الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْهُم} وَمن الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ أَن أولي الْأَمر الَّذين كَانُوا مَعَ الرَّسُول يرد إِلَيْهِم مَعَه أَمر الْأَمْن وَالْخَوْف وَمَا اشبههما من الْمصَالح الْعَامَّة لَيْسُوا عُلَمَاء الْفِقْه وَلَا الْأُمَرَاء والحكام، بل أهل الشورى من زعماء الْمُسلمين.
شُرُوط أهل الِاخْتِيَار للخليفة:
اشْترط الْعلمَاء فِي جمَاعَة الْمُسلمين أهل الْحل وَالْعقد شُرُوطًا بَينهَا الْمَاوَرْدِيّ فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة بقوله:
(فصل) فَإِذا ثَبت وجوب الْإِمَامَة ففرضها على الْكِفَايَة كالجهاد وَطلب الْعلم فَإِذا قَامَ بهَا من هُوَ أَهلهَا سقط فَرضهَا عَن الكافة وَإِن لم يقم بهَا أحد خرج من النَّاس فريقان (أَحدهمَا) أهل الِاخْتِيَار حَتَّى يختاروا إِمَامًا للْأمة (وَالثَّانِي) أهل الْإِمَامَة حَتَّى ينْتَصب أحدهم للْإِمَامَة. .
فَأَما أهل الِاخْتِيَار فالشروط الْمُعْتَبرَة فيهم ثَلَاثَة (أَحدهَا) الْعَدَالَة الجامعة لشروطها (وَالثَّانِي) الْعلم الَّذِي يتَوَصَّل بِهِ إِلَى معرفَة من يسْتَحق الْإِمَامَة على الشُّرُوط الْمُعْتَبرَة فِيهَا (وَالثَّالِث) الرَّأْي وَالْحكمَة المؤديان إِلَى اخْتِيَار من هُوَ للْإِمَامَة أصلح، وبتدبير الْمصَالح أقوم وَأعرف. . وَلَيْسَ لمن كَانَ فِي بلد الإِمَام على غَيره من أهل الْبِلَاد فضل مزية يقدم بهَا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا صَار من يحضر بِبَلَد الإِمَام مُتَوَلِّيًا لعقد الْإِمَامَة عرفا وَشرعا لسبوق علمهمْ بِمَوْتِهِ، وَلِأَن من يصلح للْإِمَامَة فِي الْأَغْلَب مَوْجُود فِي بَلَده اه (فتح الْبَارِي) . .
أَقُول: لهَذِهِ الشُّرُوط مَأْخَذ من هدى السّلف فقد قَالَ الطَّبَرِيّ: لم يكن فِي أهل الْإِسْلَام أحد لَهُ من الْمنزلَة فِي الدّين وَالْهجْرَة والسابقة وَالْعقل وَالْعلم والمعرفة بالسياسة مَا للستة الَّذين جعل عمر الْأَمر شُورَى بَينهم.
أما الْعَدَالَة الَّتِي هِيَ الشَّرْط الأول فَهِيَ عِنْد الْفُقَهَاء عبارَة عَن التحلي بالفرائض والفضائل، والتخلي عَن الْمعاصِي والرذائل، وَعَما يخل بالمروءة أَيْضا، وَاشْترط بَعضهم فِيهَا أَن تكون ملكة لَا تكلفاً، وَلَكِن التَّكَلُّف إِذا الْتزم صَار خلقا. .
وَأما الْعلم فيعنون بِهِ علم الدّين ومصالح الْأمة وسياستها وَإِذا أَطْلقُوهُ كَانَ المُرَاد بِهِ الْعلم الاستقلالي الْمعبر عَنهُ بِالِاجْتِهَادِ، وَيفهم من كَلَام بَعضهم أَن الِاجْتِهَاد فِي الشَّرْع شَرط فِي مجموعهم لَا فِي كل فَرد مِنْهُم، فقد قَالَ فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا أَنه يشْتَرط أَن يكون فيهم مُجْتَهد. . وتقييده شَرط الْعلم بِمَا قَيده بِهِ يدل على أَنه يخْتَلف باخْتلَاف الزَّمَان فَإِن اسْتِحْقَاق الْإِمَامَة فِي هَذَا الْعَصْر يتَوَقَّف على عُلُوم لم يكن يتَوَقَّف عَلَيْهَا فِي العصور الْقَدِيمَة، وَقد ذكر بعض الْعلمَاء أَن من مرجحات اخْتِيَار الصَّحَابَة لأبي بكر (رض) أَنه كَانَ أعلمهم بأنساب الْعَرَب وبأحوالهم وقواتهم، وَلأَجل هَذَا لم يهب من قتال أهل الرِّدَّة مَا هابه عمر، ولابد الْآن للْإِمَام وَجَمَاعَة الشورى (أهل الْحل وَالْعقد) الَّذين هم قوام إِمَامَته وأركان حكومته من الْعلم بالقوانين الدولية والمعاهدات الْعَامَّة، وبأحوال الْأُمَم والدول الْمُجَاورَة لبلاد الْإِسْلَام وَذَات العلاقات السياسية والتجارية بهَا من حَيْثُ سياستها وقوتها وَمَا يخَاف ويرجى مِنْهَا، وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ لَا تقاء ضررها وَالِانْتِفَاع بهَا. .
وَمن الْآثَار فِي ذَلِك قَول الْحَافِظ فِي الْكَلَام على مبايعة عُثْمَان من (الْفَتْح) : وَالَّذِي يظْهر من سيرة عمر فِي أمرائه الَّذين كَانَ يؤمرهم فِي الْبِلَاد أَنه كَانَ لَا يُرَاعِي الْأَفْضَل فِي الدّين فَقَط بل يضم إِلَيْهِ مزِيد الْمعرفَة بالسياسة مَعَ اجْتِنَاب مَا يُخَالف الشَّرْع فِيهَا فلأجل ذَلِك اسْتخْلف (أَي أمَّر) مُعَاوِيَة والمغيرة بن شُعْبَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ مَعَ وجود من هُوَ أفضل مِنْهُم فِي أَمر الدّين وَالْعلم كَأبي الدَّرْدَاء فِي الشَّام وَابْن مَسْعُود فِي الْكُوفَة. . وسيرة أبي بكر وَعمر فِي الْخلَافَة يقْتَدى بهَا وَلَا سِيمَا فِي الْأُمُور الْعَامَّة الْكُلية الَّتِي تسمى سنة بِدَلِيل اشْتِرَاط عبد الرَّحْمَن إِيَّاهَا مَعَ سنة الرَّسُول على عَليّ وَعدم تَرْجِيحه لعدم جزمه فِي الْجَواب أَو تَقْيِيده بالاستطاعة وترجيحه لعُثْمَان لجزمه بِغَيْر قيد لِأَن سنتهما نَالَتْ الاجماع وَلقَوْله ( [صلى الله عليه وسلم] )
" اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر " رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه عَن حُذَيْفَة وصححوه، وَبَالغ فُقَهَاء