الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(13) الأذان والربا
في مواجهة مشروع هدم السنة النبوية نواصل الحديث الآن - إتماماً لما قدمناه في الحلقة الماضية - عن أهمية السنة في حياة الأمة: في كل صغيرة وكبيرة؛ في شئون الحياة، ولنبدأ حديثنا بـ:
الأذان:
الأذان هو النداء الإسلامي الخالد، الذي يكرر في البيئات الإسلامية في المسجد الواحد في اليوم والليلة خمس مرات.
وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن كلمات الآذان لا تنقطع عن الرفع ولا دقيقة واحدة؛ حشب خطوط الطول على سطح الكرة الأرضية، إذ من المعلوم - جغرافياً - أن المسافة بين خطي طول هي أربع دقائق، وأن صيغة الآان حسب الأداء الشرعي تستغرق أربع دقائق، فإذا أذن لصلاة الفجر في المساجد الواقعة على خط الطول رقم "واحد"، فإن المؤذنين لا يكادون ينتهون من "لا إله إلا الله" وهي الجملة الأخيرة في الأذان. نقول: لا يكادون يفرغون منها إلا وقد بدأ مؤذنو المساجد الواقعة على خط طول رقم "إثنان" بالجمل الأولى من الآذان: الله أكبر. الله أكبر
…
وهكذا حتى آخر خط طول رقم "360" من ناحية المغرب.
ومعنى هذا أن الأذان يردد في النهار والليلة "1440" دقيقة، وهي حاصل ضرب "4 × 360" بعدد خطوط الطول شرقاً وغرباً.
ووظيفة الأذان هي - الإعلام بدخول وقت الصلاة ليؤديها المكلفون في وقتها، وتأدية الصلاة في وقتها من أفضل الأعمال - كما جاء في الحديث الشريف.
وهي تشتمل على تعظيم الله (الله أكبر) ، والإقرار له بالوجدانية (أشهد أن لا إله إلا الله) ، ولرسوله بصدق رسالته (أشهد أن محمداً رسول الله) ، والدعوة إلى الإقبال على الصلاة وترك العوائق الشاغلة عنها (حي على الصلاة) ، والإقبال على الفلاح (حي على الفلاح) ثم تكرر تعظيم الله مرة أخرى، (الله أكبر. الله أكبر) ثم ختم النداء بتقرير الوحدانية (لا إله إلا الله) .
وصاحب المشروع التعسفي لهدم السنة النبوية له في هذا دعويان:
* دعوى إكتفاء المسلمين بالقرآن وحده دون أي شيء آخر.
* دعوى إزاحة السنة عن واقع المسلمين؛ لأنها أقوال مكذوبة عن رسول الله؛ إبتدعها التابعون بعد مائتي سنة من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم!
إننا نسأل صاحب هذا المشروع التعسفي وأمثاله؛ ممن ينكرون حجية السنة؛ نسألهم فرادى ومجتمعين: أين نجد صيغة الأذان التالية في القرآن؟
الله أكبر. الله أكبر الله أكبر. الله أكبر.
أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن لا إله إلا الله
أشهد أن محمداً رسول الله
أشهد أن محمداً رسول الله
حي على الصلاة حي على الصلاة
حي على الفلاح حي على الفلاح
الله أكبر الله أكبر
لا إله إلا الله
أين نجد هذه الصيغة في القرآن؟ ليس لهم على هذا السؤال جواب؟ لأن كل ما في القرآن عن الأذان آيتان؛ سمي الأذان فيهما بالنداء؛ وهما:
- الآية الأولى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 85]
- الآية الثانية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9]
ومع هذه الإشارات القرآنية يبقى الأذان؛ أو تبقى الأمة في أمس الحاجة إلى الإجابة على هذا السؤال:
ما هو الأذان؟ بل ما هي مفرداته؟ وجمله؟ وتراكيبه؟
سكت القرآن عن كل هذا لا سهواً ولا نسياناً، لأن لله رسولاً أميناً، صادقاً، مأذوناً له بالحديث عن الله تعالى كما يريه الله سبحانه جاءت السنة بتفصيل كل تلك الحقائق رواية عنه.
