الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الحادى عشر) سنن الصلاة
السنن جمع سنة. وهى لغة الطريقة، وشرعا الطريقة المسلوكة فى الدين بقول أو فعل من غير لزوم ولا إنكار على تاركها وليست خصوصية. وهى قسمان (مؤكدة) وهى ما واظب عليه النبى صلى الله عليه وسلم بلا إنكار على تاركها (وغير مؤكدة) وهى ما تركها النبى صلى الله عليه وسلم أحيانا.
هذا. وسنن الصلاة قسمان: داخل فيها وخارج عنها. فالسنن الداخلة فيها كثيرة: المذكور منها ثلاث وثلاثون.
(1)
يسنّ رفع اليدين لافتتاح الصلاة عند الأئمة الأربعة والجمهور. واختلفوا فى كيفيته ووقته (فقال) أكثر الحنفيين يرفع الرجل يديه محاذيا بإبهاميه شحمتى أذنيه، ثم يبتدئ التكبير مع إرسال اليدين ويتمه مع إتمامه لحديث وائِل بن حُجْرٍ أنه أبصر النبى صلى الله عليه وسلم حين قام إلى الصلاة رفع يديه حتى كانتا بِحيال مَنكِيَه، وحاذى بإبهاميه أذنية ثم كبر. أخرجه أبو داود والبيهقى (1){272}
والمراد بالمحاذاة أن يمَسّ بإبهاميه شحمتى أذُنيه (وعن) أبى يوسف أنه يرفع مع التكبير. واختاره غير واحد م الحنفيين. وهو المشهور عن مالك والشافعى وأحمد (لحديث) وائِل بنِ حُجْرٍ أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبير. أخرجه البيهقى وأبو داود (2){273}
(وروى) أنه يكبر ثم يرفع (روى) مالكُ بنُ الحُويرث أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا كبّر رفع يديه حتى يُحاذِىَ بهما أذنيه. أخرجه مسلم والبيهقى وقال: ورواية من دلت روايته على الرفع مع التكبير أثبت وأكثر
(1) ص 126 ج 5 - المنهل العذب (رفع اليدين) وص 25 ج 2 - بيهقى.
(2)
ص 26 منه (رفع اليدين فى الافتتاح) وص 126 ج 5 - المنهل العذب.
فهى أولى بالاتباع (1){274}
(ويمكن) الجمع بين هذه الروايات بأنه صلى الله عليه وسلم فعل كلَّ ذلك.
(وقال) أحمد وإسحاق: يرفع الرجل يديه حال الإحرام مبسوطة مضمومة الأصابع، مستقبل القبلة ببطونها إلى حذو منكبيه (لحديث) أبى هريرة " أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل فى الصلاة رفع يديه مدًّا " أخرجه أحمد والترمذى بسند لا مطعن فيه (2){275}
(ولقول) ابن عمر رضى الله عنهما " رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاةَ رفع يديه حتى يُحاذِىَ مَنكِبيه "(الحديث) أخرجه الجماعة (3){276}
(وقال) الشافعى: يرفع يديه حال التكبير إلى حَذو منكبيه ناشرا أصابعه مفرّقة مستقبلا ببطون يديه القبلة، لما تقدم (ولحديث) ابن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال:" إذا استفتح أحدُكم الصلاة فلْيرفَعْ يديه، ولْيستقبل بباطنهما القبلةَ فإن الله أمامه " أخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفى سنده
(1) ص 94 ج 4 - نووى (رفع اليدين حذو المنكبين) وص 27 ج 2 - بيهقى (الابتداء بالتكبير قبل الرفع).
(2)
ص 166 ج 3 - الفتح الربانى (رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام) وص 200 ج 1 - تحفة الأحوذى (نشر الأصابع عند التكبير). و (مدّا) مصدر منصوب بفعل مقدر اى يمدّهما مدّا. ويحتمل أن يكون منصوبا برفع لأن الرفع بمعنى المدّ. وأن يكون منصوبا على الحال، أى رفعه يديه - حال كونه مادّا لهما إلى الرأس.
(3)
ص 142 ج 1 - زرقانى (افتتاح الصلاة) وص 166 ج 3 - الفتح الربانى وص 148 ج 2 - فتح البارى (رفع اليدين فى التكبير الأولى) وص 93 ج 4 - نووى. وص 118 ج 5 - المنهل العذب. وص 140 ج 1 - مجتبى. وص 146 ج 1 ابن ماجه.
عُمير بن عمران. وهو ضعيف (1){277}
(وقال) الجمهور: المستحب حال الرفع مدّ الأصابع مضمومة (وقال) الغزالى: لا يتكلف ضمَّا ولا تفريقا، بل يتركهما على حالهما (وقال) مالك: يرفع يديه حال التكبير إلى منكبيه جاعلا بطونهما إلى الأرض وظهورهما إلى السماء (ويجمع) بين أحاديث الرفع إلى الأذنين وأحاديث الرفع إلى المنكبين بأنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذْر منكبيه بحيث تحاذى أطراف أصابعه أعلى أذنيه، وإبهاماه شحمتى أذنيه وراحتاه منكبيه. أو أنه صلى الله عليه وسلم فعل هذا تارة وذلك تارة. وصحح الرافعى أنه يبتدئ الرفع من ابتداء التكبير. ولا حدّ لهما فى الانتهاء والكل واسع. والخلاف إنما هو فى الأكمل. وأصل السنة يحصل بأى كيفية وردت لصحة الروايات بكل
(وقال) داود والأوزاعى وابن خزيمة والنيسابورى وأحمد بن سيَّار: يجب رفع اليدين للتحريمة (وقال) الحافظ: ونقل بعض الحنفية عن أبى حنيفة أنه يأثم تاركه (2). ولا دليل على الوجوب ولا على بطلان الصلاة بالترك.
هذا. والمرأة ترفع يديها حذاء مَنْكِبيها على الصحيح عند الحنفيين لما رواه الخلاّل بإسناده على أم الدرداء وحفصة بنت سيرين أنهما كانتا ترفعان أيديهما. وبه قال الأئمة الثلاثة إلا أن رفعها يكون دون رفع الرجل.
(وعن أحمد) لا يشرع الرفع فى حقها لأنه فى معنى التجافى، وهو غير مشروع لها.
والحكمة فى شرع رفع اليدين عند الإحرام تعظيم الله تعالى والإشارة
(1) ص 102 ج 2 - مجمع الزوائد (رفع اليدين فى الصلاة).
(2)
ص 149 ج 2 - فتح البارى قبل (رفع اليدين إذا كبر).
إلى استعصام ما دخل فيه وإلى نبذ الدنيا وراءه، والإقبال بكليته على صلاته ومناجاة ربه ليطابق فعله قوله: الله أكبر (روى) البيهقى عن الشافعى رضى الله عنه أن صلى بِجَنْب محمد بن الحسن فرفع الشافعى يديه للركوع والرفع منه فقال له محمد: لَمِ رفعت يديك؟ قال: إعظاما لجلال الله تعالى واتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء لثواب الله تعالى (1).
(2، 3) ويسنّ - عند الشافعى وأحمد وإسحاق - رفع اليدين عند الركوع والرفع منه كحال الإحرام (لقول) ابن عمر رضى الله عنهما: " كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة ر فع يديه حتى تكونا حَذو مَنْكِبيه، ثم كبَّر وهما كذلك فيركع. ثم إذا أراد أن يرفعَ صُلْبَه رفعهما حتى تكونا حذو منكبيه، ثم قال سمع الله لمن حَمِده. ولا يرفع يديه فى السجود ويرفعهُما فى كل تكبيرة يكبرُها قبل الركوع حتى تنقِضَى صلاتُه " أخرجه أبو داود والدار قطنى (2){278}
(4)
ويسن عند الشافعية رفع اليدين عند القيام من ثنتين (روى) نافع أن ابن عمر كان إذا دخل فى الصلاة كبَّر ورفع يديه. وإذا ركع رفع يديه. وإذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه. وإذا قام من الركعتين رفع يديه. ورفع ذلك ابنُ عمر إلى النبى صلى الله عليه وسلم. أخرجه البحارى (3){279}
(وروى) علّى بن أبى طالب رضى الله عنه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر ورفع يديه حَذْوَ مَنْكِبيه ويصنعُ
(1) ص 309 ج 3 - شرح المهذب.
(2)
ص 122 ج 5 - المنهل العذب (رفع اليدين) وص 107 - الدار قطنى.
(3)
ص 151 ج 2 - فتح البارى (رفع اليدين إذا قام م الركعتين).
مثلّ ذلك إذا قَضى قراءتَه وأراد أن يركع ويصنعُه إذا رفع رأسه من الركوع. ولا يرفع يديه فى شئ من صلاته وهو قاعد. وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك وكبر. أخرجه أحمد والأربعة وقال أبو داود. وفى حديث أبى حُمَيْدٍ الساعدِىِّ حين وصف صلاةَ النبى صلى الله عليه وسلم: إذا قام من الركعتين كبَّر ورفع يديه حتى يُحاذىَ بهما مَنكِبيه كما كبر عند افتتاح الصلاة وصححه أحمد والترمذى (1){280}
(وقال) صاحب التهذيب: لم يذكر الشافعى رفع اليدين إذا قام من ركعتين. ومذهبه اتباع السنة وقد ثبت ذلك. وقد روى جماعة من الصحابة رفع اليدين فى هذه المواضع الأربعة. منهم على وابن عمر وأبو هريرة وأبو حُميد بحضرة أصحابه وصدقوه كلهم (أما لقول) الشيخ أبى حامد فى التعليق: انعقد الإجماع على أنه لا يرفع فى هذه المواضع " فاستدلاله " بالإجماع على نسخ الحديث مرود غير مقبول ولم ينعقد الإجماع على ذلك أهـ بتصرف (2)
(واختلفت) الرواية عن مالك: " فروى ابن القاسم عنه عدم الرفع عند الركوع والرفع منه والقيام من اثنتين. وبه قال الحنفيون والثورى وغيرهم (لحديث) البراء بن عازب أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتَح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أُذُنَيه ثم لا يعود " أخرجه أبو داود والدار قطنى والطحاوى والبيهقى. وفى سنده يزيد بن أبى زِاد وهو ضعيف (3){281}
(1) ص 164 ج 3 - افتح الربانى. وص 149 ج 5 - المنهل العذب. وص 147 ج 1 - ابن ماجه (رفع يديه إذا ركع وإذا رفع رأسه م الركوع) ولا مفهوم لقوله: المكتوبة إذا النافلة كذلك. ولعله قيد بالمكتوبة نظرا لما رآه (وهو قاعد) أى لا يرفع يديه حال الرفع من السجود ولا الهوى إليه. والمراد بالسجدتين الركعتان، كما فى الروايات الأخرى.
(2)
ص 448 ج 3 - شرح المهذب.
(3)
ص 155 ج 5 - المنهل العذب = (من لم يذكر الرفع عند الركوع). وص 110 - الدار قطنى. وص 132 ج 1 - شرح معانى الآثار. وص 76 ج 2 - بيهقى (من لم يذكر الرفع إلا عند الافتتاح).
