المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وظيفة الرسل عليهم السلام - التوحيد لمحمد عبده

[محمد عبده]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌مُقَدمَات

- ‌أَقسَام الْمَعْلُوم

- ‌حكم المستحيل

- ‌أَحْكَام الْمُمكن

- ‌الْمُمكن مَوْجُود قطعا

- ‌وجود الْمُمكن يقتضى بِالضَّرُورَةِ وجود الْوَاجِب

- ‌أَحْكَام الْوَاجِب

- ‌الْقدَم والبقاء وَنفى التَّرْكِيب

- ‌الْحَيَاة

- ‌ الْعلم

- ‌الْإِرَادَة

- ‌الْقُدْرَة

- ‌الإختيار

- ‌الْوحدَة

- ‌الصِّفَات السمعية الَّتِى يجب الإعتقاد بهَا

- ‌كَلِمَات فِي الصِّفَات إِجْمَالا

- ‌أَفعَال الله جلّ شَأْنه

- ‌أَفعَال الْعباد

- ‌حسن الْأَفْعَال وقبحها

- ‌الرسَالَة الْعَامَّة

- ‌حَاجَة الْبشر إِلَى الرسَالَة

- ‌امكان الوحى

- ‌وُقُوع الْوَحْي والرسالة

- ‌وَظِيفَة الرُّسُل عليهم السلام

- ‌اعْتِرَاض مشهود

- ‌رِسَالَة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

- ‌الْقُرْآن

- ‌الْإِسْلَام أَو الدّين الإسلامى

- ‌انتشار الْإِسْلَام

- ‌بِسُرْعَة لم يعْهَد لَهَا نَظِير فى التَّارِيخ

- ‌ايراد سهل الايراد

- ‌الْجَواب

- ‌التَّصْدِيق بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

- ‌خَاتِمَة

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

الفصل: ‌وظيفة الرسل عليهم السلام

ينْبت باهمالها وينموا باغفالها فَإِذا لامستها عناية الزَّارِع غَلبه الخصب وَذهب بِهِ الذكاء وَلَكِن تِلْكَ الديانَات الَّتِى جَاءَ بهَا أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاء قَامَت فى الْعَالم الإنسانى مَا شَاءَ الله مِمَّا قدر لَهَا مقَام سَائِر قواه مَعَ كَثْرَة المعارضين وَقُوَّة سُلْطَان المغالبين فَلَا يُمكن أَن يكون اسها الْكَذِب ودعامتها الْحِيلَة وكلامنا هَذَا فى جوهرها الذى يلوح دَائِما فى خلال مَا ألحق بهَا المبتدعون أما بَقِيَّة الرُّسُل مِمَّن يجب علينا الْإِيمَان بهم فيكفى فى إِثْبَات نبوتهم إِثْبَات رِسَالَة نَبينَا صلى الله عليه وسلم فقد أخبرنَا برسالتهم وَهُوَ الصَّادِق فِيمَا بلغ بِهِ وسنأتى على الْكَلَام فى رِسَالَة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فى بَاب على حِدته إِن شَاءَ الله

‌وَظِيفَة الرُّسُل عليهم السلام

تبين مِمَّا تقدم فى حَاجَة الْعَالم الإنسانى إِلَى الرُّسُل أَنهم من الْأُمَم بِمَنْزِلَة الْعُقُول من الْأَشْخَاص وَأَن بعثتهم حَاجَة من حاجات الْعُقُول البشرية قَضَت رَحْمَة الْمُبْدع الْحَكِيم بسدادها ونعمة عَن نعم واهب الْوُجُود ميز بهَا الْإِنْسَان عَن بَقِيَّة الكائنات من جنسه وَلكنهَا حَاجَة روحية وكل مالامس الْحس مِنْهَا فالقصد فِيهِ إِلَى الرّوح وتظهيرها من دنس الْأَهْوَاء الضَّالة أَو تَقْوِيم ملكاتها أَو إبداعها مَا فِيهِ سعادتها فى الحياتين أما تَفْصِيل طرق الْمَعيشَة والحذق فى وُجُوه الْكسْب وتطاول شهوات الْعقل إِلَى دَرك مَا أعد للوصول إِلَيْهِ من أسرار الْعلم فَذَلِك مِمَّا لَا دخل للرسالات فِيهِ إِلَّا من وَجه النطة الْعَامَّة والإرشاد إِلَى الإعتدال فِيهِ وَتَقْرِير أَن شَرط ذَلِك كُله أَن لَا يحدث ريبا فى الِاعْتِقَاد بِأَن للكون إِلَهًا وَاحِدًا قَادِرًا عَالما حكيما منصفا بِمَا أوجب الدَّلِيل أَن يَتَّصِف بِهِ وباستواء نِسْبَة الكائنات إِلَيْهِ فى أَنَّهَا مخلوقة لَهُ وصنع قدرته وَإِنَّمَا تفاوتها فِيمَا اخْتصَّ بِهِ بَعْضهَا من الْكَمَال وَشَرطه أَن لَا ينَال شىء من تِلْكَ الْأَعْمَال السَّابِقَة أحدا من النَّاس بشر فى نَفسه أَو عرضه أَو مَاله بِغَيْر حق يَقْتَضِيهِ نظام عَامَّة الْأمة على مَا حدد فِي شريعتها

