الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما الاعتداء على عمر وَقَتله فَلم يكن من حسد الْمُسلمين وَلَا من كراهتهم لَهُ، وَلَا من طمع أحد فِي أَن يخلفه، بل كَانَ من جمَاعَة الْمَجُوس السّريَّة انتقاماً مِنْهُ لفتحه لبلادهم، وإسقاطه لملكهم، وَأما التَّعَدِّي على عُثْمَان وَقَتله فقد كَانَ بدسائس الْفرس وَعبد الله بن سبأ الْيَهُودِيّ، وَلَوْلَا هَاتَانِ الفتنتان لما وصل الشقاق بَين عَليّ وَمُعَاوِيَة إِلَى مَا وصل إِلَيْهِ، كَمَا يعلم ذَلِك كل مدقق فِي التَّارِيخ. .
اتَّسع ملك الْإِسْلَام وَكثر خصومه من زعماء الْملَل والشعوب الَّذين أَزَال عظمتهم واستمتاعهم بِملك بِلَادهمْ، وساوي بَينهم وَبَين عبيدهم فِي الْحُقُوق وكل أقوامهم كَانُوا عبيدا لَهُم، وَلم يكن الْوَازِع الديني فِيمَن دخلُوا فِيهِ من هَذِه الشعوب مثله فِيمَن فهموه حق الْفَهم من الْعَرَب، وَلم تكن كل بطُون الْعَرَب كالسابقين الْأَوَّلين من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وَلم يكن من السهل إِيجَاد نظام لقُوَّة الْخلَافَة تخضع لَهُ كل هَذِه الْأُمَم والشعوب فِي الْخَافِقين مَعَ بعد الشقة وصعوبة المواصلات، فَلهَذَا سهل على السبئيين وَالْمَجُوس بَث الْفِتَن لِلْإِسْلَامِ وللعرب، وعَلى مُعَاوِيَة تأليف جَيش فِي الشَّام يُقَاتل بِهِ الإِمَام الْحق أَمِير الْمُؤمنِينَ، ثمَّ جعل خلَافَة النُّبُوَّة ملكا عَضُوضًا كملك الغابرين. .
سنة التغلب وعواقبها، وإفساد الْأَعَاجِم لحكم الْإِسْلَام الْعَرَبِيّ:
فتح مُعَاوِيَة للأقوياء بَاب التغلب فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يهرعون، وَلم يثبت ملك الأمويين مَعَه قرنا وَاحِدًا كَامِلا، وَلما كَانَ الْإِسْلَام قد أبطل عصبية الْعَرَب الجنسية احْتَاجَ العباسيون إِلَى أَن يستعينوا على الأمويين بعصبية الْأمة الفارسية، وَكَانَ للزنادقة وَالْمُنَافِقِينَ من هَؤُلَاءِ مكايد خُفْيَة، يُرِيدُونَ أَن يديلوا للْفرس من الْعَرَب، وللمجوسية من الْإِسْلَام، ولأجلها بثوا فِي الْمُسلمين التَّفْرِقَة بالغلو فِي آل الْبَيْت توسلا لِلطَّعْنِ فِي جُمْهُور الصَّحَابَة؛ ليفرقوا كلمة الْعَرَب ويبعدوا بهم عَن أصُول الْإِسْلَام الشورى (الديمقراطي) وينشئوا فِيهِ حُكُومَة (أتوقراطية) مُقَدَّسَة أَو معبودة،
بِجعْل رئاستها لمن يدعونَ فيهم الْعِصْمَة من بَيت النُّبُوَّة، ليسهل عَلَيْهِم بذلك إِعَادَة الكسروية والمجوسية.