ولذا اتفق الحفاظ على أن قول " ثم لا يعود " مدرج فى الحديث من يزيد بن أبى زياد. وقد رواه بدونه شعبة والثورى وخالد الطحان وزُهير وغيرهم من الحفاظ (وقال) أحمد: لا يصح هذا الحديث، حديث واه (وقال) البزار: قوله فى الحديث: ثم لا يعود. لا يصح (وقال) ابن حزم: إن سح قوله لا يعود دل على أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز. فلا تعارض بينه وبين حديث ابن عمر وغيره (وقال) ابن مسعود: " صليتُ خَلْفَ النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلا عند الاستفتاح " أخرجه ابن عدىّ والدار قطنى والبيهقى وقالا: تفرّد به محمد بن جابر - وكان ضعيفاً - حماد. وحسنه الترمذى وصححه ابن حزم (1){282}
وتضعيف محمد بن جابر ممونه (قال) ابن عدى: كان إسحاق بن أبى إسرائيل يفضل محمدَ بن جابر على جماعة هم أفضل مه وأوثق. وقد رَوى عنه من الكبار: أيوب وابن عوف وهشام بن حسان والثورى وشعبة وابن عيينة وغيرهم. ولولا أنه ف المحل الرفيع لم يَرو عنه هؤلاء (ومما) يؤيد مذهب الحنفيين قول سليمان بن الشاذ كونى: سمعتُ سفيانَ بن عُيينة يقول: اجتمع أبو حنيفة والأوزاعى فى دار الحنّاطين بمكة، فقال الأوزاعى لأبى حنيفة: ما بالكم ل ترفعون عند الركوع والرفع منه؟ قال أبو حنيفة: لأجل أنه لم يحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شئٌ. فقال الأوزاعى: كيف لم يصحَّ وقد حدثنى الزهرى عن سالم عن أبيه عن رسول الله صلى الله
(1) ص 111 - الدار قطنى. وص 79 ج 2 - بيهقى (من لم يذكر الرفع إلا عند الافتتاح).
عليه وسلم أنه كان يرفع يديه إذا افتتَح الصلاة وعند الركوع وعند الرفع منه. فقال أبو حنيفة: حدّتنا حمّاد عن إبراهيم عن علقمةَ والأسودِ عن عبد الله بن مسعود أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يرفعُ يديه إلا عند افتتاح الصلاةِ ولا يعود لشئ من ذلك. فقال الأوزاعى: أحدِّثك عن الزهرى عن سالم عن أبيه وتقول: حدثنا حمّاد عن إبراهيم. فقال أبو حنيفة: كان حمّاد افقهَ من الزهرى .. وكان إبراهيمُ أفقهَ من سالم.
وعلقمةُ ليس بدون ابن عمر فى الفقه وإن كانت لابن عمرَ صحبهٌ وله فضل صحبته، فالأسود له فضلٌ كبير. وعبد الله عبد الله. فسكت الأوزاعى. أخرجه الحارثى فى مسنده قال: سليمان الشاذكونى واه مع حفظه إلا أن القصة مشهورة (1)(قال) ابن الهمام: واعلم أنّ الآثار عن الصحابة والطرق عنه صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا والكلام فيها واسع. والقدر المتحقق بعد ذلك ثبوت كل من الأمرين عنه صلى الله عليه وسلم: الرفع عند الركوع وعدمه. ويترجح ما صرنا إليه بأنه قد علم انه كانت أقوال مباحة فى الصلاة وأفعال من جنس هذا الرفع وقد نسخت. فلا يبعد أن يكون هو أيضاً مشمولا بالنسخ. وتمامه فيه (2)(أقول) الحق أن ما استدلوا به على عدم الرفع فى غير التحريمة لا تعارض بينه وبين الأحاديث المثبتة للرفع الركوع والرفع منه لأنها متضمنة للزيادة التى لا منافاة بينها وبين المزيد، وهى مقبولة بالإجماع
(1) ذكره الكمال ابن الهمام وقال: فرجح - أبو حنيفة - بفقه الراوى كما رجح الأوزاعى بعلو الإسناد. وهو المذهب المنصور عندنا. انظ ص 219 ج 1 - فتح القدير (صفة الصلاة).
(2)
ص 219 منه.
لسيما وقد نقلها جماعة من الصحابة وافق على إخراجها الجماعة. ولا دليل على نسخ ارفع عند الركوع والرفع منه (1) فالراجح أنه سنه لقوة أدلته (ومنها) حيدث ابن عمر أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا افتتح الصلاة يرفع يديه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع. وكان لا يفعل ذلك فى السجود.
فما زالتْ تلك صلاتهُ حتى لقى الله تعالى. أخرجه البيهقى (2)(قال) ابن المدينى: هذا الحديث حجة على الخلق. كل من سمعه فعليه أن يعلم به لأنه ليس فى إسناده شئ أهـ. وآخر ما روى عن مالك ترك الرفع فى المواطن الثلاثة (قال) ابن عبد الحكم: لم يرَو أحد عن مالك ترك الرفع فى غير تكبيرة الإحرام إلا ابن القاسم. والذى نأخذ به الرفع، لحديث ابن عمر. وهو الذى رواه ابن وهب وغيره عن مالك. ولم يحك الترمذى عن مالك غيره. وقد رواه أيضا عنه أشهب وأبو مصعب وابن مهدى ومحمد ابن الحسن وعبد الله بن يوسف وابن نافع وغيرهم. قال ابن عبد البر: هو الصواب (3)(وقال) البخارى فى جزء رفع اليدين: من زعم أنه بدعة فقد طعن فى الصحابة لنه لم يثبت عن أحد منهم تركه ولا أسانيد أصح من أسانيد الرفع (4)
(5)
ويسنّ - عند الحنفيين والشافعى وأحمد والجمهور - وضع اليمنى على اليسرى حال القيام فى الصلاة ولو حكما كقعود العاجز والقعود فى النفل.
(1) أما ما روى. عن أبى عباس أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه كلما ركع وكلم رفع، ثم صار إلى افتتاح الصلاة وترك ما سوى ذلك. وما روى نحوه عن ابن الزبير " فقد ذكرهما " ابن الجوزى فى التحقيق وقال: وهذان الحديثان لا يعرفان أصلا. وإنما المحفوظ عن ابن عباس وابن الزبير خلاف ذلك (انظر ص 392 ج 1 - نصب الراية).
(2)
ص 69 ج 2 - بيهقى (رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه) وص 409 ج 1 - نصب الراية.
(3)
ص 143 ج 1 - زرقانى.
(4)
ص 144 منه (افتتاح الصلاة).
وهو سنة قيام طويل - وما يقوم مقامه - فيه ذكر مسنون فيضع حال الثناء والقراءة والقنوت وبين تكبيرات الجنازة (لقول) وائِل بنِ حَجْرٍ: " رأيت النبى صلى الله عليه وسلم إذا كان قائما فى الصلاة قبض بيمينه على شماله " أخرجه النسائى (1){283}
(واختلفوا) فى كيفية القبض وموضعه (فقال) الحنفيون والثورى وإسحاق وأبو إسحاق المروزى الشافعى: يسنّ القبض بخنصر وإبهام اليمنى على رسغ اليسرى واضعاً باطن كف اليمنى على ظاهر كف اليسرى، مادًّا باقى الأصابع على ساعده. ويضعها الرجل تحت سرته (قال) الحجاج بن حسّان: سألت أبا مِجُلز " لاحِقَ بنَ حُميد " كيف يضع؟ قال يضع باطنَ كفّ يمينه على ظاهر كف شماله ويجعلُهما أسفل عن السُّرة. أخرجه أبو بكر بن أبى شيبة (وأما) المرأة فتضع يديها على صدرها، لأنه أستر لها.
(ومشهور) مذهب أحمد أنه يسن قبض اليمين على ركوع الشمال وجعلهما تحت السرة (لقول) علّى رضى الله عنه: إن من السنة فى الصلاة وضعَ الكف على الكف تحت السرة " أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقى. وفى سنده عبد الرحمن بن إسحاق عن زيادة بن زيد وفيهما مقال (2){284}
(وعن) أحمد أنه يضعهما فوق السرة (لقول) وائل بن جُحْر: " صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره " أخرجه ابن خزيمة وصححه (3){285}
(1) ص 141 ج 1 - مجتبى (وضع اليمين على الشمال فى الصلاة).
(2)
ص 171 ج 3 - الفتح الربانى. وص 163 ج 5 - المنهل العذب (وضع اليمينى على اليسرى فى الصلاة. وص 31 ج 2 - بيهقى.
(3)
ص 204 ج 2 - نيل الأوطار (وضع اليمين على الشمال).
(ولقول) طاوسٍ: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشدّ بينهما على صدره وهو فى الصلاة " أخرجه أبو داود (1){286}
وهو إن كان مرسلا، فهو حجة عند أكثر الأئمة مطلقا وعند الشافعى إذا ورد ما يقويه. وقد ورد (روى) قَبيصة بن هُلْبٍ عن أبيه قال:" كان النبى صلى الله عليه وسلم يؤمُّنا فيأخذ شِماله يمينه " أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذى وحسَّنه (2){287}
(وعن) أحمد أيضا أنه مخير فى ذلك، لن الكل مروىّ عن النبى صلى الله عليه وسلم. والأمر فيه واسع (وقالت) الشافعية: يسن للرجل والمرأة وضع بطن كف اليمنى على ظهر كف اليسرى تحت صدره وفوق سرته باسطا أصابع اليمنى على رسغ اليسرى أو على ساعدها لما تقدّم عن وائل عند أبى خُزيمة وعن طاوسٍ (3)(ولقول) جَرير بن عبد الحميد: " رأيت عليا رضى الله عنه يُمْسِك شماله بيمينه على الرُّسْغ فوق السرة " أخرجه أبو داود (4). وهو إن كان من فعل على فهو حجة لأن مثل هذا لا يكون من قبل الرأي. وعلى الجملة فقد صح أن الوضع هو السنة دون الإرسال. وثبت أن محله الصدر أو فوق السرة أو تحتها.
هذا. والحكمة فى هذا الوضع إظهار التضرع والخشوع للواحد المعبود،
(1) 166 ج 5 - المنهل العذب (وضع اليمنى على اليسرى فى الصلاة).
(2)
ص 172 د 3 - الفتح الربانى. وص 140 ج 1 - ابن ماجه. وص 213 ج 1 - تحفة الأحوذى (وضع اليمنى على الشمال فى الصلاة) و (هلب) - بضم فسكون - صحابى. وقيل اسمه يزيد بن قنافة الطائى. وهلب لقب.
(3)
تقدما رقم 285 و 286.
(4)
ص 164 ج 5 - المنهل العذب (وضع اليمنى على اليسرى فى الصلاة) و (الرسغ) بضم الراء وسكون السين، المفصل بين الساعد والكف
والبعد عن العبث (روى) أبو حنيفة عن حّمادٍ عن إبراهيم أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يعتِمد بيمينه على يساره يتواضع بذلك لله عز وجل. أخرجه أبو يوسف ومحمد بن الحسن فى الآثار وابن خسرو (1){288}
(واختلف) على مالك فروى ابن القاسم عنه أنه لا بأس به فى النافلة وأنه مكروه فى الفريضة. لكن الأحاديث الصحيحة الكثيرة المتقدمة عامة تشمل الفرض والنفل. ولا دليل على التفرقة. ولذا روى عنه مطرِّف وابن الماجشون وأشهب وغيرهم أنه لا باس به فى الفريضة والنافلة.
(وقال) ابن عبد البر: لم يأت عن النبى صلى الله عليه وسلم فيه خلاف. وهو قول جمهور الصحابة والتابعين. وذكره مالك فى الموطأ، ولم يحرك ابن المنذرة وغيره عن مالك غيره (2) أهـ. يشير " إلى حديث " أ [ى حازِم بن دينار عن سهِل بن سعدٍ قال:" كان الناس يؤمَرون أن يضَع الرجلُ اليد اليمنى على ذراعه اليسرى فى الصلاة. قال أبو حازم ل أعلم إلا أنه يَنمى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه مالك وأحمد والبخارى، وصححه النووى (3){289}
(وعلى الجملة) فالأحاديث مثبتة لهذه السنة قولا وفعلا وتقريرا. وليس عند من نفاها دليل على أنه صلى الله عليه وسلم سدل يديه أو أمر به. ولم يُرو عن صحابى قط القول به، إلا رواية ضعيفة عن ابن الزبير. ورواية القبض عنه أصح
(1) انظر رقم 332 ص 67 آثار أبى يوسف.
