المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(5) الخروج عن المنهج العلمي - أخطاء وأوهام في أضخم مشروع تعسفي لهدم السنة

[عبد العظيم المطعني]

الفصل: ‌(5) الخروج عن المنهج العلمي

(5) الخروج عن المنهج العلمي

من يزعم أن ينتهج المنهج العلمي الصحيح في موضوع ما من موضوعات البحث والدارسة، فإن عليه أولاً: أن يحدد سمات ذلك المنهج، وعليه ثانياً: أن يلتزمه بكل حرص في أثناء العمل، وأن ينحى عواطفه وأهواءه جانباً، وعليه ثالثاً: أن لا يزن بميزانين، ولا يكيل بمعيارين؛ بل يحكم المنهج العلمي الذي ارتضاه بغية الوصول إلى "نتائج" سليمة.

وهذا ما لم نره عند صاحب المشروع التعسفي لهدم السنة النبوية، ولخروجه عن المنهج العلمي الذي يقره العقلاء والعلاماء. ولهذا الخروج عند صاحب المشروع صور عديدة. تعرى مشروعه "العاري" بالطبع عَّرياً بعد عُرى، وهذه "الخروجات" تنسف مشروعه "المنسوف" بطبعه نسفاً بعد نسف.

ولكي يطمئن القارئ إلى صحة ما نقول، نضع بين ناظرية بعض الأمثلة:

"الكتابة" لا..... "الحفظ" نعم! :

تقدم لنا صاحب المشروع رافض كل الرفض لكتابة الحديث النبوي في مصنفات أياً كانت: مسانيد، أو صحاحاً، أو جوامع، أو سننا. وحكم بأن تدوين الأحاديث في كتب بدعة ضالة أحلت الأمة دار البوار. وكم كان طرويا نشوان بالرواية التي ذكرها عن أبي بكر رضي الله عنه حين أمر بإحراق

ص: 25

صحيفة كان قد كتب فيها بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلل صاحب المشروع - كما تقدم - إحراقها بأنها كانت بها أحاديث مكتوبة!

هذا موقفه من كتابة الحديث النبوي.

ونريد - الآن - أن نسأل سؤالاً، ثم نجيب عليه نحن معاً - الكاتب والقراء -، ثم ندع الإجابة إلى أن تعود إليها في وقتها.

السؤال: ما المقصود من كتابة أي شيء؟

الجواب: هو الحفظ، والتوثيق ليكون المكتوب موجوداً إذا نسيته الذاكرة هذا ما يقصده العقلاء من كتابة أي شيء، فالكتابة إذن هي: تدويم الحفظ واستمراره.

وقد عرفناه أن صاحب المشروع يقول بالنسبة للحديث النبوي: "الكتابة" لا، أما "الحفظ" عن ظهر قلب أي حفظ الحديث النبوي والتحديث به، فلا مانع منه عند صاحب المشروع.

وأغلب الظن أن صاحب المشروع أررااد أن يملص من مواجهة معارضيه الذين يقرون بكتابة الحديث والتحديث به، ويرووت في ذلك أحاديث عن صاحب الدعوة أمر فيها برواية الحديث عنه وتحديث الناس بها، شريطة أن يتحروا الصدق في تحمل الحديث عنه، وتبليغ الناس به، مثل قوله صلى الله عليه وسلم ".... وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار".

وقوله صلى الله عليه وسلم: "نضَّر الله أمراً سمع مني شيئاً فبلغه كما سمع، فرب مبلغ أوعى من سامع".

ص: 26

وقوله صلى الله عليه وسلم: "نضَّر الله أمراً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه، فرب مبلغ أحفظ له من سامع".

هذه الأحاديث ذكرها صاحب المشروع، ثم قصر دلالتها على الحفظ في الصدور، والتبليغ الشفهي لا غير، دون الكتابة، والتدوين، والتوثيق.

ثم أضاف إليها حديثاً أخرجه البخاري في "صحيحه" نصه: "ليبلغ الشاهد الغائب؛ فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى منه".

ثم يعلق صاحب المشروع على هذه الأحاديث فيقول:

"

وهذا يوضح تمام الوضوح؛ أن المراد هو الحفظ الذي يصلالناس منه إلى ما يعينهم على فهم الآيات الكريمة، وتعديل الأيام فيه [؟!] فتثبت وتنفى، وترفع وتخفض؛ بحيث لا يبقى بجانب القرآن الكريم إلا ما يصلح بالفعل - بحكم الواقع والمدارسة الواعية - لما يقال من روايات، له أن يبقى معه - أي مع القرآن - دون أدنى تكلف

"!!

