الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم]
من خرج من الطَّاعَة وَفَارق الْجَمَاعَة فَمَاتَ، مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة، وَمن قَاتل تَحت راية عمية يغْضب لعصبة أَو يَدْعُو إِلَى عصبَة أَو ينصر عصبَة فَقتل فَقتله جَاهِلِيَّة، وَمن خرج على أمتِي يضْرب برهَا وفاجرها، وَلَا يتحاشى من مؤمنها، وَلَا يَفِي الَّذِي عهد عَهده، فَلَيْسَ مني وَلست مِنْهُ - وَفِي رِوَايَة - يغْضب للْعصبَةِ وَيُقَاتل للْعصبَةِ فَلَيْسَ من أمتِي " رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة والعمية بِضَم الْعين وَكسرهَا (لُغَتَانِ) وَتَشْديد الْمِيم وفسروها بِالْكبرِ والضلال وَالْمرَاد بهَا عَظمَة الْقُوَّة والبطش، والتغلب الَّذِي لَا يُرَاد بِهِ الْحق وَلذَلِك بَينه بِأَنَّهُ يغْضب للْعصبَةِ وَهِي بِالتَّحْرِيكِ قوم الرجل الَّذين يعصبونه ويعتصب بهم أَي يُقَوي ويشتد، وَفِي رِوَايَة العصبية وَهِي نِسْبَة إِلَى الْعصبَة. .
وَأَنت تعلم أَن المتغلبين مَا قَامُوا وَلَا يقومُونَ إِلَّا بالعصبية، المُرَاد بهَا عَظمَة الْملك العمية، لَا يقصدون بقتالهم إعلاء كلمة الله، وَلَا إِقَامَة ميزَان الْحق وَالْعدْل بَين جَمِيع النَّاس، وَمَا أفسد على هَذِه الْأمة أمرهَا، وأضاع عَلَيْهَا ملكهَا إِلَّا جعل طَاعَة هَؤُلَاءِ الجبارين الباغين وَاجِبَة شرعا على الْإِطْلَاق، وَجعل التغلب أمرا شَرْعِيًّا كمبايعة أهل الِاخْتِيَار من أولي الْأَمر، وَأهل الْحل وَالْعقد للْإِمَام الْحق، وَجعل عهد كل متغلب بَاغ إِلَى وَلَده أَو غَيره من عصبته، لأجل حصر السُّلْطَان والجبروت فِي أسرته، حَقًا شَرْعِيًّا وأصلا مرعيا لذاته، وَعدم التَّفْرِقَة بَين اسْتِخْلَاف مُعَاوِيَة وَلَده يزِيد الْفَاسِق الْفَاجِر بالرغم من أنوف الْمُسلمين، وَبَين عهد الصّديق الْأَكْبَر واستخلافه للْإِمَام الْعَادِل عمر بن الْخطاب ذِي المناقب الْعَظِيمَة بعد مُشَاورَة أهل الْحل وَالْعقد فِيهِ وإقناعهم بِهِ، وَالْعلم بتلقيهم لَهُ بِالْقبُولِ
…
كَيفَ سنّ التغلب على الْخلَافَة
:
كَانَ سَبَب تغلب بني أُميَّة على أهل الْحل وَالْعقد من الْأمة أَن قُوَّة الْأمة الإسلامية الْكُبْرَى فِي عَهدهم كَانَت قد تَفَرَّقت فِي الأقطار الَّتِي فتحهَا الْمُسلمُونَ وانتشر فِيهَا الْإِسْلَام بِسُرْعَة غَرِيبَة وَهِي مصر وسورية وَالْعراق، وَكَانَ أهل هَذِه الْبِلَاد قد تربوا بمرور الأجيال على الخضوع لحكامهم المستعمرين من الرّوم وَالْفرس، فَلَمَّا صَارَت أزمة أُمُورهم بيد حكامهم من الْعَرَب استخدمهم مُعَاوِيَة الَّذِي سنّ سنة التغلب السَّيئَة فِي الْإِسْلَام على الخضوع لَهُ بِجعْل الْوُلَاة فيهم من صنائعه الَّذين يؤثرون المَال
والجاه على هِدَايَة الْإِسْلَام، وَإِقَامَة ماجاء بِهِ من الْعدْل والمساواة، وَصَارَ أَكثر أهل الْحل وَالْعقد الحائزين للشروط الشَّرْعِيَّة مَحْصُورين فِي البلدين الْمُكرمين (مَكَّة المكرمة وَالْمَدينَة المنورة) وهم ضعفاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى أهل تِلْكَ الأقطار الْكَبِيرَة الغنية الَّتِي تعول الْحجاز وتغذيه.
