الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
أصُول النعم وشكر الْمُنعم
.
[نِعَمَ اللَّهِ عَدِيدَةٌ، كَمَا قَالَ:{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ} .
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ، فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّمْثِيلِ لَا الْحَصْرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{لَا تُحْصُوهَآ} .
وَأُصُولُ هَذِهِ النِّعَمُ أَوُّلُهَا الْإِسْلَامُ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلَامَ دِيناً} .
وَيَدْخُلُ فِيهَا نِعَمُ التَّشْرِيعِ وَالتَّخْفِيفِ، عَمَّا كَانَ عَلَى الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ.
كَمَا يَدْخُلُ فِيهَا نِعْمَةُ الْإِخَاءِ فِي اللَّهِ {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} ، وَغَيْرُ ذَلِكَ كثيرا.
وَثَانِيهَا: الصِّحَّةُ، وَكَمَالُ الْخِلْقَةِ وَالْعَافِيَةِ، فَمِنْ كَمَالِ الْخِلْقَةِ الْحَوَاسُّ {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً
وَشَفَتَيْنِ} . ثُمَّ قَالَ: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} .
وَثَالِثُهَا: الْمَالُ فِي كَسْبِهِ وَإِنْفَاقِهِ سَوَاءٌ، فَفِي كَسْبِهِ مِنْ حِلِّهِ نِعْمَةٌ، وَفِي إِنْفَاقِهِ فِي أَوْجُهِهِ نِعْمَةٌ.
هَذِهِ أُصُولُ النِّعَمِ، فَمَاذَا يُسْأَلُ عَنْهُ، مِنْهَا جَاءَتِ السُّنَّةُ بِأَنَّهُ سَيُسْأَلُ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا.
أَمَّا عَنِ الدِّينِ وَالْمَالِ وَالصِّحَّةِ، فَفِي مُجْمَلِ الْحَدِيثِ «إِذَا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة، لَا تزل قَدَمُ عَبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ عَمَلٌ بِهِ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أنفقهُ، وَعَن شبابه فيمَ أفناه» (1) .
(1) - أخرجه التِّرْمِذِيّ (4/612)(2416) من حَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي اله عَنهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه من حَدِيث ابْن مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَّا من حَدِيث الْحُسَيْن بن قيس وحُسَيْن بن قيس يضعف فِي الحَدِيث من قبل حفظه. وَفِي الْبَاب عَن أبي بَرزَة وأبي سعيد. والْحَدِيث حسنه الشَّيْخ الألباني رحمه الله.
وَلِعِظَمِ هَذِهِ الْآيَةِ وَشُمُولِهِا، فَإِنَّهَا أَصْبَحَتْ مِنْ قَبِيلِ النُّصُوصِ مَضْرِبَ الْمَثَلِ، فَقَدْ فَصَّلَتِ السُّنَّةُ جُزْئِيَّاتِ مَا كَانَتْ تَخْطُرُ بِبَالِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْقُرْطُبِيُّ مَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ، فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ:«مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟» قَالَا: الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: «وَأَنَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهَا لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا» فَقَامُوا مَعَهُ، فَأَتَى رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَتْ: مَرْحَبًا! وَأَهْلًا! فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيْنَ فُلَانٌ؟» قَالَتْ: ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا مِنَ الْمَاءِ أَيْ يَطْلُبُ مَاءً عَذْبًا. إِذْ جَاءَ الأَنصاريُّ، فَنَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا أحدٌ الْيَوْمَ أَكْرَمُ أَضْيَافًا مِنِّي. قَالَ: فَانْطَلَقَ فَجَاءَهُمْ بِعذْق فِيهِ بُسْرٌ وتمرٌ ورُطبٌ، فَقَالَ: كُلُّوا مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«إِيَّاكَ والحَلوب، فَذَبَحَ لَهُمْ. فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ، وَمِنْ ذَلِكَ العِذق، وَشَرِبُوا، فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرووا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ وَعمر: «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهَا لتُسأَلن عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ» وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ فِيهِ:«هَذَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ظِلٌّ بَارِدٌ وَرَطْبٌ طَيِّبٌ، وَمَاءٌ بَارِدٌ» وَكَنَّى الرَّجُلُ الَّذِي مِنَ الْأَنْصَار، فَقَالَ: أَبُو الْهَيْثَم بن التيهَان. (1)
(1) - أخرجه مُسلم (3/1609)(2083) ، وَالتِّرْمِذِيّ (4/582)(2369)، وَقَالَ: حسن صَحِيح غَرِيب.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قُلْتُ: اسْمُ هَذَا الرَّجُلِ مَالِكُ بْنُ التَّيِّهَانِ، وَيُكَنَّى أَبَا الْهَيْثَمِ. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ هَذِهِ الْقِصَّةَ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ.
وَمِنْهَا: عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَخَذَ بِالْفَرَقِ وَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ، وَقَالَ:«إِنَّا لمسؤولون عَنْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: خِرْقَةٍ لَفَّ الرَّجُلُ بِهَا عَوْرَتَهُ، أَوْ كِسْرَةٍ سَدَّ بِهَا جَوْعَتَهُ، أَوْ جُحْرٍ يَدْخُلُ فِيهِ مِنَ الْحَرِّ وَالْقَرِّ» (1) .
وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: إِنَّ مَا سَدَّ الْجُوعَ، وَسَتَرَ الْعَوْرَةَ مِنْ خَشِنِ الطَّعَامِ، لَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْمَرْءُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا يُسْأَلُ عَنِ النَّعِيمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ أَسْكَنَ آدَمَ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ:{إِنَّ لَكَ أَلَاّ تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَؤُا فِيهَا وَلَا تَضْحَى} .
فَكَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الْأَرْبَعَةُ مَا يُسَدُّ بِهِ الْجُوعُ، وَمَا يُدْفَعُ بِهِ الْعَطَشُ، وَمَا يُسْكَنُ فِيهِ مِنَ الْحَرِّ وَيُسْتَرُ بِهِ عَوْرَتُهُ، لِآدَمَ عليه السلام بِالْإِطْلَاقِ، لَا حِسَابَ عَلَيْهِ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا.
وَذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا بِسَنَدِهِ «أَنَّهُمْ كَانُوا جُلُوسًا فَطَلَعَ عَلَيْهِمُ النَّبي صلى الله عليه وسلم وَعَلَى رَأْسِهِ أَثَرُ مَاءٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَاكَ طَيِّبَ النَّفْسِ؟ قَالَ: أَجَلْ، قَالَ: خَاضَ النَّاسُ فِي ذِكْرِ الْغِنَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ، وَالصِّحَّةُ لِمَنِ اتَّقَى اللَّه، خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى، وَطِيبُ النَّفْسِ مِنَ النِّعَمِ» (2) .
قَالَ: وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَن أبي هُرَيْرَة (3) .
(1) - أخرجه أَحْمد (5/81) ، وَحسنه الشَّيْخ الألباني رحمه الله فِي صَحِيح التَّرْغِيب.
(2)
- أخرجه أَحْمد (5/372) ، وَابْن مَاجَه (2/724)(2141) من حَدِيث معَاذ بن عبد الله بن خبيب عَن أَبِيه عَن عَمه مَرْفُوعا بِهِ، وَحسن إِسْنَاده الأرناؤوط، وَصَححهُ الشَّيْخ الألباني رحمه الله.
(3)
- لم أَقف عَلَيْهِ عِنْد ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.