الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَكَانَ الْقَسَمُ فِي الْعَصْرِ عَلَى الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ، أَنْسُبُ مَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا، إِذْ جُعِلَتْ حَيَاةُ الْإِنْسَانِ
كَسُوقٍ قَائِمَةٍ وَالسِّلْعَةُ فِيهِ الْعَمَلُ وَالْعَامِلُ هُوَ الْإِنْسَانُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} .
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: «سُبْحَانَ اللَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ» ، وَفِيهِ:«كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا» (1) ، فَإِنْ كَانَ يَشْغَلُ عُمُرَهُ فِي الْخَيْرِ فَقَدْ رَبِحَ، وَأَعْتَقَ نَفْسَهُ وإلَاّ فَقَدْ خَسِرَ وَأَهْلَكَهَا.
وَيُشِيرُ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الّجَنَّةَ} .
فَصَحَّ أَنَّ الدُّنْيَا سُوقٌ، وَالسِّلْعَةُ فِيهَا عَمَلُ الْإِنْسَانِ، وَالْمُعَامَلَةُ فِيهِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى، فَظَهَرَ الرَّبْطُ والمناسبة مَعَ الْمقسم بِهِ، والمقسم عَلَيْهِ.] (2) .
-
من الشّرك الرِّيَاء وَإِرَادَة الْإِنْسَان بِعَمَلِهِ الدُّنْيَا
.
[قَوْله: {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا} قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. أَيْ لَا يُرَائِي النَّاسَ فِي عَمَلِهِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ لِأَجْلِ رِيَاءِ النَّاسِ مِنْ نَوْعِ الشِّرْكِ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الرِّيَاءَ مِنْ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ. وَقَدْ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ مَرْفُوعَةٌ. وَقَدْ سَاقَ طَرَفَهَا ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ قَوْلَهُ:{وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا} أَعَمُّ مِنَ الرِّيَاءِ وَغَيْرِهِ، أَي
(1) - صَحِيح مُسلم (1/203)(223) من حَدِيث أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ، وَلَفظه: قَالَ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الطّهُور شطر الْإِيمَان وَالْحَمْد لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تملآن (أَو تملأ) مَا بَين السَّمَاوَات وَالْأَرْض
وَالصَّلَاة نور وَالصَّدَََقَة برهَان وَالصَّبْر ضِيَاء وَالْقُرْآن حجَّة لَك أَو عَلَيْك كل النَّاس يَغْدُو فَبَايع نَفسه فمعتقها أَو موبقها"
(2)
- 9/69: 74، التكوير / 15: 19، وَانْظُر (1/372 - 373)(النِّسَاء/127) ، (8/686 - 687)(المرسلات/7) .
لَا يَعْبُدُ رَبَّهُ رِيَاءً وَسُمْعَةً، وَلَا يَصْرِفُ شَيْئًا مِنْ حُقُوقِ خَالِقِهِ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَيَقُولُ:{وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ الرِّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ} ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَيُفْهَمُ مِنْ مَفْهُومِ مُخَالَفَةِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الَّذِي يُشْرِكُ أَحَدًا بِعِبَادَةِ رَبِّهِ، وَلَا يَعْمَلُ صَالِحًا أَنَّهُ لَا يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ، وَالَّذِي لَا يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ لَا خَيْرَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَهَذَا الْمَفْهُومُ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِيمَا مَضَى قَرِيبًا:{أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ} لِأَنَّ مَنْ كَفَرَ بِلِقَاءِ اللَّهِ لَا يَرْجُو لِقَاءَهُ. وَقَوْلِهِ فِي «الْعَنْكَبُوتِ» {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَآئِهِ أُولَئِكَ يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِى} ، وَقَوْلِهِ فِي «الْأَعْرَافِ» :{وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَاّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وَقَوْلِهِ فِي «الْأَنْعَامِ» : {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَآءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ ياحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي «يُونُسَ» :{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ اللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} ، وَقَوْلِهِ فِي «الْفُرْقَانِ» :{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُواْ فِى أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً} ، وَقَوْلِهِ فِي «الرُّومِ» :{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ الآخِرَةِ فَأولئك فِى الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ}
إِلَى غير ذَلِك من الْآيَات.] (1) .
(1) - 4/216، الْكَهْف/110.
