الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقُرْآن نَفسه بتضليلها والدعوة إِلَى مخالفتها وَلَيْسَ فى القَوْل بِأَن الله أوجد الْقُرْآن بِدُونِ دخل لكسب بشر فى وجوده مَا يمس شرف نسبته بل ذَلِك غَايَة مَا دَعَا الدّين إِلَى اعْتِقَاده فَهُوَ السّنة وَهُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ النبى وَأَصْحَابه وكل مَا خَالفه فَهُوَ بِدعَة وضلالة
أما مَا نقل إِلَيْنَا من ذَلِك الْخلاف الذى فرق الْأمة وأحدث فِيهَا الْأَحْدَاث خُصُوصا فِي أَوَائِل الْقرن الثَّالِث من الْهِجْرَة وإباء بعض الْأَئِمَّة أَن ينْطق بِأَن الْقُرْآن مَخْلُوق فقد كَانَ منشؤه مُجَرّد التحرج وَالْمُبَالغَة فى التأدب من بَعضهم وَإِلَّا فيجل مقَام مثل الإِمَام ابْن حَنْبَل عَن أَن يعْتَقد أَن الْقُرْآن المقروء قديم وَهُوَ يتلوه كل لَيْلَة بِلِسَانِهِ ويكفيه بِصَوْتِهِ
وَمِمَّا ثَبت لَهُ بِالنَّقْلِ صفة الْبَصَر وهى مَا بِهِ تنكشف المبصرات وَصفَة السّمع وهى مَا بِهِ تنكشف المسموعات فَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير لَكِن علينا أَن نعتقد أَن هَذَا الانكشاف لَيْسَ بِآلَة وَلَا جارحة وَلَا حدقة وَلَا باصرة
كَلِمَات فِي الصِّفَات إِجْمَالا
أبتدىء الْكَلَام فِيمَا أقصده بِذكر حَدِيث إِن لم يَصح فكتاب الله بجملته وتفصيله يُؤَيّد مَعْنَاهُ وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم تَفَكَّرُوا فى خلق الله وَلَا تَفَكَّرُوا فى ذَاته فَتَهْلكُوا
إِذا قَدرنَا عقل الْبشر قدره وجدنَا غَايَة مَا ينتهى إِلَيْهِ كَمَاله إِنَّمَا هُوَ الْوُصُول إِلَى معرفَة عوارض بعض الكائنات الَّتِى تقع تَحت الْإِدْرَاك الإنسانى حسا كَانَ أَو وجدانا أَو تعقلا ثمَّ التَّوَصُّل بذلك إِلَى معرفَة مناشئها وَتَحْصِيل كليات لأنواعها والإحاطة بِبَعْض الْقَوَاعِد لعروض مَا يعرض لَهَا أما الْوُصُول إِلَى كنه حَقِيقَة مَا فمما لَا تبلغه قوته لِأَن اكتناه المركبات إِنَّمَا هُوَ باكتناه مَا تركبت مِنْهُ وَذَلِكَ ينتهى إِلَى الْبَسِيط الصّرْف وَهُوَ لَا سَبِيل إِلَى اكتناهة بِالضَّرُورَةِ وَغَايَة مَا يُمكن عرفانه مِنْهُ هُوَ عوارضه وآثاره خُذ أظهر الْأَشْيَاء وأجلاها كالضوء
قرر الناظرون فِيهِ لَهُ أحكاما كَثِيرَة فصلوها فى علم خَاص بِهِ وَلَكِن لم يسْتَطع نَاظر أَن يفهم مَا هُوَ وَلَا أَن يكتنه معنى الإضاءة نَفسه وَإِنَّمَا يعرف من ذَلِك مَا يعرفهُ كل بَصِير لَهُ عينان وعَلى هَذَا الْقيَاس
ثمَّ إِن الله لم يَجْعَل للْإنْسَان حَاجَة تَدْعُو إِلَى اكتناه شىء من الكائنات وَإِنَّمَا حَاجته إِلَى معرفَة الْعَوَارِض والخواص وَلَذَّة عقله إِن كَانَ سليما إِنَّمَا هى تَحْقِيق نِسْبَة تِلْكَ الْخَواص إِلَى مَا اخْتصّت بِهِ وَإِدْرَاك الْقَوَاعِد الَّتِى قَامَت عَلَيْهَا تِلْكَ النّسَب فالاشتغال بالاكتناه أضاعة الْوَقْت وَصرف للقوة إِلَى غير مَا سيقت إِلَيْهِ
اشْتغل الْإِنْسَان بتحصيل الْعلم بأقرب الْأَشْيَاء إِلَيْهِ وهى نَفسه أَرَادَ أَن يعرف بعض عوارضها وَهل هى عرض أَو جَوْهَر هَل هى قبل الْجِسْم أَو بعده هَل هى فِيهِ أَو مُجَرّدَة عَنهُ كل هَذِه صِفَات لم يصل الْعقل إِلَى اثبات شىء مِنْهَا يُمكن الِاتِّفَاق عَلَيْهِ وَإِنَّمَا مبلغ جهده أَنه عرف أَنه مَوْجُود حى لَهُ شُعُور وَإِرَادَة وكل مَا أحَاط بِهِ بعد ذَلِك من الْحَقَائِق الثَّابِتَة فَهُوَ رَاجع إِلَى تِلْكَ الْعَوَارِض الَّتِى وصل إِلَيْهَا ببديهته أماكنه شىء من ذَلِك بل وَكَيْفِيَّة اتصافه بِبَعْض صِفَاته فَهُوَ مَجْهُول عِنْده وَلَا يجد سَبِيلا للْعلم بِهِ
