الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي خُيَلَائِهِمْ وَمُفَاخَرَتِهِمْ وَكَيْدُ اللَّهِ لَهُمْ أَنْ قَلَّلَ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَعْيُنِهِمْ، حَتَّى طَمِعُوا فِي الْقِتَالِ، وَأَمْطَرَ أَرْضَ الْمَعْرَكَةِ، وَهُمْ فِي أَرْضٍ سبخَة، والمسلمون فِي أَرض رماية فَكَانَ زلفا عَلَيْهِمْ وَثَبَاتًا لِلْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ أَنْزَلَ مَلَائِكَتَهُ لِقِتَالِهِمْ. وَالله تَعَالَى أعلم] (1) .
لَيست من آيَات الصِّفَات
(وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ) :
[قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ {بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} لَيْسَ مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ الْمَعْرُوفَةِ بِهَذَا الِاسْمِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ {بِأَيْدٍ} لَيْسَ جَمْعَ يَدٍ: وَإِنَّمَا الْأَيْدُ الْقُوَّةُ، فَوَزْنُ قَوْلِهِ هُنَا بِأَيْدٍ فَعْلٌ، وَوَزْنُ الْأَيْدِي أَفْعُلُ، فَالْهَمْزَةُ فِي قَوْلِهِ:{بِأَيْدٍ} فِي مَكَانِ الْفَاءِ وَالْيَاءُ فِي مَكَانِ الْعَيْنِ، وَالدَّالُ فِي مَكَانِ اللَّامِ. وَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{بِأَيْدٍ} جَمْعَ يَدٍ لَكَانَ وَزْنُهُ أَفْعُلًا، فَتَكُونُ الْهَمْزَةُ زَائِدَةً وَالْيَاءُ فِي مَكَانِ الْفَاءِ، وَالدَّالُ فِي مَكَانِ الْعَيْنِ وَالْيَاءُ الْمَحْذُوفَةُ لِكَوْنِهِ مَنْقُوصًا هِيَ اللَّامَ.
وَالْأَيْدُ، وَالْآدُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى الْقُوَّةِ، وَرَجُلٌ أَيْدٌ قَوِيٌّ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} أَيْ قَوَّيْنَاهُ بِهِ، فَمَنْ ظَنَّ أَنَّهَا جَمْعُ يَدٍ فِي هَذِه الْآيَة فقد غلط فَاحِشا، وَالْمعْنَى: وَالسَّمَاء بنيناها بِقُوَّة] (2) .
(فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا)
قَالَ صَاحب التَّتِمَّة رحمه الله: [قَوْله تَعَالَى: (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) أَتَى: تَأتي بعدة معَان، مِنْهَا: بِمَعْنى الْمَجِيء، وَمِنْهَا بِمَعْنى
(1) - 9 / 164: 166، الطارق / 15 - 16.
(2)
- 7 / 669، الذاريات / 47.
الْإِنْذَارِ، وَمِنْهَا بِمَعْنَى الْمُدَاهَمَةِ.
وَقَدْ تَوَهَّمَ الرَّازِيُّ أَنَّهَا مِنْ بَابِ الصِّفَاتِ، فَقَالَ: الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ: (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ) ، لَا يُمْكِنُ إِجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهره بِاتِّفَاق الْعُقَلَاءِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ بَابَ التَّأْوِيلِ مَفْتُوحٌ، وَأَن صرف الْآيَات بِمُقْتَضى الدَّلَائِل الْعَقْلِيَّة جَائِز. اهـ.
وَهَذَا مِنْهُ عَلَى مَبْدَئِهِ فِي تَأْوِيلِ آيَاتِ الصِّفَاتِ، وَيَكْفِي لِرَدِّهِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَقْلَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي بَابِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا فَوْقَ مُسْتَوَيَاتِ الْعُقُولِ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ، وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا سبحانه وتعالى.
أَمَّا مَعْنَى الْآيَةِ، فَإِنَّ سِيَاقَ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا السِّيَاقِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الصِّفَاتِ كَمَا فِي قَوْلُهُ تَعَالَى:(فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِد) ، أَيْ هَدَمَهُ وَاقْتَلَعَهُ مِنَ قَوَاعِدِهِ، وَنَظِيرِهِ:(أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً)، وَقَوْلِهِ:(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا)، وَقَوْلِهِ:(أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا) .
وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي العَدْوَى: (أنَّى قلتَ أُتِيتَ)(1) أَيْ دُهِيتَ وتغيَّر عَلَيْكَ حِسّك فَتَوَهَّمْتّ مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ صَحِيحًا.
وَيُقَالُ: أُتِيَ فُلَانٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ التَّاءِ إِذَا أَظَلَّ عَلَيْهِ الْعَدُّوُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ:«من مأمنه يَأْتِي الْحَذِرُ» ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى:(فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) أَخَذَهُمْ وَدَهَاهُمْ وَبَاغَتَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا مِنْ قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَحِصَارِهِمْ، وَقَذْفِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِهِمْ.
وَهُنَاكَ مَوْقِفٌ آخَرُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ يُؤَيِّدُ مَا ذكرنَا هُنَا، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:
(1) - لم أَقف عَلَيْهِ.