المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(10) أدلة الأحكام المتفق عليها - أخطاء وأوهام في أضخم مشروع تعسفي لهدم السنة

[عبد العظيم المطعني]

الفصل: ‌(10) أدلة الأحكام المتفق عليها

(10) أدلة الأحكام المتفق عليها

وفقنا في الحلقة السابقة على صور من المخالفات القطعية الصارخة، التي وقع فيها صاحب المشروع بالنسبة للقرآن نفسه، الذي يزعم أنه المصدر "الأوحد" في الهداية والتشريع. ثم رفضه للسنة النبوية رفضاً كلياً، ووصفه للأحاديث التي رواهاى الصحابة، ونقلها عنهم التابعون - بكل طبقاتهم - بأنها خرافات وأكاذيب!!

وفي هذه الحلقة نكشف - بعون الله تعالى - عن وجه أخر قبيح كل القبح لهذا المشروع الرامي لهدم الإسلام كله، وليس هدم السنة النبوية وحدها.

الخروج عن إجماع الأمة:

لقد خرج هذا المشروع على إجماع كل طوائف الأمة، خاتصتها وعامتها، وش عن النهج السوي الذي سارت عليه الأمة سلفاً وخلفاً. فسلف الأمة وخلفها بعد تقديمهم القرآن على كل ما عداه في الهداية والتشريع، أفسحوا صدورهم ببشاشة الإيمان، وسماحة الإسلام، ومرونة أصول الأحكام، فاتفقوا على أن "أدلة الأحكام" في الشريعة الإسلامية هي الأصول الأربعة على هذا الترتيب:

الأصل الأول - (الكتاب) :

والمراد بعه "القرآن العظيم"، وهو مصدر كل المصادر، وبه يبدأُ، ولا يلتفت إلى غيره إذا ظفرت الأمة بحاجتها فيه.

ص: 51

الأصل الثاني - (السنة) :

وهي كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله، وأفعاله، وتقريراته، فيما يتصل بالبلاغ والتشريع.

وهي مقدمة على ما بعدها، تالية لما قبلها (وهو الكتاب) في المرتبة والعمل.

وإذا وجدنا فيها الحكم الذي نبغيه، فلا ناتفت إلى شيء بعدها.

الأصل الثالث - (الإجماع) :

وهو اتفاق علماء المسلمين في أي عصر من العصور على حكم شرعي في مسألة ما، حيث لا يعرف لهم مخالف، فيصير هذا الإجماع مصدراً من مصادر التشريع.

والدليل على هذا آية من القرآن، وحديث من السنة:

- أما الآية فهي قول الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]

فقوله {سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} هو الإجماع.

- وأما الحديث فهو قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" وله نظائر أخرى من لفطه وبمعناه تعاضده وتقويه.

ص: 52

الأصل الرابع - (القياس) :

وهو مصدر مرن يمكن أن نطلق عليه "ميزان الطوارئ" أي ما يطرأ في الحياة من وقائع ليس لها حكم معين، لا في الكتاب، ولا في السنة، ولا في الإجماع. وطريق معرفة حكمها هو الإجتهاد عن طريق القياس، فيبحث المجتهدون عن أشباه ونظائر لها ويقيسون حكمها عليها، فإذا أتحدث علة الحكم في السابق واللاحق حكم للاحق بحكم السابق.

* وللقياس ضوابط شتى نختار منها هذا الضابط. "القياس: _ هو حمل مجهول على معلوم لاشتراكه في علة حكمه"

وهذا القياس وقع في عصر النبوة على لسان النبي نفسه، وفي عصر الخلفاء الراشدين، وفي العصور التالية، وله مبحث مهم عند علماء "أصول الفقه" لم يخل منه كتاب من كتبهم، ثم عند الفقهاء في مجال العمل والتطبيق واستباط الأحكام.

وكل قياس لابد له من سندٍ شرعي من كتاب أو سنة أو إجماع.

