المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(9) تساؤلات وإجابات - أخطاء وأوهام في أضخم مشروع تعسفي لهدم السنة

[عبد العظيم المطعني]

الفصل: ‌(9) تساؤلات وإجابات

(9) تساؤلات وإجابات

رأينا - فيما تقدم - إلى أي مدى يمقت صاحب هذا المشروع سنة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، ومدى توهمه أن بين القرآن والسنة عداءّ، وخصومة، وتنافراً، فراح يزب عن القرآن ويحميه من جور السنة.

وقد علمت أن فريقاً من جهلة الشباب وقعوا فريسة لأضاليله؛ فهم لا يقولون - كما يقول المسلمون -: صلى الله عليه وسلم وينكرون الشفاعة العظمى؛ لأنها لم ترد في القرآن؛ بل وردت في السنة: والسنة عند صاحب المشروع ومن اتخدع به؛ هي مجموعة من الافتراءات والأكاذيب؛ قالها أقوام غير أمناء؛ ولم يقلها النبي صلى الله عليه وسلم.

كما علمنا - أيضاً - أن صاحب المشروع لا يطرح مشروعه في المكتبات العامة؛ ولكن يتصرف فيه بمعرفته هو وحده؛ يعطيه أو يبيعه لمن يثق هو فيه؛ أو لمن يزكيه واحد ممن يثق هو فيهم، وهذه خطة ماكرة، وكأن صاحب المشروع يريد أم يُكَون له "حزب شيطاني" في الظلام، فإذا كثر اتباعه، وقويت شوكتهم، فلا بأس من الجهر والإعلام به ورفع راية الجهاد في سبيل الله؟!.

وفي هذه الحلقة نطرح بعض التساؤلات؛ ثم نجيب عليها في إيجاز؛ تطويقاً لهذه "السموم"؛ التي يصنعها هذا الرجل الغريب الأطوار.

صاحب المشروع يدعو الأمة إلى طاعة الله وفق ما جاء في القرآن وحده، ويحذرها من اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا هو هدف المشروع. وبناءً عليه

ص: 45

نسأل هذا السؤال: هل صاحب المشروع مطبع لله وفق ما جاء في القرآن وحده؟ والجواب - بكل اختصار - لا. فليس هو بطائع لله وفق ما جاء في القرآن - كما يروج في مشروعه - وهذا للأسباب الآتية:

1-

قوله تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]

نادى الله المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بطاعته، وطاعة رسوله مع تكرار فعل الأمر {أَطِيعُوا اللَّهَ} و {أَطِيعُوا الرَّسُولَ}

وطاعة الرسول تكون بأمرين:

الأول - اتباع القرآن الذي نزل عليه نزل.

الثاني: اتباع هديه المتمثل في أقواله، وأفعاله، وتقريراته، المتصلة بالدعوة والتبليغ.

ثم أمر الأمة لأمراً ضمنياً مندرجاً في طاعة الله، وطاعة رسوله؛ وهو:{وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}

ولك أن تسأل: لماذا أفرد الله طاعة رسوله بعد طاعته هو، ثم أدرج طاعة أولي الأمر ولم يفردها، فهم لم يقل:"وأطيعوا أولي الأمر منكم".

والجواب: إن طاعة الرسول طاعة مطلقة، لأنه لم يدع إلا إلى ما أمر الله تعالى به؛ أو نهى هنه؛ فهم معصوم من الأخطاء. والأهواء؛ في مقام التبليغ عن

ص: 46

ربه جل وعلا {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 2 - 3]

أما أولو الأمر - امراء وعلماء - فليسوا معصومين، لذلك أدرج الله طاعتهم وفي طاعة رسوله، فإذا أمروا أو نهوا بغير ما أنزل الله وقال رسوله، فلا طاعة لهم، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم:"لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". وبهذا يتبين أن صاحب المشروع التعسفي لهدم السنة النبوية، حين رفض طاعة رسول الله، رفض في الوقت نفسه طاعة الله وفق ما جاء في القرآن الذي يتشدق بحبه، ويتظاهر بعطفه عليه! ولو كان طائعاً لله لأطاع رسوله صلى الله عليه وسلم {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} .

2-

وقال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]

والرسول لم يؤتنا القرآن وحده، وإنما أتانا القرآن والسنة معاً، كما قال هو صلى الله عليه وسلم.