يرشدون الْعقل إِلَى معرفَة الله وَمَا يجب أَن يعرف من صِفَاته ويبينون الْحَد الذى يجب أَن يقف عِنْده فى طلب ذَلِك الْعرْفَان على وَجه لَا يشق عَلَيْهِ الاطمئنان

ص: 62

إِلَيْهِ وَلَا يرفع ثقته بِمَا آتَاهُ الله من الْقُوَّة يجمعُونَ كلمة الْخلق على إِلَه وَاحِد لَا فرقة مَعَه ويخلون السَّبِيل بَينهم وَبَينه وَحده وينهضون نُفُوسهم إِلَى التَّعَلُّق بِهِ فى جَمِيع الْأَعْمَال والمعاملات ويذكرونهم بعظمته بِفَرْض ضروب من الْعِبَادَات فِيمَا اخْتلف من الْأَوْقَات تذكرة لمن ينسى وتزكية مستمرة لمن يخْشَى تقوى مَا ضعف مِنْهُم وتزيد المستيقن يَقِينا

يبينون للنَّاس مَا اخْتلفت عَلَيْهِ عُقُولهمْ وشهواتهم وتنازعته مصالحهم ولذاتهم فيفصلون فى تِلْكَ المخاصمات بِأَمْر الله الصادع ويؤيدون بِمَا يبلغون عَنهُ مَا تقوم بِهِ الْمصَالح الْعَامَّة وَلَا تفوت بِهِ الْمَنَافِع الْخَاصَّة يعودون بِالنَّاسِ إِلَى الألفة ويكشفون لَهُم سر الْمحبَّة ويستلفتونهم إِلَى أَن فِيهَا انتظام شَمل الْجَمَاعَة ويفرضون عَلَيْهِم مجاهدة أنفسهم ليستوطنوها قُلُوبهم ويشعروها أفئدتهم يعلمونهم لذَلِك أَن يرْعَى كل حق الآخر وَإِن كَانَ لَا يغْفل حَقه وَأَن لَا يتَجَاوَز فى الطّلب حَده وَأَن يعين قويهم ضعيفهم ويمد غنيهم فقيرهم ويهدى راشدهم ضالهم وَيعلم عالمهم جاهلهم

يضعون لَهُم بِأَمْر الله حدودا عَامَّة يسهل عَلَيْهِم أَن يردوا إِلَيْهَا أَعْمَالهم كاحترام الدِّمَاء البشرية إِلَّا بِحَق مَعَ بَيَان الْحق الذى تهدر لَهُ وحظر تنَاول شىء مِمَّا كَسبه الْغَيْر إِلَّا بِحَق مَعَ بَيَان الْحق الذى يُبِيح تنَاوله واحترام الْأَعْرَاض مَعَ بَيَان يُبَاح وَمَا يحرم من الابضاع ويشرعون لَهُم مَعَ ذَلِك أَن يقومُوا أنفسهم بالملكات الفاضلة كالصدق وَالْأَمَانَة وَالْوَفَاء بِالْعُقُودِ والمحافظة على العهود وَالرَّحْمَة بالضعفاء والاقدام على نصيحة الاقوياء وَالِاعْتِرَاف لكل مَخْلُوق بِحقِّهِ بِلَا اسْتثِْنَاء يحملونهم على تَحْويل أهوائهم عَن اللذائذ الفانية إِلَى طلب الرغائب السامية آخذين فى ذَلِك كُله بِطرف من التَّرْغِيب والترهيب والانذار والتبشير حَسْبَمَا أَمرهم الله جلّ شَأْنه