أَخذ مُعَاوِيَة الْبيعَة لِابْنِهِ الْفَاسِق يزِيد بِالْقُوَّةِ والرشوة، وَلم يلق مقاومة تذكر بالْقَوْل أَو الْفِعْل إِلَّا فِي الْحجاز، فقد روى البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم فِي تَفْسِيره - وَاللَّفْظ لَهُ - من طرق أَن مَرْوَان خطب بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ على الْحجاز من قبل مُعَاوِيَة فَقَالَ: إِن الله قد أرى أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي وَلَده يزِيد رَأيا حسنا، وَإِن يستخلفه فقد اسْتخْلف أَبُو بكر وَعمر، وَفِي لفظ سنة أبي بكر وَعمر، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر: سنة هِرقل وَقَيْصَر، إِن أَبَا بكر وَالله مَا جعلهَا فِي أحد من وَلَده الخ، وَفِي رِوَايَة سنة كسْرَى وَقَيْصَر، أَنا أَبَا بكر وَعمر لم يجعلاها فِي أولادهما، ثمَّ حج مُعَاوِيَة لِيُوَطِّئ لبيعة يزِيد فِي الْحجاز فَكلم كبار أهل الْحل وَالْعقد أَبنَاء أبي بكر وَعمر وَالزُّبَيْر فخالفوه وهددوه إِن لم يردهَا شُورَى فِي الْمُسلمين، وَلكنه صعد الْمِنْبَر وَزعم أَنهم سمعُوا وأطاعوا وَبَايَعُوا يزِيد، وهدد من يكذبهُ مِنْهُم بِالْقَتْلِ. وَأخرج الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق مُحَمَّد بن سعيد بن زمانة أَن مُعَاوِيَة لما حَضرته الْوَفَاة قَالَ ليزِيد: قد وطأت لَك الْبِلَاد ومهدت لَك النَّاس وَلست أَخَاف عَلَيْك إِلَّا أهل الْحجاز فَإِن رَابَك مِنْهُم ريب فَوجه إِلَيْهِم مُسلم بن عقبَة فَإِنِّي قد جربته وَعرفت نصيحته. . قَالَ فَلَمَّا كَانَ من خلافهم عَلَيْهِ مَا كَانَ دَعَاهُ فوجهه فأباحها ثَلَاثًا، دعاهم إِلَى بيعَة يزِيد وَأَنَّهُمْ أعبد لَهُ وقن فِي طَاعَة الله ومعصيته وَأخرج أَبُو بكر بن خَيْثَمَة بِسَنَد صَحِيح إِلَى جوَيْرِية بن أَسمَاء سَمِعت أَشْيَاخ أهل الْمَدِينَة يتحدثون أَن مُعَاوِيَة لما احْتضرَ دَعَا يزِيد فَقَالَ لَهُ: إِن لَك من أهل الْمَدِينَة يَوْمًا فَإِن فعلوا فَارْمِهِمْ بِمُسلم بن عقبَة فَإِنِّي عرفت نصيحته الخ ذكره الْحَافِظ فِي الْفَتْح، أَبَاحَ عَدو الله مَدِينَة الرَّسُول ثَلَاثَة أَيَّام فَاسْتحقَّ هُوَ وجنده اللَّعْنَة الْعَامَّة فِي قَوْله [صلى الله عليه وسلم] عِنْد تَحْرِيمهَا كمكة
من أحدث فِيهَا حَدثا أَو آوى مُحدثا فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ لَا يقبل الله مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة صرفا وَلَا عدلا " أَي فرضا وَلَا نفلا - مُتَّفق عَلَيْهِ - فَكيف بِمن استباح فِيهَا المَاء والأعراض وَالْأَمْوَال؟ ؟
وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ يَقُول أفسد النَّاس اثْنَان: عَمْرو بن الْعَاصِ يَوْم أَشَارَ على مُعَاوِيَة بِرَفْع الْمَصَاحِف، وَذكر مفْسدَة التَّحْكِيم، والمغيرة بن شُعْبَة، وَذكر قصَّته إِذْ عَزله مُعَاوِيَة عَن الْكُوفَة فرشاه بالتمهيد لاستخلاف يزِيد فَأَعَادَهُ، قَالَ الْحسن فَمن أجل هَذَا بَايع هَؤُلَاءِ النَّاس لأبنائهم وَلَوْلَا ذَلِك لكَانَتْ شُورَى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة أ. هـ مُلَخصا من تَارِيخ الْخُلَفَاء.
