الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعْبُدُونَ إِلَاّ الَّذِى فَطَرَنِى} ، وَكَقَوْلِهِ:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَاّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ} ، وَقَوله:{وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} ؛ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أَيْ لَا نَطْلُبُ الْعَوْنَ إِلَّا مِنْكَ وَحْدَكَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ كُلُّهُ بِيَدِكَ وَحْدَكَ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مِنْهُ مَعَكَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ. وَإِتْيَانُهُ بِقَوْلِهِ: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، بَعْدَ قَوْلِهِ:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} ، فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَوَكَّلَ إِلَّا عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ بِيَدِهِ الْأَمْرُ. وَهَذَا الْمَعْنَى الْمُشَارُ إِلَيْهِ هُنَا جَاءَ مُبَيَّنًا وَاضِحًا فِي آيَاتٍ أُخر كَقَوْلِه:{فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} ، وَقَوْلِهِ:{فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِىَ اللَّهُ لَا اله إِلَاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} ، وَقَوْلِهِ:{رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} ، وَقَوْلِهِ:{قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} ، وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ من الْآيَات] (1) .
-
بعض الْأَدِلَّة على إِفْرَاده تَعَالَى بالألوهية
(2) :
…
وَقَدْ بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَرْبَعَ آيَاتٍ مِنْ آيَاتِهِ الْكُبْرَى الدَّالَّةِ عَلَى أَنه المعبود وَحده. وَمَعَ كَونهَا من
(1) - 1/ 34 - 35، الْفَاتِحَة / 5، وَانْظُر (3/373 - 374)(بني إِسْرَائِيل / 9) وَقد سبق نقل عِبَارَته فِي هَذَا الْمَوْضُوع فِي مُقَدّمَة بَاب تَوْحِيد الربوبية.
(2)
- وَانْظُر أَيْضا مَا سننقله عَنهُ رحمه الله فِي الْمَسْأَلَة التالية.
آيَاتٍ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ الْعِبَادَةَ وَحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ فَهِيَ مِنَ النِّعَمِ الْعُظْمَى عَلَى بَنِي آدَمَ.
الْأُولَى: فَرْشُهُ الْأَرْضَ عَلَى هَذَا النَّمَطِ الْعَجِيبِ.
الثَّانِيَةُ: جَعْلُهُ فِيهَا سُبلاً يَمُرُّ مَعَهَا بَنُو آدَمَ وَيَتَوَصَّلُونَ بِهَا مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ.
الثَّالِثَةُ: إِنْزَالُهُ الْمَاءَ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى هَذَا النَّمَطِ الْعَجِيبِ.
الرَّابِعَةُ: إِخْرَاجُهُ أَنْوَاعَ النَّبَاتِ مِنَ الْأَرْضِ.
أَمَّا الْأُولَى: الَّتِي هِيَ جَعْلُهُ الْأَرْضَ مَهْدًا فَقَدْ ذَكَرَ الِامْتِنَانَ بِهَا مَعَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى أَنَّهُ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العَزِيزُ العَلِيمُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْداً} ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً} ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِى مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً} وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: الَّتِي هِيَ جَعْلُهُ فِيهَا سُبُلًا فَقَدْ جَاءَ الِامْتِنَانُ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ.
كَقَوْلِهِ فِي «الزُّخْرُفِ» : {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العَزِيزُ العَلِيمُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الدالَّة عَلَى هَذَا فِي سُورَةِ «النَّحْلِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: {وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} .
وَأَمَّا الثَّالِثَةُ، وَالرَّابِعَةُ: وَهُمَا إِنْزَالُ الْمَاءِ مِنَ السَّمَاءِ وَإِخْرَاجُ النَّبَاتِ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ فَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُمَا فِي الْقُرْآنِ عَلَى سَبِيلِ الِامْتِنَانِ وَالِاسْتِدْلَالِ مَعًا.
كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِى أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَآءً لَّكُم مَّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ} . وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: {وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا} الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ بِصِيغَةِ التَّعْظِيمِ. وَنَظِيرُهُ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي «الْأَنْعَامِ» : {وَهُوَ الَّذِى أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَىْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً} ، وَقَوْلُهُ فِي «فَاطِرٍ» :{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أنَزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا} ، وَقَوله فِي «النَّمْل» :{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} .
