المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الْمُتَعَلّقَة بالخلافة الإسلامية

- ‌التَّعْرِيف بالخلافة الإسلامية ووجوبها شرعا

- ‌التَّعْرِيف بالخلافة

- ‌حكم الْإِمَامَة أَو نصب الْخَلِيفَة

- ‌من ينصب الْخَلِيفَة ويعزله

- ‌سلطة الْأمة وَمعنى الْجَمَاعَة

- ‌شُرُوط أهل الِاخْتِيَار للخليفة:

- ‌الشُّرُوط الْمُعْتَبرَة فِي الْخَلِيفَة:

- ‌صِيغَة الْمُبَايعَة:

- ‌مَا يجب على الْأمة بالمبايعة:

- ‌مَا يجب على الإِمَام للملة وَالْأمة:

- ‌الشورى فِي الْإِسْلَام

- ‌التَّوْلِيَة بالاستخلاف والعهد:

- ‌طَالب الْولَايَة لَا يُولى

- ‌إِمَامَة الضَّرُورَة والتغلب بِالْقُوَّةِ:

- ‌مَا يخرج بِهِ الْخَلِيفَة من الْإِمَامَة:

- ‌دَار الْعدْل وَدَار الْجور والتغلب:

- ‌كَيفَ سنّ التغلب على الْخلَافَة

- ‌وحدة الْخَلِيفَة وتعدده:

- ‌وحدة الْإِمَامَة بوحدة الْأمة:

- ‌أهل الْحل وَالْعقد فِي هَذَا الزَّمَان

- ‌وَمَا يجب عَلَيْهِم فِي أَمر الْأمة وَالْإِمَام:

- ‌ حزب الْإِصْلَاح الإسلامي المعتدل

- ‌حزب المتفرنجين:

- ‌حزب حشوية الْفُقَهَاء الجامدين:

- ‌مَقَاصِد النَّاس فِي الْخلَافَة وَمَا يجب على حزب الْإِصْلَاح:

- ‌علاقَة الْخلَافَة بالعرب وَالتّرْك:

- ‌جعل مَرْكَز الْخلَافَة فِي الْحجاز وموانعه:

- ‌إِقَامَة الْخلَافَة فِي بِلَاد التّرْك وموانعها ومرجحاتها:

- ‌إِقَامَة الْخلَافَة فِي منْطقَة وسطى:

- ‌نموذج من النّظم الوالجب وَضعهَا للخلافة:

- ‌نهضة الْمُسلمين وتوقفها على الِاجْتِهَاد فِي الشَّرْع:

- ‌فتاوي مصطفى كَمَال الدِّينِيَّة بِرَأْيهِ

- ‌أَمْثِلَة لحَاجَة التّرْك إِلَى الِاجْتِهَاد فِي الشَّرْع

- ‌توقف الِاجْتِهَاد فِي الشَّرْع على اللُّغَة الْعَرَبيَّة:

- ‌الاشتراع الإسلامي والخلافة:

- ‌مَا بَين الاشتراع وَحَال الْأمة من تبَاين وتوافق:

- ‌تَأْثِير الْإِمَامَة فِي إصْلَاح الْعَالم الإسلامي:

- ‌كَرَاهَة غير الْمُسلمين لحكومة الْخلَافَة:

- ‌الْخلَافَة ودول الإستعمار:

- ‌الْخلَافَة وتهمة الجامعة الإسلامية:

- ‌شَهَادَة لوردين للشريعة الإسلامية:

- ‌كلمة لورد كرومر فِي الشَّرِيعَة:

- ‌كتاب لورد كرومر إِلَى أَصْحَاب الْمنَار:

- ‌الْخلَافَة والبابوية، أَو الرياسة الروحية:

- ‌الْفَصْل الْخَامِس لِلْإِسْلَامِ

- ‌قلب السلطة الدِّينِيَّة

- ‌السُّلْطَان فِي الْإِسْلَام

- ‌خَاتِمَة

- ‌سنة التغلب وعواقبها، وإفساد الْأَعَاجِم لحكم الْإِسْلَام الْعَرَبِيّ:

- ‌إضراب الْمُسلمين فِي حكوماتهم

- ‌قَاعِدَة ابْن خلدون فِي العصبية مُخَالفَة لِلْإِسْلَامِ:

- ‌التّرْك العثمانيون والخلافة والتفرنج:

- ‌إحْيَاء الجنسية الطورانية:

- ‌وَسَائِل المتفرنجين لإماتة الدّين:

- ‌مُنْتَهى سلطة الْخَلِيفَة وَشَيخ الْإِسْلَام:

- ‌ضعف مَا عدا العسكرية فِي الدولة:

- ‌مَا نقترحه على التّرْك فِي مَسْأَلَة الْخلَافَة:

الفصل: ‌الخلافة ودول الإستعمار:

‌الْخلَافَة ودول الإستعمار:

من البديهي أَن إِقَامَة الْخلَافَة الإسلامية يسوء رجال دوَل الاستعمار، وَأَنَّهُمْ قد يقاومونها بِكُل مَا أُوتوا من حول وَقُوَّة، وأحرصهم على ذَلِك الدولة البريطانية، وَلَا أَجْهَل مِمَّن يظنون أَنَّهَا كَانَت تسْعَى قبل الْحَرْب لجعل الْخلَافَة فِي الْأمة الْعَرَبيَّة إِلَّا الَّذين يظنون الْيَوْم أَنَّهَا تود الْيَوْم تأسيس دولة أَو دوَل عَرَبِيَّة، وَلَو كَانَت تُرِيدُ هَذَا من قبل لَكَانَ أقرب طرقه مساعدة أَئِمَّة الْيمن المجاورين لَهَا فِي منْطقَة عدن على التّرْك بِالسِّلَاحِ وَالْمَال لتنظيم جيشهم والاستيلاء على الْحجاز، فَإِن حُكُومَة الْإِمَامَة فِي الْيمن قَوِيَّة عادلة قديمَة راسخة يرجع تاريخها إِلَى الْقرن الثَّالِث من الْهِجْرَة، وَقد حاربتها الدولة العثمانية زهاء أَرْبَعَة قُرُون لإسقاطها فعجزت عَن ذَلِك، وَلَكِن الْحُكُومَة البريطانية كَانَت لَهَا بالمرصاد وَمَا زَالَت تكيد لَهَا، وتسعى بالدسائس والفتن للتدخل فِي شئونها، والتوسل بذلك للاستيلاء عَلَيْهَا، وَلم تستطع ذَلِك، وَلنْ يَجْعَل الله لَهَا عَلَيْهَا سَبِيلا.

وَقد اشْتهر لَدَى الْخَاص وَالْعَام أَن الدولة البريطانية كَانَت ظهيرة للخلافة العثمانية التركية، وَمَا ذَلِك إِلَّا لعلمها أَنَّهَا صورية، وَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تنْتَفع بِإِظْهَار صداقتها لَهَا، وَكَانَ رجال هَذِه الدولة الداهية أعلم النَّاس بِأَن هَذِه الدولة قد دب فِي جسمها الانحلال، وَأَنَّهَا سائرة فِي طَرِيق الفناء والزوال، وَإِنَّمَا كَانُوا يحاولون أَن تبقى حصنا بَين القيصرية الروسية المخيفة بِسُرْعَة تكونها ونموها وَبَين الْبَحْر الْأَبْيَض الْمُتَوَسّط، على شَرط أَن تكون قُوَّة هَذَا الْحصن بِمَا وَرَاءه من المساعدة البريطانية لَا بِنَفسِهِ، وَقد بَينا هَذَا فِي الْمنَار من قبل، وَأَن الْغَازِي أَحْمد مُخْتَار باشا وَافَقنَا على أَن قَاعِدَة الدولة البريطانية فِي السياسة العثمانية أَلا تَمُوت الدولة وَلَا تحيا، وَبينا أَيْضا أَن هَذِه الْقَاعِدَة قد تَغَيَّرت بِمَا كَانَ بَين الدولتين البريطانية والروسية على مسَائِل الشرق، واقتسامهما بِلَاد إيران قبل الْحَرْب، وَأَنَّهَا لم تجنح إِلَى إِقَامَة خلَافَة عَرَبِيَّة صورية تكون آلَة بِيَدِهَا إِلَّا بعد الْحَرْب الْعَامَّة، والتمكن من خداع شرِيف مَكَّة وتسخيره لمساعدتها، وَنَحْمَد الله أَن جعلنَا من أَسبَاب خيبة هَذَا السَّعْي حَتَّى لم يتم لَهَا.

