المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ومعادهم وَمَا أَرَادَ أَن يعلموه من شئون ذَاته وَكَمَال صِفَاته - التوحيد لمحمد عبده

[محمد عبده]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌مُقَدمَات

- ‌أَقسَام الْمَعْلُوم

- ‌حكم المستحيل

- ‌أَحْكَام الْمُمكن

- ‌الْمُمكن مَوْجُود قطعا

- ‌وجود الْمُمكن يقتضى بِالضَّرُورَةِ وجود الْوَاجِب

- ‌أَحْكَام الْوَاجِب

- ‌الْقدَم والبقاء وَنفى التَّرْكِيب

- ‌الْحَيَاة

- ‌ الْعلم

- ‌الْإِرَادَة

- ‌الْقُدْرَة

- ‌الإختيار

- ‌الْوحدَة

- ‌الصِّفَات السمعية الَّتِى يجب الإعتقاد بهَا

- ‌كَلِمَات فِي الصِّفَات إِجْمَالا

- ‌أَفعَال الله جلّ شَأْنه

- ‌أَفعَال الْعباد

- ‌حسن الْأَفْعَال وقبحها

- ‌الرسَالَة الْعَامَّة

- ‌حَاجَة الْبشر إِلَى الرسَالَة

- ‌امكان الوحى

- ‌وُقُوع الْوَحْي والرسالة

- ‌وَظِيفَة الرُّسُل عليهم السلام

- ‌اعْتِرَاض مشهود

- ‌رِسَالَة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

- ‌الْقُرْآن

- ‌الْإِسْلَام أَو الدّين الإسلامى

- ‌انتشار الْإِسْلَام

- ‌بِسُرْعَة لم يعْهَد لَهَا نَظِير فى التَّارِيخ

- ‌ايراد سهل الايراد

- ‌الْجَواب

- ‌التَّصْدِيق بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

- ‌خَاتِمَة

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

الفصل: ومعادهم وَمَا أَرَادَ أَن يعلموه من شئون ذَاته وَكَمَال صِفَاته

ومعادهم وَمَا أَرَادَ أَن يعلموه من شئون ذَاته وَكَمَال صِفَاته وَأُولَئِكَ هم الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ فَبَعثه الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم من متمات كَون الْإِنْسَان وَمن أهم حاجاته فى بَقَائِهِ ومنزلتها من النَّوْع منزلَة الْعقل من الشَّخْص نعْمَة أتمهَا الله لكيلا يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسُل وسنتكلم عَن وظيفتهم بِنَوْع من التَّفْصِيل فِيمَا بعد

‌امكان الوحى

الْكَلَام فى إِمْكَان الوحى يأتى بعد تَعْرِيفه لتصوير الْمَعْنى الذى يُرَاد مِنْهُ وليعرف الْمَعْنى الْحَاصِل بِالْمَصْدَرِ فيفهم معنى الْمصدر نَفسه وَلَا يعنينا مَا تثيره الْأَلْفَاظ فى الأذهان ولنذكر من اللُّغَة مَا يُنَاسِبه يُقَال وحيت إِلَيْهِ وأوحيت إِذا كَلمته بِمَا تخفيه عَن غَيره والوحى مصدر من ذَلِك والمكتوب والرسالة وكل مَا أَلقيته إِلَى غَيْرك ليعلمه ثمَّ غلب فِيمَا يلقى إِلَى الْأَنْبِيَاء من قبل الله وَقيل الوحى إِعْلَام فى خَفَاء وَيُطلق وَيُرَاد بِهِ الموحى وَقد عرفوه شرعا أَنه كَلَام الله تَعَالَى الْمنزل على نبى من أنبيائه أما نَحن فنعرفه على شرطنا بِأَنَّهُ عرفان يحده الشَّخْص من نَفسه مَعَ الْيَقِين بِأَنَّهُ من قبل الله بِوَاسِطَة أَو بِغَيْر وَاسِطَة وَالْأول بِصَوْت يتَمَثَّل لسمعه أَو بِغَيْر صَوت وَيفرق بَينه وَبَين الالهام وجدان تستيقنه النَّفس وتنساق إِلَى مَا يطْلب على غير شُعُور مِنْهَا من أَيْن أَتَى وَهُوَ أشبه بوجدان الْجُوع والعطش والحزن وَالسُّرُور أما إِمْكَان حُصُول هَذَا النَّوْع هزة الْعرْفَان الوحى وانكشاف مَا غَابَ من مصَالح الْبشر عَن عامتهم لمن يختصه الله بذلك وسهولة فهمه عِنْد الْعقل فَلَا أرَاهُ مِمَّا يصعب إِدْرَاكه إِلَّا على من لَا يُرِيد أَن يدْرك وَيُحب أَن يرغم نَفسه الفهامة على أَن لَا تفهم نعم يُوجد فى كل أمة وفى كل زمَان أنَاس يقذف بهم الطيش وَالنَّقْص فى الْعلم إِلَى مَا وَرَاء سواحل الْيَقِين فيسقطون فى غَمَرَات من الشَّك فى كل مالم يَقع تَحت حواسهم الْخمس بل قد يدركهم الريب فِيمَا هُوَ من متناولها كَمَا سبقت الْإِشَارَة إِلَيْهِ فكأنهم بسقطتهم هَذِه انحطوا إِلَى مَا هُوَ أدنى من مَرَاتِب أَنْوَاع أُخْرَى من الْحَيَوَان فينسون الْعقل وشئونه

