المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(6) تحري معاني النصوص - أخطاء وأوهام في أضخم مشروع تعسفي لهدم السنة

[عبد العظيم المطعني]

الفصل: ‌(6) تحري معاني النصوص

(6) تحري معاني النصوص

في إطار التعسف العضلى الذي يسود ما لدينا من أعمال المشروع الذي نكشف زيفه في هذه العجالات، نرى صاحبه يعمد إلى نصوص من القرآن، ومن السنة ويتعسف في إخضاعها لمراده الكريه، وهدمه للسنة الشريفة، وهو يزعم بين الحين والحين أنه ينهج نهجاً علمياً صحيحاً مائة في المائة.

ولكي يشاركنا القارئ في الحكم على المنهج الذي سلكه صاحب المشروع، وبيان عوره، نسوق المثال الآتي:

المثال: هو قوله تعالى:

{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} [آل عمران الآية 144 - 145]

هاتان الآيتان نزلتا عقيب غزوة أحد، تنكر على من فر من المسلمين من ميدان القتال، متأثراً بالشائعة التي أطلقت والقتال دائر. بأن محمداً قتل في المعركة، فنزلت الآيتان تنعيان على الذين تأثروا بالشائعة ولاذوا بالفرار. موضحتين أن محمداً صلى الله عليه وسلم بشر ورسول، وهو لابد أن يموت كما مات من قبله من الرسل عليهم السلام وقوله تعالى في الآية الأولى:

ص: 31

{انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} تمثيل رائع لما حدث منهم فروا من ميدان القتال، حتى لكأنهم سقطوا فعلاً على أقفائهم هاوين إلى الأرض هرباً من الموت، والموت الذي لا يقربه صمود، ولا يدفعه هروب.

هذه مجمل معنى الآيتين، ولكن صاحب المشروع التعسفي لهدم السنة النبوية، طبق منهاجه العلمي العجيب فاستخراج لنا من الآيتين معنى غريباً كل الغرابة، لا يتصوره من الآيتين جن أو إنس ولا ملك! ؟

المعنى الذي استخرجه صاحب المشروع

هل تتصور عزيزي القارء أن صاحب المشروع فهم من قول الله تعالى: {انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} أن المراد: كتابة السنو النبوية، وتدوين الأحاديث، وإشراكها مع القرآن في هداية الأمة!!! وأن هذا تحويل خطير، ونكسة أشار إليها القرآن، وأنها ستحدث بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم؟!

ولكي يطمئن القارئ إلى صحة ما نقول نسرد عليه بعضاً من أقوال صاحب المشروع في معنى الآيتين:

صاحب المشروع يجزم بأن من التحول الخطير في أوضاع الأمة بعد وفاة النبي، وانقضاء عهد الخلفاء الراشدين؛ هو بدعة كتابة الحديث النبوي، وجعله مصدراً من مصادر التشريع الإسلامي، وفي ذلك يقول:

"وهكذا كان الأمر

وفي غفلة من التحقيق العلمي القاطع، ونشوة من التقليد "الظني الذائع، قام للحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم كيان، وأصبح له مكانه طارئة بجانب قدسية القرآن الكريم".

ص: 32

"وهو وضع شاذ؛ لأن الأمر لم يكن كذلك أيام النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أيام صحابته الأفاضل ولا أيام الخلفاء الراشدين على وجه الخصوص، حيث اكتفت هذه العصور بالقرآن الكريم دستوراً أوحد، لا يشركه أي شيء أخر على الإطلاق"!

ويقول: "وهكذا ذاع الأمر، وشيئاً فشيئاً تتابع عليه الأئمة الأربعة. وعلماء كثيرون من بعدهم.... كأنما أمرهم بذلك القرآن الكريم

وكل ذلك ليس له وجود بأي حال من الأحوال"!

ويقول في الحديث عن الفقهاء، والأصوليين، وعلماء الحديث:"قد حاولوا تضليل عوام الأمة بصرفهم عن الحقيقة بأقوال هشة، وآراء واهية، وروايات فاسدة - يعني أحاديث النبي جملة - جعلت الكثير منهم - أي من عوام الأمة - يلتبس عليهم أمرهم - أي أمر علماء الحديث، والفقه، والأصول، - حتى ظنوا بدين الله غير الحق، ووهموا في أحكام الشريعة البينة، فحسبوا أن التقرب إلى الله يكون باتباع الكتاب والحديث معاً، وهو زيادة على الحق، ودعوى بغير دليل، وافتراء على الله رب العالمين"!!

* تعقيب:

صاحب المشروع التعسفي لهدم السنة النبوية، أفصح عن مراده من هذا المشروع في هذه الأقوال التي نقلناها عنه، أفصح عن مراده بكل وضوح حيث عدَّ كتابة الحديث نوعاً من التحول الخطير الذي حدث بعد وفاة النبي، وهو التحول الذي حذرت منه - على حد قوله - أيتا آل عمران السابقتان، وحيث جعل اتباع الحديث النبوي مع القرآن زيادة

ص: 33

في الدين، ودعوى بغير دليل، وافتراء على الله رب العالمين.

وهنا نقول: إن هذا المشروع التعسفي، وإن كان الظاهر منه هو هدم السنة النبوية، فإنه في الواقع مشروع لهدم الإسلام كله. ذلك لأننا بمقتضى هذا المشروع - إذا أصابتنا لوثته - ينبغي أن نبادر فوراُ إلى:

أولاً: إحراق كل كتب الحديث، وفي مقدمتها: كتب البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبي داود، وابن حبان، وابن ماجه، وأحمد، والدارمي، وابن خزيمة، والنسائي، والدارقطنى.... إلخ. ثم نحرق شروح هذه الكتب، وما أكثرها.

ثانياً: إحراق كتب أصول الفقه، وفي مقدمتها "الرسالة" للإمام الشافعي، و"البرهان" لإمام الحرمين الجويني، و"المحصول" للرازي، و"المستصفى" للغزالي، و"البحر المحيط" للزركشي، و"الأحكام" للآمدى، ونظيره لابن حزم

إلخ.

ثالثاً: إحراق كتب الفقه، وفي مقدمتها: كتاب "الأم" للإمام الشافعي، و"الموطأ" للإمام مالك، ثم "المدونه الكبرى" له أيضاً، و"المغنى" لابن قدامة، و"بدايع الصنائع" للكاسانى، ثم كل ما يتعلق بالفقه الإسلامي مما لا حصر له.

والسبب - كما يوضح صاحب المشروع التعسفي - أن هذه الكتب ونظائرها إما قائمة على الحديث النبوي وحده، وهو ليس من الدين في شيء أو أشركت الحديث مع القرآن.!!

ويترتب على هذا - لا قدر الله - هدم أركان الإسلام، فلا ندري كيف

ص: 34

نجمع بين الشهادتين، ولا ندري كيف نصلي، ولا كيف نزكي، ولا كيف نؤدي الصيام صحيحاً، ولا كيف نحج ولا نعتمر، ثم تنهدم معالم المعاملات من بيع وشراء، ورهن وحواله، ووكالة وسلم، ومزارعة، ومساقاة، وجعل، وعقود زواج،. . . . إلخ

ثم تصبح الأمة في أمس الحاجة إلى رسول جديد يبين لها ما أنزل الله في كتابه. ولكن بشرط أن نأمن من ظهور مشروع تعسفي أخر يحكم على الرسول الجديد بمثل ما حكم به هذا المشروع على هدم سنة خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم وسبحان الله القائل في محكم كتابه الخاتم:

{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون: الآية 71]

* * *

ص: 35