المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الْقُرْآن   جَاءَنَا الْخَبَر الْمُتَوَاتر الذى لَا تطرق إِلَيْهِ الرِّيبَة أَن النبى - التوحيد لمحمد عبده

[محمد عبده]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌مُقَدمَات

- ‌أَقسَام الْمَعْلُوم

- ‌حكم المستحيل

- ‌أَحْكَام الْمُمكن

- ‌الْمُمكن مَوْجُود قطعا

- ‌وجود الْمُمكن يقتضى بِالضَّرُورَةِ وجود الْوَاجِب

- ‌أَحْكَام الْوَاجِب

- ‌الْقدَم والبقاء وَنفى التَّرْكِيب

- ‌الْحَيَاة

- ‌ الْعلم

- ‌الْإِرَادَة

- ‌الْقُدْرَة

- ‌الإختيار

- ‌الْوحدَة

- ‌الصِّفَات السمعية الَّتِى يجب الإعتقاد بهَا

- ‌كَلِمَات فِي الصِّفَات إِجْمَالا

- ‌أَفعَال الله جلّ شَأْنه

- ‌أَفعَال الْعباد

- ‌حسن الْأَفْعَال وقبحها

- ‌الرسَالَة الْعَامَّة

- ‌حَاجَة الْبشر إِلَى الرسَالَة

- ‌امكان الوحى

- ‌وُقُوع الْوَحْي والرسالة

- ‌وَظِيفَة الرُّسُل عليهم السلام

- ‌اعْتِرَاض مشهود

- ‌رِسَالَة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

- ‌الْقُرْآن

- ‌الْإِسْلَام أَو الدّين الإسلامى

- ‌انتشار الْإِسْلَام

- ‌بِسُرْعَة لم يعْهَد لَهَا نَظِير فى التَّارِيخ

- ‌ايراد سهل الايراد

- ‌الْجَواب

- ‌التَّصْدِيق بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم

- ‌خَاتِمَة

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

الفصل: ‌ ‌الْقُرْآن   جَاءَنَا الْخَبَر الْمُتَوَاتر الذى لَا تطرق إِلَيْهِ الرِّيبَة أَن النبى

‌الْقُرْآن

جَاءَنَا الْخَبَر الْمُتَوَاتر الذى لَا تطرق إِلَيْهِ الرِّيبَة أَن النبى صلى الله عليه وسلم كَانَ فى نشأته وأميته على الْحَال الَّتِى ذكرنَا وتواترت أَخْبَار الْأُمَم كَافَّة على أَنه جَاءَ بِكِتَاب قَالَ إِنَّه أنزل عَلَيْهِ وَأَن ذَلِك الْكتاب هُوَ الْقُرْآن الْمَكْتُوب فى الْمَصَاحِف الْمَحْفُوظ فى صُدُور من عَنى بحفظه من الْمُسلمين إِلَى الْيَوْم كتاب حوى من أَخْبَار الْأُمَم الْمَاضِيَة مَا فِيهِ مُعْتَبر للأجيال الْحَاضِرَة والمستقبلة نقب على الصَّحِيح مِنْهَا وغادر الأباطيل الَّتِى ألحقتها الأوهام بهَا وَنبهَ على وُجُوه الْعبْرَة فِيهَا حكى عَن الْأَنْبِيَاء مَا شَاءَ الله أَن يقص علينا من سيرهم وَمَا كَانَ بَينهم وَبَين أممهم وبرأهم مِمَّا رماهم بِهِ أهل دينهم المعتقدون برسالاتهم آخذ الْعلمَاء من الْملَل الْمُخْتَلفَة على مَا أفسدوا من عقائدهم وَمَا خلطوا فى أحكامهم وَمَا حرفوا بالتأويل فى كتبهمْ وَشرع للنَّاس أحكاما تنطبق على مصالحهم وَظَهَرت الْفَائِدَة فى الْعَمَل بهَا والمحافظة عَلَيْهَا وَقَامَ بهَا الْعدْل وانتظم بهَا شَمل الْجَمَاعَة مَا كَانَت عِنْد حد مَا قَرَّرَهُ ثمَّ عظمت الْمضرَّة فى إهمالها والإنحراف عَنْهَا أَو الْبعد بهَا عَن الرّوح الذى أودعته ففاقت بذلك جَمِيع الشَّرَائِع الوضعية كَمَا يتَبَيَّن للنَّاظِر فى شرائع الْأُمَم ثمَّ جَاءَ بعد ذَلِك بِحكم ومواعظ وآداب تخشع لَهَا الْقُلُوب وتهش لاستقبالها الْعُقُول وتنصرف وَرَاءَهَا الهمم انصرافها فى السَّبِيل الْأُمَم نزل الْقُرْآن فى عصر اتّفق الروَاة وتواترت الْأَخْبَار على أَنه أرقى الْأَعْصَار عِنْد الْعَرَب وأغزرها مَادَّة فى الفصاحة وَأَنه الممتاز بَين جَمِيع مَا تقدمه بوفرة رجال البلاغة وفرسان الْخطاب وأنفس مَا كَانَت الْعَرَب تتنافس فِيهِ من ثمار الْعقل ونتائج الفطنة والذكاء هُوَ الغلب فى القَوْل والسبق إِلَى إِصَابَة مَكَان الوجدان من الْقُلُوب ومقر الإذعان من الْعُقُول وتفانيهم فى الْمُفَاخَرَة بذلك مِمَّا لَا يحْتَاج إِلَى الإطالة فى بَيَانه