وَهَذَا الَّذِي قَالَه الْحسن الْبَصْرِيّ من أَئِمَّة التَّابِعين مُوَافق لما قَالَه ذَلِك السياسي الألماني لأحد شرفاء الْحجاز من أَنه لَوْلَا مُعَاوِيَة لظلت حُكُومَة الْإِسْلَام على أَصْلهَا، ولساد الْإِسْلَام أوربة كلهَا، وَقد تقدم. .
وَقد اضْطربَ أهل الْأَهْوَاء وَمن لَا علم لَهُم بِشَيْء من حَقِيقَة الْإِسْلَام ونشأته إِلَّا من أَخْبَار المؤرخين وَهِي أمشاج لم يكن يُمَيّز صحيحها من ضعيفها وحقها من باطلها إِلَّا الْحفاظ من الْمُحدثين، فنجد من هَؤُلَاءِ من يمِيل إِلَى النواصب أَو الْخَوَارِج وَمن يرجح جَانب غلاة الشِّيعَة. . وَكَانَ أستاذنا الشَّيْخ حُسَيْن الجسر ينشد:
(من طالع التَّارِيخ مَعَ أَنه
…
لم يتَمَسَّك باعتقاد سليم)
(أصبح شِيعِيًّا وَإِلَّا فَقل
…
يخرج عَن نهج الْهدى الْمُسْتَقيم)
وَلذَلِك نجد فِي المصريين وَغَيرهم من المنتمين إِلَى مَذَاهِب السّنة - وعَلى غلو دهمائهم فِي تَعْظِيم آل الْبَيْت - من هُوَ ناصبي يفضل بني أُميَّة على العلويين وَيَزْعُم أَنهم أعزوا الْإِسْلَام وَأَقَامُوا الدّين، وَالتَّحْقِيق أَن فتح الْإِسْلَام لكثير من الْبِلَاد فِي أيامهم الَّذِي هُوَ حسنتهم الْعَظِيمَة كَانَ أمرا اقتضته طبيعة الْإِسْلَام والإصلاح الَّذِي جَاءَ بِهِ لإنقاذ الْبشر، وَلم يكن لغير عمر بن عبد الْعَزِيز مِنْهُم عمل انْفَرد بِهِ فِي إِقَامَة الدّين نَفسه، وَلم يكن لَهُم عمل فِي ذَلِك مُخْتَصّ بدولتهم بِحَيْثُ يُقَال إِنَّه لولاهم لرجع الْإِسْلَام الْقَهْقَرِي فِي الْعلم وَالْعَمَل أَو الْفَتْح، وَمَا كَانَ لَهُم من عمل حسن فِي هَذِه الْأُمُور فقد كَانَ لمن بعدهمْ من العباسيين مثله، وَكِلَاهُمَا تَابع فِي الدّين للخلفاء الرَّاشِدين لَا متبوع، وَأما الْأُمُور المدنية الَّتِي استتبعت الْفَتْح الإسلامي فَلِكُل من الْفَرِيقَيْنِ فِيهَا عمل، وَإِنَّمَا سَيِّئَة الأمويين الَّتِي لَا تغْفر ماسنوه فِي قَاعِدَة حُكُومَة الْإِسْلَام، حِين كَانَت انتخابية شُورَى فِي أولى
الِاخْتِيَار من أهل الْحل وَالْعقد وَقد نسخوها بالقاعدة المادية، الْقُوَّة تغلب الْحق، فهم الَّذين هدموها، وتبعهم من بعدهمْ فِيهَا.
