المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(12) عرضنا - فيما سبق - وضع، السنة ومكانتها الرفيعة عند علماء الأمة - أخطاء وأوهام في أضخم مشروع تعسفي لهدم السنة

[عبد العظيم المطعني]

الفصل: ‌(12) عرضنا - فيما سبق - وضع، السنة ومكانتها الرفيعة عند علماء الأمة

(12) عرضنا - فيما سبق - وضع، السنة ومكانتها الرفيعة عند علماء الأمة

، وعرفنا كيف احتفوا بها؛ وأنزلوها حيث أمرهم الله، فكانت عندهم هي المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، الملتئمة مع القرآن تمام الإلتئام.

كان القرآن والسنة مزيجاً من العداية والنور؛ يكونان شيئاً واحداً هو دين الله عز وجل، كما يتكون الماء الذي جعله الله سبباً للحياة ونمائها من عنصري الهيدروجين والأكسوجين، لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، مادام الدين هو الدين، والماء هو الماء.

ونريد أن نوجز الحديث الآن عن السنة ودورها العظيم المبارك في حياة الأمة العملية بعد أن بينا مكانتها عند علماء الأمة.

السنة في حياة الأمة:

احتياج المسلم في حياته اليومية إلى العمل بسنة الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أشد من احتياجه إلى الماء والهواء، في كل ما يفعل لدنياه ودينه. وفي السطور الآتية نماذج سريعة للعمل بالسنة في مختلف المجالات:

الطهارة:

اشترط القرآن لقربان الصلاة "الطهارة" ولكنه لم يفصل أحوال تلك الطهارة بعد الإشارة إلى الماء والتراب أداتين للتطهر، "الماء" أصل، و"التراب" -

ص: 61

الصعيد الطيب - بدل من ذلك الأصل، فجاءت السنة وبينت أن المطلوب تطهيره هو ثلاثة أشياء: البدن والتوب والمكان. كما أن القرآن لم يبين الماء الذي تصح به الطهارة الشرعية، فبينته السنة بأنه الذي لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة وهي: الطعم واللون والرائحة كما وضحت السنة متى يتنجس الماء؛ ومتى لا يتنجس.

ولم يبين القرآن حدود الأجزاء التي يجب غسلها أو مسحها بالماء في الوضوء، وتكفلت السنة ببيان ذلك كله.

والقرآن لم يذكر إلا سبباً واحداً لاستعمال التراب في الطهارة "التيمم" ذلك السبب هو: فقد الماء. والسنة أضافت سببين - وهما:

وجود الماء مع عدم القدرة على استعماله؛ أو شدة الحاجة إليه.

أو أدى استعمال الماء إلى زيادة مرض؛ أو تأخر الشفاء منه.

الصلاة:

ليس في القرآن إلا الأمر بإقامة الصلاة؛ والثناء على الذين يقيمونها. أما كيف ندخل في الصلاة؛ وكيف نركع؛ وكيف نسجد؟ وما هي الصلوات المفروضة وغير المفروضة؛ وبداية ونهاية كل فرض منها زمنياً؟ وماذا نقرأ وجوباً فيها واختياراً؛ وماذا نقول في حالتي الركوع والسجود والجلوس الأوسط والأخير؟ وما الذي تصير به الصلاة صحيحة؛ وما الذي يبطلها؟ وكم عدد الركعات في كل فرض؟ وكيفية القراءة في الصلوات النهارية والليلية؟ وما هي أركان الصلاة وسننها ومندوباتها ومكروهاتها؟ كل ذلك ليس له تفصيل

ص: 62

في القرآن. وسكون القرآن عن بيان هذه الأمور ليس عجزاً؛ بل لحكمة يعرفها من شرح الله صدره للإسلام.

فجاءت السنة وأوضحت ذلك كله. فقالت لنا السنة؛ الدخول في الصلاة يكون بـ"التكبير"؛ والخروج منها يكون بـ"التسليم" والقراءة الواجبة هي "أم الكتاب (الفاتحة) "؛ والقراءة الاختيارية هي أي سورة من سور القرآن، أو بضع آيات؛ أو آية واحدة كاملة المعنى. ثم أجابت عن كل التساؤلات المتعلقة بالصلاة سواء التي ذكرناها والتي لم نذكرها.

وبينت ما أجعل في القرآن من مثل قوله: "أركعوا واسجدوا" وإن الركوع هو - الإنحناء الذي يشبه خطين يصنفان زاوية مستقيمة يسوي فيها الراكع ظهره بصلبه غير منكس الرأس ولا شاخصه، وأن السجود يكون بلصق سبعة أعضاء على الأرض:

الجبهة، واليدان؛ والركبتان؛ والرجلان. وأن في كل ركعة سجدتين. ونسأل صاحب المشروع التعسفي لهدم السنة النبوية؛ كيف نستخرج هذه الدقائق الخفية من القرآن؟ وهل بين تفصيل السنة لها وبين القرآن عداوة وجفاء؟

إن السنة ما هي إلا إمتداد للقرآن. تبين إذا أبهم، وتفصل إذا أجمل، وتتكلم إذا سكت.