(2)
ص 286 ج 1 - زرقانى (وضع اليدين إحداهما على الأخرى فى الصلاة).
(3)
ص 286 منه. وص 172 ج 3 - الفتح الربانى. وص 152 ج 2 فتح البارى (وضع اليمنى على اليسرى فى الصلاة) و " ينمى " كيرمى، أى يرفع.
(قال) زُرْعة بن عبد الرحمن: سمعت ابن الزبير يقول: صَفّ القدمين ووضعُ اليد على اليد من السنة. أخرجه أبو داود (1).
(قال) ابن عبد البر: لم يزل مالك يقبض حتى لقى الله عز وجل أهـ " ما روى " عن مالك من الإرسال وصار إليه بعض أصحابه " فسببه " أن الخليفة المنصور ضربه على يديه فشَلَّت فلم يستطع ضمها إلى الأخرى لافى الصلاة ولا فى غيرها. فرآه الناس يرسل فقالوا: آخر الأمرين من فعل مالك الإرسال ولم يتفطنوا للسبب (ومنه تعلم) أنّ الثابت الصحيح عن مالك القول بسنية قبض اليدين فى الصلاة مطلقا.
(فائدة) قال الحنفيون: توضع اليمنى على اليسرى بمجرّد الفراغ من التكبير بلا إرسال. وهو الأصح عند الشافعية لما فيه من قلة الحركة فى الصلاة (وقالت) الحنبلية: يسن إرسال اليدين عقب الإحرام من غير ذكر لعدم وروده. ثم يقبض لما روى أنه صلى الله عليه وسلم كان يُرسِلُ يديه إذا كبّر. وإذا أراد أن يقرا وضع يده اليمنى على اليسرى. (وأجاب) الأولون بأنه على فرض ثبوته، فالمراد بالإرسال فيه إرسال اليدين إلى الصدر، لا أنه كان يرسلهما ثم يستأنف رفعها. أفاده الحافظ على التلخيص.
(6)
ويسنّ - عند جمهور العلماء - لكل مصل أن يأتى بدعاء الاستفتاح سرًّا بعد تكبيرة الإحرام بأى صيغة وردت (والمختار) عند الحنفيين وأحمد أن يكون بما فى حديث عائشة رضى الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمُك وتعالى جدُّك ولا إله غيرك. أخرجه أبو داود وقال: هذا الحديث ليس بالمشهور. والدار قطنى وقال: ليس بالقوىّ. وأخرجه من عدة طرق
(1) ص 158 ج 5 - المنهل العذب (وضع اليمنى على اليسرى فى الصلاة).
موقوفا على عمر، وقال هو الصواب. وأخرجه الترمذى من طريق حارثة ابن أبى الرِّجال عن عَمْره عن عائشة وقال: لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وحارثة قد تُكلم فيه من قِبَل حفظه (1){290}
فالحديث روى من عدّة طرق مرفوعا وفى بعضها مقال، لكن لكثرتها يقوّى بعضها بعضا، وروى موقوفا على عمر، وهو فى حكم المرفوع، لأن مثله لا يقال من قبل الرأى، فالحديث قوىّ والعمل به صحيح. وقد أخرج مسلم فى صحيحه أنّ عمر كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك (وروى) سعيد ابن منصور عن أبى بكر الصديق أنه كان يستفتح به. وكذا رواه الدار قطنى عن عثمان وابن المنذر عن ابن مسعود (2)" واختيار "هؤلاء وجهر عمر به أحياناً بمحضر من الصحابة ليتعلّمه الناس مع أنّ السنة إخفاؤه " يدلّ " على أنه الأفضل وأنه الذى كان النبى صلى الله لعيه وسلم يداوم عليه غالباً (3).
وهو سنة عند الحنفيين حتى فى صلاة الجنازة وللمأموم، لكن المسبوق لا يأتى به حال جهر الإمام. بل يأتى به إذا قام لقضاء ما سُبق به. وإذا أدرك الإمام فى الركوع أو السجود أو القعود، فإن غلب على ظنه أنه ل أتى به أدرك الإمام فيما هو فيه، أتى به قائما، وإلا لا يأتى به.
(1) 188 ج 5 - المنهل العذب (الاستفتاح بسبحانك). وص 112 - الدار قطنى. وص 203 ج 1 - تحفة الأحوذى (ما يقول عند افتتاح الصلاة) و (سبحانك .. ) أى اعتقد أنك يالله منزه عن كل نقص وأحمدك بحمدك. فالواو عاطفة لا زائدة (وتبارك)(اسمك) أى تكاثر برك وإحسانك (وتعالى جدك) أى علت عظمتك، ارتفع سلطانك وغناك عما سواك.
(2)
ص 211 ج 2 - نيل الأوطار.
(3)
ص 212 منه (الاستفتاح).
(ويستحب) عند الشافعية الاستفتاح بما فى حديث علىّ رضى الله عنه: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبّر ثم قال: وجْهتُ وجهى للذى فطَر السمواتِ والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، إنّ صلاتى ونُسُكى ومحياىَ ومماتى لله ربِّ العالَمين، لا شريك له، وبذلك أكرتُ وأنا أولُ المسلمين. اللهم أنت الملِكُ لا إله إلا أنت، أنت ربى وأنا عبدك، ظلمت نفسى، واعترفتُ بذنبى، فاغفِرْ ذنوبى جميعا، إنه لا يغفِرُ الذنوبَ إلا أنت، واهْدنى أحْسن الأخلاق لا يهدى لأحْسَنها إلا أنت، واصْرِف عنى سيئها لا يصرِف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله فى يديك، والشرُّ ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركتَ وتعاليتَ أستغفرك وأتوب إليك "(الحديث) أخرجه الشافعى وأحمد ومسلم والنسائى وأبو داود (1). {291}
(1) ص 72 ج 1 - بدائع المنن. وص 181 ج 3 - الفتح الربانى. وص 57 ج 6 - نووى (صلاة النبى صلى الله عليه وسلم ودعاؤه بالليل) وص 142 ج 1 - مجتبى (الذكر والدعاء بين التكبير والقراءة) وص 167 ج 5 - المنهل العذب (ما تستفتح به الصلاة) و (وجهت وجهى) أى توجهت بذاتى وأخلصت فى عبادتى لله تعالى، فالمراد بالوجه الذات. ويحتمل أن يراد به القلب، أى وجهت قلبى لعبادة الله تعالى. فينبغى =للمصلى أن يتحلى بالحضور والإخلاص ولا سيما حال تلاوة هذا الدعاء، وإلا كان كاذبا. واقبح الكذب ما يكون والإنسان واقف بين يدى مولاه الذى يعلم سره ونجواه (فطر السموات والأرض) أى خلقهما على غير مثال سابق .. وقدم السموات لشرفها وخلوها من المفسدين، وجمعها لما بينها من التفاوت. وافرد الأرض وإن كانت سبعا لانطباقها ولنها من جنس واحد. و (حنيفا مسلما) أى مائلا عن كل دين باطل منقادا للدين الحق مطيعا لأمره تعالى، مجتنبا نهيه (ومحياى ومماتى) أى حياتى وموتى مخلوقان لله تعالى، أو ما أعمل فى حياتى من الطاعات، وما أموت عليه من الإيمان، خالص لمالك السموات والأرضين وما فيهما (وأنا أول المسلمين) هكذا عند أبى داود ورواية لأحمد = ومسلم. وفى رواية لهما والنسائى " وأنا من المسلمين " ويستوى فيها الرجل والمرأة (أنت الملك) أى المتصرف فى جميع المخلوقات. و (ظلم النفس) يكون بالتقصير فى الطاعات واقتراف السيئات، قاله النبى صلى الله عليه وسلم تواضعا منه وتعليما لنا واعترافا لله تعالى بالقدرة التامة والإرادة الشاملة. و (لبيك وسعديك) أى أجيبك إجابة بعد إجابة، وأسعد بطاعتك وإجابتى لدعوتك سعادة بعد سعادة (والخير كله فى يديك) أى فى تصرفك يجرى = بقضائك ولا يدرك من غيرك " لا معطى لما منعت "(والشر ليس إليك) أى لا يتقرب به إليك أو لا يضاف إيك تأدبا (أنا بك وإليك) أى أستعين بك وألتجئ إليك أو بك وجدت وإليك ينتهى أمرى وبك أحيا وأموت وإليك المصير.
(واختار) أبو يوسف وبعض الشافعية الجمع بين ما فى حديثى عائشة وعلىّ. يبدأ بأيهما شاءَ (لحديث) جابر رضى الله عنه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا استفتح الصلاة قال: " سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمُك، وتعالى جدُّك، ولا إلهَ غيرُك. وجهتُ وجهىَ للذى فطر السمواتِ والأرضَ حنيفا مَسْلما إلى الله رب العالمين " أخرجه البيهقى (1){292}
هذا. وينبغى لأن يقول فى دعاء التوجه وأنا من المسلمين، وله أن يقول وأنا أول المسلمين بقصد التلاوة أو على معنى وأنا ألو المنقادين إلى الخير. وقد ثبت عند مسلم وأحمد والنسائى الروايتان (وروى) عن مالك استحباب الجمع بين ما فى حديثى عائشة وعلىّ وحديث أبى هريرة قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبّر فى الصلاة سكت بين التكبير والقراءة فقلتُ له: بأبى أنت وأمى، أرأيتَ سكوتَك بين التكبير والقراءة، أخبرنى ما تقول؟ قال: اللهم باِدْ بينى وبين خطاياىَ كما باعدتَ بين المشِرق والمغرب اللهم نقِّنى من خطاياىَ كالثوب الأبيض من الدنسَ. اللهم اغْسِلنى بالثلْج والماء والبردَ " أخرجه السبعة إلا الترمذى (2){293}
(1) ص 35 ج 3 - بيهقى (الجمع بينهما).
(2)
ص 176 ج 3 - الفتح الربانى = وص 156 ج 2 فتح البارى (ما يقول بعد التبكير) وص 96 ج 5 - نووى. وص 193 ج 5 - المنهل العذب (السكتة عند الافتتاح) وص 142 ج 1 - مجتبى (الدعاء بين التكبيرة والقراءة) وص 139 ج 1 - ابن ماجه (افتتاح الصلاة).
(قال) الزرقانى: وعن مالك استحباب قول المصلى قبل القراءة وبعد تكبير الإحرام: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. وجهت وجهى الآية. اللهم باعد بينى وبين خطاياى كما باعدت بين الشمرق والمغرب. ونقنى من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
واغلسنى من خطاياىَ بالماء والثلج والبردَ أهـ بتصرف (1).
(ومنه) تعلم أن ما اشتهر عن المالكية من أن الدعاء الاستفتاح مكروه لا دليل له. فهاهو ذا الإمام مالك يستحبه ويفعله.
(فائدة) اتفق العلماء على أن الاستفتاح لا يشرع غلا فى الركعة الأولى (لقول) أبى هريرة: " كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا نهض فى الركعة الثانية افتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت " أخرجه مسلم
والنسائى وان ماجه (2){294}
ولأن الاستفتاح لمجموع الصلاة فلا يتكرر.
(7)
ويسنّ - عند الحنفيين والشافعى وأحمد والجمهور - التعوّذ فى الصلاة قبل القراءة، لقوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (3)(وقال) ابن المنذر: جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل القراءة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وقالت) المالكية: يكره فى الفرض دون النفل (لقول) أنس رضى الله عنه: " صليتُ خلْفَ النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر
(1) ص 217 ج 1 - شرح خليل.
(2)
ص 303 ج 2 - نيل الأوطار (افتتاح الثانية بالقراءة).
(3)
سورة النحل: أية 98.