"أتيت القرآن ومثله معه"، والأمة الراشدة أخذت في كل عصورها، حتى في عصور ضعفها، ما أتاها به رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتاب وسنة، تنفيذاً لأمر ربها جل وعلا. أما صاحب المشروع التعسفي لهدم السنة النبوية فقد رفض أخذ الإثنين معاً: رفض السنة، فرفض القرآن الآمر بأخذها، فليس هو بطائع لله، ولا وفق السنة، لأنه يرفضها، ولا وفق القرآن، لأنه رفض ما أمر به القرآن، وما نهى عنه، فلم ينته عما نهى عنه ىالقرآن، ولم يمتثل بما أمر به القرآن، "وذلك هو الخسران المبين".

ص: 47

3 قوله الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]

فالله سبحانه وتعالى قضى في كتابه العزيز أمراً، وهو طلعته جل وعلا وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ورسوله قضى الأمر نفسه الذي قضاه الله، فدعي إلى طاعة الله، وإلى طاعته هو نفسه فيما يبلغ عن الله، سواء كان المبلغ به قرآناً، أو سنة.

وصاحب المشروع التعسفي لهدم السنة النبوية يزعم أنه يتبع ما قضي الله تعالى به. وهذا خطأ ووهم. لأنه رفض ما قضي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فما هو تصنيفه حسب هذه الآية؟ هو بلا نزاع داخل في الضلال المبين {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} لأنه ليس قاضياً بما قضى به الله، ولا بما قضى به رسول الله، وتلك هي المعصية التي يتصف مرتكبها - حسب دلالة الآية القطعية - بـ "الضلال المبين".

4-

وقال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]

في هذه الآية الكريمة يحدد الله لعباده المؤمنين من أمة سيد المرسلين وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم إذا اختلفوا في شيء ما، يحدد لهم طريقين أو مرجعين لحسم النزاع:

ص: 48

الأول - ما أنزل الله في كتابه العزيز وهو "القرآن" المصدر الأول للهداية والتشريع في الإسلام.

الثاني: فإذا لم نجد في كتاب الله تعالى حكماً فاصلاً في المسائل المتنازع فيها انتقلنا إلي "سنة النبي" صلى الله عليه وسلم وهي المصدر الثاني للهداية والتشريع في الإسلام.

و"السنة" أخذاً بدلالة هذه الآية الحكيمة المحكمة، ركن ركين من أركان الإسلام، إعتقاداً، وتشريعاً، وتطبيقاً، وطاعة، وصاحب المشروع الذي يتظاهر بالعوة إلى العمل بالقرآن، في الوقت نفسه يرفض سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالتالي يترتب على هذا رفضه للعمل بالقرآن، لأنه رفض السنة التي أمر بالرجوع إليها القرآن، فلا هو بالقرآن عامل، ولا لربه مطيع فكيف يتحمس للعوة للعمل بالقرآن، ولطاعة الله وفق ما جاء في القرآن وهو من الذين جعلوا القرآن "عضين" يؤمنون ببعضه، ويكفرون ببعض؟!

إنه ليس بتابع للقرآن، ولا بتابع للسنة، ولا بتابع لهما معاً.

5-

وقال جل شأنه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]

في هذه الآية الحكيمة المحكمة يقسم الله بذاته العلية أن قوماً لا يرتضون رسول الله صلى الله عليه وسلم حكماً عدلاً بينهم، ولا يرضون الرضا القلبي الخالص بكل حكم يحكم به، أو قضاء يقضيه، أو قول يبلغه فإن هؤلاء القوم لا يكونون مؤمنين.

ص: 49

ولا فرق بين أن يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم نزل به القرآن، أو حكم صدر عنه بقول من عنده باعتباره رسولاً مأذوناً له بالحديث عن الله جل وعلا. ولا فرق بين هذا ولا ذاك، لأنه في مقام التبليغ، وفي مقام تقرير الأحكام الشرعية معصوم عن الخطأ، كما قال هو صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص:"أكتب عني، فوالذي نفسي بيده لا يخرج من فمي إلا الحق".

ولو كان المقصود من الاية الحكم بما في القرآن وحده لقيل: "حتى يحكموك بالقرآن فيما شجر بينهم". ولما خلت الآية من هذا القيد صارت دلالتها العموم الشامل للقرآن الكريم، وللسنة النبوية الشريفة.

وصاحب المشروع لا يعترف بالسنة مطلقاً، وإن راوغ في بعض المواضع، فضلاً عن أن يؤمن بها مصدراً للتشريع فهل هو بذلك طائع لله - كما يدعي - وفق ما جاء به القرآن؟! تأمل عزيزي القارئ - ثم أحكم.

* * *

ص: 50