ص: 57

وسره ومكنونه ويجدون فى ذَلِك لَذَّة الْإِطْلَاق عَن قيود الْأَوَامِر والنواهى بل عَن محابس الحشمة الَّتِى تضمهم إِلَى الْتِزَام مَا يَلِيق وتحجزهم عَن مقارفة مَالا يَلِيق كَمَا هُوَ حَال غير الْإِنْسَان من الْحَيَوَان فَإِذا عرض عَلَيْهِم شىء من الْكَلَام فى النبوات والأديان وهم من أنفسهم هام بالإصغاء دافعوه بِمَا أُوتُوا من الِاخْتِيَار فى النّظر وَانْصَرفُوا عَنهُ وَجعلُوا أَصَابِعهم فى آذانهم حذر أَن يخالط الدَّلِيل أذهانهم فيلزمهم العقيدة وتتبعها الشَّرِيعَة فيحرموا لَذَّة مَا ذاقوا وَمَا يحبونَ أَن يتذوقوا وَهُوَ مرض فى الْأَنْفس والقلوب يستشفى مِنْهُ بِالْعلمِ إِن شَاءَ الله

قلت أى اسْتِحَالَة فى الوحى وَأَن ينْكَشف لفُلَان مَالا ينْكَشف لغيره من غير فكر وَلَا تَرْتِيب مُقَدمَات مَعَ الْعلم أَن ذَلِك من قبل واهب الْفِكر ومانح النّظر مَتى خفت الْعِنَايَة من ميزته هَذِه النِّعْمَة

مِمَّا شهِدت بِهِ البديهة أَن دَرَجَات الْعُقُول مُتَفَاوِتَة يَعْلُو بَعْضهَا بَعْضًا وَأَن الْأَدْنَى مِنْهَا لايدرك مَا عَلَيْهِ الْأَعْلَى إِلَّا على وَجه من الْإِجْمَال وَأَن ذَلِك لَيْسَ لتَفَاوت الْمَرَاتِب فى التَّعْلِيم فَقَط بل لَا بُد مَعَه من التَّفَاوُت فى الْفطر الَّتِى لَا مدْخل فِيهَا لاختيار الْإِنْسَان وَكَسبه وَلَا شُبْهَة فى أَن من النظريات عِنْد بعض الْعُقَلَاء مَا هُوَ بديهى عِنْد من هُوَ أرقى مِنْهُ وَلَا تزَال الْمَرَاتِب ترتقى فى ذَلِك إِلَى مَالا يحصره الْعدَد وَإِن من أَرْبَاب الهمم وكبار النُّفُوس مَا يرى الْبعيد عَن صغارها قَرِيبا فيسعى إِلَيْهِ ثمَّ يُدْرِكهُ وَالنَّاس دونه يُنكرُونَ بدايته ويعجبون لنهايته ثمَّ يألفون مَا صَار إِلَيْهِ كَأَنَّهُ من الْمَعْرُوف الذى لَا يُنَازع وَالظَّاهِر الذى لَا يجاحد فَإِذا أنكر مُنكر ثَارُوا عَلَيْهِ ثورتهم فى بادىء الْأَمر على من دعاهم إِلَيْهِ وَلَا يزَال هَذَا الصِّنْف من النَّاس على قلته ظَاهرا فى كل أمة إِلَى الْيَوْم

