المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(7) نصوص أخرى حرف معناها - أخطاء وأوهام في أضخم مشروع تعسفي لهدم السنة

[عبد العظيم المطعني]

الفصل: ‌(7) نصوص أخرى حرف معناها

(7) نصوص أخرى حُرِّف معناها

يخطو صاحب المشروع خطوة تعسفية أخرى في هدم السنة النبوية، فيسرق نصوصاً وَهِمَ كل الوهم في فهمها إن كان فعلاً صاحب منهج علمي صحيح - كما يدعي، أو خاب كل الخيبة في الاستدلال بها على صحة دعواه بأن "الأحاديث المدونة في كتب الصحاح، والمسانيد، والجوامع، والسنن، مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم...."!!

ونذكر للقارئ بعض الأمثلة على "جهل صاحب المشروع الموضوع لهدم السنة النبوية" فضحاً لسوء فهمه، وشناعة عدوانه على مصدر تشريعي ذي شأن عظيم في الإسلام.

* فمثلاً: هو يدعي أن القرآن - وحده - يكفي الأمة في الالتزام بطاعة الله في العقائد، والعبادات، والمعاملات، وكل ما يتصل بالعلاقة بين الخالق والمخلوق، وبين الخلق بعضهم ببعض....إلخ.

أما السنة كلها أقوالاً، وأفعالاً، وتقريرات، فلا حاجة إليها في حياة المسلمين أفراداً، وجماعات.

هذه هي الدعوى، فبم استدل صاحب المشروع عليها؟ هو في الواقع حاطب ليل، يقبض بيده على "الثعبان" يحسبه "خشبة"، وعلى "العقرب" يحسبها "ثمرة"! فأنظر معي في هذا الدليل الذي ذكره:

ص: 36

{أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51]

هذه الآية أحد أدلته على اعتماد القرآن وحده في كفاية الأمة في مجال التشريع كله، والهداية كلها.

ونقول: إن الآية الكريمة في واد، وفهم صاحب المشروع في واد آخر!

فتعال ننظر معاً في الآيات التي سبقت هذه الآية في نفس السورة؟

{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 48: 51]

المقام الذي وردت فيه هذه الايات هو مقام الحديث عن معجزة صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم وهي "القرآن" بلا نزاع، ومع أن القرآن كان معروفاً للمشركين، وهم مقرون بأنه "طراز فريد من البيان". ومع هذا كانوا يتطلعون إلى معجزة غير القرآن تثبت بها صحة الرسالة، فرد الله عليهم هذا الإسراف في العناد، وأشار إلى أن القرآن وحده كاف في إثبات صدق الرسالة: يعني - أن القرآن في مجال الإعجاز هو وحده معجزة كبرى، فكان حرياً بهم - لو كانوا طالبي حق - أن يعتمدوه معجزة تفوق كل المعجزات".

ص: 37

هذا هو المقصود من الآية، أما صاحب المشروع قد جهل أو تجاهل هذا المعنى الواضح وضوح الشمس في رائعة النهار، وحرف معنى الآية وجعلها في غير مقامها الذي وردت فيه، ليضلل من يستطيع من قراء مشروعه بأن المسلمين لا حاجة بهم إلى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن القرآن وحده يكفيهم!!

* مقال ثان ساقه مع تحريف معناه:

هو حديث رواه الشيخان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" "ليردنَّ عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم - يعني: يوم القيامة - فأقوم: إنهم مني؟!. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاًسحقاً لمن غير بعدي".

استدل صاحي المشروع بهذا الحديث على أن الزيادة أو التغير الذي حدث بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وبسببه حيل بين النبي يوم القيامة وبين الذين زادوا وغيروا؟ هو أمرآن:

الأول: رواية أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وتدوينها.

الثاني: اعتماد السنة مصدراً ثانياً في التشريع بعد القرآن.

مع أن المسلمين ليسوا بحاجة إليها لا من قريب ولا من بعيد!! وهذا الذي زعمه صاحب المشروع "رجس من عمل الشيطان".