ص: 124

وَقد عنيت الدولة البريطانية مُنْذُ أول زمن هَذِه الْحَرْب بالبحث فِي مَسْأَلَة الْخلَافَة وطفق رجالها يستطلعون عُلَمَاء الْمُسلمين وزعماءهم فِي مصر والسودان والهند وَغَيرهَا آراءهم فِيهَا ليكونوا على بَصِيرَة فيمايريدونه من إبِْطَال تَأْثِير إعلان الْخَلِيفَة العثماني الْجِهَاد الديني بِدَعْوَى بطلَان صِحَة خِلَافَته من جِهَة، وبدعوى أَن هَذِه الْحَرْب لَا شَأْن للدّين فِيهَا من جِهَة أُخْرَى، وَقد وجد من منافقي الْهِنْد من كتب لَهُم رِسَالَة باللغة الإنكليزية فِي ذَلِك وأرسلها إِلَيْنَا ناشرها لنترجمها بِالْعَرَبِيَّةِ وننشرها فِي الْمنَار فعجبنا من جَهله ونفاقه، وَلَوْلَا المراقبة الشَّدِيدَة على الصُّحُف عَامَّة والمنار خَاصَّة فِي تِلْكَ الْأَيَّام لرددنا عَلَيْهَا. وَقد اطَّلَعْنَا على مَا كتبه بعض عُلَمَاء مصر لَهُم فِي الْخلَافَة وَهُوَ نقل عبارَة شرح الْمَقَاصِد، وعبارات أُخْرَى فِي مَعْنَاهَا، وَعلمنَا أَن بعض الْعلمَاء كتب لَهُم بعض الْحَقَائِق فِي شَأْنهَا.

وَقد دارت بَيْننَا وَبَين بعض رِجَالهمْ مناقشات فِي الْمَسْأَلَة الْعَرَبيَّة اقْتَضَت أَن نكتب لَهُم مذكرات فِي تخطئة سياستهم فِيهَا، بَينا فِي المذكرة الأولى مِنْهَا الَّتِي قدمناها لَهُم فِي أَوَائِل سنة 1915 أَن أَكثر مُسْلِمِي الأَرْض متمسكون بالدولة العثمانية وخليفتها لِأَنَّهَا أقوى الحكومات الإسلامية، وَأَنَّهُمْ يخَافُونَ أَن يَزُول بزوالها حكم الْإِسْلَام من الأَرْض، وَأَن هَذَا أعظم شَأْنًا عِنْدهم من بَقَاء الْمعَاهد المقدسة سليمَة مصونة، بل بَينا لَهُم أَيْضا أَن إعلانها الْجِهَاد شَرْعِي، وَأَن سَبَب ضعف تَأْثِيره فِي مثل مصر هُوَ الِاعْتِقَاد بِأَنَّهَا منتصرة مَعَ حلفائها فَلَا تحْتَاج إِلَى مساعدة. .

وعدت إِلَى بحث الْخلَافَة فِي آخر مذكرة مِنْهَا، وَهِي الَّتِي أرسلتها إِلَى الْوَزير لويد جورج فِي منتصف سنة 1919 فَقلت فِي بَيَان مَا يرضى الْمُسلمين من انكلترة " إِن الْوَزير قد علم أَن الِاعْتِرَاف باستقلال الْحجاز وَتَسْمِيَة أَمِير مَكَّة ملكا لم يكن لَهُ ذَلِك التَّأْثِير الَّذِي كَانَ الإنكليز يتوقعونه من قُلُوب الْمُسلمين، ذَلِك بِأَن بِلَاد الْحجاز أفقر الْبِلَاد الإسلامية وأضعفها فِي كل شَيْء، وَهِي موطن عبَادَة، لَا ملك وسيادة وَلم يكن الْمُسلمُونَ مضطربين من الْخَوْف على الْمَسَاجِد المقدسة أَن تهدم، أَو يمْنَع النَّاس من الصَّلَاة فِيهَا وَالْحج إِلَيْهَا وزيارتها، بل الِاضْطِرَاب الْأَعْظَم على السلطة الإسلامية الَّتِي يَعْتَقِدُونَ أَن لَا بَقَاء لِلْإِسْلَامِ بِدُونِهَا، والحرص على بَقَائِهَا ممزوج بِدَم كل مُسلم وعصبه، فَهُوَ لَا يرى دينه بَاقِيا إِلَّا بِوُجُود دولة إسلامية مُسْتَقلَّة قَوِيَّة قادرة بذاتها على تَنْفِيذ أَحْكَام شَرعه بِغَيْر معَارض وَلَا سيطرة أَجْنَبِيَّة، وَهَذَا هُوَ السَّبَب فِي