وَهَذَا الِالْتِفَاتُ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ بِصِيغَةِ التَّعْظِيمِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ كُلِّهَا فِي إِنْبَاتِ النَّبَاتِ يَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِ شَأْنِ إِنْبَاتِ النَّبَاتِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ ينزل المَاء وَلم ينْبت شَيْئا لَهَلَكَ النَّاسُ جُوعًا وَعَطَشًا. فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى عَظَمَتِهِ جَلَّ وَعَلَا، وَشِدَّةِ احْتِيَاجِ الْخَلْقِ إِلَيْهِ وَلُزُوم طاعتهم لَهُ جلّ وَعلا
…
] (1) .
وَقَالَ صَاحب التَّتِمَّة رحمه الله: [قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ. هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ. هُوَ اللَّهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} . جَاءَتْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ: ذِكْرُ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ مَرَّتَيْنِ، كَمَا ذُكِرَ فِيهَا أَيْضًا تَسْبِيحُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ، وَذُكِرَ مَعَهُمَا العديد من أَسمَاء الله
(1) - 4/455: 459، طه / 53- 54.
الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا، فَكَانَتْ بِذَلِكَ مُشْتَمِلَةً عَلَى ثَلَاثِ قَضَايَا أَهَمِّ قَضَايَا الْأَدْيَانِ كُلِّهَا مَعَ جَمِيعِ الْأُمَمِ وَرُسُلِهِمْ، لِأَنَّ دَعْوَةَ الرُّسُلِ كُلَّهَا فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَتَنْزِيهِهِ، وَالرَّدِّ عَلَى مُفْتَرَيَاتِ الْأُمَمِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
فَالْيَهُودُ قَالُوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ.
وَالنَّصَارَى قَالُوا الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ.
وَالْمُشْرِكُونَ قَالُوا: {اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً} ، {وَجَعَلُواْ الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً} ، وَقَالُوا:{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} .
فَكُلُّهُمُ ادَّعَى الشَّرِيكَ مَعَ اللَّهِ، وَقَالُوا: ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ فِي قَضِيَّةِ التَّنْزِيِهِ، فَالْيَهُودُ قَالُوا:{إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ} ، وَقَالُوا:{يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ} .
وَالْمُشْرِكُونَ قَالُوا: {وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً} ، وَنَسَبُوا لِلَّهِ مَا لَا يَرْضَاهُ أَحَدُهُمْ لِنَفْسِهِ، وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا، فِي الْوَقْت الَّذِي إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بالأُنثى ظلَّ وجهُه مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ.
وَهَذَا كَمَا تَرَاهُ أَعْظَمُ افْتِرَاءٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ سَجَّلَهُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًامَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لأبَآئِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَاّ كَذِبًا} وَكَمَا قَالَ تَعَالَى:{أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} ، وَقَالَ مُبَيِّنًا جُرْمَ مَقَالَتِهِمْ، {وَقَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً وَمَا يَنبَغِى لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} .
فَكَانَتْ تِلْكَ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ عِلَاجًا فِي الْجُمْلَةِ لِتِلْكَ الْقَضَايَا الثَّلَاثِ، تَوْحِيدِ الْأُلُوهِيَّةِ، وَتَوْحِيدِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَتَنْزِيهِ اللَّهِ سبحانه وتعالى مَعَ إِقَامَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهَا.
وَقَدِ اجْتَمَعَتْ مَعًا لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ أَحَدُهَا إِلَّا بِالْآخَرَيْنِ، لِيَتِمَّ الْكَمَالُ لِلَّهِ تَعَالَى.
قَالَ أَبُو السُّعُودِ: إِنَّ الْكَمَالَاتِ كُلَّهَا مَعَ كَثْرَتِهَا وَتَشَعُّبِهَا رَاجِعَةٌ إِلَى الْكَمَالِ فِي الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ اهـ.