فَإِذا سلم وَلَا محبص عَن التَّسْلِيم بِمَا أسلفنا من الْمُقدمَات فَمن ضعف الْعقل والنكول عَن النتيجة اللَّازِمَة لمقدماتها عِنْد الْوُصُول إِلَيْهَا أَن لَا يسلم بِأَن من النُّفُوس البشرية مَا يكون لَهَا من نقاء الْجَوْهَر بِأَصْل الْفطْرَة مَا تستعد بِهِ من

ص: 58

مَحْض الْفَيْض الإلهى لِأَن تتصل بالأفق الْأَعْلَى وتنتهى من الإنسانية إِلَى الذرْوَة الْعليا وَتشهد من أَمر الله شُهُود العيان مالم يصل غَيرهَا إِلَى تعقله أَو تحسسه بعصى الدَّلِيل والبرهان وتتلقى عَن الْعَلِيم الْحَكِيم مَا يَعْلُو وضوحا على مَا يتلقاه أَحَدنَا عَن أساتذة التعاليم ثمَّ تصدر عَن ذَلِك الْعلم إِلَى تَعْلِيم مَا علمت ودعوة النَّاس إِلَى مَا حملت على إبلاغه إِلَيْهِم وَأَن يكون ذَلِك سنة لله فى كل أمة وفى كل زمَان على حسب الْحَاجة يظْهر برحمته من يختصه بعنايته ليفى للإجتماع بِمَا يضْطَر إِلَيْهِ من مصْلحَته إِلَى أَن يبلغ النَّوْع الإنسانى أشده وَتَكون الْأَعْلَام الَّتِى نصبها لهدايته إِلَى سعادته كَافِيَة فى إرشاده فتختم الرسَالَة ويغلق بَاب النُّبُوَّة كَمَا سنأتى عَلَيْهِ فى رِسَالَة نَبينَا صلى الله عليه وسلم

أما وجود بعض الْأَرْوَاح الْعَالِيَة وظهورها لأهل تِلْكَ الْمرتبَة السامية فمما لَا اسْتِحَالَة فِيهِ بعد مَا عرفنَا من أَنْفُسنَا وأرشدنا إِلَيْهِ الْعلم قديمه وَحَدِيثه من اشْتِمَال الْوُجُود على ماهر ألطف من الْمَادَّة وَإِن غيب عَنَّا فأى مَانع من أَن يكون بعض هَذَا الْوُجُود اللَّطِيف مشرقا لشىء من الْعلم الإلهى وَأَن يكون لنفوس الْأَنْبِيَاء إشراف عَلَيْهِ فَإِذا جَاءَ بِهِ الْخَبَر الصَّادِق حملنَا على الإذعان بِصِحَّتِهِ

أما تمثل الصَّوْت وأشباح لتِلْك الْأَرْوَاح فى حس من اختصه الله بِتِلْكَ الْمنزلَة فقد عهد عِنْد أَعدَاء الْأَنْبِيَاء مَالا يبعد عَنهُ فى بعض المصابين بأمراض خَاصَّة على زعمهم فقد سلمُوا أَن بعض معقولاتهم يتَمَثَّل فى خيالهم ويصل إِلَى دَرَجَة المحسوس فَيصدق الْمَرِيض فى قَوْله إِنَّه يرى وَيسمع بل يجالد ويصارع وَلَا شىء من ذَلِك فى الْحَقِيقَة بواقع فان جَازَ التمثل فى الصُّور المعقولة وَلَا منشأ لَهَا إِلَّا فى النَّفس وَإِن ذَلِك يكون عِنْد عرُوض عَارض على المخ فَلم يجوز تمثل الْحَقَائِق المعقولة فى النُّفُوس الْعَالِيَة وَأَن يكون ذَلِك لَهَا عِنْدَمَا تنْزع عَن عَالم الْحس وتنصل بحظائر الْقُدس وَتَكون تِلْكَ الْحَال من لواحق صِحَة الْعقل فى أهل تِلْكَ الدرجَة لاخْتِصَاص مزاجهم بمالا يُوجد فى مزاج غَيرهم وَغَايَة مَا يلْزم عَنهُ أَن يكون لعلاقة أَرْوَاحهم بأبدانهم شَأْن غير مَعْرُوف فى تِلْكَ العلاقة من سواهُم وَهُوَ مِمَّا يسهل قبُوله بل يتحتم