وعثمان فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين " (الحديث) أخرجه أحمد ومسلم والأربعة إلا النسائى (1){295}
ولكنه لا دليل فيه على هذه التفرقة، فإن افتتاح القراءة بالحمد لله، لا ينافى الإتيان بالاستعاذة قبلها، لما تقدّم أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يتعوّذ قبل القراءة (واختلف) القائلون باستحباب التعوّذ فى محله وصيغته والجهر به وتكريره فى الركعات (فمحله) قبل القراءة عند الحنفيين والشافعى وأحمد وأكثر الفقهاء والمحدثين، لما تقدم (ولقول) جُبَير بن مُطِعمٍ:" سمعت النبى صلى الله لعيه وسلم يقول فى التطوّع: الله أكبر كبيراً ثلاث مرات والحمد لله كثيراً ثلاث مرات وسبحان الله بكرة وأصيلا ثلاث مرات. اللهم إن أعوذ بك من الشيطان الرجيم من هَمْزه ونفْثِه ونفخه. قلت يا رسول الله: ما هَمْزُه ونفْثُه؟ قال: " أما همزة فالمُوتَةَ التى تأخذ ابن آدم. وأما نفخه الكِبْرُ ونفثه الشِّعْر " أخرجه أحمد وابو داود وابن ماجه وابن حبان (2){296}
(1) ص 186 ج 3 - افتح الربانى. وص 111 ج 4 - نووى (حجة من لا يجهر بالبسملة). وص 196 ج 5 - المنهل العذب. وص 205 ج 1 - تحفة الأحوذى (افتتاح القراءة بالحمد لله). وص 140 ج 1 - ابن ماجه.
(2)
ص 178 ج 3 - افتح الربانى. وص 174 ج 5 - المنهل العذب (ما تستفتح به الصلاة). وص 139 ج 1 - ابن ماجه (الاستعاذة فى الصلاة) و (الهمز) بفتح فسكون ف الأصل العصر. يقال همزت الشئ فى كفى أى عصرته. وهمز الإنسان اغتيابه. وسمى به المجنون لأنه سببه. و (الموتة) بضم الميم وسكون الواو. والمراد بها نوع من الجنون والصرع. وكان الكبر من نفخ الشيطان، لأن المتكبر يتعاظم لاسيما إذا مدح بسبب وسوة الشيطان. و (النفث) فى الأصل قذف النفس مع شئ م الريق. وكان الشعر م نفث الشيطان، لأنه يحمل الشعراء على المدح والذمّ فى غير موضعهما. وهذا أمر ينبغى للعاقل البعد عنه كالشئ ينفثه من فيه. ويصح أن يراد بالنفث السحر كما فى قوله تعالى (ومن شر النفاثات فى العقد).
(وقال) أو هريرة وابن سيرين والنخعى: يتعوّذ بعد القراءة أخذاً بظاهر الآية (والراجح) الأوّل لصراحة أدلته. ومعنى قوله تعالى {فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ} أردت قراءته جميعاً بين الأدلة.
(وصيغته) عند الجمهور: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لقوله تعالى:{فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} وعن أحمد أنه يقول: أعوذ بالله من السميع العلمي من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم، لقوله تعالى:{فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} (1) وهذا كله واسع، وكيفما استعاذ فهو حسن.
(ويسنّ)(الإسرار به عند الحنفيين وأحمد والجمهور. وهو الراجح عند الشافعية 0 ويستحب) لكل مصلّ تكريره فى كل ركعة عند الشافعية وهو رواية عن أحمد، لعموم الآية (وقال) الحنفيون وعطاء والحسن والنخعى والثورى: يختص التعوّذ بالركعة الأولى. وهو رواية عن أحمد (لقول) أبى هريرة رضى الله عنه: " كان النبى صلى الله علهي وسلم إذا نهض فى الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم يسكت (2) ". وهو يدل على أنه لم يكن يستفتح فيما عدا الأولى ولا يتعوّذ ولأن الصلاة جملة واحدة فالقراءة فيها كلها كقراءة واحدة. وهذا هو الموافق لظاهر الروايات.
هذا. والتعوّذ تابع للقراءة عند النعمان ومحمد فيأتى به غير المأموم، وعند أبى يوسف تابع للثناء فيأتى به كل مصل ولو مأموما.
(8)
التسمية: اختلف العلماء فى حكم التسمية فى الصلاة قبل الفاتحة؟ (فقالت) المالكية: يكره الإتيان بها فى الفرض دون النفل (قال) مالك:
(1) فصلت عجز آية: 36 وأولها: وإما ينزغنك.
(2)
تقدم رقم 294 ص 225.
لا يقرأ فى الصلاة المكتوبة " بسم الله الرحم الرحيم " لا سرا ولا جهراً إماما أو مأموما. وهى السنة وعليها أدركتُ الناسَ. وفى النافلة إنْ أحَبَّ ترَك وإن أحبّ فعَل أهـ (1). قالوا: ومحل الكراهة ما لم يقصد بالإتيان بها الخروج من خلاف من يوجبها أو يعتقد أنّ الصلاة لا تصح إلا بها، وإلا طلب الإتيان بها (وقال) الأوزاعى: لا يقرأها مطلقا (قال) أنس رضى الله عنه: صليتُ خلف النبى صلى الله عليه وسلم وابى بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم فى أول القراءة ولا فى آخرها (2) (وقال) ابن عبد الله بن المغفل: سمعنى ابى وأنا فى الصلاة أقول " بسم الله الرحمن الرحيم " فقال: أى نُبَىَّ مُحْدَثٌ إياك والحدَثَ، وقال: قد صليتُ مع النبى صلى الله عليه وسلم ومع أبى بكر وعمرَ وعثمانَ فم أسمع أحداً منهم يقولها فلا تقلْها. إذا أنت صليتَ فقل: " الحمد لله رب العالمين " أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذى وحسنه (3){297}
(وقال) الحنفيون: يسنّ الإتيان بها سرا لكل قارئ فى الصلاة السرية والجهرية وهو مشهور مذهب الحنبلية (لقول) أنس رضى الله عنه: " صليتُ خلف النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان وكاناو لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم " أخرجه أحمد والنسائى والدار قطنى والطحاوى بسند على شرط الصحيح (4){298}
(1) ص 68 ج 1 - المدونة (القراءة فى الصلاة).
(2)
تقدم رقم 295 ص 225.
(3)
ص 187 ج 3 - الفتح الربانى. وص 140 ج 1 - ابن ماجه (افتتاح القراءة) وص 204 ج 1 - تحفة الأحوذى (ترك الجهر بالبسملة).
(4)
ص 186 ج 3 - الفتح الربانى. وص 144 ج 1 - مجتبى (ترك الجهر بالبسملة) وص 119 - الدار قطنى. وص 119 ج 1 - شرح معانى الآثار (قراءة البسملة .. )
والأحاديث فى هذا كثيرة، وهى وإن كان فى بعضها مقال إلا أنها لكثرتها تصلح للاحتجاج بها.
(وأجابوا) عن أدلة المالكية (أ) بأن حديث أنس الذى استدلوا به ضعيف لا يصلح لاحتجاج به لاضطرابه واختلاف ألفاظه مع تغاير معانيها فقد قال فيه " مرة " كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، " مرة " فلم يكونوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم " ومرة " قال: فلم أسمع أحداً منهم يقرا بسم الله الرحمن الرحيم. ذكر هذه الروايات الدار قطنى (ولذا) قال ابن عبد البر: قال أهل الحديث حديث أنس هذا النقل فيه مضطرب اضطراباً لا تقوم به معه حجة (1)(ب) بأن حديث ابن عبد الله بن المغفل غير صحيح من جهة النقل، لأن ابن عبد الله بن المغفل مجهول لا تقوم به حجة، ولو صح وجب تأويله جمعا بين الأدلة. إما بأنّ أنساً كان يقف قريباً من النبى صلى الله عليه وسلم وخلفائه، فروى أنهم كانوا يأتون بالبسملة سرا بخلاف عبد الله بن مغفل، فإنه كان يقف بعيداً عنهم فلم يسمع ما حفظه أنس (وقالت) الشافعية: يجب الإتيان بالبسملة أوّل الفاتحة. وبه قال ابن المبارك وإسحاق وروى عن أحمد: ويستحب عند الشافعية الجهر بها فى
(1) وعلى تقدير ترجيح رواية منها وردّ باقيها إليها فلا يرجح إلا رواية: كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، لأن أكثر الرواة عليها. وهى لا تدل على عدم الإتيان بالبسملة. لإمكان أن يراد بالحمد لله رب العالمين، السورة بتمامها. ومنها البسملة ويؤيده. (أ) حديث أنس المتقدّم رم 298 ص 228 (ب) وقوله " إن النبى صلى الله عليه وسلم كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم وأبا بكر وعمر " أخرجه الطبرانى فى الكبير والأوسط. انظر ص 108 ج 2 - مجمع الزوائد (بسم الله الرحمن الرحيم)
الصلاة الجهرية والإسرار بها فى الصلاة السرية. وهو قول الليث بن سعد وإسحاق بن راهوية وغيرهم (لقول) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يقول: " الحمدُ لله ربِّ العالمين سبعُ آيات إحداهنّ بسم الله الرحمن الرحيم.
وهى السبعُ المثانى والقرآنُ العظيم. وهى أم القرآنِ وفاتحةُ الكتاب " أخرجه الطبرانى فى الأوسط بسند رجاله ثقات (1){299}
(ولحديث) أبى هريرة رضى الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قرأتم الحمد لله فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم، إنها أُمُّ القرآنِ وأُمُّ الكتاب والسبعُ المثانى وبسم الله الرحمن الرحيم إحداها " أخرجه الدار قطنى بسند رجاله ثقات وصحح غيرُ واحد وقفهَ (2){300}
(ولحديث) أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يجهر " ببسم الله الرحمن الرحيم " أخرجه الدار قطنى (3){301}
وأخرج نحوه عن عائشة وأنس رضى الله عنهما.
والأحاديث فى هذا كثيرة ولا منافاة بينها وبين الأحاديث الدالة على الإسرار بها، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يسرّ بها تارة ويجهر بها أخرى والمختار عند الحنفيين والجمهور الإسرار بها (قال) ابن قدامه: ولا تختلف الرواية عن أحمد أن الجهر بها غير مسنون. قال الترمذى: وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين: منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وابن مسعود وابن الزبير وحماد والأوزاعى والثورى وابن المبارك وأصحاب الرأى (4)
(1) ص 109 ج 2 - مجمع الزوائد (بسم الله الرحم الرحيم).
(2)
ص 118 - الدار قطنى.
(3)
ص 116 منه.
(4)
ص 525 ج 1 - مغنى هذا وقد زعم (أ) الحنفيون والحنبلية أن الجهر بالبسملة = منسوخ لقول سعيد بن جبير: كان النبى صلى الله عليه وسلم يجهر (ببسم الله الرحمن الرحيم) - وكان أهل مكة يدعون مسيلمة. الرحمن - فقالوا: إن محمدا يدعو إلى إله اليمامة فأمر النبى صلى الله عله وسلم فأخفاها فما جهر بها حتى مات. أخرجه أبو داود فى المراسيل (انظر ص 361 ج 1 - نصب الراية)(ب) وزعم الشافعية أن الإسرار بها منسوخ لقول ابن عباس: إن النبى صلى الله عليه وسلم لم يزل يجهر فى السورتين (ببسم الله الرحمن الرحيم) حتى قبض. أخرجه الدار قطنى. وفى سنده عمر بن حفص ضعيف أجمعوا على ترك حديثه فلا يجوز الاحتجاج به (انظر ص 347 ج 1 - نصب الراية)(وقال) الحازمى: وطريق الإنصاف أن ادعاء النسخ فى كلا المذهبين متعذر لأن من شرط الناسخ أن يكون له مزية على المنسوخ من حيث الثبوت والصحة. وقد فقدناها هاهنا فلا سبيل إلى القول به. وأحاديث الإخفاء أمتن ثم قال: والحق أن كل من ذهب إلى أى هذه الروايات فهو متمسك بالسنة (انظر ص 362، 363 ج 1 - نصب الراية).
