الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2.
ظنه أن كفر الحاكم - وحده - يجيز الخروج عليه، وهذا خطأ. وقد تقدم (ص 7).
الوجه الثاني: أن قائل هذا قد خلط بين مسألتين:
1.
ضبط عبادة الجهاد بضوابطها الشرعية.
2.
إنكار مشروعية عبادة الجهاد، وهذا ما لا يقول به أحد من أهل السنة.
رابعاً: دعوى الإرجاء
!
يريدون من مخالفهم أن يكفر الحاكم بغير ما أنزل الله في الحالات غير المكفرة، وإلا فإنهم يلزمونه بالإرجاء وينسبونه للمرجئة الضلّال أو أن شبهة الإرجاء قد دخلت عليه ويتهمونه بذلك! وهذا افتراء، وجوابه من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: عدم معرفتهم بقَدْر أهل العلم الذين خالفوهم في هذه المسألة، وكأن قائل هذا لا يدري أن خصومه في هذه المسألة هم أكابر علماء أهل السنة في هذا
العصر: كابن باز والألباني وابن عثيمين رحمهم الله .. فمن عرف لهؤلاء الثلاثة قدرهم فإنه لا يسعه إلا أن يحبهم ويدعو لهم ويترحم عليهم وينتفع بعلومهم.
فأما أولهم فهو عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله وحسبك به من ناصر للإسلام والمسلمين وناشر لعقيدة أهل السنة والجماعة.
وأما ثانيهم فهو محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله فكم نصر الله به من حق وذب به عن سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم ويكفيه أن اسمه قد اقترن بأئمة الإسلام رواة السنة فإذا ذكر الحديث وأهله ذكر الألباني.
وأما ثالثهم فهو محمد بن صالح ابن عثيمين رحمه الله العلامة الفقيه المحقق المدقق والذي نفع الله بعلمه وفقهه وبارك في علمه وعمره.
وهؤلاء الثلاثة هم أئمة الفتوى في زمانهم ولقد اتفقت كلمة أهل السنة على قبولهم والاعتداد بهم وسلّم أهل الحق بإمامتهم في الدين، فرحمهم الله ورضي عنهم وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيراً.
ولا يزال العجب يتملكني ويأخذ مني كل مأخذ، لا أقول: ممن يرميهم بالإرجاء! بل أقول: ممن يحتاج أن يُعرَّف بفضلهم وقدرهم.
ووالذي نفسي بيده ما ظننت أن يأتي اليوم الذي يضطر فيه مثلي أن يُسطّر لإخوانه طلاب العلم من أهل السنة دفاعاً عن هؤلاء الأئمة الأعلام، فإلى الله المشتكى.
الوجه الثاني: أن قائل هذا لم يعرف الفرق بين أهل السنة والمرجئة في باب التكفير، مع أن بينهما كما بين السماء والأرض، فاعتقاد أهل السنة لا يكون إلا حقاً، واعتقاد غيرهم من أهل البدع - كالمرجئة - قد يكون حقاً
فيما وافقوا فيه أهلَ السنة، ولا يكون إلا باطلاً فيما خالفوا فيه أهل السنة.
تنبيه: يخطئ من يظن أن موافقة بعض فرق الضلال لأهل السنة تعد عيباً على أهل السنة، وذلك أن موافقة بعض أهل البدع لأهل السنة - في غير ما ابتدعوا - أمر ظاهر، بل لا تكاد توجد فرقة مبتدعة تخالف أهل السنة والجماعة في كل شيء.
قال ابن تيمية رحمه الله عن الرافضة: " ليس كل ما أنكره بعضُ الناس عليهم يكون باطلاً؛ بل مِن أقوالهم أقوال خالفهم فيها بعضُ أهل السنة ووافقهم بعضٌ، والصواب مع مَن وافقهم، لكنْ ليس لهم مسألة انفردوا بها أصابوا فيها "(منهاج السنة 1/ 44).
* أقول: وحقيقة هذا الفرق تتمثل في أن المرجئة تشترط الاعتقاد - كالاستحلال مثلاً - في جميع الأعمال التي تكفِّر بها، بينما يشترط أهل السنة الاستحلال في بعض الأعمال التي يكفِّرون بها، ولا يشترطونه في بعض.
