المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التصديق بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم - التوحيد لمحمد عبده

[محمد عبده]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌مُقَدمَات

- ‌أَقسَام الْمَعْلُوم

- ‌حكم المستحيل

- ‌أَحْكَام الْمُمكن

- ‌الْمُمكن مَوْجُود قطعا

- ‌وجود الْمُمكن يقتضى بِالضَّرُورَةِ وجود الْوَاجِب

- ‌أَحْكَام الْوَاجِب

- ‌الْقدَم والبقاء وَنفى التَّرْكِيب

- ‌الْحَيَاة

- ‌ الْعلم

- ‌الْإِرَادَة

- ‌الْقُدْرَة

- ‌الإختيار

- ‌الْوحدَة

- ‌الصِّفَات السمعية الَّتِى يجب الإعتقاد بهَا

- ‌كَلِمَات فِي الصِّفَات إِجْمَالا

- ‌أَفعَال الله جلّ شَأْنه

- ‌أَفعَال الْعباد

- ‌حسن الْأَفْعَال وقبحها

- ‌الرسَالَة الْعَامَّة

- ‌حَاجَة الْبشر إِلَى الرسَالَة

- ‌امكان الوحى

- ‌وُقُوع الْوَحْي والرسالة

- ‌وَظِيفَة الرُّسُل عليهم السلام

- ‌اعْتِرَاض مشهود

- ‌رِسَالَة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

- ‌الْقُرْآن

- ‌الْإِسْلَام أَو الدّين الإسلامى

- ‌انتشار الْإِسْلَام

- ‌بِسُرْعَة لم يعْهَد لَهَا نَظِير فى التَّارِيخ

- ‌ايراد سهل الايراد

- ‌الْجَواب

- ‌التَّصْدِيق بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

- ‌خَاتِمَة

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

الفصل: ‌التصديق بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم

اسْتِعْمَاله والآخذ بِمَا أرشد إِلَيْهِ نَالَ من السَّعَادَة مَا وعد الله على اتِّبَاعه وَقد جرب علاج الِاجْتِمَاع الإنسانى بِهَذَا الدَّوَاء فَظهر نجاحه ظهورا لَا يَسْتَطِيع مَعَه الْأَعْمَى إنكارا وَلَا الْأَصَم إعْرَاضًا وَغَايَة مَا قيل فى الْإِيرَاد أَن أعْطى الطَّبِيب إِلَى الْمَرِيض دَوَاء فصح الْمَرِيض وانقلب الطَّبِيب بِالْمرضِ الذى كَانَ يعْمل لمعالجته وَهُوَ يتجرع الْغصَص من آلامه والدواء فى بَيته وَهُوَ لَا يتَنَاوَلهُ وَكثير مِمَّن يعودونه أَو يتشفون مِنْهُ ويشمتون لمصيبته يتناولون من ذَلِك الدَّوَاء فيعافون من مثل مَرضه وَهُوَ فى يأس من حَيَاته ينْتَظر الْمَوْت أَو تبدل سنة الله فى شِفَاء أَمْثَاله كلامنا الْيَوْم فى الدّين الإسلامى وحاله على مَا بَيناهُ أما الْمُسلمُونَ وَقد أَصْبحُوا بسيرهم حجَّة على دينهم فَلَا كَلَام لنا فيهم الْآن وسيكون الْكَلَام عَنْهُم كتاب آخر إِن شَاءَ الله

‌التَّصْدِيق بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

بعد أَن ثبتَتْ نبوته عليه السلام بِالدَّلِيلِ الْقَاطِع على مَا بَينا وَأَنه إِنَّمَا يخبر عَن الله تَعَالَى فَلَا ريب أَنه يجب تَصْدِيق خَبره وَالْإِيمَان بِمَا جَاءَ بِهِ ونعنى بِمَا جَاءَ بِهِ مَا صرح بِهِ الْكتاب الْعَزِيز وَمَا تَوَاتر الْخَبَر بِهِ تواترا صَحِيحا مُسْتَوْفيا لشرائطه وَهُوَ مَا أخبر بِهِ جمَاعَة يَسْتَحِيل تواطئوهم على الْكَذِب عَادَة فى أَمر محسوس وَمن ذَلِك أَحْوَال مَا بعد الْمَوْت من بعث ونعيم فى جنَّة وَعَذَاب فى نَار وحساب على حَسَنَات وسيئات وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مَعْرُوف وَيجب أَن يقْتَصر فى الِاعْتِقَاد على مَا هُوَ صَرِيح فى الْخَبَر وَلَا تجوز الزِّيَادَة على مَا هُوَ قطعى يظنّ وَشرط صِحَة الِاعْتِقَاد أَن لَا يكون فِيهِ شىء يمس التَّنْزِيه وعلو الْمقَام الإلهى عَن مشابهة المخلوقين فَإِن ورد مَا يُوهم ظَاهره ذَلِك فى المنواز وَجب صرفه عَن الظَّاهِر إِمَّا بِتَسْلِيم لله فى الْعلم بِمَعْنَاهُ مَعَ اعْتِقَاد أَن الظَّاهِر غير مُرَاد أَو بِتَأْوِيل تقوم عَلَيْهِ الْقَرَائِن المقبولة