(فائدتان)(الأولى) قال النعمان وأبو يوسف: لا تسنّ التسمية بين الفاتحة والسورة ولا تكره (وقال) الشافعى: تسنّ جهراً فى الجهرية وسرًّا فى السرية (وقال) محمد بن الحسن: تسنّ سرًّا فى السرية (وقال) أحمد: تسنّ سرًّا فى الجهرية والسرية (الثانية) اختلف فى أن البسملة آية من الفاتحة أو من القرآن أو ليست آية (فقال) الحنفيون: إنها آية من القرآن أنزلت للفصل بين السور وليست آية من الفاتحة ولا من كل سورة. وهو رواية عن أحمد (لقول) ابن عباس رضى الله عنهما: " كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يعرِف فصلَ السورة حتى يَنزِل عليه ببسم الله الرحمن الرحيم. وفى رواية لا يعلم ختْم السورة " أخرجه أبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (1){302}
فهو يدل على أنها آية من القرآن لوصفها بالإنزال (ولحديث) أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى: قسمتُ الصلاةَ بينى وبين عبدى نصفين نصفها لى ونصفها لعبدى ولعبدى ما سأل. يقولُ العبدُ:
(1) ص 231 ج 1 - مستدرك.
الحمدُ لله ربِّ العالمين. يقول الله تعالى: حَمِدنى عبدى. يقول البعد: الرحمن الرحيم. يقول الله تعالى: أثْنى علىّ عبدى. يقول العبد: مالكِ يومِ الدين. يقول الله تعالى: مجَّدنى عبدى. يقول العبد: إياك نعبُدُ وإياك نستعين. فهذه بينى وبين عبدى ولعبدى ما سأل. يقول العبد: اهدنا الصراطَ المستقيمَ صِراطَ الذين أنْعْمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالِّين. فهؤلاء لعبدى ولعبدى ما سأل " أخرجه الجماعة إلا البخارى (1){303}
فالابتداء بالحمد لله دليل على أن البسملة ليست من الفاتحة، وإذا لم تكن منها لا تكون من غيرها (وقالت) المالكية: ليست البسملة آية من القرآن إنما هى بعض آية من سورة النمل. وهو رواية عن أحمد (لقول) عبد الله ابن معبد والأوزاعى: ما أنزل الله بسم الله الرحمن الرحيم إلا فى سورة: {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنِّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} " ورد " بما تقدم عن ابن عباس (2) فإنه صريح فى أنها نزلت آية مستقلة " واستدلالهم " بأن القرآ، لا يثبت إلا بالتواتر ولم يوجد " يردّة " أن القراء السبعة اتفقوا عليها، وقراءتهم متواترة، وأن إثباتها فى المصحف دليل قطعىّ على التواتر بل هو أقوى من الرواية القولية
(1) ص 191 ج 3 - الفتح الربانى. وص 101 ج 4 - نووى (وجوب قراءة الفاتحة) وص 246 ج 5 - المنهل العذب (من ترك القراءة فى صلاته) وص 144 ج 1 مجبتى (ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم)(فإن قيل) فقد روى عبد الله بن زياد بن سمعان الحديث وفيه: قال عز وجل: إنى قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين يقول عبدى إذا افتتح الصلاة: بسم الله الرحمن الرحيم. يقول الله تعالى: ذكرنى عبدى (لقنا) ابن سمعان متروك الحديث لا يحتج به. قاله الدار قطنى. واتفاق الرواة على خلاف روايته أولى بالصواب.
(2)
تقدم رقم 302 ص 231.
(وقالت) الشافعية: هى آية من الفاتحة.
وروى عن أحمد. وكذا هى آية من كل سورة على الأصح عندهم. وهو قول ابن عباس وابن الزبير وابن عمر وابن المبارك. قال: من ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك مائة وثلاث عشرة آية.
(واحتجوا)(أ) بأن الصحابة أجمعوا على إثباتها فى المصحف بخطه فى أوائل السور سوى براءة. فلو لم تكن قرآناً لما أثبتوها بخط المصحف من غير تمييز، لأنه يحمل الناس على اعتقاد أنها قرآن، وفيه تغرير بالمسملين وحملهم على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا. وهذا مما لا يجوز اعتقاده فى الصحابة.
(ب) وحديث أبى هريرة: الحمد لله ربِّ العالمين سبع آيات إحداهنّ بسم الله الرحمن الرحيم (1)(ج) وبما تقدّم عنه عند الدار قطنى وفيه: وبسم الله الرحمن الرحيم إحداها (2)(د) وحديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أُنْزلت علىّ آنِفاً سورةٌ. فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم. إنا أعطيناك الكوثر حتى ختمها: (الحديث) أخرجه مسلم وأبو داود (3){304}
فهو يدل على أن البسملة آية من السورة. حيث جعلها من مسماها.
(وأجاب) الأوّلون
…
(أ) بأن إثباتها فى المصحف بين السور للفصل بينها لا يدل على أناه آية من كل سورة وإن كانت آية من القرآن.
(ب) وأن الصحيح فى حديث أبى هريرة وقفه عليه كما تقدم.
(ج) وأن قراءة النبى صلى الله عليه وسلم لها فى حديث أنس " ليس "
(1) تقدم رقم 299 ص 230.
(2)
تقدم رقم 300 ص 230.
(3)
ص 112 ج 4 - نووى (حجة من قال البسملة آية من كل سورة) وص 201 ج 5 - المنهل العذب.
صريحاً فى أنها من السورة، لاحتمال أنه ابتدأ بها للتبرك.
ومما تقدم تعلم أنه لا وجه لمن قال بكراهة البسملة فى الصلاة وأنها ليست فى القرآن (قال) الشوكانى: وقد أجمعت الأمة على انه لا يكفر من أثبتها ولا من نفاها، لاختلاف العلماء فيها، بخلاف ما لو نفى حرفا مجمعاً عليه أو أثبت ما لم يقل به أحد، فإنه يكفر بالإجماع ولا خلاف أنها بعض آية من سورة النمل، ولا فى إثباتها خطا فى أوائل السور فى المصحف إلا فى أول سورة التوبة. ولا خف بين القرّاء السبعة فى تلاوتها فى أول الفاتحة وأول كل سورة إذا ابتدأ بها القارئ ما خلا سورة التوبة. أما إذا وصلها بسورة سابقة، فأثبتها ابن كثير وقالون وعاصم والكسائى إلا فى أول التوبة. وحذفها أبو عمرو وحمزة وورش وابن عامر (1).
(9)
ويسن كل مصل التامين بعد الفاتحة (لحديث) أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أمّن الإمام فأمّنوا. فإن مَنْ وافق تأمينهُ تأمينَ الملائكِة غُفر له ما تقدّم من ذنبه " أخرجه السبعة (2){305}
وفى رواية: إذا قام الإمام غيرِ المغضوبِ عليهم ولا الضالِّينَ، فقولوا آمين، فإن الملائكة تقول آمين. وإن الإمام يقول آمين. فمن وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة عِفُر له ما تقدّم من ذنبه " أخرجه أحمد والنسائى (3){306}
(1) ص 118 ج 2 - نيل الأوطار.
(2)
ص 204 ج 2 - الفتح الربانى. وص 178 ج 2 - فتح البارى (جهر الإمام بالتامين) وص 128 ج 4 - نووى (التسميع والتحميد والتأمين) وص 39 ج 6 - المنهل العذب. وص 147 ج 1 - مجتبى (جهر الإمام بآمين).
(3)
ص 203 ج 3 - الفتح الربانى. وص 147 ج 1 - مجتبى (الأمر بالتأمين خلف الإمام)(فمن وافق) المراد بالموافقة ف وقت التأمين بأن يؤمن مع تأمينهم والحكمة فى طلب الموافقة فى القول والزمان حمل المأموم على الاهتمام بالإتيان بالوظيفة ف محلها. وقيل: المراد الموافقة فى الصفة والخشوع والإخلاص
ولا تنافى بين الروايتين فإن قوله إذا أمّن الإمام، أى إذا أراد التأمين فأمّنوا معه، فإن الملائكة تؤمِّن معه. وقيل يؤخذ من الروايتين تخيير المأموم فى التامين مع الإمام أو بعده. قاله الطبرى.
والأمر فى هذا الحديث محمول على الندب عند الجمهور. وبه قال الحنفيون والثورى وأحمد والشافعى. وكذا المالكية فى حق المأموم والمنفرد. أما الإمام فالمشهور عندهم أنه يؤمن فى السرية فقط، وقيل لا يؤمّن أصلا، وقيل يؤمن مطلقا. وهذا الذى يشهد له الدليل.
(فائدة) ظاهر الحديث أنه يسنّ الاقتصار على التأمين بعد الفاتحة لكن (روى) وائل بن حُجْرٍ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال " غير المغضوب عليهم ولا الضالين " قال: ربِّ اغفر لى آمين " أخرجه البيهقى والطبرانى. وفى سنده أحمد بن عبد الجبار العطاردى وثقه الدار قطنى وأثنى عليه أبو كريب وضعفه جماعة، وقال ابن عدى لم أر له حديثاً منكرا (1){307}
وأما زيادة ولو الدىّ وللمسلمين بعد رب اغفر لى، فلم يرد ما يدل عليها.
(واختلفوا) فى صفة التأمين (فقال) الحنفيون ومالك: يسنّ الإسرار به ف السرية والجهرية، لأنه دعاء فاستحب إخفاؤه كالتشهد (ولحديث) شعبة عن سلمه بن كُهيل بسنده إلى وائل بن حُجْر قال:" صلى بنا النبى صلى الله عليه وسلم فلما قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال آمين وأخفى بها صوته " أخرجه أحمد والحاكم فى كتاب القراءة وقال: صحيح الإسناد والدار قطنى.
(1) ص 58 ج 2 - بيهقى (جهر الإمام بالتأمين) وص 113 ج 2 - مجمع الزوائد (التأمين).
وقال: كذا قال شعبة " أخفى بها صوته " ويقال إنه وهمِ فيه، لأن سفيان الثورى ومحمد بن سلمه بن كَهيل وغيرهما رَووه عن سلمه فقالوا. ورفع صوته بآمين. وهو الصواب (1){308}
(ولقول) أبى حنيفة حدثنا حماد بن أبى سليمان عن إبراهيم المخعى قال: أربع يُسِرُّهُنَّ الإمام فى نفسه: بسم الله الرحمن الرحيم وسبحانك اللهم والتعوّذ وآمين " أخرجه أبو يوسف ومحمد بن الحسن فى كتاب الآثار (2).
(وقالت) الشافعية والحنبلية وإسحاق: يسن الجهر به لكل مصل فى الجهرية. والإسرار به ف السرية (لقول) أبى هريرة: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا غير المغضوب عليهم ولا الضالينَ، قال آمينِ، حتى يسْمَع من يليه من الصف الأول " أخرجه أبو داود وابن ماجه. وقال: حتى يَسمعَها أهلُ الصفّ الأوّل فيرتجّ بها المسجد. أخرجه الدار قطنى وقال: إسناده حسن. والحاكم وقال صحيح على شرطهما (3){309}
وقال الترمذى: وبه يقول غير واحد من أله العلم يرون الرجل يرفع صوته بالتأمين ولا يخفيها (4). ويؤيده " قول " عطاء: أدركت مائتين من
(1) ص 205 ج 3 - الفتح الربانى. وص 369 ج 1 - نصب الراية. وص 127 - الدار قطنى. و (آمين) بالمد والتخفيف فى كل الروايات وعن جميع القراءة. وهو اسم فعل تفتح نونه فى الوصل، ومعناه استجب يا ألله. وليس من الفاتحة ولا من القرآن. ولذا يسنّ فضله عن الفاتحة بسكته ليميز القرآن عن غيره.