هَذَا حَال الْعقل الإنسانى مَعَ مَا يُسَاوِيه فى الْوُجُود أَو ينحط عَنهُ بل وَكَذَلِكَ شَأْنه فِيمَا يظنّ من الْأَفْعَال أَنه صادر عَنهُ كالفكر وارتباطه بالحركة والنطق فَمَا يكون من أمره بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِك الْوُجُود إِلَّا على مَاذَا يكون اندهاشه بل انْقِطَاعه إِذا وَجه نظره إِلَى مَالا يتناهى من الْوُجُود الأزلى الأبدى
النّظر فى الْخلق يهدى بِالضَّرُورَةِ إِلَى الْمَنَافِع الدُّنْيَوِيَّة ويضىء للنَّفس طريقها إِلَى معرفَة من هَذِه آثاره وَعَلَيْهَا تجلت أنواره وَإِلَى اتصافه بِمَا لولاه لما صدرت عَنهُ هَذِه الْآثَار على مَا هى عَلَيْهِ من النظام وتخالف الأنظار فى الْكَوْن إِنَّمَا هُوَ من تصارع الْحق وَالْبَاطِل وَلَا بُد أَن يظفر الْحق ويعلو على الْبَاطِل بتعاون الأفكار أَو صولة القوى مِنْهَا على الضَّعِيف
أما الْفِكر فى ذَات الْخَالِق فَهُوَ طلب للأكتناه من جِهَة وَهُوَ مُمْتَنع على الْعقل الْبُشْرَى لما علمت من انْقِطَاع النِّسْبَة بَين الوجودين ولاستحالة التركب فى ذَاته وتطاول إِلَى مَالا تبلغه الْقُوَّة البشرية من جِهَة أُخْرَى فَهُوَ عَبث ومهلكه عَبث لِأَنَّهُ سعى إِلَى مَالا يدْرك ومهلكة لِأَنَّهُ يُؤدى إِلَى الْخبط فى الِاعْتِقَاد لِأَنَّهُ تَحْدِيد لما لَا يجوز تحديده وَحصر لما لَا يَصح حصره
لَا ريب أَن هَذَا الحَدِيث وَمَا أَتَيْنَا عَلَيْهِ من الْبَيَان كَمَا يأتى فى الذَّات من حَيْثُ هى يأتى فِيهَا مَعَ صفاتها فالنهى واستحالة الْوُصُول إِلَى الاكتناه شاملان لَهَا فيكفينا من الْعلم بهَا أَن نعلم أَنه متصف بهَا أما مَا وَرَاء ذَلِك فَهُوَ مِمَّا يستأثر هُوَ بِعِلْمِهِ وَلَا يُمكن لعقولنا أَن تصل إِلَيْهِ وَلِهَذَا لم يَأْتِ الْكتاب الْعَزِيز وَمَا سبقه من الْكتب إِلَّا بتوجيه النّظر إِلَى الْمَصْنُوع لينفذ مِنْهُ إِلَى معرفَة وجود الصَّانِع وَصِفَاته الكمالية أما كَيْفيَّة الاتصاف فَلَيْسَ من شَأْننَا أَن نبحث فِيهِ
فالذى يُوجِبهُ علينا الْإِيمَان هُوَ ان نعلم أَنه مَوْجُود لَا يشبه الكائنات أزلى أبدى حى عَالم مُرِيد قَادر متفرد فى وجوب وجوده وفى كَمَال صِفَاته وفى صنع خلقه وَأَنه مُتَكَلم سميع بَصِير وَمَا يتبع ذَلِك من الصِّفَات الَّتِى جَاءَ الشَّرْع بِإِطْلَاق أسمائها عَلَيْهِ أما كَون الصِّفَات زَائِدَة على الذَّات وَكَون الْكَلَام صفة غير مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ الْعلم من معانى الْكتب السماوية وَكَون السّمع وَالْبَصَر غير الْعلم بالمسموعات والمبصرات وَنَحْو ذَلِك من الشئون الَّتِى اخْتلف عَلَيْهَا النظار وَتَفَرَّقَتْ فِيهَا الْمذَاهب فمما لَا يجوز الْخَوْض فِيهِ إِذْ لَا يُمكن لعقول الْبشر أَن تصل إِلَيْهِ وَالِاسْتِدْلَال على شىء مِنْهُ بالألفاظ الْوَارِدَة ضعف فى الْعقل وتغرير بِالشَّرْعِ لِأَن اسْتِعْمَال اللُّغَة لَا ينْحَصر فى الْحَقِيقَة وَلَئِن انحصر فِيهَا فَوضع اللُّغَة لَا تراعى فِيهِ الوجودات بكنهها الحقيقى وَإِنَّمَا تِلْكَ مَذَاهِب فلسفة إِن لم يصل فِيهَا أمثلهم فَلم يهتد فِيهَا فريق إِلَى مقنع فَمَا علينا إلاالوقوف عِنْدَمَا تبلغه عقولنا وَأَن نسْأَل الله أَن يغْفر لمن آمن بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ رسله مِمَّن تقدمنا