فإن قيل: فما ضابط العمل الذي يشترط الاعتقاد في التكفير به؟
فالجواب: الضابط في ذلك الدليل، فإن دل الدليل على أن هذا الأمر مكفر الكفر الأكبر؛ كفّر به أهلُ السنة ولم يشترطوا الاعتقاد للتكفير به، وأما الأمر الذي لم يدل الدليل على أنه مكفر - وهو الذنب -؛ فإن أهل السنة لا يكفرون به إلا بشرط الاعتقاد كاستحلال أو جحود.
مثال ذلك الزنا؛ فلم يأت ما يدل على التكفير به، فلذلك فإن قاعدة أهل السنة فيه
أن الزاني لا يكفر إلا إن استحل الزنا.
الوجه الثالث: أن قائل هذا لم يعرف آراء المرجئة ولا الأمور التي تنجي من الإرجاء، فقد نص أئمة الإسلام على بعض المسائل التي مَن قالها فقد فارق المرجئةَ وبرئ من الإرجاء، وهي خمس مسائل:
المسألة الأولى
من قال أن الإيمان قول واعتقاد وعمل؛ فقد فارق المرجئة
قال البربهاري رحمه الله: " ومن قال: (الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص)؛ فقد خرج من الإرجاء كله، أوله وآخره "(شرح السنة ص 123، رقم 161).
وإليك بعض كلام العلماء الثلاثة في هذه المسألة:
قال ابن باز رحمه الله تعليقاً على ما جاء في العقيدة الطحاوية (والإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان): " هذا التعريف فيه نظر وقصور، والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية
…
وإخراج العمل من الإيمان هو قول المرجئة " (الفتاوى 2/ 83).
وقال الألباني رحمه الله مُعلِّقاً على العبارة نفسها: " هذا مذهب الحنفية والماتريدية، خلافاً للسلف وجماهير الأمة "(الطحاوية 1/ 51).
وقال ابن عثيمين رحمه الله: " الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو الإقرار بالقلب والنطق باللسان والعمل بالجوارح "(الفتاوى 1/ 49).
المسألة الثانية
من قال أن الإيمان يزيد وينقص؛ فقد فارق المرجئة
سُئل أحمد بن حنبل رحمه الله عمن قال: (الإيمان يزيد
وينقص)؟ فقال: " هذا برئَ من الإرجاء "(" السنة " للخلال 2/ 581/1009، وانظر " السنة " لعبد الله 1/ 307/600).
وقال البربهاري رحمه الله: " ومن قال: (الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص) فقد خرج من الإرجاء كله، أوله وآخره "(شرح السنة ص 123، رقم 161).
وإليك بعض كلام العلماء الثلاثة في هذه المسألة:
قال ابن باز رحمه الله تعليقاً على ما جاء في العقيدة الطحاوية (والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء): " هذا فيه نظر، بل هو باطل، فليس أهل الإيمان فيه سواء؛ بل متفاوتون تفاوتاً عظيماً
…
وهو قول أهل السنة، خلافاً للمرجئة " (الفتاوى 2/ 83).
وقال الألباني رحمه الله: " فإن الحنفية لو كانوا غير مخالفين للجماهير مخالفة حقيقية في إنكارهم أن العمل من الإيمان لاتفقوا معهم في أن الإيمان يزيد وينقص
…
، مع تظافر أدلة الكتاب والسنة والآثار السلفية على ذلك " (الطحاوية 1/ 51).
وقال ابن عثيمين رحمه الله: " وقد جاء ذلك في القرآن والسنة، أعني إثبات الزيادة والنقصان؛ قال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا
عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر 31] " (الفتاوى 1/ 50).
المسألة الثالثة
من قال بجواز الاستثناء في الإيمان؛ فقد فارق المرجئة
قال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: " إذا ترك الاستثناء؛ فهو أصلُ الإرجاء "(" الشريعة " للآجري رحمه الله 2/ 664).
وقال ابن تيمية رحمه الله: " وأما مذهب سلف أصحاب الحديث كابن مسعود وأصحابه والثوري وابن عيينة وأكثر علماء الكوفة
…
وأحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة: فكانوا يستثنون في الإيمان، وهذا متواتر عنهم " (الفتاوى 7/ 438).
وقال رحمه الله: " فالذين يحرمونه هم المرجئة والجهمية ونحوهم"(الفتاوى 7/ 429).