(2)
انظر رقم 106 ص 21 (آثار أبى يوسف).
(3)
ص 37 ج 6 - المنهل العذب (التأمين وراء الإمام) وص 145 ج 1 ابن ماجه (الجهر آمين) وص 127 - الدار قطنى. وص 223 ج 1 - مستدرك
(4)
ص 209 ج 1 - تحفة الأحوذى.
أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا المسجد إذا قال الإمامُ ولا الضالين سمعت لهم رَجَّةً بآمين. أخرجه البيهقى (1).
(وأجابوا) عن حديث وائل بن حر بأنه مضطرب وأن شعبة أخطأ فيه (قال) البيهقى فى المعرفة: أجمع الحفاظ البخارى وغيره على أن شعبة أخطأ فقد روى من أوجه: فجهر بها أهـ. وتقدم أن الحاكم صحح إسناد رواية شعبة وقد وردت من عدة طرق تنفى إعلالها باضطرابه. ولذا قال بعضهم: والصواب أن الخبرين بالجهر والإسرار بالتامين صحيحان وعمل بكل مهما جماعة.
هذا (ويسنّ) ختم الدعاء بآمين لأنه أضمن للإجابة وهو مثل الطابع على الصحيفة (قال) أبو زُهَير النَّميرىّ: خرجنا مع النبى صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلة فأتينا على رجل قد الحّ فى المسألة فوقف النبى صلى الله عليه وسلم يستمِع منه فقال: أوْجبَ عن ختَّم. فقال رجل من القوم بأىِّ شئ بختِمُ؟ فقال آمين (الحديث) أخرجه أبو داود (2){310}
هذا. والتأمين من خصوصيات هذه الأمة (لقول) أنس رضى الله عنه: " كنا عند النبى صلى الله عليه وسلم جلوساً فقال: إن الله قد اعطانى خِصالا ثلاثة: أعطانى صلاةً فى الصفوف وأعطانى التحية (السلام) إنها لَتَحيةُ أهلِ الجنةِ وأعطانى التامين ولم يعطِه أحدا من النبيين قبلى، إلا أن يكون الله قد أعطاه هارون يدعو موسى ويؤمّن هارون " أخرجه ابن خزيمة (3){311}
(1) ص 59 ج 2 - بيهقى (جهر المأموم بالتأمين).
(2)
ص 41 ج 6 - المنهل العذب (التأمين) و (أوجب إن ختم) يعنى أجيب دعاؤه إن ختمه بآمين
(3)
ص 43 ج 6 - المنهل العذب.
(10 - 14) قد اتفق الأئمة الأربعة وغيرهم على أنه يسن فى الركوع أخذ الركبتين باليدين وتفريج الأصابع فى الركوع وبسط الظهر. وتسوية الرأس بالعجز. ومباعدة المرفقين عن الجنبين لما تقدم فى بحث الركوع (ولحديث) أنس أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال له: " يا بُنَىّ إذا ركعتَ فضَعْ كفَّيْك على رُكْبتيك، وفرِّج بين أصابعك، وارفع يديك عن جَنْبين " أخرجه الطبرانى فى الصغير والوسط (1){312}
(ولقول) عائشة من حديث طويل: " وكان - أى النبى صلى الله عليه وسلم إذا ركع لم يُشْخصْ رأسه ولم يُصَوِّبْه ولكنْ بين ذلك " أخرجه مسلم (2){313}
(وأما قول) ابن مسعود رضى الله عنه: " إذا ركع أحدكم فليفرِش ذراعيه على فخِذيه ولْيُطبّق بين كفَّيه فكأنى أنظُرُ إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه مسلم وأبو داود (3){314}
(فمنسوخ) بحديث مُصْعَبِ بن سعد قال: " صليتُ إى جنْب أبى فجعلتُ يَدىّ بين رُكْبتى فنهانى عن ذلك فُعدتُ فقال: لا تصنعْ هذا فإنا كنا نفعله فنُهينا عن ذلك وأُمِرنْا أن نضع أيديَنا على الركَب"أخرجه السبعة (4){315}
(1) ص 372 ج 1 - نصب الراية.
(2)
ص 213 ج 4 - نووى (ما يجمع صفة الصلاة .. )(لم يشخص) م أشخص أى لم يرفع رأسه حتى تكون أعلى من ظهره (ولم يصوبه) من التصويب أى لم يخفضه خفضا بليفا.
(3)
ص 16 ج 5 - نووى (وضع الأيدى على الركب فى الركوع) وص 313 ج 5 - المنهل العذب (أبواب الركوع والسجود)(وليطبق) من التطبيق وهو الجمع بين الكفين ووضعهما بين الفخذين حال الركوع.
(4)
ص 253 ج 3 - الفتح الربانى. وص 185 ج 2 - فتح البارى (وضع الأكف على الركب فى الركوع) وص 17 ج 5 - نووى. وص 313 ج 5 - النهل العذب. وص 159 ج 1 - مجتبى (نسخ ذلك).
(قال) النووى: اتفق العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على كراهة التطبيق فى الركوع إلا عبد الله بن مسعود فإنه كان يقول: التطبيق سنة (1).
(15 و 16) ويسن - عند الحنفيين وأحمد والثورى وإسحاق والجمهور - البداءة بوضع ركبتيه قبل يديه حال هُويّه للسجود. ورفع وجهه ثم يديه ثم ركبتيه فى القيام منه (لقول) وائل بن حُجْر " رأيت النبى صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه. وإذا نهَض رفع يديه قبل ركبتيه " أخرجه الأربعة وقال الترمذى حسن غريب، لا نعرف أحداً رواه غير شَريكٍ أهـ (2){316}
وشَريك ليس بالقوى فيما ينفرد به. لكن يقوّيه حديث أنس قال: " رأيت النبى صلى الله عليه وسلم كبّر فحاذى بإبهاميه أذنيه إلى أن قال: ثم انحطّ بالتكبير حتى سبقتْ ركبتاه يديه " أخرجه الدار قطنى والبيهقى
وقالا: تفرّد به العلاء بن إسماعيل وهو مجهول. وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين (3){317}
(وقال) مالك والأوزاعى: الأفضل تقديم اليدين على الركبتين عند الهُوىّ إلى السجود ورفعُ الركبتين قبل اليدين عند القيام، وبه قال أصحاب الحديث وروى عن أحمد (لحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سجد أحدكم فلا يَبرُك كما يبرك البعير، ولْيضع يديه قبل ركبتيه،
(1) ص 411 ج 3 - شرج المهذب.
(2)
ص 275 ج 5 - المنهل العذب (كيف يضع ركبتيه قبل يديه). وص 165 ج 1 - مجتبى (ألو ما يصل إلى الأرض من الإنسان فى سجوده). وص 228 ج 1 - تحفة الأحوذى. وص 149 ج 1 ابن ماجه (السجود).
(3)
ص 132 - الدار قطنى. وص 99 ج 2 - بيهقى (وضع الركبتين قبل اليدين).
أخرجه أحمد والنسائى وأبو داود بسند جيد (1){318}
(ولحديث) ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه. أخرجه الدار قطنى وابن خزيمة وصححه والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم (2){319}
(وروى) عن مالك التخيير بين الكيفيتين (وفضّل) الأولى بان القيم قال وكان صلى الله عليه وسلم إذا هوى إلى السجود - يضع ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه، هذا هو صحيح ولم يُروَ فى فعله ما يخالف ذلك.
(وأما حديث) أبى هريرة يرفعه: إذا سجد أحدكم فلا يبْرك كما يبرُك البعير. ولْيضع يديه قبل ركبتيه (فالحديث) والله أعلم قد وقع فيه وهم من بعض الرواة. فإن أوّله يخالف آخره. فإنه إذا وضع يديه قبل ركبته فقد برك كما يبرك البعير. فإن البعير إنما يضع يديه أوّلا. ولما علم أصحاب هذا القول ذلك قالوا: ركبتا البعير فى يديه لا فى رجليه. فهو إذا برك وضع ركبتيه أوّلا. فهذا هو المنهى عنه. وهو فاسد لوجوه (أحدها) أن البعير إذا برك فإنه يضع يديه أوّلا وتبقى رجلاه قائمتين. فإذا نهض فإنه ينهض برجليه أولا وتبقى يداه على الأرض وهذا هو الذى نهى عنه صلى الله عليه وسلم وفَعل خلافه (وكان) صلى الله عليه وسلم أولَ ما يقع منه على الأرض الأقربُ منها فالأقرب. وأول ما يرتفع عن الأرض منه الأعلى فالأعلى (وكان) يضع ركبتيه أولا ثم يديه ثم جبهته. وإذا رفع رفع رأسه أولا ثم يديه ثم ركبتيه. وهذا عكس فعل البعير. وهو صلى الله عليه وسلم
(1) ص 276 ج 3 - الفتح الربانى. وص 165 ج 1 - مجتبى (أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان فى سجوده). وص 280 ج 5 - - المنهل العذب
(2)
ص 131 - الدار قطنى.
نهى فى الصلوات عن التشبه بالحيوانات. فنهى عن بُروكٍ كبروك البعير، والتفات كالتفات الثعلب، وافتراش كافتراش السبع، وإقعاءٍ كإقعاء الكلب، ونقر كنقر الغراب (فهدْى) المصلى مخالف لهدى الحيوانات (الثانى) أن قولهم ربتا البعير فى يديه كلام لا يعقل، ولا يعرفه أهل اللغة. وإنما الركبة فى الرجلين وإن أطلق على اللتين فى يده اسم الركبة فعلى سبيل التغليب.
(الثالث) أنه لو كان كما قالوه، لقال فليبرك كما يبرك البعير. وإنّ أوّل ما يمس الأرض من البعير يداه.
ومن تأمل بروك البعير وعلم أنه نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بروك كبروك البعير، علم أن حديث وائل بن حُجْر هو الصواب " وكان " يقع لى أن حديث أبى هريرة مما انقلب على بعض الرواة متنه وأصله. ولعله " ولْيَضعْ ركبتيه قبل يديه " ثم قال " حتى رأيت " أبا بكر بن أبى شيبة قد رواه كذلك بسنده إلى أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قلا: " إذا سجد أحدكم فليبدأ بركيته قبل يديه، ولا يبرك كبروك الفحل {320}
(ورواه) الأثرم فى سننه أيضاً عن أ [ى بكر كذلك (وقد) روى عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم ما يصدّق ذلك ويوافق حديث وائل ابن حجر (قال) ابن أبى داود بسنده إلى أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه. {321}
(وقد) روى ابن خزيمة فى صحيحه من حديث مصعب بن سعد عن أبيه قال: كنا نضع اليدين قبل الركبتين، فأُمِرْنا بالركبتين قبل اليدين {322}
(وعلى هذا) فإن كان حديث أبى هريرة محفوظا فإنه منسوخ (ولكن) للحديث علتان: (إحداهما) أنه من رواية يحيى بن سلمة بن كُهيل وليس
ممن يحتج به (قال) النسائى متروك. وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا لا يحتج به. وقال ابن معين: ليس بشئ (الثانية) أن المحفوظ من رواية مصعب بن سعد عن أبيه، إنما هو قصة التطبيق، وهو قول سعد كنا نضع هذا " يعنى اليدين بين الركبتين " فأمرنا أن نضع أيدينا على الركب ثم قال (فهذه) الأحاديث المرفوعة من الجانبين (وأما الآثار) عن الصحابة (فالمحفوظ) عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه كان يضع ركبتيه قبل يديه. ذكره عبد الرزاق وابن المنذر وغيرهما. وهو المروى عن ابن مسعود رضى الله عنه. ذكره الطحاوى بسنده إلى علقمة والأسود. قالا: حَفِظنا عن عمر فى صلاته أنه خرّ بعد ركوعه على ركبتيه كما يخِرّ البعير، ووضع ركبتيه قبل يديه. ثم ساق من طريق الحجاج بن أرْطاةَ قال: قال إبراهيم النخعى: حَفظِ عن عبد الله بن مسعود أن ركبتيه كانتا تقعان على الأرض قبل يديه (1)
ثم قال: قلت وقد روى حديث أبى هريرة بلفظ آخر ذكره البيهقى وهو: إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك الجمل ولْيضع يديه على ركبتيه (2).