وَهَذَا كُلُّهُ مُتَوَفِّرٌ فِي هَذَا السِّيَاقِ، وَقَدْ بَدَأَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، لِأَنَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ آمن بِكُل مَا جَاءَ عَن الله، وآمن بِاللَّهِ عَلَى مَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَنَزَّهَهُ عَمَّا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ قَالَ تَعَالَى:{هُوَ اللَّهُ الَّذِى لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ} ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِالدَّلِيلِ عَلَى إِفْرَادِهِ تَعَالَى بِالْأُلُوهِيَّةِ بِمَا لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِيهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} .
وَهَذَا الدَّلِيلُ نَصٌّ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ دَلِيلٌ لِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّمَآ إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَىْءٍ عِلْماً} وَوَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ هُنَا تُسَاوِي عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى {أَلَاّ يَسْجُدُواْ للَّهِ الَّذِى يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِى السَّمَوَات وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} . وَقَوْلِهِ تَعَالَى {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ} إِلَى قَوْلِهِ {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَاّ بِمَا شَآءَ} .
وَهَذَا قَطْعًا لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَآ إِلَاّ هُوَ} فَكَانَ مِنْ حَقِّهِ عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَجَاءَ بِدَلِيلٍ ثَانٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى {هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ صَرَاحَةً أَيْضًا كَدَلِيلٍ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
لَاّ إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} فَهُوَ رَحْمَن الدُّنْيَا وَرَحِيمُ الْآخِرَةِ.
وَمِنْ رَحْمَتِهِ الَّتِي اخْتَصَّ بِهَا فِي الدُّنْيَا قَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِى يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} وَقَوْلِهِ: {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} أَيْ: بِإِنْزَالِهِ الْغَيْثَ وَإِنْبَاتِ النَّبَاتِ مِمَّا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا هُوَ فَكَانَ حَقُّهُ عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ.
وَقَدْ جَمَعَ الدَّلِيلَيْنِ الْعِلْمَ وَالرَّحْمَةَ مَعًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً} .
ثُمَّ جَاءَتْ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ مَرَّةً أُخْرَى، {هُوَ اللَّهُ الَّذِى لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ} ، وَجَاءَ بَعْدَهَا مِنَ الصِّفَاتِ الْجَامِعَةِ قَوْلُهُ:{الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} ، وَهَذَا الدَّلِيلُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ تَعَالَى نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ صَرِيحًا فِي قَوْلُهُ تَعَالَى {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُو يُحْيِي وَيُمِيتُ} فَالَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ هُوَ الْمَلِكُ الْحَقُّ الْكَامِلُ الْمُلْكِ، وَهُوَ الَّذِي يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مُلْكِهِ كَمَا يَشَاءُ بِالْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَحْدَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحياةَ} وَهُوَ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ عَلَى مُلْكِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ أَيْضًا {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ} فَالْقَيُّومُ هُوَ الْمُهَيْمِنُ وَالْقَائِمُ بِكُلِّ نَفْسٍ، الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ، ثُمَّ جَاءَ بِالدَّلِيلِ الْأَعْظَمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ} فَهُوَ وَحْدَهُ الْمُتَفَرِّدُ بِالْخَلْقِ وَالْإِيجَادِ، وَالْإِبْدَاعِ وَالتَّصْوِيرِ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} ثُمَّ قَالَ {ذلكمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ
عَلَى كُلِّ شَىْءٍ وَكِيلٌ} .
وَذَكَرَ أَيْضًا الْخَلْقَ مُفَصَّلًا وَالْمُلْكَ مُجْمَلًا فِي قَوْلُهُ تَعَالَى {خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِى ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} ثُمَّ قَالَ {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} وَقَالَ {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ} ثُمَّ قَالَ {لَاّ إِلَهَ إِلَاّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} وَجَمَعَ الْمُلْكَ وَالْخَلْقَ مَعًا فِي قَوْله {الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِى المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ فِي هَذَا الْمَعْنَى.
وَمَنْ تَأَمَّلَ بَرَاهِينَ الْقُرْآنِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى قُدْرَتِهِ، عَلَى الْبَعْثِ وَهُمَا أَهَمُّ الْقَضَايَا الْعَقَائِدِيَّةِ يَجِدُ أَهَمَّهَا وَأَوْضَحَهَا وَأَكْثَرَهَا، هُوَ هَذَا الدَّلِيلَ، أَعْنِي دَلِيلَ الْخَلْقِ وَالتَّصْوِيرِ.