تأمل هذا الكلام تجده ملئياً بالأوهام والدسائس الشنيعة، فمثلاً: من أين فهم صاحب المشروع أن هذه الأحاديث تمنع من كتابة السنة وتدوينها وتوثيقها؟

ثم أليس توثيق كتابة الحديث مثل حفظه ذهنياً؟ بل هو وسيلة ذان شأن عظيم في الإعانة على الحفظ الذهني والتثبت إذا اعترى الذاكرة سهو، أو نسيان، أو شك، أو اختلاط.

وعلى أي أساس علمي صحيح فرق صاحب المشروع بين الحفظ الذهني والحفظ التدويني؟

ص: 27

وإذا غضضنا الطرف عن هذه المغالطات؟ فإنا نقف أمام عبارة صاحب المشروع:

"وتُعدل الأيام فيه" يعني - في الحديث الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه ذهنياً، وتبليغه شفهياً.

"فثبت وتنفى، وترفع وتخفض. . ." هذا هو تعديل الأيام في الحديث المحفوظ.

ولنا أن نتساءل - مع القارئ -: أليس هذا الكلام دعوة صريحة لتحريف السنة المحفوظة؟ تحريف بالإثبات مرة، وبالحذف مرة، وهذا عدوان على "سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يود صاحب المشروع لو كان قد حدث.

ثم تحريف أخر في نطق الفاظ الحديث نطقاً بغير معناها. لا مناص من هذا الفهم الذي فهمناه، وهذا يفسر لنا لماذا كره صاحب المشروع كتابة الحديث وتدوينه في مجلدات، لأن كتابة الحديث تحميه من التحريف بكل صوره، سواء ان تحريفاً بالنقص، أو تحريفاً بالزيادة، أو تحريفاً باللحن في الضبط النحوي والصرفي.

أما لو ظل الحديث غير مكتوب، فإنه يتعرض لعوامل التعرية والقرض، والمحو، والتغيير، والتبديل.

والكلام الذي نقلناه عن صاحب المشروع - آنفاً - له نظير آخر يقول فيه بالحرف:

"ومنه نرى أن السنة لم يكن لها لتكتب بأي حال من الأحوال

"

ص: 28

وقال أيضاً:

"وبذلك نرى أن كل الأحاديث الواردة في هذا الشأن بصريح اللفظ إنما جاءت بصيغة تدل على كون المراد من رواية الحديث - أصلاً وفرغاً - إنما هو البلاغ الشفهي، الذي يقوم كبيان توضيحي يأخذ منه الناس بقدر ما يحفظون، وتبقى النصوص القرآنية مقدمة كما أنزلت".

صاحب المشروع التعسفي مُصِرٌ كل الإصرار على أن كتابة السنة كانت خطأ ويوضح - هنا - سراً جديداً لم يعرفه أحد من قبل. ذلك السر هو:

أن كتابة أي شيء معناه: التقديس. والتقديس لا يكون لكلام إلا للقرآن وحده، فكان ينبغي عدم كتابة السنة لئلا تنطبق عليها خصائص التقديس بمجرد أن تكتب"؟!

الناس - عامتهم وخاصتهم - يعلمون أن سمات التقديس وخصائصه لها اعتبارات معلومة، وليس منها الكتابة، وأن المقدس مقدس كتب أو لم يكتب، وأن غير المقدسيظل غير مقدس كتب أو لم يكتب. هذا هو ما يعرفه الناس علماء وغير علماء.

ولكن صاحب المشروع التعسفي لهدم السنة النبوية، وهو في الوقت نفسه صاحب المنهاج العلمي الوحيد في تمحيص السنة وعلوم الأولين والآخرين، يفاجئ القراء بمنهج علمي فذ منقطع النظير:

* يفرق بين المتساويين كما فرق بين الحفظ الذهني والحفظ التوثيقي، وكلاهما يعاضد الآخر.

ص: 29

* ثم يضيف إلى مصطلحات العلوم والفنون؛ مصطلحاً جديداً مبتكراً لا علم لأحد به:

فالكتابة هي مصدر التقديس، وما لا يكتب لا قدسية له.

وبناءً على هذا المصطلح فإن خمريات امرئ القيس، وأبي نواس نصوص مقدسة. ولماذا؟ لأنها نصوص مكتوبة. هذا هو المنهج العلمي الصحيح الواعي الذي يستخدمه صاحب المشروع التعسفي لهدم السنة النبوية؟!

* * *

ص: 30