يفصلون فى جَمِيع ذَلِك للنَّاس مَا يؤهلهم لرضا الله عَنْهُم وَمَا يعرضهم لسخطه عَلَيْهِم ثمَّ يحيطون ببانهم بِنَبَأٍ الدَّار الْآخِرَة وَمَا أعد الله فِيهَا من الثَّوَاب وَحسن العقبى لمن وقف عِنْد حُدُوده وَأخذ بأوامره وتجنب الْوُقُوع فى محاظيره

ص: 63

يعلمونهم من أنباء الْغَيْب مَا أذن الله لِعِبَادِهِ فى الْعلم بِهِ مِمَّا لَو صَعب على الْعقل اكتناهه لم يشق عَلَيْهِ الِاعْتِرَاف بِوُجُودِهِ

بِهَذَا تطمئِن النُّفُوس وتثلج الصُّدُور ويعتصم المرزوء بِالصبرِ انتظارا لجزيل الْأجر أَو إرضاء لمن بِيَدِهِ الْأَمر وَبِهَذَا ينْحل أعظم مُشكل فى الِاجْتِمَاع الإنسانى لَا يزَال الْعُقَلَاء يجهدون أنفسهم فى حلّه إِلَى الْيَوْم

لَيْسَ من وظائف الرُّسُل مَا هُوَ من عمل المدرسين ومعلمى الصناعات فَلَيْسَ مِمَّا جَاءُوا لَهُ تَعْلِيم التَّارِيخ وَلَا تَفْصِيل مَا يحويه عَالم الْكَوَاكِب وَلَا بَيَان مَا اخْتلف من حركاتها وَلَا مَا استسكن من طَبَقَات الأَرْض وَلَا مقادير الطول فِيهَا وَالْعرض وَلَا مَا تحْتَاج إِلَيْهِ النباتات فى نموها وَلَا مَا تفْتَقر إِلَيْهِ الْحَيَوَانَات فى بَقَاء أشخاصها أَو أَنْوَاعهَا وَغير ذَلِك مِمَّا وضعت لَهُ الْعُلُوم وتسابقت فى الْوُصُول إِلَى دقائقه الفهوم فَإِن ذَلِك كُله من وَسَائِل الْكسْب وَتَحْصِيل طرق الرَّاحَة هدى الله إِلَيْهِ الْبشر بِمَا أودع فيهم من الْإِدْرَاك يزِيد فى سَعَادَة المحصلين وَيقْضى فِيهِ بالنكد على الْمُقَصِّرِينَ وَلَكِن كَانَت سنة لله فى ذَلِك أَن يتبع طَريقَة التدرج فى الْكَمَال وَقد جَاءَت شرائع الْأَنْبِيَاء بِمَا يحمل على الْإِجْمَال بالسعى فِيهِ وَمَا يكفل الْتِزَامه بالوصول إِلَى مَا أعد الله لَهُ الْفطر الإنسانية من مَرَاتِب الارتقاء

أما مَا ورد فى كَلَام الْأَنْبِيَاء من الْإِشَارَة إِلَى شىء مِمَّا ذكرنَا فى أَحْوَال الأفلاك أَو هَيْئَة الأَرْض فَإِنَّمَا يقْصد مِنْهُ النّظر إِلَى مَا فِيهِ من الدّلَالَة على حِكْمَة مبدعة أَو تَوْجِيه الْفِكر إِلَى الغوص لإدراك اسراره وبدائعه ولغتهم عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فى مُخَاطبَة أممهم لَا يجوز أَن تكون فَوق مَا يفهمون وَإِلَّا ضَاعَت الْحِكْمَة فى إرسالهم وَلِهَذَا قد يأتى التَّعْبِير الذى سبق إِلَى الْعَامَّة بِمَا يحْتَاج إِلَى التَّأْوِيل وَالتَّفْسِير عِنْد الْخَاصَّة وَكَذَلِكَ مَا وَجه إِلَى الْخَاصَّة يحْتَاج إِلَى الزَّمَان الطَّوِيل حَتَّى يفهمهُ الْعَامَّة وَهَذَا الْقسم أقل مَا ورد فى كَلَامهم

على كل حَال لَا يجوز أَن يُقَام الدّين حاجزا بَين الْأَرْوَاح وَبَين مَا ميزها الله بِهِ من الاستعداد للْعلم بحقائق الكائنات الممكنة بِقدر الْإِمْكَان بل يجب أَن يكون

ص: 64