ولو كان الأمر كما قال - وما أكذب ما قال - لكان جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجميع التابعين، وتابعيهم، وتابعي تابعيهم، مغضوباً عليهم من الله، ومدعوا عليهم بالهلاك من الرسول نفسه؛ "سحقاً سحقاً لمن غير بعدب" لأن رجال القرون الثلاثة الأولى هم الذين رووا للأجيال سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الذين جمعوها في الكتب، وهم الذين دافعوا عنها ونقوها من الشوائب.

ص: 38

ولن يقف الأمر عند هذا الحد، بل سيدخل في الغضب الإلهي وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالهلاك، جميع علماء الأمة من بعد الصحابة، والتابعين، بجميع طبقاتهم، وجميع الذين اقتدوا بالأحاديث النبوية مع القرآن!

وجريمتهم التي اقترفوها عند صاحب المشروع - الشيطاني اللعين هي الجمع بين القرآن والأحاديث النبوية في الإيمان بهما مصدرين للتشريع، وفي العمل بهما في شئون الدنيا والدين! وإذا كان هؤلاء جميعاً مغضوباً عليهم وهالكين، فيا ترى: من سيبقى ناجياً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟! ومن الذي سيبعث مع محمد صلى الله عليه وسلم يمثل الأمة يوم يبعث الأنبياء مع أممهم؟!

ما هو الجواب على هذا التساؤل عزيزي القارئ؟

الجواب: بكل وضوح - هو صاحب المشروع التعسفي لهدم السنة النبوية، هو وحده سيكون أمة الإسلام يوم القيامة! وبهذا السخف واهراء يكون نوح عليه السلام أكثر اتباعاً من خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، لأن نوحاً أمن به ثمانون تابعاً، أما خاتم الأنبياء فلم يؤمن به إلا رجل "فذ" واحد هو صاحب المشروع التعسفي لهدم السنة النبوية!

ويا ترى: من منا يسره أن يؤمن كما أمن هذا الرجل الفذ، الذي أوتى علم الأولين والآخرين؟ من؟ من؟ - لا أحد - إن دلالة هذا الحديث أبعد من هذا السخف الذي هرف به صاحب المشروع كبعد السماء من الأرض.

فدلالته هي: التحذير من الابتداع في العقائد، والعبادات، والمعاملات،

ص: 39

والأخلاق، وما أكثرها في دنيا الناس، بل إن مشروع هذا الدعي من أضل البدع وأشنعها، والتي جاء الوعيد الشديد لفاعليها في هذا الحديث النبوي المتفق عليه عند تاشيخين الجليلين الورعين: البخاري ومسلم (رضى الله عنهما) .

* مثال ثالث:

معروف عند علماء الحديث أن البخاري رضي الله عنه كان يحفظ ستمائة ألف حديث. وأنه لم يدون منها في "صحيحه" سوى أربعة آلاف حديث غير المكرر.

ومعروف أن البخاري لم يكن يكتب في اليوم الواحد غير حديثين، وأن الزمن الذي استغرقه في تدوين الأربعة الاف حديث بلغ ست عشرة سنة كاملة، لأنه كان يثبت بكل دقة فيما يكتب، واكتفاءه بهذا القدر الضئيل (أربعة ألاف حديث) بالنسبة لما كان يحفظ يرجع إلى سببين:

الأول: شدة التحري في تدوين الحديث

الثاني: عد الإطالة التي تحتاج إلى وقت فير متاح. وهذا هو الحق المشهود به عند العلماء، أما صاحب المشروع التعسفي لهدم السنة النبوية، فيفسر سلوك البخاري الذي قدمناه بقوله:

"لم يكن يصح في نظر البخاري إلا حديث واحد من بين مائتين وخمسين حديثاً. وتلك ظاهرة خطيرة كانت تحتم على كل منصف عدم كتابة الحديث على الإطلاق"!

{كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} . [الكهف: 5]

* * *

ص: 40