الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْإِيمَانِ، لَا نَفْيُهُ مِنْ أصْلِهِ. وَعَلَيْهِ فَلَا إِشْكَالَ أَيْضًا، لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ مَعَ أَنَّ إِيمَانَهُمْ غَيْرُ تَامٍّ، وَهَذَا لَا إِشْكَالَ فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ. وَإِنَّمَا اسْتَظْهَرْنَا الْوَجْهَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْلَامِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ دُونَ الشَّرْعِيِّ، وَأَنَّ الْأَعْرَابَ الْمَذْكُورِينَ كُفَّارٌ فِي الْبَاطِنِ وَإِنْ أَسْلَمُوا فِي الظَّاهِرِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَلَا:(وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ) يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ دَلَالَةً كَمَا تَرَى، لِأَنَّ قَوْلَهُ:(يَدْخُلِ) فِعْلٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَهُوَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ مِرَارًا، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ صَاحِبِ مَرَاقِي السُّعُودِ:
وَنَحْوُ لَا شَرِبْتُ أَوْ إِنْ شَرِبَا
…
وَاتَّفَقُوا إِنْ مَصْدَرٌ قَدْ جَلَبَا
فَقَوْلُهُ: (وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ) : فِي مَعْنَى لَا دُخُولَ لِلْإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ. وَالَّذِينَ قَالُوا بِالثَّانِي قَالُوا: إِنَّ الْمُرَادَ بِنَفْيِ دُخُولِهِ نَفْيُ كَمَاله، وَالْأول أظهر كَمَا ترى] (1) .
فصل: الْإِيمَان يزِيد وَينْقص:
[قَوْلُهُ تَعَالَى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُواْ بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) . ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يَقُصُّ عَلَيْهِ نَبَأَ أَصْحَابِ الْكَهْفِ بِالْحَقِّ. ثُمَّ أَخْبَرَهُ مُؤَكِّدًا لَهُ أَنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ، وَأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا زَادَهُمْ هُدًى. وَيُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ مَنْ آمَنَ بِرَبِّهِ وَأَطَاعَهُ زَادَهُ رَبُّهُ هُدًى. لِأَنَّ الطَّاعَةَ سَبَبٌ لِلْمَزِيدِ مِنَ الْهُدَى وَالْإِيمَانِ.
وَهَذَا الْمَفْهُومُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ. كَقَوْلِه
(1) - 7/636 -639، الحجرات /14.
تَعَالَى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)، وَقَوله:(وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:(يِاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا)، وَقَوْلِهِ:(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)، وَقَوْلِهِ تَعَالَى:(هُوَ الَّذِى أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُواْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ)، وَقَوله تَعَالَى:(ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَهَذِهِ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ نُصُوصٌ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ - مَفْهُومٌ مِنْهَا أَنَّهُ يَنْقُصُ أَيْضًا، كَمَا اسْتَدَلَّ بِهَا الْبُخَارِيُّ رحمه الله عَلَى ذَلِكَ. وَهِيَ تَدُلُّ عَلَيْهِ دَلَالَةً صَرِيحَةً لَا شَكَّ فِيهَا، فَلَا وَجْهَ مَعَهَا لِلِاخْتِلَافِ فِي زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنَقْصِهِ كَمَا تَرَى. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى] (1) .
[قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً) . فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ التَّصْرِيحُ بِزِيَادَةِ الْإِيمَانِ، وَقَدْ صَرَّحَ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ كَقَوْلِهِ:(وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)، وَقَوْلِهِ:(هُوَ الَّذِى أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُواْ إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ)، وَقَوْلِهِ:(لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُواْ إِيمَاناً) وَقَوله: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى) ، وَتَدُلُّ هَذِهِ الْآيَاتُ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ عَلَى أَنَّهُ يَنْقُصُ أَيْضًا. لِأَنَّ كُلَّ مَا يَزِيدُ يَنْقُصُ، وَجَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ الصَّحِيحَةِ كَقَوْلِهِ: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ
مِثْقَالُ حَبَّةٍ من إِيمَان» (2) وَنَحْو ذَلِك] (3) .
(1) - 4/31 - 32، الْكَهْف / 13.
(2)
- أخرجه البُخَارِيّ (1/24)(44) ، وَمُسلم (1/180)(193) من حَدِيث أنس رضي الله عنه بِنَحْوِهِ.
(3)
- 2/310، الْأَنْفَال / 2.