الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(17) حديث: إذا أنزل الله بقوم عذاباً
من الأحاديث التي قضى صاحب المشروع التعسفي لهدم السنة النبوية - بتكذيبه - جهلاً كذلك - هذا الحديث الذي جعلناه عنواناً لهذه المقالة.
وتمام الحديث كما جاء في صحيح البخاري رضى الله تعالى عنه:
"إذا نزل الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم رواه ابن عمر، وصاحب المشروع حرف لفظا لم يرد في روايات الحديث كلها لا عند البخاري ولا عند مسلم الذي شارك البخاري في رواية هذا الحديث. تلك اللفظة هي "حسب أعمالهم" والوارد في جميع الروايات:
إما "على أعمالهم" وإما "على نياتهم" هذه لمحة عابرة لا نعَّول عليها في المواجهة.
أسباب التكذيب
وأسباب تكذيب هذا الحديث عن المؤلف أمران:
الأول: مخالفته للقرآن؟
الثاني: مخالفته للحس المشاهد والواقع. فقد زين الشيطان له سوء فهمه قرآم حسناً فقال: "فهذا الحديث أيضاً مما يكذبه الحس فضلاً عن تكذيب القرآن الكريم له"؟! ثم راح يسوق حشداً من الآيات بستشهد بها على أن القرآن يكذب هذا الحديث. الذي يقدح - كما يقول هو - في العدل الإلهي. ومن تلك الآيات التي أساء فهمها والاستشهاد بها على أوهامه ما يأتي:
{وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} - {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} - {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} ثم {لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}
ذكر صاحب المشروع هذه الآيات - وغيرها - وتوهم - أن بينها وبين الحديث الذي جزم بتكذيبه حرباً ضروساً فلم يملك إلا التجرؤ الشنيع على تكذيب الحديث. ولو كان صاحب المشروع ذا صلاحية علمية لما تصدى له من دراسة الحديث - تطاولاً - لما غلبه الشيطان على أمره وأكفر لسانه وقلمه.
فالعدل الإلهي حقيقة لا يرتاب فيها مؤمن، وصَدِْقُ صاحب الرسالة فينا صحت روايته عنه حقيقة لا يرتاب فيها مؤمن، وإجتماع هاتين الحقيقتين معاً في الاعتقاد الجازم هو الإيمان المنجي، والإيمان بأحداهما دون الأخرى إيمان مردود على صاحبه ولا وزن له عند الله.
وبعض هذه الآيات التي استشهد بها خاص بعذاب الاستئصال كما حدث لأهل سبأ، وقد أشار القرآن وهو ينذر مشركي العرب فقال:{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} ثم قال: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} ولهذه الآية نظائر في القرآن الكريم وبعضها خاص بالجزاء في الآخرة، ومنها قوله تعالى:{لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ومن أصول الإيمان أن الله لا يظلم أحداً لا في الدنيا ولا في الآخرة" وهذا ما أريد من تلك الآيات.
ولم يخرج الحديث الذي قضي صاحب المشروع بتكذيبه عما دلت عليه الآيات. وإنما أبصر المؤلف جزءاً من الحديث وعمى عليه الجزء الآخر.
الجزء الذي أبصره هو: "إذا أنزل الله بقوم عذاباً أصاب العذاب من كان فيهم".
والجزء الذي عمى عليه "ثم بعثوا على أعمالهم"
فالحديث يقرر عدالة الله كما تقررها الآيات سواء بسواء.
فإذا غضب الله على قوم وسلط عليهم عذاباً عاماً أو خاصاً فهلكوا أو ماتوا، وفيهم طائفة من الصالحين، فإنهم يستوون في المصير الدنيوي، ثم يفترقون في الدار الآخرة فريق في الجنة، وفريق في السعير بل إن السنة النبوية الشريفة ترفع هؤلاء الصالحين الذين يموتون في الكوارث إلى درجات الشهداء فأين الظلم الإلهي يا صاحب المشروع في هذا الحديث وأمثاله؟!
هذه واحدة. أما الثانية فنقول لك فيها بصوت عال يسمع من في القبور: إن هذا الحديث الذي قضيت بتكذيبع متفق 100% مع القرآن، ولا يوجد بينهما مثقال ذرة من خلاف، وفي هذا الموضوع الذي تجادل أمت فيه ولم تملك من أدوات الجدال إلا الوهم.