* أقول: والاستثناء كأن يقول (أنا مؤمن إن شاء الله)، فأما أهل السنة فيجيزونه في حالات؛ منها: أن يقصد البعد عن تزكية النفس، أو عدم الجزم بقبول العمل .. ، لكنهم لا يجيزونه
إن قاله شاكَّاً في إيمانه. وأما المرجئة فلا تجيز الاستثناء مطلقاً.
وإليك بعض كلام العلماء الثلاثة في هذه المسألة:
قال ابن باز رحمه الله: " أما في العبادات فلا مانع أن يقول: (إن شاء الله صلّيتُ)، (إن شاء الله صمتُ) لأنه لا يدري هل كمّلها وقُبلت منه؟ أم لا؟ وكان المؤمنون يستثنون في إيمانهم وفي صومهم لأنهم لا يدرون هل أكملوا؟ أم لا؟، فيقول الواحد منهم: (صمتُ إن شاء الله) ويقول: (أنا مؤمن إن شاء الله) "(الفتاوى 5/ 403).
وقال الألباني رحمه الله مُستنكراً على الحنفية: " وبناءً على ذلك كله اشتطّوا في تعصبهم، فذكروا أن من استثنى في إيمانه فقد كفر
…
" (الطحاوية 1/ 52).
وقال ابن عثيمين رحمه الله عن الاستثناء: " قول الإنسان: (أنا مؤمن إن شاء الله)؛ إن كان قصده بذلك التبرك، أو أنه: (إيماني وقع بمشيئة الله)؛ فهذا حق ولا إشكال فيه، جائز "(الباب المفتوح، لقاء 208، الوجه أ، الدقيقة 17، إصدار تسجيلات " الاستقامة ").
المسألة الرابعة
من قال بأن الكفر يكون بالقول، أو بالعمل؛ فقد فارق المرجئة
وذلك أنهم لا يعدون الأعمال من الإيمان، فالعمل - عندهم - لا يؤثر على الإيمان قوةً ولا ضعفاً، وعليه: فلا طريق للكفر - عندهم - إلا بالاعتقاد.
قال ابن تيمية رحمه الله عمن يشترط الاستحلال في تكفير من سب النبيَّ صلى الله عليه وسلم: " رأوا أن الإيمان هو تصديق الرسول فيما أخبر به ورأوا أن اعتقاد صدقه لا ينافي السب والشتم
…
فهذا مأخذ المرجئة ومعتضديهم، وهم الذين يقولون الإيمان هو الاعتقاد والقول " (الصارم المسلول 3/ 964).
وإليك بعض كلام العلماء الثلاثة في هذه المسألة:
قال ابن باز رحمه الله تعليقاً على ما جاء في العقيدة الطحاوية (ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه): " هذا الحصر فيه نظر
…
وقد يخرج من الإسلام بغير الجحود لأسباب كثيرة بيّنها أهل العلم في باب (حكم المرتد)، من ذلك طعنه في الإسلام أو في النبي صلى الله عليه وسلم " (الفتاوى 2/ 83).
وقال الألباني - مُلخِّصاً مُقرّاً كلامَ ابن القيم - رحمهما الله: " لقد أفاد رحمه الله أن الكفر نوعان: كفر عمل، وكفر جحود واعتقاد، وأن كفر العمل ينقسم إلى ما يضاد الإيمانَ وإلى ما لا يضاده؛ فالسجود للصنم والاستهانة بالمصحف وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان "(السلسلة الصحيحة 7/ 134، تحت الحديث رقم 3054).
وقال ابن عثيمين رحمه الله مُعدِّداً شروط التكفير -: " دلالة الكتاب أو السنة على أن هذا القول أو الفعل موجب للكفر "(القواعد المثلى ص 149).
المسألة الخامسة
من قال بوجوب السمع والطاعة لولاة الأمر ولو جاروا؛ فقد فارق المرجئة
وذلك أنهم لا يرون لولاة الجور سمعاً ولا طاعة، بل يرون السيف.
قال عبد الله بن طاهر رحمه الله عن المرجئة: " لا يرون للسلطان طاعة " (" عقيدة السلف وأصحاب الحديث "
للصابوني رحمه الله ص 68).
وقال سفيان بن عيينة والأوزاعي رحمهما الله: " إن قول المرجئة يخرج إلى السيف "(" السنة " لعبد الله بن أحمد رحمهما الله 1/ 218/368).
