الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استشارة عمر فِي مَسْأَلَة الوباء لما خرج إِلَى الشَّام وَأَخْبرُوهُ إِذْ كَانَ فِي (سرغ) أَن الوباء وَقع فِي الشَّام، فَاسْتَشَارَ الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين ثمَّ الْأَنْصَار فاختلفا. ثمَّ طلب من كَانَ هُنَالك من مشيخة قُرَيْش من مهاجرة الْفَتْح، فاتفقوا على الرُّجُوع وَعدم الدُّخُول على الوباء، فَنَادَى عمر بِالنَّاسِ: إِنِّي مصبح على ظهر: (أَي مُسَافر، وَالظّهْر الرَّاحِلَة) فَأَصْبحُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أفرارا من قدر الله؟ فَقَالَ عمر: لَو غَيْرك قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَة؟ نعم نفر من قدر الله إِلَى قدر الله، أَرَأَيْت لَو كَانَت لَك إبل فَهَبَطت وَاديا لَهُ عدوتان إِحْدَاهمَا خصبة وَالْأُخْرَى جدبة أَلَيْسَ إِن رعيت الخصبة رعيتها بِقدر الله، وَإِن رعيت الجدبة رعيتها بِقدر الله؟ ثمَّ جَاءَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَأخْبرهُ بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوع الْمُوَافق لرأي شُيُوخ قُرَيْش.
التَّوْلِيَة بالاستخلاف والعهد:
اتّفق الْفُقَهَاء على صِحَة اسْتِخْلَاف الإِمَام الْحق والعهد مِنْهُ بالخلافة إِلَى من يَصح الْعَهْد إِلَيْهِ على الشُّرُوط المعتبره فِيهِ أَي فِي الإِمَام الْحق، فالعهد أَو الِاسْتِخْلَاف لَا يَصح إلَاّ من إِمَام مستجمع لجَمِيع شُرُوط الْإِمَامَة لمن هُوَ مثله فِي ذَلِك. هَذَا شَرط الْعَهْد إِلَى الْفَرد، وَاسْتَدَلُّوا على ذَلِك باستخلاف أبي بكر لعمر، وَأما الْعَهْد إِلَى الْجَمِيع وَجعله شُورَى فِي عدد مَحْصُور من أهل الْحل وَالْعقد، فَاشْتَرَطُوا فِيهِ أَن تكون الْإِمَامَة متعينة لأَحَدهم، بِحَيْثُ لَا مجَال لمنازعة أحد لمن يتفقون عَلَيْهِ مِنْهُم، وَهُوَ الْمُوَافق لجعل عمر إِيَّاهَا شُورَى فِي السّنة رضي الله عنه قَالَ الْمَاوَرْدِيّ: وانعقد الْإِجْمَاع عَلَيْهَا أصلا فِي انْعِقَاد الْإِمَامَة بالعهد وَفِي انْعِقَاد الْبيعَة بِعَدَد يتَعَيَّن فِيهِ الْإِمَامَة لأَحَدهم بِاخْتِيَار أهل الْحل وَالْعقد
وَقد تمسك بِهَذَا أَئِمَّة الْجور وخلفاء التغلب والمطامع وَلم يراعوا فِيهِ مَا راعاه من احْتَجُّوا بِعَمَلِهِ من استشارة أهل الْحل وَالْعقد وَالْعلم برضاهم أَولا وإقناع من كَانَ
توقف فِيهِ، وَالرِّوَايَات فِي هَذَا مَعْرُوفَة فِي كتب الحَدِيث وَمن أجمعها (كنز الْعمَّال) وَكتب التَّارِيخ والمناقب، وَأي عَالم أَو عَاقل يقيس عهد أبي بكر إِلَى عمر فِي تحري الْحق وَالْعدْل والمصحلة بعد الاستشارة فِيهِ ورضاء أهل الْحل وَالْعقد بِهِ على عهد مُعَاوِيَة واستخلافة ليزِيد الْفَاسِق الْفَاجِر بِقُوَّة الإراهاب من جِهَة ورشوة الزعماء من جِهَة أُخْرَى؟ ثمَّ مَا تلاه وَاتَّبَعت فِيهِ سنته السَّيئَة من احتكار أهل الْجور والطمع فِي السُّلْطَان، وَجعله إِرْثا لأولادهم أَو لأوليائهم كَمَا يُورث المَال وَالْمَتَاع؟ إِلَّا إِن هَذِه أَعمال عصبية الْقُوَّة الْقَاهِرَة الْمُخَالفَة لهدي الْقُرْآن، وَسنة الْإِسْلَام.
ذكر الْفَقِيه ابْن حجر فِي التُّحْفَة اخْتِصَاص اسْتِخْلَاف بقسميه (الفردي والجمعي) بِالْإِمَامِ الْحق واعتماده، ثمَّ قَالَ وَقد يشكل عَلَيْهِ مَا فِي التواريخ والطبقات من تَنْفِيذ الْعلمَاء وَغَيرهم لعهود بني الْعَبَّاس مَعَ عدم استجماعهم للشروط، بل نفذ السّلف عهود بني أُميَّة مَعَ أَنهم كَذَلِك، إِلَّا أَن يُقَال هَذِه وقائع مُحْتَملَة إِنَّهُم إِنَّمَا نفذوا للشوكة وخشية الْفِتْنَة لَا للْعهد بل هُوَ الظَّاهِر.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْعَهْد الْمشَار إِلَيْهِ فِي أول هَذِه الْمَسْأَلَة: وَيعْتَبر شُرُوط الْإِمَامَة فِي الْمولى من وَقت الْعَهْد إِلَيْهِ. وَإِن كَانَ صيغراً أَو فَاسِقًا وَقت الْعَهْد وبالغاً عدلا عِنْد موت الْمولى لم تصح خِلَافَته حَتَّى يسْتَأْنف أهل الِاخْتِيَار بيعَته اهـ وَنقل الْحَافِظ بن حجر فِي شَرحه لحَدِيث عبَادَة فِي الْمُبَايعَة - وَقد تقدم - أَنه لَا يجوز عقد الْولَايَة لفَاسِق ابْتِدَاء، وَأَن الْخلاف فِي الْخُرُوج على الْفَاسِق فِيمَا إِذا كَانَ عادلاً وإمامته صَحِيحَة ثمَّ أحدث جوراً اهـ وَقد علم مِمَّا أسلفنا أَن الْعَهْد والاستخلاف بِشُرُوطِهِ مُتَوَقف على إِقْرَارا أهل الْحل وَالْعقد لَهُ. واستدلالهم يقتضية وَإِن لم يصرحوا بِهِ، وَأما المتغلبون بِقُوَّة العصبية فعهدهم واستخلافهم كإمامتهم، وَلَيْسَ حَقًا شَرْعِيًّا لَازِما لذاته، بل يجب نبذه كَمَا تجب إِزَالَتهَا، واستبدال إِمَامَة شَرْعِيَّة بهَا، عِنْد الْإِمْكَان والأمان من فتْنَة أَشد ضَرَرا على الْأمة مِنْهَا، وَإِذا زَالَت بتغلب آخر فَلَا يجب على المسملين الْقِتَال لإعادتها. .