المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(11) أدلة الأحكام من القرآن - أخطاء وأوهام في أضخم مشروع تعسفي لهدم السنة

[عبد العظيم المطعني]

الفصل: ‌(11) أدلة الأحكام من القرآن

(11) أدلة الأحكام من القرآن

يهدف المشروع - كما تقدم - إلى هدم السنة النبوية جملة وتفصيلاً، وهدم السنة وهي المصدر الثاني في التشريع الإسلامي، توطئة لهدم كل الأدلة الأحكام؛ سواء كانت متفقاً عليها؛ كالإجماع، والقياس؛ أو مختلفاً فيها اختلافاً نسبياً: كسد الذرائع؛ والاستحسان؛ والمصالح المرسلة؛ والاستصحاب؛ وشرع من قبلنا؛ وعمل أهل المدينة - في حياة الرسول وبعدها - عند الإمام مالك خاصة.

هذه دعوى ماكرة؛ وإن طلاها مروجها بالعسل؛ متدثراً بدعوى الاكتفاء بالقرآن؛ وهي كلمة حق أريد بها باطل؛ درى صاحب المشروع أم لم يدر. وهو في هذه الدعوى مخالف للقرآن؛ مشاق لرسول الإسلام؛ متبع غير سبيل المؤمنين.

لأن أدلة الأحكام كلها - المتفق عليها؛ والمختلف فيها - أسلاك مضيئة؛ تستمد ضوءها من القرآن؛ ولا تخرج عنه؛ ولا عن هداه؛ وكليات أوامره؛ ونواهيه؛ وتوجيهاته؛ هي المرجع الذي لا محيد عنه في كل دليل من أدلة الأحكام؛ وتوجيهاته؛ هي المرجع الذي لا محيد عنه في كل دليل من أدلة الأحكام؛ والقرآن نفسه هو الذي دل عليها؛ أو أوما إليها؛ ولا يوجد دليل منها ليس له بالقرآن صلة.

السنة عند علماء الأمة:

العمل بالسنة النبوية وهي المصدر الثاني للتشريع في الإسلام، دل على العمل بها القرآن في آيتين آمرتين لا نزاع فيهما:

ص: 56

الآية الأولى: قول الله تعالى: {. . . فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59] .

فلا خلاف بين العلماء في أن الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه العزيز - القرآن - فهو أصل الأصول في الإسلام، ويجب الرجوع إليه عند الخلاف.

أما الآية الثانية فهي قوله تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] أما الإجماع فدليله من القرآن هو قوله تعالى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] .

ودليله من السنة: هو قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على ضلالة".

فالإجماع أصل من أصول التشريع الإسلامي، وليس معنى كونه أصلاً أن يكون مستقلاً بنفسه بل لابد له من سند من الكتاب أو السنة.

أما القياس: فهو النوع الرابع من أدلة الأحكام المتفق عليها، وهو حجة عند علماء الشريعة، ودليله من القرآن - كما ذكر العلماء - قول الله تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105] .

ونحن نضيف إلى هذه الآية آية أخرى من سورة النساء أيضاً، آخذين فيها بالقاعدة الأصولية:"العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب" وهي قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى

ص: 57

الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [سورة النساء: 83] .

فاللجوء عند احتدام المشكلات يكون إلى أهل الذكر؛ وهو قادرون - بتوفيق الله - "بعد البحث والنظر" على فهم وعلم ما الأمة في حاجة إليه.

كما نضيف آية ثالثة، وهي قوله تعالى:

{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159] . والمشاورة اجتهاد، والاجتهاد بحث للوصول إلى الحق ولو بغلبة الظن والترجيح، وطريقة القياس.

سد الذرائع:

إن علماءنا الأفذاذ البررة لم يبتدعوا شيئاً ليس له صلة بالقرآن، بل كل ما توصلوا إليه من أدلة الأحكام قبسات منيرة من أضواء القرآن الوهاجة.

وقد عرضنا - فيما سبق - أدلة الأحكام المتفق عليها عند علماء الأمة، وبينا أخطاء وأوهام صاحب المشروع التعسفي في إنكاره لهذه الأدلة.

وها نحن نبين أخطاءه في هدم الأدلة المختلف فيها.

وقد ذكرنا هنا سد الذرائع للتنبيه على ما يحمله المشروع التعسفي من دعاوى ماكرة ليس لها وجه من الصواب.

فـ "الذريعة" هي الوسيلة إلى الشيء، والمراد من "سدها" عند العلماء غلقها وتعطيلها إذا كانت تؤدي إلى مفسدة أو ضرر. وهي من الأدلة المختلف فيها:

ص: 58

- فالمالكية، والحنابلة: يتوسعون في العمل بسد الذرائع.

- والحنفية، والشافعية: يضيقون العمل بها.

وسد الذرائع معناه: إغلاق المنافذ التي يترتب عليها مفسدة أو ضرر، وبيان ذلك في إيجاز:

* رجل أشاد عمارة لتأجير وحداتها. فعل يجوز له أن يؤجر "محلاً" لرجل علم أنه يبيع فيه الخمور ويتاجر في المحظور شرعاً وقانوناً؟

الجواب: أن الأصل في التأجير الإباحة. لكن لما كان هذا التأجير طريقاً للضرر والإفساد، فإن الفقهاء يحرمونه، وهم هنا يحكمون على الوسيلة بحكم الغاية منها.

* تاجر سلاح جاءه نفر يشترون منه أسلحة، ولكنه علم أنهم سيقطعون الطريق بهذا السلاح، ويعتدون به على الأبرياء، وينتهكون الأعراض. فهل يجوز له أن يبيعهم السلاح؟

الجواب: أن البيع في الأصل مباح. ولكنه لما كان وسيلة إلى محرم، فإن الفقهاء - بإعمال سد الذرائع - يجعلون هذا البيع حراماً، لأنه سيكون وسيلة للحرام.

فانظر إلى سعة أفق شريعتنا الطاهرة، وإلى صلاحيتها لاستيعاب كل ما يحتاج إليه الأمة لتحقيق سلامتها وأمنها، وملاحقة كل التصرفات، وإخضاعها للتوجيه السامي، المنبثق من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى طرافة هذا المبدأ "سد الذرائع" فإن العلماء التمسوا لشريعته دليلاً من القرآن الحكيم.

ص: 59

فوجدوه - بفضل الله تعالى ومنه - في قوله سبحانه: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ. . . .} [الأنعام: 108] .

نهى الله المؤمنين أن يسبوا أصنام المشركين: لا لأن سب الأصنام حرام؛ ولكن لأنه وسيلة ينقذ منها المشركون إلى سب الله سبحانه.

وأزن بين سعة أفق هؤلاء العلماء، وبين ضيق أفق صاحب المشروع التعسفي لهدم السنة النبوية. ثم أحكم على المشروع وصاحبه، بما يحكم به على كل من يشق عصى الطاعة ويحارب الله ورسوله والمؤمنين.

* * *

ص: 60