْإِمْكَان وَلَا يعقل أَن مصدر الْعلم يفقده

علم الْوَاجِب من لَوَازِم وجوده كَمَا ترى فيعلو على الْعُلُوم علو وجوده عَن الوجودات فَلَا يتَصَوَّر فِي الْعُلُوم مَا هُوَ أَعلَى مِنْهُ فَيكون محيطا بِكُل مَا يُمكن علمه وَإِلَّا تصور الْعقل علما اشمل وَهُوَ إِنَّمَا يكون لوُجُود أكمل وَهُوَ محَال

مَا هُوَ لَازم لوُجُود الْوَاجِب يغنى بغناه وَيبقى بِبَقَائِهِ وَعلم الْوَاجِب من لَوَازِم وجوده فَلَا يفْتَقر إِلَى شَيْء مَا وَرَاء ذَاته فَهُوَ أزلى أبدى غنى عَن الْآلَات وجولات الْفِكر وأفاعيل النّظر فيخالف عُلُوم الممكنات بِالضَّرُورَةِ

مَا يُوجد من الممكنات فَهُوَ مُوَافق لما انْكَشَفَ بذلك الْعلم وَإِلَّا لم يكن علما

من أَدِلَّة ثُبُوت الْعلم للْوَاجِب مَا نشاهده فِي نظام الممكنات من الإحكام والإتقان وَوضع كل شىء فِي مَوْضِعه وَقرن كل مُمكن بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي وجوده وبقائه وَذَلِكَ ظَاهر لجلى النّظر بِمَا يُشَاهد فِي الْأَعْيَان كبيرها وصغيرها علويها وسفليها فَهَذِهِ الروابط بَين الْكَوَاكِب وَالنّسب الثَّابِتَة بَينهَا وتقديرحركاتها على قَاعِدَة تكفل لَهَا الْبَقَاء على الْوَضع الذى قدر لَهَا وإلزام كل كَوْكَب بمدار لَو خرج مِنْهُ لاختل نظام عالمه أَو الْعَالم بأسره وَغير ذَلِك مِمَّا فصل فِي عُلُوم الْهَيْئَة الفلكية كل ذَلِك يشْهد بِعلم صانعه وَحِكْمَة مُدبرَة

اعْتبر بِمَا ترَاهُ جزئيات النباتات والحيوانات من توفيتها قواها وإيتائها مَا تحْتَاج إِلَيْهِ فِي تَقْوِيم وجودهَا من الْآلَات والأعضاء وَوضع ذَلِك فِي موَاضعه من أبدانها وإيداع غير الحساس مِنْهَا كالنبات قُوَّة الْميل إِلَى تنَاول مَا يُنَاسِبه من الْغذَاء دون مَا يلائمه فترى بزْرَة الحنظل تدفن بجوار حَبَّة الْبِطِّيخ فِي أَرض وَاحِدَة ثمَّ تسقى بِمَاء وَاجِد وتنمى بعناية وَاحِدَة وَلَكِن تِلْكَ تمتص من الْموَاد مَا يغذى المر الزعاق وَهَذِه تتَنَاوَل مَا يغذى حُلْو المذاق وإرشاد الحساس مِنْهَا

ص: 20