وقال سفيان الثوري رحمه الله: " يرون السيفَ على أهل القبلة "(" الشريعة " للآجري 2062، وانظر " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " للالكائي 1834 رحمهما الله).
وإليك بعض كلام العلماء الثلاثة في هذه المسألة:
قال ابن باز رحمه الله: " ويجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف لا في المعصية، فإذا أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية، لكنْ لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها "(الفتاوى 8/ 203).
وقال الألباني رحمه الله مُعلِّقاً على ما في العقيدة الطحاوية (ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة): " ومِن الواضح أن ذلك خاص بحُكام المسلمين منهم، لقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء 59] "(الطحاوية 1/ 58).
وقال ابن عثيمين رحمه الله: " مهما فسق ولاة الأمور: لا يجوز الخروج عليهم. لو شربوا الخمر ، لو زنوا ، لو ظلموا الناس: لا يجوز الخروج عليهم "(شرح رياض الصالحين 1/ 702).
* أقول: فهذه هي أصول المرجئة التي حكاها عنهم ونقضها أهلُ السنة، والتي غابت عن كثير من طلاب العلم؛ فأصبحوا يرمون بالإرجاء من خالفهم ولو لم يكن متلبِّساً بشيء من آراء المرجئة! فترى آثار السلف تبرِّئ الرجلَ من الإرجاء؛ ثم يأتي من أهل عصرنا مَن يرميه به! فمَن أعلم بالإرجاء وأصوله؟ أئمة السلف؟ أم طلاب العلم هؤلاء؟!
* ثم أقول: وأشد من هذا؛ أن بعض طلاب العلم عمدوا إلى اختياراتهم الاجتهادية في بعض المسائل فجعلوها أصلاً من أصول السنة! واعتبروها من الفروق بين أهل السنة والمرجئة! فرموا مخالفهم فيها بالإرجاء! كمسألة تارك الصلاة تهاوناً، والتي - وإن كنتُ مع القول بأن تاركها كافر كفراً أكبر - إلا أنها محل خلاف بين المتقدمين من أهل السنة، ولا علاقة لها بالإرجاء لا من قريب ولا من بعيد ما دام
الخلاف فيها مبنيّاً على الأدلة
(1)
.
فليُتنبَّه لهذا.
(1)
تنبيه: قد يكون للخلاف في (حكم تارك الصلاة تهاوناً) صلةٌ بالمرجئة والخوارج! وذلك فيما لو خرج الخلاف من دائرة النظر في الأدلة إلى الأخذ بالأصول الفاسدة!
1.
فمن بنى عدم تكفيره لتارك الصلاة على أصله القائل بأنه (لا يكفر إلا المستحل) فهو مرجيء.
2.
ومن بنى تكفيره لتارك الصلاة على أصله القائل بـ (كفر مرتكب الكبيرة) فهو خارجي.
3.
أما من بنى قوله على الأدلة، مع سلامته من أصل المرجئة وأصل الخوارج فهو سني سلفي سواء كفَّر تارك الصلاة أم لم يكفِّره.
وعلماؤنا الثلاثة رحمهم الله مع اختلافهم في مسألة تارك الصلاة على القولين المعروفَين المأثورَين عن المتقدمين من أهل السنة؛ إلا أنهم بنوا اختياراتهم على الأدلة مع براءتهم من تلك الأصول الفاسدة، فلا سبيل للطعن فيهم بوجه من الوجوه.
* وهذا التفريع - على النحو المتقدم - يشمل كل المسائل التي اختلف أهل السنة فيما بينهم
في التكفير بها، إذ لا يقتصر الكلام على مسألة (تارك الصلاة) كما يتوهم البعض! وبراءة علماء السنة ظاهرة؛ فهم - وإن وافقهم بعضُ أهل البدع على القول بالتكفير أو القول بعدم التكفير -؛ إلا أن اجتهاداتهم تدور حول الدليل، وليس لهم من هذه الأصول الفاسدة شيء حتى يتهموا بفساد المعتقد أو ينسبوا لبدعة المرجئة أو الخوارج، وتقدم بيان خطأ من يعيب على أهل السنة موافقةَ بعض أهل البدع لهم في غير ما ابتدعوا (راجع ص 49).