وَقَالَ صَاحب التَّتِمَّة رحمه الله: مُبينًا حكم الرِّيَاء وحدَّه [أَمَّا الرِّيَاءُ: فَقِيلَ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الرُّؤْيَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ إِظْهَارُ الْعِبَادَةِ لِقَصْدِ رُؤْيَةِ النَّاسِ لَهَا فَيُحْمَدُ عَلَيْهَا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ تَسْمِيَتُهُ الشِّرْكَ الْخَفِيَّ:«إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْخَفِيُّ، قَالُوا: وَمَا الشِّرْكُ الْخَفِيُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الرِّيَاءُ، فَإِنَّهُ أَخْفَى فِي نُفُوسِكُمْ مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ» (1) .
وَجَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا} .
وَبَيَانُ الشِّرْكِ فِيهِ أَنَّهُ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِمَّا هُوَ أَصْلًا للَّه، كَالصَّلَاةِ أَوِ الصَّدَقَةِ أَوِ الْحَجِّ، وَلَكِنَّهُ يُظْهِرُهُ لِقَصْدِ أَنْ يَحْمَدَهُ النَّاسُ عَلَيْهِ.
فَكَأَنَّ هَذَا الْجُزْءَ مِنْهُ مُشَارَكَةٌ مَعَ اللَّه، حَيْثُ أَصْبَحَ مِنْ عَمَلِهِ جُزْءٌ لِطَلَبِ الثَّنَاءِ مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ.
وَقَدْ جَاءَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، فَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» (2) .
أَمَّا حُكْمُ الرِّيَاءِ فِي الْعَمَلِ، فَفِي هَذَا النَّصِّ دَلَالَةٌ عَلَى رَدِّ الْعَمَلِ على
(1) - لم أَقف عَلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظ، وَإِنَّمَا أخرج أَحْمد (5/428، 429) من حَدِيث مَحْمُود بن لبيد أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {إِن أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم الشّرك الْأَصْغَر قَالُوا وَمَا الشّرك الْأَصْغَر يَا رَسُول الله قَالَ الرِّيَاء يَقُول الله
…
عز وجل لَهُم يَوْم الْقِيَامَة إِذا جزى النَّاس بأعمالهم اذْهَبُوا إِلَى الَّذين كُنْتُم تراؤون فِي الدُّنْيَا فانظروا هَل تَجِدُونَ عِنْدهم
جَزَاء} ، وَصَححهُ الشَّيْخ الألباني رحمه الله فِي الصَّحِيحَة (951) .
وَأما وصف هَذَا الشّرك بِأَنَّهُ أُخْفِي من دَبِيب النَّمْل فقد أخرج أَحْمد (4/403) مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه مَرْفُوعا: {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا هَذَا الشّرك فَإِنَّهُ أخْفى من دَبِيب النَّمْل} ، وَصَححهُ الشَّيْخ الألباني رحمه الله فِي صَحِيح التَّرْغِيب والترهيب.
(2)
- صَحِيح مُسلم (4/2289)(2985) .
صَاحِبِهِ، وَتَرْكِهِ لَهُ.
فَقِيلَ: إِنَّهُ يَكُونُ لَا لَهُ فِيهِ، وَلَا عَلَيْهِ مِنْهُ.
فَقِيلَ: لَا يَخْلُو مِنْ ذَمٍّ، كَمَا حَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ بِقَوْلِهِ:{وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ النَّاسِ} .
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَاءَى رَاءَى اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (1) .
وَالتَّسْمِيعُ: هُوَ الْعَمَلُ لِيَسْمَعَ النَّاسُ بِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْوَلِيمَةِ «فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ سُمْعَةٌ. وَمَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ بِهِ» (2) .
فَالرِّيَاءُ مَرْجِعُهُ إِلَى الرُّؤْيَةِ، وَالتَّسْمِيعُ مَرْجِعُهُ إِلَى السَّمَاعِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ (3) ، وَقَدْ أَحْبَطَ اللَّهُ عَمَلَهُمْ، وَرَدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (4)، وَقِيلَ: إِنَّهُ مُحْبِطٌ لِلْأَعْمَالِ لِمُسَمَّى الشِّرْكِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} .
وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ يُحْبِطُ الْعَمَلَ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَقَطْ، فَإِنْ رَاءَى فِي الصَّلَاةِ أَحْبَطَهَا وَلَا يَتَعَدَّى إِلَى الصَّوْمِ، وَإِنْ رَاءَى فِي صَلَاة نَافِلَة لَا يتَعَدَّى إحباطها
(1) - صَحِيح مُسلم (4/2289)(2986) .
(2)
- أخرج أَبُو دَاوُد (2/368)(3745)، وَأحمد (5/28) من حَدِيث رجل من ثَقِيف مَرْفُوعًا:{أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْوَلِيمَة أول يَوْم حق وَالثَّانِي مَعْرُوف وَالْيَوْم الثَّالِث سمعة ورياء} ، والْحَدِيث ضعفه الشَّيْخ الألباني رحمه الله فِي الإرواء (1950) ، وَضعف إِسْنَاده الأرناؤوط فِي هَامِش الْمسند.
(3)
- عزاهُ السُّيُوطِيّ فِي " الدّرّ المتثور " لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(4)
- كَذَا بِالْأَصْلِ، وَلم أدر وَجهه، وَلَعَلَّ فِي الْعبارَة سقط.
إِلَى صَلَاةِ فَرِيضَةٍ، وَهَكَذَا، قَدْ يَبْدَأُ عَمَلًا خَالِصًا للَّه، ثُمَّ يَطْرَأُ عَلَيْهِ شَبَحُ الرِّيَاءِ، فَهَلْ يَسْلَمُ لَهُ عَمَلُهُ أَوْ يُحْبِطُهُ مَا طَرَأَ عَلَيْهِ مِنَ الرِّيَاءِ؟
فَقَالُوا: إِنْ كَانَ خَاطِرًا وَدَفَعَهُ عَنْهُ فَلَا يَضُرُّهُ، وَإِنِ اسْتَرْسَلَ مَعَهُ. فَقَدْ رَجَّحَ أَحْمَدُ وَابْنُ جَرِيرٍ، عَدَمَ بُطْلَانِ الْعَمَلِ نَظَرًا لِسَلَامَةِ الْقَصْدِ ابْتِدَاءً.
وَدَلِيلُهُمْ فِي ذَلِكَ: مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بَنِي سَلَمَةَ كُلُّهُمْ يُقَاتِلُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُقَاتِلُ لِلدُّنْيَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَاتِلُ نَجْدَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ يُقَاتِلُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ:«كُلُّهُمْ إِذَا كَانَ أَصْلُ أَمْرِهِ، أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا» (1) .
وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ: أَنَّ هَذَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي يَرْتَبِطُ آخِرُهُ بِأَوَّلِهِ، كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، أَمَّا مَا كَانَ مِثْلَ الْقِرَاءَةِ وَالْعِلْمِ؛ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ الْخَالِصَةِ للَّه، أَيْ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنَ الْقِرَاءَةِ، وَكُلَّ جُزْءٍ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَرْتَبِطُ بِمَا قَبْلَهُ.
وَهُنَاكَ مَسْأَلَةٌ: وَهِيَ أَنَّ الْعَبْدَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ للَّه خَالِصًا، ثُمَّ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ، فَيُحْسِنُونَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ فَيُعْجِبُهُ ذَلِكَ. فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الرِّيَاءِ فِي شَيْءٍ لِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَعْمَلُ مِنَ الْخَيْرِ يَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم «عَاجِلُ بُشْرَى الْمُسْلِمِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (2) .
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ مَنْ كَانَ يَعْمَلُ عَمَلًا خَفِيًّا، ثُمَّ حَضَرَ بَعْضُ النَّاسِ فَتَرَكَهُ مِنْ أَجْلِهِمْ خَشْيَةَ الرِّيَاءِ، أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الرِّيَاءِ، لِأَنَّهُ يَضْعُفُ فِي نَفْسِهِ أَنَّ يُخْلِصَ النِّيَّةَ للَّه، وَفِي هَذَا بُعد ومشقة.] (3) .
(1) - مَرَاسِيل أبي دَاوُد (ص/242)(321) ، وَإِسْنَاده ضَعِيف لإرساله.
(2)
- صَحِيح مُسلم (4/2034)(2642) .
(3)
- 9/550: 554، الماعون / 6، 7.