الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعض الْأَسْمَاء الْحسنى
-
الرَّحْمَن الرَّحِيم:
[ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} همَا وَصْفَانِ للَّه تَعَالَى، وَاسْمَانِ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، مُشْتَقَّانِ مِنَ الرَّحْمَةِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ، وَالرَّحْمَنُ أَشَدُّ مُبَالَغَةً مِنَ الرَّحِيمِ؛ لِأَنَّ الرَّحْمَنَ هُوَ ذُو الرَّحْمَةِ الشَّامِلَةِ لِجَمِيعِ الْخَلَائق فِي الدُّنْيَا، وَلِلْمُؤْمنِينَ فِي الْآخِرَة، والرَّحِيم ذُو الرَّحْمَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ. وَفِي كَلَامِ ابْنِ جَرِيرٍ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ عَلَى هَذَا. وَفِي تَفْسِيرِ بَعْضِ السَّلَفِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ، وَيَدُلُّ لَهُ الْأَثَرُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عِيسَى كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَغَيْرُهُ إِنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:(الرَّحْمَنُ رَحْمَنُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ والرَّحِيم رَحِيمُ الْآخِرَةِ)(1) . وَقَدْ أَشَارَ تَعَالَى إِلَى هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حَيْثُ قَالَ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ} ، وَقَالَ:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، فَذَكَرَ الِاسْتِوَاءَ بِاسْمِهِ الرَّحْمَنُ لِيَعُمَّ جَمِيعَ خَلْقِهِ بِرَحْمَتِهِ. قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَاّ الرَّحْمَنُ} ؛ أَيْ: وَمِنْ رَحْمَانِيَّتِهِ: لُطْفُهُ بِالطَّيْرِ، وَإِمْسَاكُهُ إِيَّاهَا صَافَّاتٍ وَقَابِضَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ.
وَمِنْ أَظْهَرِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
(1) - ذكره ابْن كثير فِي تَفْسِيره (1/18)، وَعَزاهُ لِابْنِ مردوية ثمَّ قَالَ:[وَهَذَا غَرِيب جدا وَقد يكون صَحِيحا إِلَى من دون رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ يكون من الْإسْرَائِيلِيات لَا من المرفوعات وَالله أعلم] . وَقَالَ عَنهُ السُّيُوطِيّ فِي الدّرّ المنثور الدّرّ المنثور (1/23) : أخرج ابْن جرير وَابْن عدي فِي الْكَامِل وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخ دمشق والثعلبي بِسَنَد ضَعِيف جدا عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ بِهِ. وَقَالَ عَنهُ الشَّوْكَانِيّ فِي فتح الْقَدِير (1/23) : [وَفِي إِسْنَاده إِسْمَاعِيل بن يحيى وَهُوَ كَذَّاب وَقد أورد هَذَا الحَدِيث ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات] .
{الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَبِأَىّ آلَاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} ، وَقَالَ:{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} فَخَصَّهُمْ بِاسْمِهِ الرَّحِيمِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا قَرَّرْتُمْ، وَبَيْنَ مَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«رَحْمَن الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمُهُمَا» (1) فَالظَّاهِرُ فِي الْجَوَابِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الرَّحِيمَ خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ كَمَا ذَكَرْنَا، لَكِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ ! بَلْ يَشْمَلُ رَحْمَتَهُمْ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا، فَيَكُونُ مَعْنَى رَحِيمُهُمَا رَحْمَتُهُ بِالْمُؤْمِنِينَ فِيهِمَا.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ رَحِيمٌ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا: أَنَّ ذَلِكَ هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} ، لِأَنَّ صَلَاتَهُ عَلَيْهِمْ وَصَلَاةَ مَلَائِكَتِهِ وَإِخْرَاجَهُ إِيَّاهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ رَحْمَةٌ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا. وَإِنْ كَانَتْ سَبَبَ الرَّحْمَةِ فِي الْآخِرَةِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ، فَإِنَّهُ جَاءَ فِيهِ بِالْبَاء الْمُتَعَلّقَة بالرحيم الْجَار لِلضَّمِيرِ الْوَاقِعِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مُسلم - وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَتَوْبَتُهُ عَلَيْهِمْ
رَحْمَةٌ فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَتْ سَبَبَ رَحْمَةِ الْآخِرَةِ أَيْضًا. وَالْعِلْمُ عِنْد الله تَعَالَى.] (2) .
(1) - أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي " الصَّغِير "(1/336)(558) من حَدِيث أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمعَاذ فَذكره.، وَقَالَ الهيثمي فِي الْمجمع (10/299) :[رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير وَرِجَاله ثِقَات] ، الحَدِيث حسنه الشَّيْخ الألباني رحمه الله فِي " صَحِيح التَّرْغِيب والترهيب " من حَدِيث أنس.
(2)
- 1/33، الْفَاتِحَة/3، وَانْظُر:(5/834)(الْمُؤْمِنُونَ/118) .