تَوَاتر الْخَبَر كَذَلِك بِمَا كَانَ مِنْهُم من الْحِرْص على مُعَارضَة النبى صلى الله عليه وسلم والتماسهم الْوَسَائِل قريبها وبعيدها لإبطال دَعْوَاهُ وتكذيبه فى الْإِخْبَار

ص: 76

عَن الله وإتيانهم فى ذَلِك على مبلغ استطاعتهم وَكَانَ فيهم الْمُلُوك الَّذين تحملهم عزة الْملك على معاندته والأمراء الَّذين يَدعُوهُم السُّلْطَان إِلَى مناوأته والخطباء وَالشعرَاء وَالْكتاب الَّذين يشمخون بأنوفهم عَن مُتَابَعَته وَقد اشْتَدَّ جَمِيع أُولَئِكَ فى مقاومته وانهالوا بقواهم عَلَيْهِ استكبارا عَن الخضوع لَهُ وتمسكا بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ من أَدْيَان آبَائِهِم وحمية لعقائدهم وعقائد أسلافهم وَهُوَ مَعَ ذَلِك يخطىء آراءهم ويسفه أحلامهم ويحتقر أصنامهم ويدعوهم إِلَى مَا لم تعهده أيامهم وَلم تخفق لمثله أعلامهم وَلَا حجَّة لَهُ بَين يدى ذَلِك كُله إِلَّا تحديهم بالإتيان بِمثل أقصر سُورَة من ذَلِك الْكتاب أَو بِعشر سور من مثله وَكَانَ فى استطاعتهم أَن يجمعوا إِلَيْهِ من الْعلمَاء والفصحاء البلغاء مَا شَاءُوا ليأتوا بشىء من مثل مَا أَتَى بِهِ ليبطلوا الْحجَّة ويفحموا صَاحب الدعْوَة

جَاءَنَا الْخَبَر الْمُتَوَاتر أَنه مَعَ طول زمن التحدى ولجاج الْقَوْم فى التعدى أصيبوا بِالْعَجزِ وَرَجَعُوا بالخيبة وحقت للْكتاب الْعَزِيز الْكَلِمَة الْعليا على كل كَلَام وَقضى حكمه العلى على جَمِيع الْأَحْكَام أَلَيْسَ فى ظُهُور مثل هَذَا الْكتاب على لِسَان أمى أعظم معْجزَة وأدل برهَان على أَنه لَيْسَ من صنع الْبشر وَإِنَّمَا هُوَ النُّور المنبعث عَن شمس الْعلم الإلهى وَالْحكم الصَّادِر عَن الْمقَام الربانى على لِسَان الرَّسُول الأمى صلوَات الله عَلَيْهِ

هَذَا وَقد جَاءَ فى الْكتاب من أَخْبَار الْغَيْب مَا صدقته حوادث الْكَوْن كالخبر فى قَوْله {غلبت الرّوم فِي أدنى الأَرْض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فِي بضع سِنِين} وكالوعد الصَّرِيح فى قَوْله وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وعملو الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فى الأَرْض كَمَا اسْتخْلف الَّذين من قبلهم الْآيَة وَقد تحقق جَمِيع ذَلِك وفى الْقُرْآن كثير من مثل هَذَا يُحِيط بِهِ من يتلوه حق تِلَاوَته وَمن الْكَلَام عَن الْغَيْب فِيهِ مَا جَاءَ فى تحدى الْعَرَب بِهِ واكتفائه فى الرُّجُوع عَن دَعْوَاهُ بِأَن يأتو بِسُورَة من مثله مَعَ سَعَة الْبِلَاد الْعَرَبيَّة ووفرة سكانها وتباعد أطرافها وانتشار دَعوته على لِسَان الوافدين إِلَى مَكَّة من جَمِيع