وَلما انْكَشَفَ أَمرهم للعباسيين عولوا على جعل عصبيتهم من التّرْك، فَكَانَ المعتصم يَشْتَرِي شُبَّانهمْ من بِلَادهمْ وَسَائِر النواحي ويجعلهم جُنُودا لَهُ، وَيُطلق لَهُم الْعَنَان، ويمهد لَهُم هُوَ وَمن بعده سَبِيل السُّلْطَان، جهلا مِنْهُم بطبائع الْعمرَان، وَكَانُوا أولى جهل وقسوة وَفَسَاد، فطغوا فِي الْبِلَاد، وَأَكْثرُوا الْبَغي والعدوان على الْعباد، حَتَّى صَارُوا يقتلُون الْخُلَفَاء أنفسهم وهم على عروشهم أَو يخلعونهم وَيُوَلُّونَ غَيرهم بأهوائهم، فَاخْتَارَ بفسادهم النظام، وَالطَّاعَة بوازع الْإِسْلَام؛ فسهل على إخْوَانهمْ التتار اجتياح ملك العباسيين تخريبا وتتبيبا، وتقتيلا وتمثيلا، واستفحل أَمر الباطنية من القرامطة وَغَيرهم، وَقد كَانَ جند التّرْك فِي العباسيين، كجند الانكشارية فِي العثمانيين، كَانَ قُوَّة لَهُم، ثمَّ صَار قُوَّة عَلَيْهِم، ومفسدا لملكهم. . وَقد أفسد الْأَعَاجِم أَمر الْخُلَفَاء العباسيين بالإطراء والتعظيم الَّذِي يُنكره الْإِسْلَام وَلَا تعرفه الْعَرَب، بشر من إفسادهم لَهُ بالاستبداد بهم والاعتداء عَلَيْهِم، كَمَا فعل السُّلْطَان عضد الدولة بذلك الْمظهر العجيب الَّذِي أَقَامَهُ للخليفة الطائع. .
قَالَ السُّيُوطِيّ فِي تَرْجَمَة الطائع لله من تَارِيخ الْخُلَفَاء: وَسَأَلَ عضد الدولة الطائع أَن يزِيد فِي ألقابه " تَاج الْملَّة " ويجدد الْخلْع عَلَيْهِ ويلبسه التَّاج فَأَجَابَهُ وَجلسَ الطائع على السرير وَحَوله مائَة بِالسُّيُوفِ والزينة، وَبَين يَدَيْهِ مصحف عُثْمَان، وعَلى كتفه الْبردَة، وَبِيَدِهِ الْقَضِيب، وَهُوَ متقلد بِسيف رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] وَضربت ستارة بعثها عضد الدولة وَسَأَلَ أَن تكون حِجَابا للطائع حَتَّى لَا تقع عَلَيْهِ عين أحد من الْجند قبله، وَدخل الأتراك والديلم وَلَيْسَ مَعَ أحد مِنْهُم حَدِيد، ووقف الْأَشْرَاف وَأَصْحَاب الْمَرَاتِب من الْجَانِبَيْنِ، ثمَّ أذن لعضد الدولة فَدخل، ثمَّ رفعت الستارة وَقبل عضد الدولة الأَرْض، فارتاع زِيَاد الْقَائِد لذَلِك وَقَالَ لعضد الدولة: مَا هَذَا أَيهَا الْملك؟ أَهَذا هُوَ الله؟ فَالْتَفت إِلَيْهِ وَقَالَ هَذَا خَليفَة الله فِي أرضه ( {} ) ثمَّ اسْتمرّ يمشي وَيقبل الأَرْض سبع مَرَّات. . فَالْتَفت إِلَيْهِ الطائع إِلَى خَالص الْخَادِم، وَقَالَ استدنه، فَصَعدَ عضد الدولة فَقبل الأَرْض مرَّتَيْنِ، فَقَالَ: ادن إِلَيّ، فَدَنَا وَقبل رجله، وثنى الطائع يَمِينه عَلَيْهِ وَأمره فَجَلَسَ على كرْسِي بعد أَن كرر عَلَيْهِ " اجْلِسْ " وَهُوَ يستعفى، فَقَالَ لَهُ أَقْسَمت