(وحديث) وائل بن حْجْر أولى لوجوه (أحدها) أنه أثبت من حديث أبى هريرة. قاله الخطابى وغيره (الثانية) أحد حديث أبى هريرة مضطرب المتن (فمنهم) من يقول فيه: وليضع يديه قبل ركبتيه (ومنهم) من يقول العكس (ومنهم) من يقول وليضع يديه على ركبتيه (ومنهم) من يحذف هذه الجملة رأسا (الثالث) ما تقدّم من تعليل البخارى والدار قطنى
(1) ص 151 ج 1 - شرح معانى الآثار (ما يبدأ بوضعه فى السجود .. )
(2)
ص 100 ج 2 - بيهقى (من قال يضع يديه قبل ركبتيه) وقال: كذا قال: على ركبتيه فإن كان محفوظا كان دليلا عى انه يضع يديه عى ركبتيه عند الإهواء إلى السجود.
وغيرهما (الرابع) أنه الموافق لنهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بروك كبروك الجمل فى الصلاة، بخلاف حديث أبى هريرة (الخامس) أن أكثر الناس عليه (السادس) أنه حديث فيه قصة محكية سيقت لحكاية فعله صلى الله عليه وسلم. فهو أولى أن يكون محفوظا، لأن الحديث إذا كان فيه قصة محكية دل على أنه حفظ. (السابع) أن الأفعال المحكية فيه كلها ثابتة صحيحة من رواية غيره. فهى أفعال معروفة صحيحة. وهذا واحد منها فله حكمها. ومعارضه ليس مقاوماً له. فيتعين ترجيحه والله أعلم (1).
(وخالفه) الشوكانى فقال: ومن المرجحات لحديث أبى هريرة أنه قول.
وحديث وائل حكاية فعل. والقول أرجح. مع أنه قد تقرّر فى الأصول أن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض قوله الخاص بالأمّة. ومحل النزاع م هذا القبيل. وأيضاً حديث أبى هريرة مشتمل على النهى المقتضى للحظر.
وهو مرجح مستقل ولذا قال النووى: لا يظهر لى ترجيح أحد المذهبين أهـ (2)، والخلاف إنما هو فى الأفضل. وأىّ الكيفيتين فعل المصلى فصلاته صحيحة.
(17 إلى 22) ويسن فى السجود تمكين الجبهة والأنف وسائر أعضاء السجود من الأرض حال السجود. ووضع الوجه بين الكفين. وضم أصابع اليدين محاذية الأذنين. وجافاة الرجل مرفقيه عن جنبيه ومجافاه بطنه عن فخذيه وفخذيه عن ساقيه فى السجود. وتوجيه المصلى أصابع يديه ورجليه نحو القبلة حال السجود لأنّ النبى صلى الله لعيه وسلم كان يفعل ذلك فى سجوده " ففى حديث " وائِل بنِ حُجْرِ قال: صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم فكان إذا
(1) ص 56 إلى 59 ج 1 - زاد المعاد (كيفية سجوده صلى الله عليه وسلم.
(2)
ص 283 ج 2 - نيل الأوطار (هيئات السجود وكيف الهوى إليه).
كبر رفع يديه إلى أن قال: ثم سجد ووضع وجهه بين كفّيه (الحديث). أخرجه أبو داود (1){323}
(وعنه) أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع فرّج بين أصابعه، وإذا سجد ضم أصابعه. أخرجه ابن حبان والحاكم قال: صحيح على شرط مسلم (2){324}
(وعنه) قال: رمَقْنُ النبى صلى الله عليه وسلم فلم سجد وضع يديه حِذاء أُذنيه. رواه الأثرم (3){325}
وإلى هذا ذهبت الحنفية والمالكية، وروى عن أحمد قال الأثرم: رأيت أبا عبد الله " يعنى الإمام أحمد " ويداه بحذاء أذنيه (وقال) الشافعى: يستحب وضع اليدين حذو المنكبين. وهو مشهور مذهب أحمد (لحديث) أبى حُميدٍ الساعِدى أن النبى صلى الله عليه سلم كان إذا سجد أمْكن أنفَه وجبهتَه الأرضَ ونحىَ يديه عن جَنْبيه ووضع كفّيه حَذو مَنْكِبيه. أخرجه ابن خزيمة والترمذى وقال: حسن صحيح (4){326}
(والجمع) بينهما حسن بأن يجعل راحتيه حَذْو منكبيه، وطرف الإبهامين حذو الأذنين. وهو قول المالكية (قال) عبد الله بن مالك بن بُحَيْنَة: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا صلى فرّج بين يديه حتى يبدُوَ بباضُ إبْطيه أخرجه الشيخان (5){327}
(1) ص 123 ج 5 - المنهل العذب (رفع اليدين).
(2)
ص 224، 227 ج 1 مستدرك.
(3)
ص 381 ج 1 - نصب الراية.
(4)
ص 231 تحفة الأحوذى (السجود على الجبهة والأنف).
(5)
ص 199 ج 2 - فتح البارى (بيدى ضبعيه ويجافى فى السجود) وص 210 ج 4 - نووى (الاعتدال فى السجود).
ومحل طلب التفريج إذا لم يكن المصلى فى الصف، وإلا فلا يجافى حذراً من إيذاء جاره (وعن) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال:" إذا سجد أحدكم فلا يفترش ذِراعية افتراشَ الكلب ولْيضُم فخِذَيه " أخرجه أبو داود وابن خزيمة (1){328}
والأمر فى قوله وليضم فخذيه للندب عند الجمهور، وللإباحة عند الحنبلية لأن المستحب عندهم أن يفرّق بين ركبتيه (لقول) أبى حُمَيدٍ فى صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم:" وإذا سجد فرّج بين فخِذيه غيرَ حاملٍ بطنَه على شئ من فخِذيه " أخرجه أبو داود (2){329}
(وقال) ابن عباس: " أتيت النبى صلى الله عليه وسلم من خلفه " يعنى وهو ساجد " فرأيت بباضَ إبْطيه وهو مُجَخّ قد فرّج بين يديه " أخرجه أبو داود والبزار (3){330}
والأمر بمجافاة اليدين حال السجود للندب (لحديث) أبى هريرة قال: " اشتكى أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم على النبى مشقةّ السجود عليهم إذا تفرّجوا فقال: استعينوا بالركب " أخرجه أحمد وأبو داو والترمذى من طريق ابن عجلان، وزاد أحمد " قال ابن عجلان: وذلك أن يضع مِرْفقيه على ركبتيه إذا طال السجود وأعيا " (4){331}
(1) ص 350 ج 5 - المنهل العذب (صفة السجود).
(2)
ص 140 منه (افتتاح الصلاة).
(3)
ص 349 ج 4 - المنهل العذب (صفة السجود) ومجخ، اسم فاعل من جخى بتشديد الخاء إذا جافى عضديه عن جنبيه.
(4)
ص 289 ج 3 - افتح الربانى. وص 351 ج 5 - المنهل العذب (الرخصة فى ذلك) أى فى عدم تفريج اليدين. وص 236 ج 1 تحفة الأحوذى (الاعتماد فى السجود) وتفرّجوا، بتشديد الراء، أى باعدوا أيديهم عن جنوبهم، ورفعوا بطونهم عن أفخاذهم. وفى أبى داود: إذا انفرجوا.
ففيه دليل على جواز ترك التجافى حال السجود للضرورة فيكون قرينة صارفة لأحاديث الأمر بالتجافى إلى الندب.
(والحكمة) فى استحباب التجافى حال السجود أن يخف اعتماده على جبهته ولا يتأثر أنفه ولا يتأذى بملاقاه الأرض. قاله القرطبى. وقال غيره: هو أشبه بالتواضع وأبلغ فقى تمكين الجبهة والأنف من الأرض مع بعده عن هيئة الكسلان (1)، وهو مستحب فى حق الرجل اتفاقا.
أما المرأة فيستحب لها ضم بعضها إلى بعض لأنه أستر لها (ولحديث) يزيد بن أبى حبيب أنّ النبى صلى الله عليه وسلم مرّ على امرأتين تصليان فقال: إذا سجدتُها فضُما بعض اللحم إلى الأرض فإنّ المرأة فى ذلك ليست كالرجل. أخرجه أبو داود فى المراسيل. {332}
(23)
الافتراش والنورك: (الافتراش) أن يبسط المصلى رجله اليسرى ويجلس عليها ناصباً رجله اليمنى موجِّها أصابعها نحو القبلة مثنياً رجله اليسرى تحتها. وكلاهما وارد عن النبى صلى الله عليه وسلم. ولذا اتفق العلماء على جواز الجلوس فى الصلاة على أى كيفية منهما. واختلفوا فى المستحب والأفضل (فقال) الحنفيون والثورى: يستحب الافتراش فى كل جلوس فى الفرض وغيره (لقول) عائشة فى صفة صلاة النبى صلى الله عليه وسلم: وكان يقول فى كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى، وينصبُ رجله اليمنى. أخرجه أحمد ومسلم من حديث طويل (2){333}
(1) ص 199 ج 2 - فتح البارى (يبدى ضبعيه).
(2)
ص 14 ج 4 - الفتح الربانى. وص 213 ج 4 - نووى (ما يجمع صفة الصلاة).
(ولحديث) أبى حُميدٍ أنه صلى الله عليه وسلم يعنى للتشهد فافترش رجله اليُسرى وأقْبل بصدر اليمنى على قِبلته " أخرجه الترمذى وقال: حسن صحيح (1){334}
(وقالت) المالكية: يستحب التورّك فى كل جلوس (لما روى) يحيى ابن سعيد أنّ القاسم بن محمد أراهم الجلوس فى التشهد فنصَب رجله اليمنى وثنَى رجله اليسرى وجلس على وِرْكه الأيسر ولم يجلس على قدمه ثم قال: أرانى هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر وحدّتنى أنّ أباه كان يفعل ذلك. أخرجه مالك (2)(وأجاب) الحنفيون عنه أنه من عمل ابن عمر والثابت م روايته أنّ السنة الافتراش (روى) يحيى أن القاسم حدّثه عن عبد الله بن عبد الله ابن عمر عن أبيه قال: " من سنة الصلاة أن تنصِب أقدم اليمنى واستقبالُه بأصابعها القبلة والجلوُس على اليسرى " أخرجه النسائى (3){335}
…
وهو أقوى من رواية مالك، لقوله فيه " من سنة الصلاة " وهو يقتضى الرفع (قال) فى المدوّنة: الجلوس فيما بين السجدتين مثل الجلوس فى التشهد يفضى بأليتيه على الأرض وينصب رجله اليمنى ويثنى رجله اليسرى. وإذا نصب رجله اليمنى جعل باطن الإبهام على الأرض لا ظاهره (4).
(وقالت) الشافعية: يسنّ الافتراش ف كل جلوس لا يعقبه سم، والتورّك ف جلوس يعقبه سلام، لما فى حديث أبى حُميد الساعدىّ قال:
(1) ص 241 ج 1 - تحفة الأحوذى (كيف الجلوس فى التشهد).
(2)
ص 166 ج 1 - زرقانى.