فهل الذين رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبوت عنه؛ وهم أصحابه المشهود لهم بالفضل؟!
وهل التابعون الذين نقلوا لنا هذه الروايات؛ افتروا على رسول الله فنسبوا إليه ما لم يقله - كما يدعي صاحب المشروع؟
وهل السنة النبوية زيادة في الدين - كما توهم صاحب المشروع؟
أم أن الأمر كما قال الله سبحانه وتعالى {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}
الربا:
الربا في الإسلام من الكسب الخبيث، وقد حمل القرآن الحكيم على الربا والمرابين حملة عنيفة، وتهددهم بالخسران في الدنيا وسوء المصير في الآخرة، ونفر الناس من أخذ الربا، وحذر المؤمنين ودعاهم إلى التخلص منه
فوراً، وإلا فإن الحرب من الله ورسوله ستحل عليهم، والويل كل الويل لمن يحاربه الله تعالى ويحاربه رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال الله عز وجل {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]
وقال - تعالى {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة: 276]
وقال - سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278 - 279]
وقال - جل وعلا - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 130 - 131]
هذه الحملة القرآنية العنيفة ترينا أن الربا تجارة خاسرة في الدنيا {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} وتؤكد هذا المعنى آية أخرى {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم: 39]
وأن المرابين مسخوط عليهم من الله ورسوله، وأن سوء المصير هو نهايتهم ومع هذا يبين القرآن ما هو الربا حتى يحذره المؤمنون، ويمتثلوا أمر الله فيجتنبوه. كما لم يبين القرآن المعاملات الربوية من قروض وبيوع وعقود، ولم يذكر الأموال التي يوصف التعامل بها بالربا في بعض الحالات.
هذا كله سكت عنه القرآن، ومحال أن ينهي القرآن أو يأمر بمجهول لا يعلمه المكلفون. والتكليف عموماً لا يتعلق بالمجهولات، وسكوت القرآن عن بيان هذه الأمور المشار إليها في تحريم الربا، دليل "قرآني" قاطع على ما للسنة النبوية من شأن عظيم في مجال التشريع؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] وهاهو ذا الربا ليس له تفصيل في القرآن، وهذا دليل أخر على أن السنة الثانتة ليست صادرة عن النبي شخصياً؛ وإنما هي بيان من الله يجريه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وتشريع مأذون فيه لصاحب الدعوة، لأنه من أمر الله الذي يجب على الرسول تبليغه للناس. ولا نمل من تكرار قوله صلى الله عليه وسلم:"إني أوتيت القرآن ومثله معه".
ولذلك جاءت السنة ففصلت أحكام الربا كما فصلت غيرها من الأحكام المتلقة بأفعال المكلفين. فبينت البيوع الربوية؛ والمعاملات الربوية؛ والقروض الربوية. كما قسمت الربا قسمين:
- ربا فضل - وربا نسيئة وأضافت إلى ذاك محظورات أخرى تتعلق بإجراءات العقود الربوية؛ ومن كتابة× وإشهاد، وغيرها.
وهي في كل ذلك امتداد لبيان القرآن، تخصص ما عمم القرآن، وتقيد ما أطلق القرآن، وليس بينها وبين القرآن اختلاف، ولا خصومة، وهذا ما توهمه صاحب المشروع التعسفي لهدم السنة النبوية، "فزين له الشيطان سوء عمله فرأه حسناً" وقل لي بربك - بعد ما تقدم من بيان رسوخ السنة في حياة الأمة - هل يمكن عقلاً وواقعاً، وديناً وشرعاً أن تستغنى الأمة عن السنة النبوية،
وهي القائمة على منهج القرآن، ولولاها لغابت عنا حقائق لا تحصى ولا تعد يقوم عليها أمر التكليف؟ ألا تباً لهذا المشروع؛ وتبًا للأوهام التي سيطرت على واضعه.
* * *