وَقَدْ جَاءَ هَذَا الدَّلِيلُ فِي الْقُرْآنِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، فَمِنَ الْإِجْمَالِ مَا جَاءَ فِي أَصْلِ الْمَخْلُوقَاتِ جَمِيعًا {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ} وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} ، وَقَالَ:{إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} ثُمَّ قَالَ {فَسُبْحَانَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ} وَقَالَ: {تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحياةَ} أَيْ خَالِقُ الْإِيجَادِ وَالْعَدَمِ، وَخَلْقُ الْعَدَمِ يُسَاوِي فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْقُدْرَةِ خَلْقَ الْإِيجَادِ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِعْدَامِ مَا أَوْجَدَ يَكُونُ الْمَوْجُودُ مُسْتَعْصِيًا عَلَيْهِ، فَيَكُونُ عَجْزًا فِي الْمُوجِدِ لَهُ، كَمَنْ يُوجِدُ الْيَوْمَ سِلَاحًا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إِعْدَامِهِ، وَإِبْطَالِ مَفْعُولِهِ، فَقَدْ يَكُونُ سَبَبًا فِي إِهْلَاكِهِ، وَلَا تَكْتَمِلُ الْقُدْرَةُ حَقًّا إِلَّا بِالْخَلْقِ وَالْإِعْدَامِ مَعًا، وَقَالَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: {الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ
الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} .
وَقَالَ فِي خَلْقِ الْأَفْلَاكِ وَتَنْظِيمِهَا: {وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} . ثُمَّ فِي أُصُولِ الْمَوْجُودَاتِ فِي الْأَرْضِ بِقَوْلِهِ: {هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الأَرْضِ جَمِيعاً} .
وَفِي أُصُولِ الْأَجْنَاسِ: الْمَاءُ وَالنَّارُ وَالنَّبَاتُ وَالْإِنْسَانُ، قَالَ:{أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ} .
وَذَكَرَ مَعَهُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْإِعْدَامِ: {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} .
وَفِي أُصُولِ النَّبَاتِ: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَارِعُونَ} .
وَفِي أُصُولِ الْمَاءِ: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَآءَ الَّذِى تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ} .
وَفِي أُصُولِ تَطْوِيرِ الْحَيَاةِ: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِى تُورُونَ أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ} .
وَفِي جَانِبِ الْحَيَوَانِ {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} .
وَلِهَذَا فَقَدْ تَمَدَّحَ تَعَالَى بِهَذِهِ الصِّفَةِ، صِفَةِ الْخلق، وسفة آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ بِالْعَجْزِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{خَلَقَ السَّمَوَات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِى الأَرْضِ رَوَاسِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} ثُمَّ قَالَ: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ} .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَمْ تَخْلُقْ شَيْئًا كَمَا قَالَ تَعَالَى مُوَبِّخًا لَهُمْ: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ} وَبَيَّنَ أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ فِي قَوْلِهِ: {أَفَمَن يَخْلُقُ
كَمَن لَاّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} ، ثُمَّ بَيَّنَ نِهَايَةَ ضَعْفِهَا وَعَجْزِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً لَاّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لاًّنفُسِهِمْ ضَرّاً وَلَا نَفْعاً وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُوراً} وَهَذَا غَايَةُ الْعَجْزِ. كَمَا ضَرَبَ لِذَلِكَ الْمَثَلَ بِقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَاّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} فَهُمْ حَقًّا لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَلَوْ بِقَدْرِ الذُّبَابَةِ؟ وَهَكَذَا تَرَى صِفَةَ الْخَلْقِ الْمُتَّصِفِ بِهَا سبحانه وتعالى أَعْظَمَ دَلِيلٍ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ صِفَةَ التَّصْوِيرِ وَالْعِلْمِ لِأَنَّ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ صُورَةً تَخُصُّهُ؟ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ عِلْمٍ بِالْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَهَكَذَا أَيْضًا كَانَ هَذَا الدَّلِيلُ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ عَلَى الْبَعْثِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مٌّبِينٌ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِىَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحىِ الْعِظَامَ وَهِىَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى صَرِيحًا فِي ذَلِكَ وَنَصًّا عَلَيْهِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ البَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي المَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَاّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي القُبُورِ} .