ص: 125

تعلق أَكثر مُسْلِمِي الأَرْض بمحبة دولة التّرْك، واعتبارهم إِيَّاهَا هِيَ الدولة الممثلة لخلافة النُّبُوَّة مَعَ فقد سلطانهم لما عدا الْقُوَّة والاستقلال من شُرُوطهَا الْخَاصَّة، وَلَوْلَا ذَلِك لاعترفوا بخلافة إِمَام الْيمن لشرف نسبه وَعلمه بِالشَّرْعِ واستجماعه لغير ذَلِك من شُرُوط الْخلَافَة ذَلِك بِأَن الشُّرُوط تعد ثانوية بِالنِّسْبَةِ إِلَى أصل الْمَطْلُوب.

مِثَال ذَلِك أَن الْحُكُومَة المصرية تشْتَرط فِي مستخدميها أَن يَكُونُوا مصريي الْجِنْس عارفين باللغة الْعَرَبيَّة حاملين لشهادات مَخْصُوصَة وَلكنهَا عِنْدَمَا تحْتَاج إِلَى مستخدم فني لعمل لَا يُوجد مصري يعرفهُ تتْرك اشْتِرَاط ذَلِك فِيهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يقدم الْمُسْتَوْفى للشروط على غَيره إِذا كَانَ قَادِرًا على أصل الْعَمَل الْمَطْلُوب.

وَكَانَ الْغَرَض لنا من هَذَا أَلا يغتروا بِمَا يعلمُونَ من عدم استجماع الْخَلِيفَة التركي لشروط الْخلَافَة، وَلَا بِمَا كَانُوا يرْمونَ إِلَيْهِ من جعل شرِيف مَكَّة خَليفَة بعد اعترافه لَهُم بِأَن مَكَان الْأمة الْعَرَبيَّة من انكلترة مَكَان الْقَاصِر - بالطفولية أَو العته - من الْوَصِيّ وَرضَاهُ بحمايتهم لَهُ وَلها، وَقد صرحنا للوزير فِي هَذِه المذكرة بِأَن الَّذِي يُرْضِي الْعَالم الإسلامي من دولته ترك الشعوب الإسلامية الْعَرَبيَّة والتركية والفارسية أحرارا مستقلين فِي بِلَادهمْ وَبَقَاء مَسْأَلَة الْخلَافَة على مَا هِيَ عَلَيْهِ إِلَى أَن يُمكن تأليف مؤتمر إسلامي عَام لحل مشكلتها، وَقد بَينا فِيهَا أَيْضا أَن هَذِه الدولة مستهدفة لعداوة الشرق كُله بالتبع لعداوة الْعَالم الإسلامي، فَلَا يغرنها ضعف الْمُسلمين وتفرقهم فتحتقر عداوتهم مَعَ كَونهم مئات الملايين فَإِنَّهُم لن يَكُونُوا أَضْعَف من " ميكروبات الأوبئة " وسننشر هَذِه المذكرة فِي الْوَقْت الْمُنَاسب. .

لم يبال هَذَا الْوَزير بنصح هَذِه المذكرة فاستمر على سياسة الْقَضَاء على دولة التّرْك واستعباد الْعَرَب حَتَّى خذله الله وخذله قومه وأسقطوا وزارته، وَلَكِن بَقِي أَشد أنصاره فِي الوزارة الَّتِي خلفتها وَهُوَ لورد كرزون الَّذِي هُوَ أَشد تعصبا وعداوة للْمُسلمين مِنْهُ فَلذَلِك لم يتَغَيَّر من سياسة الدولة شَيْء فِي الْمَسْأَلَة الإسلامية إِلَّا مَا اضطرت إِلَيْهِ من مجاملة الدولة التركية الجديدة بعد تنكيلها بالجيش اليوناني الَّذِي أغرته وزارة لويد جورج بِالْقضَاءِ على مَا بَقِي للترك من الْقُوَّة فِي الأناضول، فأثبتت بذلك أَنَّهَا لَا تلين إِلَّا للقوة، وَأما الْحق وَالْعدْل وَالْوَفَاء بالعهود والوعود فلهَا فِي قَامُوس سياستها معَان أُخْرَى غير مَا يعرفهُ سَائِر الْبشر فِي لغاتهم. .

ص: 126