ولا يفيد صاحب المشروع التعسفي أن يقول أن الصلاة ركن عملي؛ تكفي فيه حكاية الأفعال؛ لأن هذا الركن العملي له فقه قولي: رواه الثقات من

ص: 63

الرجال؛ ونقلوه لنا بأمانة؛ مثل قوله عليه الصلاة والسلام ؛ "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب" وغير ذلك كثير.... كثير.

الصيام:

في القرآن لا نجد سوى الأمر بالصيام إذا جاء وقته، ثم حدد - بعد ذلك - بدايته ونهايته هما: من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، كونه إمساكاً عن شهوة البطن.

لكن جاءت السنة بإضافات كثيرة في هذا الواجب، فبينت أن الكف عن شهوة الفرج واجب في حال الضيام، كما بينت مكروهات الصيام ومبطلاته، وكيفية قضائه، والكفارات الواجبة عن تعمد الإفطار بغير عذر. كما أوضحت السنة أموراً أخرى متعلقة بالصيام يضيق عن ذكرها المقام.

الزكاة:

في الزكاة اكتفى القرآن بوجوب إخراجها: والمصارف التي تستفيد منها؛ والثناء على مخرجيها، المقرون - غالباً - بالثناء على مقيمي الصلاة.

ولكننا لا نجد في القرآن تحديد "الأموال" التي تجب فيها الزكاة والتي لا تجب فيها، ولا المقدار المخصوص الذي إذا بلغه المال وجبت فيه الزكاة، ولا النسبة التي يجب إخراجها، ولا تحديد الزمن الذي يبقى فيه المال في يد "المالك"، وهو - مرور حول كامل، كشرط مهم لإيجاب الزكاة فيه، وإيجاب إخراجها.

لكن السنة النبوية المطهرة تكفلت ببيان ذلك كله، وفصلت القول فيه

ص: 64

تفصيلاً مما يسر على المكلفين فهم هذا الركن "الزكاة" الذي هو أحد دعائم الإسلام، ولولا بيانات السنة لـ "كليات" القرآن لما أهتدى أحد إلى تأدية هذا الركن العظيم.

وما أكثر بيانات السنة في هذا المجال الإسلامي الحيوي.

الحج:

يلحظ من له صلة وثيقة بالقرآن؛ أنه توسع في ذكر الأحكام التفصيلية المتعلقة بمناسك الحج، ومع هذا النوسع فقد ترك للسنة النبوية فراغات هائلة لتقوم هي بملئها، ومع ذلك:

* الميقات الزمني الذي تؤدى فيه هذه الفريضة المقدسة، فالذي في القرآن والحج أشهر معلومات فجاءت السنة وبينت المراد من هذه الأشهر.

* المواقيت المكنية التي ينبغي أن يبدأ عندها الإرام بالحج، أو العمرة، بالنسبة لكل الأقطار الإسلامية.

* تحديد مرات السعي بين الصفا والمروة بـ "بسبعة أشواط"، وتحديد الطواف حول البيت بـ "سبعة" كذلك.

* بيان أهم أركان الحج "الوقوف بعرفة" وتحديد الزمن الذي يكون فيه من أيام ذي الحجة.

* بيان واجبات الحج والواجب في الحج ما ينجبر بالدم، وهو دون الركن، ولا يبطل الحج بتركه.

ص: 65

* كيفية الإحرام، وما يحرم فعله وقت الإحرام بالحج أو العمرة أو هما معاً.

* تحديد عدد الجمرات ووقت رميها.

هذا قليل من كثير من بيانات السنة النبوية الشريفة في أركان الإسلام العملية.

وهذا العرض الموجز يرينا إلى أي مدى بلغ المشروع التعسفي لهدم السنة النبوية في الإفتراء على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والتطاول على رجالات الأمة؛ الذين جاهدوا في الله حق جهاده فهداهم سبله، تحقيقاً لوعده الكريم:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} .

تأصيل الأعمال:

أي عمل يبذله المكلف له شرط عظيم في تمييزه وتأصيله: حتى يؤتي ثمرته المرجوة منه. وهذا الشرط أصل من أصول الدين، وهو "النية". وقد تكلفت السنة النبوية الطاعرة ببيانه في قوله صلى الله عليه وسلم:

"إنما الأعمال بالنيات" والنية مطلوبة في جميع العبادات والقربات، والله عز وجل يعامل عباده حسبنياتهم، وأي عمل صالح يخلو من النية والقصد فهو رد على صاحبه.

فهل يستطيع صاحب المشروع التعسفي لهدم السنة النبوية أن يدلنا على موضع وجوبها في آيات الذكر الحكيم؟

أم أن القرآن تركها لبيان صاحب الرسالة الذي لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} ؟!

ص: 66