هذه الأصول الأربعة قد أجمع عليها علماء الأمة، ولم يشذ عنها أحد، اللهم إلا القياس ففيه خلاف لا يعتد به.

وتسمى هذه المصادر الأربعة - عند الأصوليين - بـ "أدلة الأحكام المتفق عليها".

فإذا عدنا إلى صاحب المشروع وجدناه قد خرق هذا الإجماع خرقاً شنيعاً، حيث لم يعترف بثلاثة مصادر تشريعية مجمع عليها وهي: _

ص: 53

* السنة المطهرة.

* الإجماع القائم.

* القياس المؤسس على سند شرعي.

وهذا ما حدث منه الآية الكريمة الحكيمة: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: 115]

فهو قد شاقق الرسول فرفض السنة

ورفض الإجماع وهو سبيل المؤمنين

ورفض القياس وهو معتمد عند الرسول وأصحابه والمؤمنين جميعاً وصاحب المشروع حر - في الدنيا- فيما يعتقد، أما أن يفرض أخطاءه، وأوهامه، وأضاليله على الأمة، فيقدم لها هذا المشروع بقصد تبصيرها - كما يدعى - فهذا يجب أن يحاصر ويقاوم، ويقضي على هذه الفتنة فتوأد في مهدها.

صورة أخرى للخروج:

إذا كان صاحب المشروع قد خرق الإجماع القائم بين علماء الأمة سلفاً وخلفاً بإعدامه ثلاثة أصول تشريعية قام الإجماع عليها، فإن له صورة أخرى خرج فيها عن منهاج المسلمين. فهو مع إنكاره مصادر التشريع الثلاثة المجمع عليها أنكر أيضاً مصادر أخرى للتشريع. وذلك أن علماء الأمة واجهوا مستجدات الحياة، وهي في ازدياد جيلاً لعد جيل، واجهوها بمناهج تشريعية أخرى مستعدة أساساً من القرآن الكريم، والسنة المطهرة، ومقاصد الإسلام

ص: 54

المتفق عليها، وبتلك المناهج ظهرت مرونة الشريعة الإسلامية، وصلاحها - فعلاً - لكل زمانٍ ومكانٍ.

وهذه المكناهج تسمى بـ: "أدلة الأحكام المختلف فيها" أي أن الفقهاء توزعوها فمنهم من يرى العمل بطائفة منها ويرد الطائفة الأخرى، ولكنها معمول بها كلها عند مجموعهم، وهي في إيجاز:(الاستحسان - الاستصحاب - المصالح المرسلة - سد الذرائع - شرع من قبلنا - قول الصحابى - عمل أهل المدينة - العرف والعادة)

هذه المناهج أو المصادر قد ساعدت على تطويق كل ما يجد في الحياة، وللعمل بها شروط - عند الأصوليين -، وكلها تستند إلى النصوص والمقاصد الشرعية، فمثلاً: عمل أهل المدينة من أدلة الأحكام عن الإمام مالك رحمه الله، وعمل أهل المدينة المستمر إذا تعارض مع حديث أحاد قدم العمل به على العمل بالحديث.

وحجة الإمام مالك في ذلك: أن أهل المدينة عايشوا النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، وهم أحفظ من غيرهم للسنن العملية وسلوك النبي في حياته.

وتقديم السنة العملية على السنة القولية إذا تعارضت السنتان أرجح، لجواز أن تكون ناسخة للحديث القولي.

ومثلاً أخر: أن قول الصحابي يتعين الأخذ به عند الإمام الشافعي رحمه الله إذا لم يعرف له مخالف من أدلة الشرع.

هذه السياحة الواسعة في مجال التشريع، يحاول صاحب المشروع أن يقلصها أو يقضي عليها تماماً، وهو بهذا ينسف جهود مليون عالم مسلم، على مدى أربعة عشر قرناً من الزمان، ويزج بالأمة إلى الضيق والحرج، وهو يتبع غير سبيل المؤمنين.

* * *

ص: 55