أما أَخْبَار الْآحَاد فَإِنَّمَا يجب الْإِيمَان بِمَا ورد فِيهَا على من بلغته وَصدق بِصِحَّة رِوَايَتهَا أما من لم يبلغهُ الْخَبَر أَو بلغه وَعرضت لَهُ شُبْهَة فى صِحَّته وَهُوَ

ص: 104

لَيْسَ من الْمُتَوَاتر فَلَا يطعن فى إيمَانه عدم التَّصْدِيق بِهِ وَالْأَصْل فى جَمِيع ذَلِك أَن من أنكر شَيْئا وَهُوَ يعلم أَن النبى صلى الله عليه وسلم حدث بِهِ أَو قَرَّرَهُ فقد طعن فى صدق الرسَالَة وَكذب بهَا وَيلْحق بِهِ من أهمل الْعلم بِمَا تَوَاتر وَعلم أَنه من الدّين بِالضَّرُورَةِ وَهُوَ فى الْكتاب وَقَلِيل من السّنة فى الْعَمَل

من اعْتقد بِالْكتاب الْعَزِيز وَبِمَا فِيهِ من الشَّرَائِع العملية وعسر عَلَيْهِ فهم أَخْبَار الْغَيْب على مَا هى عَلَيْهِ فى ظَاهر القَوْل وَذهب بعقله إِلَى تَأْوِيلهَا بحقائق يقوم لَهُ الدَّلِيل عَلَيْهَا مَعَ الِاعْتِقَاد بحياة بعد الْمَوْت وثواب وعقاب على الْأَعْمَال والعقائد بِحَيْثُ لَا ينقص تَأْوِيله شَيْئا من قيمَة الْوَعْد والوعيد وَلَا ينقص شَيْئا من بِنَاء الشَّرِيعَة فى التَّكْلِيف كَانَ مُؤمنا حَقًا وَإِن كَانَ لَا يصلح اتِّخَاذه قدوة فى تَأْوِيله فَإِن الشَّرَائِع الإلهية قد نظر فِيهَا إِلَى مَا تبلغه طَاقَة الْعَامَّة لَا إِلَى مَا تشتهيه عقول الْخَاصَّة وَالْأَصْل فى ذَلِك أَن الْإِيمَان هُوَ الْيَقِين فى الِاعْتِقَاد بِاللَّه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر بلاقيد فى ذَلِك إِلَّا احترام مَا جَاءَ بِهِ على أَلْسِنَة الرُّسُل

بقيت علينا مَسْأَلَتَانِ وضعتا من هَذَا الْعلم فى مَكَان من الاهتمام وَمَا هما مِنْهُ إِلَّا حَيْثُ يكون غَيرهمَا مِمَّا أجملنا القَوْل فِيهِ الأولى جَوَاز رُؤْيَة الله تَعَالَى فى الْآخِرَة وَالْأُخْرَى جَوَاز وُقُوع الكرامات وخوارق الْعَادَات من غير الْأَنْبِيَاء من الْأَوْلِيَاء وَالصديقين

أما الأولى فقد اشْتَدَّ فِيهَا النزاع ثمَّ انْتهى إِلَى وفَاق بَين المنزهين لَا مجَال مَعَه للتنازع فَإِن الْقَائِلين بِجَوَاز الرُّؤْيَة من أهل التَّنْزِيه متفقون على أَن الرُّؤْيَة لَا تكون على الْمَعْهُود من رُؤْيَة الْبَصَر الْمَعْرُوفَة لنا فى مجْرى الْعَادة بل هى رُؤْيَة لَا كَيفَ فِيهَا وَلَا تَحْدِيد وَمثلهَا لَا يكون إِلَّا يبصر يخْتَص الله بِهِ أهل الدَّار الْآخِرَة أَو تَتَغَيَّر فِيهِ خاصته الْمَعْهُودَة فى الْحَيَاة الدُّنْيَا وَهُوَ مَالا يمكننا مَعْرفَته وَإِن كُنَّا نصدق بِوُقُوعِهِ مَتى صَحَّ الْخَبَر والمنكرون لجوازها لم ينكروا انكشافا يساويها فَسَوَاء كَانَ ذَلِك بالبصر الْغَيْر الْمَعْهُود أَو بحاسة أُخْرَى فَهُوَ فى الْمَعْنى يرجع إِلَى قَول خصومهم وَلَكِن منى الْإِسْلَام بِقوم يحبونَ الْخلاف وَالله فَوق مَا يظنون