أفتح المصحف يا صاحب المشروع، وقف عند سورة الأنفال، ثم اتل أياتها، فإذا وصلت إلى الآية رقم (25) فستجدها تقول بصوت يجوب ما بين السماء والأرض.
{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وأسأل نفسك وأنصفها في الحواب: ما الفرق بين هذه الآية الحكيمة الني لا سبيل لتكذيبها وبين الحديث الذي تجرأت على تكذيبه.
ونزيدك وضوحاً: أرجع إلى كتب اللغة وابحث عن معنى الفتنة وستجد الإجابة أن الفتنة مشتقة من "الفتن" وهو وضع الذهب على النار ليظهر جيده
من رديئه، أو أصيله من مغشوشه. . . فإذا خطوت خطوة أخرى نحو علم البيان ستجده يقول لك: استعيرت الفتنة - بمعنى الفتن - من صَلْىِ الذهب بالنار للشدائد والمحن التي يبتلي الله بها عباده للتمييز بين الصادق والكاذب والصابر والجزع.
ثم اقرأ سورة العنكبوت {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} واضمم إلى هذا كله [الأنبياء: 35] :
{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}
مخالفته للحس:
مما تقدم ظهر بكل قوة وجلاء أن الحديث لا يخالف القرآن، بل هما في غاية الوفاق، وهو الأمر الذي جهله صاحب المشروع المشئوم.
وبقى علينا أن نبطل شبهة صاحب المشروع الثانية التي زعم فيها أن هذا الحديث يخالف الحس والواقع المشاهد، وفيها يزعم أن الله إذا سلط كارثة، على قوم عزل الصالحين منهم وأهلك الظالمين. ولن نطيل معه هنا؛ لإن شبهته أو هي من بيت العنكبوت ويكفي أن نسوق هذه الأمثلة، من واقع حياتنا المعاصرة - نحن المصريين - فنقول:
* حادث طائرة المصرية القادمة من ليبيا التي حطمتها إسرائيل في السبعينات على أرض سيناء، وفيها أكثر نت ثلاثمائة مدني: رجال - نساء - أطفال أليست هذه كارثة وقعت، ويعلم الله. فهل كان ركابها جميعاً هم
الظالمين في العالم كله؟ وهل الأطفال الأبرياء الذين لقوا مصرعهم كانوا مجرمين؟. وبقية المصريين ملائكة؟ أننهم شهداء بررة مظلومون لا ظالمون - أعني - ركاب الطائرة، أذن الله لإسرائيل أن ترتكب تلك الجريمة النكراء ليزيدهم الله طغياناً وطفرا، ونسأل المؤلف: لماذا لم يعزل الله الأطفال الذين قتلوا. . . .؟ هل تتهم الله بالظلم بناء على فهمك العاجز عن ادراك حقائق الإيمان؟ أم نقول إن هذه الكارثة لم تقع.
- ومثال ثان: الزلزال الذي وقع بمصر عام 1992م هل الذين أضيروا فيه بالموت أو التشريد هم الظالمون الوحيدون في مصر، وأن جميع الذين نجوا ملائكة بررة؟ وما أكثر الأطفال الذين ماتوا في تلك الكوارث فلماذا لم يعزلهم الله، ثم يهلك من هلك من الكبار الظالمين، أتتهم الله بالظلم أو تقول لم يقع زلزال ولم يمت أطفال؟
ومثال أخير: حادث عمارة "مركز أشعة مصر" الذي وقع في الشتاء الماضي ومات فيه نساء ورجال وشباب وأطفال هل أولئك كانوا هم أظلم الظالمين في مصر، لذلك جمعهم الله في ذلك المكان ثم سَّوى طوابق العمارة عليهم، لا نزاع أن في كل كارثة يكون بين الضحايا أبرياء صالحون. ومع ذلك يصيبهم ما يصيب غيرهم. والإبتلاء هو سنة لله غي عباده. فدع الملك للمالك، واعتصم بكتاب الله وينة رسوله لتنجو من هذا الزلل، وناجه بما ناجاه به الشاعر الحكيم.
يا حاكمى وحكيمى أفعالك الكل حكمة.
هذا ما أردنا به كشف ما في كتاب "تبصير الأمة بحقيقة السنة" من
أخطاء وأوهام متعمدة، لئلا ينخدع أحد بما في هذا الكتاب "العميل" من اعتداءات على سنة إمام المرسلين {وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} .
* والحمد لله رب العالمين *
المؤلف
عفا الله عنه