الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(16) حديث ضمة القبر
في المقالات السابقة كانت موادهتنا للمنهج النظري الذي بنى عليه صاحب المشروع أخطاءه وأوهامه وعلى طول ما كتبنا لم نبلغ عشر معشار ما في هذا المشروع من أخطاء وأوهام، وحسبنا ما قلناه عن منهجه النظري المعوج كل الاعوجاج ونريد أن نعرض نماذج سريعة من أخطائه وأوهامه في تطبيقه منهجه المعوج على بعض الأحاديث. وبالطبع فإن كل تطبيقاته أصابها الاعوجاج الناشئ عن المنهج الذي جرى عليه التطبيق والأمر كما قال الشاعر
* وهل يستقيم الظل والعود أعوج *
وقبل التعرض لأخطائه وأوهامه في التطبيق نضع أمام القراء حقيقة لابد منها:
تلك الحقيقة أن أكثر النماذج التي أخضعها صاحب المشروع للتطبيق، هي نماذج معلولة كان لعلماء الحديث فضل السبق في دراستها وتمحيصها، وتأويل ما احتاج إلى تأويل ميها. ولكن صاحب المشروع يريد أن يظهر لقراء مشروعه، أو ضحاياه أنه البطل الهمام الذي اهتدى إلى ما لم يهتد إليه الأقدمون. متمثلاً بلسان حاله أو مقاله قول الشاعر المزهو بنفسه:
إني وإن كنت الأخير زمانه
لآت بما بم تستطعه الأوائل
ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه، كما ورد في الحديث الشريف.
ومن الأحاديث الصحيحة التي قضى الشروع بتزويره على النبي، حديث رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال فيه:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان....، ثم جاء في الحديث: فيقال للأرض التئمي عليه، فتلتئم عليه فتختلف أضلاعه فلا يزال معذباً حتى يبعثه الله" ثم ذكر حديثاً أخر عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للقبر ضغطه" صاحب المشروع له كتاب خاص - غير هذا، ينفي فيه عذاب القبر أساساً، وليس ضمة القبر وحدها، ثم تراه بعد ذلك يسخر من هذا الحديث، ومن المؤمنين به، ويزعم أن هذه الضمة عند المؤمنين بها تكون للكافر عقاباً على كفره، وللمؤمن عقاباً على معاصيه؟!
ثم يستخدم منهج بحثه العلمي الصحيح - كما يدعى - في تكذيب هذا الحديث فيقول: إن هذا الحديث مكذوب لإنه يخالف الحس والواقع، فما أكثر القبور التي تفتح بعد دفن الموتى فيها - سواء في ذلك قبور المؤمنين والكافرين - فلم يشاهد فاتحوها جدرران القبر قد التصقت ببعضها، ولا أضلاع الموتى قد تداخلت ولا أجسادهم قد تهتكت؟!
هذا هو المنهج العلمي الصحيح في البحث والاستدلال. والقارئ يعلم أن صاحب المشروع لا يؤمن بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يؤمن بالقرآن وحده، فلنترك مواجهته بالحديث النبوي إلى مواجهته بالقرآن فنقول له:
إن منهجك في تكذيب كل خبر أو قصة لا تقع تحت واحدة من الحواس الخمس منهج مطرد عندك بالطبع وعليك أن تلتزم به. وهذا أمر مفروغ منه يا
صاحب المشروع. فما رأيك إذا عرضنا عليك أخباراً وردت في القرآن الأمين مثل هذا الحديث الذي قضت ببطلانه جهلاً:
وفي سورة [الأنفال: 50 - 51] جاء في قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}
ما رأيك في هذا الخبر يا صاحب المشروع؟ هل هو مزور على الله؟ ومن وضع التابعين أو تابعيهم؟ أم هو قرآن نزل به الروح الأمين، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. تنزيل من حكيم حميد.
ليست هذه مشكلتك. وإنما مشكلتك أن هاتين الآيتين تثبتان أن الملائكة تضرب أهل الكفر عند الموت على وجوههم وعلى أدبارهم، وتقول لهم ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد.
والموتى يموتون وأهلهم جلوس حولهم، وأحياناً غير أهلهم مع أهلهم، فهل سمعت أن أهل كافر سمعوا أصوات ضرب على الوجوه والأدبار، لو كان هذا يحدث لما بقى على وجه الأرض كافر، ولأمن من في الأرض كلهم جميعاً إذا عرضنا عليك هذا الخبر القرآني هل تصدقه مع أنه لم يقع تحت حس، أو على حسب تعبيرك أنت مخالف للحس، هل تصدقه لإنك - كما تقول - تؤمن بالقرآن وحده هادياً ومشرعاً؟ أم تكذبه وتطبق عليه بدعة مخالفة الحس التي طبقتها على الحديث وجزمت بتكذيبه.
إنك من سوء حظك محكوم عليك لا محكوم لك في الإجابتين.
إذا قلت اصدقه لإني أوم بالقرآن قلنا لك يلزمك أن تؤمن بالحدث الذي حكمت عليه بالتزوير، لأنك أمنت بنظيره في القرآن، وكلاهما لم يقع تحت حسى.
وإذا قلت لا أومن بالخبر القرآني ما دام لم يقع تحت حسى، قلنا لك.
هذا فراق بيننا وبينك، والسلام على من أتبع الهدى؟!
فها آن الآوان لتراجع نفسك؟ أم أنت مصر على ما تقول؟ إن الأفة القائلة، التي أصابتك - وأنت طبيب - أنك لم تفرق بين شئون الدنيا وشئون الآخرة، بل خلطت بينهما فاختلط عليك الأمر.
لأن شئون الدنيا - يا صاحب المشروع الهدام - شهادة تقع تحت الحس.
وشئون الآخرة غيب لا تقع تحت حس. ولو كنت اهتديت إلى هذا الفرق العظيم لما ورطت نفسك فيما لم يورط فيه نفسه أبو جهل وكم كان الشاعر حكيماً حين قال:
وما انتظار أخي الدنيا بنافعه
إذا استوت عنده الأنوار والظُلم