وَأما الثَّانِيَة فَأنْكر جَوَاز وُقُوع الكرامات أَبُو إِسْحَاق الاسفراينى من

ص: 105

أكَابِر أَصْحَاب أَبى الْحسن الأشعرى وعَلى ذَلِك الْمُعْتَزلَة إِلَّا ابا الْحسن البصرى فَقَالَ بِجَوَاز وُقُوعهَا وَعَلِيهِ جُمْهُور الأشاعرة وَاسْتدلَّ الذاهبون إِلَى الْجَوَاز بِمَا جَاءَ فى الْكتاب من قصَّة الذى عِنْده علم من الْكتاب الْوَارِدَة فى خبر بلقيس من إِحْضَاره عرشها قبل ارتداد الطّرف وقصة مَرْيَم عليها السلام وَحُضُور الرزق عِنْدهَا وقصة أَصْحَاب الْكَهْف وَاحْتج الْآخرُونَ بِأَن ذَلِك يُوقع الشُّبْهَة فى المعجزات وَأولُوا مَا جَاءَ فى الْآيَات أما أَن ذَلِك يُوقع الشُّبْهَة فى المعجزات فَلَيْسَ بِصَحِيح لِأَن المعجزات إِنَّمَا تظهر مقرونة بِدَعْوَى الرسَالَة والتبليغ عَن الله تَعَالَى وَلَا بُد أَن تكتنفها حوادث تميزها عَمَّا سواهَا وَأما مَا احْتج بِهِ المجوزون من الْآيَات فَلَا دَلِيل فِيهِ لِأَن مَا فى قصَّة مَرْيَم وآصف قد يكون بتخصيص من الله تَعَالَى لوُقُوعه فى عهد الْأَنْبِيَاء عليه الصلاة والسلام وَلَا علم لنا بِمَا اكتنف تِلْكَ الوقائع من شئون الله فى أَنْبيَاء ذَلِك الْعَهْد إِلَّا قَلِيلا وَأما قصَّة أهل الْكَهْف فقد عدهَا الله من آيَاته فى خلقه وَذكرنَا بهَا لنعتبر بمظاهر قدرته فَلَيْسَتْ من قبيل مَا الْكَلَام فِيهِ من عُمُوم الْجَوَاز فَصَارَ الْبَحْث فى جَوَاز وُقُوع الكرامات نوعا من الْبَحْث فى متناول همم النُّفُوس البشرية وعلاقتها بالكون الْكَبِير وفى مَكَان الْأَعْمَال الصَّالِحَة وارتقاء النُّفُوس فى مقامات الْكَمَال من الْعِنَايَة الإلهية وَهُوَ بحث دَقِيق قد يخْتَص بِعلم آخر وَأما مُجَرّد الْجَوَاز العقلى وَأَن صُدُور خارق للْعَادَة على يَد غير نبى مِمَّا تتناوله الْقُدْرَة الإلهية فَلَا أَظن أَنه مَوضِع نزاع يخْتَلف عَلَيْهِ الْعُقَلَاء وَإِنَّمَا الذى يجب الِالْتِفَات إِلَيْهِ هُوَ أَن أهل السّنة وَغَيرهم فى اتِّفَاق على أَنه لَا يجب الِاعْتِقَاد بِوُقُوع كَرَامَة مُعينَة على يَد ولى لله معِين بعد ظُهُور الْإِسْلَام فَيجوز لكل مُسلم بِإِجْمَاع الْأمة أَن يُنكر صُدُور أَي كَرَامَة كَانَت من أى ولى كَانَ وَلَا يكون بإنكاره هَذَا مُخَالفا لشىء من أصُول الدّين وَلَا مائلا عَن سنة صَحِيحَة وَلَا منحرفا عَن الصِّرَاط الْمُسْتَقيم اللَّهُمَّ إِلَّا ان يكون مِمَّا صَحَّ فى السّنة عَن الصَّحَابَة أَيْن هَذَا الأَصْل الْمجمع عَلَيْهِ مِمَّا يهذى بِهِ جُمْهُور الْمُسلمين فى هَذِه الْأَيَّام حَيْثُ يظنون أَن الكرامات وخوارق الْعَادَات أَصبَحت من ضروب الصناعات يتنافس فِيهَا الْأَوْلِيَاء وتتفاخر فِيهَا همم الأصفياء وَهُوَ مِمَّا يتبرأ مِنْهُ الله وَدينه وأولياؤه وَأهل الْعلم أَجْمَعُونَ

ص: 106