وَمن اطلع على كتب السّنة يعلم أَن الله تَعَالَى قد اطلع رَسُوله [صلى الله عليه وسلم] على مُسْتَقْبل أمته، وَأَن مَا وَقع كَانَ مِمَّا تَقْتَضِيه طباع الْبشر بِحَسب قدر الله وسنته، وَقد أخبر بذلك بعض أَصْحَابه بالتلميح تَارَة وبالتصريح أُخْرَى وَمِنْهُم أَبُو هُرَيْرَة الَّذِي روى عَنهُ فِي الصِّحَاح وَالسّنَن وَالْمَسَانِيد عدَّة أَحَادِيث وآثار فِي ذَلِك وَأَنه كَانَ يستعيذ بِاللَّه من إِمَارَة الصّبيان وَمن رَأس السِّتين وَهِي السّنة الَّتِي ولى فِيهَا يزِيد (وَقد مَاتَ قبلهَا) وَكَانَ يَقُول لَو قلت لكم إِنَّكُم ستحرقون بَيت ربكُم وتقتلون ابْن نَبِيكُم لقلتم لَا أكذب من أبي هُرَيْرَة. . يَعْنِي قتل الْحُسَيْن وَقد وَقع بعده. . وَأخرج البُخَارِيّ وَغَيره من طَرِيق عمر بن يحيى بن سعيد بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ الْأمَوِي قَالَ: أَخْبرنِي جدي قَالَ كنت جَالِسا مَعَ أبي هُرَيْرَة فِي مَسْجِد النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] ومعنا مَرْوَان (هُوَ ابْن الحكم بن أبي الْعَاصِ وَكَانَ أَمِير الْمَدِينَة لمعاوية) فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: سَمِعت الصَّادِق المصدوق [صلى الله عليه وسلم] يَقُول
" هلكة أمتِي على أَيدي غلمة من قُرَيْش " فَقَالَ مَرْوَان لعنة الله عَلَيْهِم غلمة، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة لَو شِئْت أَن أَقُول بني فلَان وَبني فلَان لفَعَلت. . فَكنت أخرج مَعَ جدي إِلَى بني مَرْوَان حِين ملكوا الشَّام فَإِذا رَآهُمْ غلمانا أحداثا قَالَ لنا عَسى هَؤُلَاءِ أَن يَكُونُوا مِنْهُم. قُلْنَا أَنْت أعلم وَإِنَّمَا أهلكوا الْأمة بإفساد حكومتها الشَّرْعِيَّة الإصلاحية. . وَإِلَّا فقد وَسعوا ملكهَا بتغلب العصبية. .
قَالَ الْحَافِظ فِي شرح الحَدِيث قَالَ ابْن بطال: وَفِي هَذَا الحَدِيث حجَّة لما تقدم من ترك الْقيام على السُّلْطَان وَلَو جَار لِأَنَّهُ [صلى الله عليه وسلم] أعلم أَبَا هُرَيْرَة بأسماء هَؤُلَاءِ وَلم يَأْمر بِالْخرُوجِ عَلَيْهِم، مَعَ إخْبَاره أَن هَلَاك الْأمة على أَيْديهم، لكَون الْخُرُوج أَشد فِي الْهَلَاك وَأقرب إِلَى الاستئصال من طاعتهم، فَاخْتَارَ أخف الضررين وأيسر الْأَمريْنِ. .
ونقول مَا ذكر من الْقَاعِدَة صَوَاب وَمَا قبله من تطبيق النَّازِلَة عَلَيْهَا لَا يَصح، فقد قاوم أهل الْحجاز فغلبوا على أَمرهم، وَالصَّوَاب مَا بَيناهُ من قبل من تفرق جمَاعَة، الْإِسْلَام العالمة العادلة فِي المماليك، وَكَون من بَقِي بالحجاز ضعفاء بِالنِّسْبَةِ إِلَى المملكة الإسلامية الجديدة، فَلم يكن أَمر الْخُرُوج مُمكنا إِلَّا بعصبية كعصبيتهم كَمَا
فعل بَنو الْعَبَّاس، وَقد مهد أَكثر الْعلمَاء السَّبِيل للاستبداد وَالظُّلم بِمثل هَذَا الْإِطْلَاق فِي الخضوع لأهلهما، وَقد تكَرر بَيَان التَّحْقِيق فِيهِ. .