ص: 59

لِأَن شَأْنهمْ فى النَّاس أَيْضا غير الشؤن المألوفة وَهَذِه الْمُغَايرَة من أهم مَا امتازوا بِهِ وَقَامَ مِنْهَا الدَّلِيل على رسالتهم وَالدَّلِيل على سَلامَة شهودهم وَصِحَّة مَا يحدثُونَ عَنهُ أَن أمراض الْقُلُوب تشفى بدوائهم وَأَن ضعف العزائم والعقول بِالْقُوَّةِ فى أممهم الَّتِى تَأْخُذ بمقالهم وَمن الْمُنكر فى البديهة أَن يصدر الصَّحِيح من معتل ويستقيم النظام بمختل

أما أَرْبَاب النُّفُوس الْعَالِيَة والعقول السامية من العرفاء مِمَّن لم تدن مَرَاتِبهمْ من مَرَاتِب الْأَنْبِيَاء وَلَكنهُمْ رَضوا أَن يَكُونُوا لَهُم أَوْلِيَاء وعَلى شرعهم ودعوتهم أُمَنَاء فكثير مِنْهُم نَالَ حَظه من الْأنس بِمَا يُقَارب تِلْكَ الْحَال فى النَّوْع أَو الْجِنْس لَهُم مشارفة فى بعض أَحْوَالهم على شىء فى عَالم الْغَيْب وَلَهُم مشَاهد صَحِيحَة فى عَالم الْمِثَال لَا تنكر عَلَيْهِم لتحقيق حقائقها فى الْوَاقِع فهم لذَلِك لَا يستعبدون شَيْئا مِمَّا يحدث بِهِ عَن الْأَنْبِيَاء صلوَات الله عَلَيْهِم وَمن ذاق عرف وَمن حرم انحرف وَدَلِيل صِحَة مَا يتحدثون بِهِ وَعنهُ ظُهُور الْأَثر الصَّالح مِنْهُم وسلامة أَعْمَالهم مِمَّا يُخَالف شرائع انبيائهم وطهارة فطرهم مِمَّا يُنكره الْعقل الصَّحِيح أَو يمجه الذَّوْق السَّلِيم واندفاعهم بباعث من الْحق النَّاطِق فى سرائرهم المتلألىء فى بصائرهم إِلَى دَعْوَة من يحف بهم إِلَى مَا فِيهِ خير الْعَامَّة وترويح قُلُوب الْخَاصَّة وَلَا يَخْلُو الْعَالم من متشبهين بهم وَلَكِن مَا أسْرع مَا ينْكَشف حَالهم ويسوء مآلهم ومآل من غرروا بِهِ وَلَا يكون لَهُم إِلَّا سوء الْأَثر فى تضليل الْعُقُول وَفَسَاد الْأَخْلَاق وانحطاط شَأْن الْقَوْم الَّذين رزئوابهم إِلَّا أَن يتداركهم الله بِلُطْفِهِ فَتكون كلمتهم الخبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فَوق الأَرْض مَالهَا من قَرَار فَلم يبْق بَين المنكرين لأحوال الْأَنْبِيَاء ومشاهدهم وَبَين الْإِقْرَار بِإِمْكَان مَا أنبثوا بِهِ وبوقوعه إِلَّا حجاب من الْعَادة وَكَثِيرًا مَا حجب الْعُقُول حَتَّى عَن إِدْرَاك أُمُور مُعْتَادَة

ص: 60