ص: 77

أرجائها وَمَعَ أَنه لم يسْبق لَهُ صلى الله عليه وسلم السياحة فى نَوَاحِيهَا والتعرف برجالها وقصور الْعلم الْبُشْرَى عَادَة عَن الْإِحَاطَة بِمَا أودع فى قوى أمة عَظِيمَة كالأمة الْعَرَبيَّة فَهَذَا الْقَضَاء الحاتم مِنْهُ بِأَنَّهُم لن يستطيعوا أَن يَأْتُوا بشىء من مثل مَا تحداهم بِهِ لَيْسَ قَضَاء بشريا وَمن الصعب بل من المتعذر أَن يصدر عَن عَاقل الْتِزَام كالذى الْتَزمهُ وَشرط كالذى شَرطه على نَفسه لغَلَبَة الظَّن عِنْد من لَهُ شىء من الْعقل أَن الأَرْض لَا تَخْلُو من صَاحب قُوَّة مثل قوته وَإِنَّمَا ذَلِك هُوَ الله الْمُتَكَلّم والعليم الْخَبِير هُوَ النَّاطِق على لِسَانه وَقد أحَاط علمه بقصور جَمِيع القوى عَن تنَاول مَا استنهضهم لَهُ وبلوغ مَا حثهم عَلَيْهِ

يَقُول واهم إِن الْعَجز حجَّة على من عجز فَإِن العجزهى حجَّة الإفحام وإلزام الْخصم وَقد يلْتَزم الْخصم بِبَعْض المسلمات عِنْده فيفحم ويعجز عَن الْجَواب فَتلْزمهُ الْحجَّة وَلَكِن لَيْسَ ذَلِك بملزم لغيره فَمن الْمُمكن أَن لَا يسلم غَيره بِمَا سلمه فَلَا يفحمه الدَّلِيل بل يجد إِلَى إِبْطَاله أقرب سَبِيل

وَهُوَ وهم يضمحل بِمَا قدمنَا من الْبَيَان إِذْ لَا يُوجد من المشابهة بَين إعجاز الْقُرْآن وإفحام الدَّلِيل إِلَّا أَنه يُوجد عَن كل مِنْهُمَا عجز وشتان بَين العجزين وَبعد مَا بَين وجهتى الِاسْتِدْلَال فيهمَا فَإِن إعجاز الْقُرْآن برهن على أَمر واقعى وَهُوَ تقاصر القوى البشرية دون مكانته من البلاغة وَقُلْنَا القوى البشرية لِأَنَّهُ جَاءَ بِلِسَان عربى وَقد عرف الْكتاب عِنْد جَمِيع الْعَرَب فى عهد النُّبُوَّة وَكَانَ حَال الْعَصْر من البلاغة كَمَا ذكرنَا وَحَال الْقَوْم فى العناد كَمَا بَينا وَمَعَ ذَلِك لم يُمكن للْعَرَب أَن يعارضوه بشىء من مبلغ عُقُولهمْ فَلَا يعقل أَن فارسيا أَو هنديا أَو رومانيا يبلغ من قُوَّة البلاغة فى الْعَرَبيَّة أَن يأتى بِمَا عجز عَنهُ الْعَرَب أنفسهم وتقاصر القوى جَمِيعهَا عَن ذَلِك مَعَ التَّمَاثُل بَين النبى وَبينهمْ فى النشأة والتربية وامتياز الْكثير مِنْهُم بِالْعلمِ والدراسة دَلِيل قَاطع على أَن الْكَلَام لَيْسَ مِمَّا اُعْتِيدَ صدوره عَن الْبشر فَهُوَ اخْتِصَاص من الله سُبْحَانَهُ لمن جَاءَ على لِسَانه ثمَّ ورد فى الْقُرْآن من تسجيل الْعَجز عَلَيْهِم والتعرض للاصطدام بِجَمِيعِ مَا أُوتُوا من قُوَّة مِمَّا يدل على الثِّقَة من أمره مَعَ مَا سبق تعداده من الْأُمُور الَّتِى لَا يُمكن مَعهَا لعاقل أَن

ص: 78