ثمَّ قَالَ الْحَافِظ يتعجب من لعن مَرْوَان الغلمة الْمَذْكُورين مَعَ أَن الظَّاهِر أَنهم من وَلَده، فَكَأَن الله تَعَالَى أجْرى ذَلِك على لِسَانه ليَكُون أَشد فِي الْحجَّة لَعَلَّهُم يتعظون. . وَقد وَردت أَحَادِيث فِي لعن الحكم وَالِد مَرْوَان وَمَا ولد، أخرجهَا الطَّبَرَانِيّ وَغَيره، وغالبها فِيهِ مقَال وَبَعضهَا جيد، وَلَعَلَّ المُرَاد تَخْصِيص الغلمة الْمَذْكُورين بذلك ا. هـ وَقَوله من وَلَده يصدق على الْأَكْثَر وَإِلَّا فَإِن يزِيد بن مُعَاوِيَة أول من كَانَ يَعْنِي أَبُو هُرَيْرَة بالغلمة وَالصبيان. .
وَجُمْلَة القَوْل أَن مرادنا من هَذَا الْبَحْث بَيَان مفْسدَة إِخْرَاج الْخلَافَة الإسلامية عَمَّا وَضعهَا عَلَيْهِ الْإِسْلَام، وَجعلهَا تَابِعَة لقُوَّة العصبية والتغلب، فَهَذِهِ الْمفْسدَة هِيَ أصل الْمَفَاسِد والرزايا الَّتِي أَصَابَت الْمُسلمين فِي دينهم ودنياهم. . وَقد كررنا ذكرهَا لتحفظ وَلَا تنسى. .
وَمن أغرب الغرائب أَن قصر الْمُسلمُونَ عَن غَيرهم من أهل الْملَل الَّتِي كَانُوا قد فاقوها فِي الْعلم وَالْعَمَل بِأَن لم يقم أحد مِنْهُم بِعَمَل منظم لإعادة حكم الْإِسْلَام كَمَا بَدَأَ، بل رَضوا بالتفرق والانقسام، وَالظُّلم والاستذلال، من كل من تولى الْأَمر فِي قطر من أقطارهم، حَتَّى سهل عَلَيْهِم مثل ذَلِك من غَيرهم. . فَكَانُوا كَمَا قُلْنَا فِي الْمَقْصُورَة:
(من ساسه الظُّلم بِسَوْط بأسه
…
هان عَلَيْهِ الذل من حَيْثُ أَتَى)
(وَمن يهن هان عَلَيْهِ قومه
…
وَمَاله وَدينه الَّذِي ارتضى)
أفلم يَأْتهمْ نبأ مَا فعل البابوات، من تنظيم الجمعيات، وَجمع القناطير من الدَّنَانِير لأجل إِعَادَة سلطانهم الديني؟ إِلَّا أننا قلدنا غَيرنَا فِيمَا يضر، وَلم نقلد وَلَا استقللنا فِيمَا ينفع فِي هَذَا الْأَمر، وَلَا يزَال فِينَا من يَجِدُّ فِي نبذ مَا بَقِي من قشور سُلْطَان الْخلَافَة الإسلامية بعد ذهَاب لبابها، ويظنون أَن وجودهَا هُوَ الَّذِي أَضْعَف ملكنا، وَإِنَّمَا أضعفه ذهابها، فَإِن مَا نزال ندعيه مِنْهَا للمستبدين، كذب على الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين، وَلَو استمسكنا بعروتها الوثقى لَكنا سادة الْعَالمين، وَقد عرف هَذَا كثير من عُلَمَاء الْأَجَانِب وَلم يعرفهُ أحد من زعمائنا السياسيين. .