(3)
ص 173 ج 1 - مجتبى (الاستقبال بأطراف أصابع القدم القبلة عند القعود للتشهد) واستقباله والجلوس، بالرفع عطف على أن تنصب.
(4)
ص 74 ج 1 - المدونة الكبرى (جلوس الصلاة).
ثم يَهْوى إلى الأرض فُيجافى يديه عن جَنْبيه ثم يرفع رأسه ويَثنى رجله اليسرى ويقعد عليها ويفتح أصابع رجليه إذا سجد ثم يسجد ثم يكبر ويجلس على رجله اليسرى ثم يصنع فى الأخرى مثل ذلك إلى أن قال: حتى إذا كانت السجدة التى فيها التسليم أخّر رجله اليسرى وقعد متورّكا على شقه الأيسر. أخرجه ابن ماجه والترمذى وقال: حسن صحيح وأبو داود. وفى رواية له: فإذا قعد فى الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى ونصب اليمنى فإذا كان فى الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض وأخرج قدميه من ناحية واحدة (1). {336}
(والحكمة) فى ذلك أن الافتراش اقرب إلى تذكر الصلاة وعدم اشتباه عدد الركعات، ولأنّ السنة تخفيف التشهد الأوّل فيجلس مفترشاً ليكون أعون له وأمكن. وإذا جلس المسبوق مع الإمام فلى آخر صلاته ن فالصحيح أنه يجلس مفترشاً لأنه ليس آخر صلاته. وقيل يتورّك تبعاً للإمام. وقيل إن كان جلوسه فى محل التشهد الأول له افترش، وإلا تورّك لأن جلوسه حينئذ لمجرّد المتابعة. وإذا جلس فى آخر صلاته وعليه سجود سهو افترش على الأصح. وقيل يتورّك لأنه آخر صلاته. أفاده النووى (2).
(وقال) أحمد: إذا كان الصلاة ذات تشهدين يستحب الافتراش فى الأوّل والتورّك فى الثانى. وإن كانت ذات تشهد واحد يستحب فيه الافتراش (قال) ابن قدامه: ولنا حديث وائل بن حُجْر أن النبى صلى الله عليه وسلم
(1) ص 169 ج 1 - ابن ماجه (إتمام الصلاة). وص 249 ج 1 - تحفة الأحوذى (وصف الصلاة) وص 131 ج 5 - المنهل العذب (فاتتاح الصلاة).
(2)
ص 451 ج 3 - شرح المهذب.
لما جلس للتشهد افترش رجله اليسرى ونصب رجله اليمنى. ولم يفرّق بين ما يسلم فيه وما لا يسلم (وقالت) عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى كل ركعتين التحية. وكان يفترش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى. رواه مسلم (1) وهذان يقضيان على كل تشهد بالافتراش إلا ما خرج منه، لحديث أبى حُميد ف التشهد الثانى فيبقى فيما عداه على قضية الأصل، ولأن هذا ليس بتشهد ثان فلا يتورّك فيه كالأول. وهذا لأنّ التشهد الثانى إنما تورّك فيه للفرق بين التشهدين، وما ليس فيه إلا تشهد واحد لا اشتباه فيع فلا حاجة إلى الفرق أهـ (2). وهذه الهيئات كلها جائزة وحسن فعلها لثبوتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(24)
اتفق العلماء على أنه يسنّ للمصلى إذا جلس بين السجدتين أن يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى، بحيث تكون أطراف الأصابع على طرفى الركبتين موجهة نحو القبلة، ناشراً أصابعه مفرّجة قليلا وكذلك فى الجلوس حال التشهد. إلا أنهم اختلفوا فى قبض بعض أصابع اليمنى وكيفيته وكيفية الإشارة بالسبابة (فقال) الحنفيون فى ذلك ثلاث كيفيات:(الأولى) أنه يسنّ للمصلى أن يضع يده عل فخذيه حال التشهد كحال الجلوس بين السجدتين غير أنه يشير بسبابته اليمنى، أى يرفعها عند النفى بقوله " لا " ويضعها عند الإثباب بقوله " إلا الله " (لقول) وائل بن حُجْر فى صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإذا جلس فى الركعتين أضْجَع اليسرى ونصب اليمنى، ووضع يده اليمنى على فخِذه اليمنى، ونصب أصبعه
(1) تقدم رقم 333 ص 246.
(2)
ص 582 ج 1 - مغنى.
للدّعاء، ووضع يده اليسرى على رجله اليسرى " أخرجه النسائى (1){337}
(الثانية) أن يضع يديه على فخذيه وأطراف أصابعه على طرفى ركبتيه وعند الشهادة يقبض أصابع اليمنى إلا المسبِّحة فإنه يرسلها ويشير بها عند النفى ويضعها عند الإثبات (لحديث) ابن عمر " كان صلى الله عليه وسلم إذا جلس فى الصلاة وضع كفّه اليمنى على فخِذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بأصبعُه التى تلى الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى " أخرجه أحمد ومسلم والنسائى وأبو داود (2){338}
(قال) ابن الهمام: ولاشك أن وضع الكف مع قبض الأصابع لا يتحقق، فالمراد والله أعلم، وضع الكف ثم قبض الأصابع عند الإشارة وهو المروى عن محمد وأبى يوسف فى كيفيتها (3).
(الثالثة) أن يضع يديه على فخذيه مبسوطتين وعند الشهادة يقبض م يده المينى الخنصر والبنصر ويحلق الإبهام والوسطى، ويشير بالمسبِّحة عند النفى ويضعها عند الإثبات (لقول) وائل بن حُجْر فى صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ثم جلس فافترش رجله اليسرى ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وحدَّ مِرْفقه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض ثِنْتين وحلق حَلقْه ورأيته يقول هكذا وحلق بِشْرٌ الإبهام والوسطى وأشار بالسبابة " أخرجه النسائى وأبو داود (4){339}
(1) ص 173 ج 1 - مجتبى (موضع اليدين عند الجلوس للتشهد).
(2)
ص 16 ج 4 - افتح الربانى 3. وص 81 ج 5 - نووى (صفة الجلوس فى الصلاة) وص 101 ج 6 - المنهل العذب (الإشارة فى التشهد).
(3)
ص 221 ج 1 - فتح القدير (صفة الصلاة).
(4)
ص 63 ج 6 - المنهل العذب (كيف الجلوس فى التشهد) و (حدّ مرفقه) أى طرفه. وهو مرفوع مبتدأ. ويحتمل أنه فعل = ماض يعنى رفع مرفقه عن فخذه (وقبض ثنتين) أى ما أصابعه وهما الخنصر والبنصر. ففى رواية البيهقى، ثم عقد الخنصر والبنصر ثم حلق الوسطى بالإبهام (انظر ص 131 ج 2 - بيهقى) و (حلقة) بسكون اللام جمعها حلق كقصعة وقصع. (بشر) بن المفضل شيح مسدد فى نسد الحديث.
(ومشهور) مذهب مالك أنه يستحب وضع اليدين على الفخذين أو الركبتين حال التشهد قابضاً أصابع يده اليمنى ماعدا السبابة فإنه يرسلها جاعلا جنبها إلى السماء مادّا الإبهام بجنبها على الوسطى محرّكا السبابة يميناً وشمالا إلى أن يفرغ من التشهد وما بعده (لقول) وائل بن حُجْر - فى صفة صلاة النبى صلى الله عليه وسلم ثم قعد فافترش رجله اليسرى ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبتِه اليسرى، وجعل حَدَّ مِرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض ثلاثة من أصابعه وحلّق حلْقة ثم رفع أصبعَه فرايته يحُرِّكها يدعو بها " أخرجه أحمد والنسائى والبيهقى وقال: يحتمل أن يكون المراد بالتحريك الإشارة بها لا تكرير تحريكها، فيكون موافقاً لرواية ابن الزبير (1){340}
ويؤيد هذا الاحتمال ما فى رواية أبى داود السابقة عن وائل من قوله: وأشار بالسبابة (والحكمة) فى تحريك السبابة أن بها عرقا يتصل بالقلب فإذا تحركت تحرك وعلم أنه فى الصلاة وتنبه لوساوس الشيطان فلا يسهو فى صلاته. ولذا ورد أنها شديدة على الشيطان (روى) نافع أنّ ابن عمر رضى الله عنهما كان إذا جلس فى الصلاة وضع يديه على ركبتيه وأشار بأصبُعه وأتبعها بصرَه ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَهِىَ أشدُّ على الشيطان م الحديد " يعنى السبابة " أخرجه أحمد والبزار. وفى سنده كثير بن زيد.
(1) ص 14 ج 4 - الفتح الربانى. وص 132 ج 2 - بيهقى (من روى أنه أشار بها ولم يحركها) ورواية ابن الزبير تأتى رقم 342.
وثقه ابن حبان، وضعفه غيره (1){341}
(ولا ينافى) هذا ما فى حيدث عبد الله بن الزبير " أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يُشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها " أخرجه أبو داود والبيهقى (2){342}
(فإن فى صحة) هذه الزيادة " أعنى ولا يحركها " نظر فقد ذكر مسلم الحديث بطوله ولم يذكرها بل قال: عن ابن الزبير كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد فى الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه وفرشَ قدمه اليمنى ووضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى وأشار بأصبعه (3){343}
وأيضاً فحديث وائل مقدم لصحته. وحديث ابن الزبير فيه مقال وعلى فرض التساوى فيحمل النفى فى حديث ابن الزبير على بعض الأحيان لبيان أن التحريك دائما ليس بواجب، وهذا هو الأقرب جمعاً بين الأحاديث.
(وقالت) الشافعية. المستحب أن يضع يديه على فخذيه حال التشهد قابضا أصابع اليمنى ماعدا السبابة فإنه يرسلها ويشير بها بلا تحريك عند قوله " إلا الله " إشارة إلى التوحيد والإخلاص ويديم رفعها حتى يقوم أو يسلم (لقول) ابن الزبير: كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدْعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بأصبعه السبابة، ووضع
(1) ص 15 ج 4 - الفتح الربانى. وص 140 ج 2 - مجمع الزوائد (التشهد والجلوس والإشارة بالأصبع فيه) و (لهى أشد .. ) أى أن الإشارة بالسبابة عند التشهد أشد على الشيطان من الضرب بالحديد، لأنها تذكر العبد بوحدانية الله تعالى والإخلاص فى العبادة. وهذا أعظم شئ يكرهه الشيطان.
(2)
ص 103 ج 6 - المنهل العذب (الإشارة فى التشهد) وص 132 ج 2 - بيهقى.
(3)
ص 79 ج 5 - نووى (صفة الجلوس فى الصلاة
…
).
إبهامه على أصبعه الوسطى ويُلْقِم كفّه اليسرى ركبته. أخرجه مسلم (1){344}
(وقالت) الحنبلية: يستحب للمصلى إذا جلس للتشهد وضعُ يديه على فخذيه باسطاً أصابع اليسرى موجهة للقبلة قابضاً الخِنصر والبنصَر من اليمنى محلقاّ الإبهام مع الوسطى مشيراً بالسباحة كلما مرّ على لفظ الجلالة إشارة للتوحيد. ولا يحرّكها بما تقدّم عن وائل بن حجر فى الكيفية الثالثة عند الحنفيين (2)(وعن) أحمد أنه يستحب ضم أصابعه الثلاث وعقد الإبهام مع الوسطى مشيراً بالسبابة (لحديث) عبد الله بن عمر أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد فى التشهد وضع يدَه اليمنى على ركبته اليمنى وعقَد ثلاثا وخمسين وأشار بالسبابة. أخرجه مسلم (3){345}
(تنبيه) قد علم انه ورد فى وضع اليمين على الفخذ حال التشهد روايات مختلفة ذكر فى بعضها القبض دون البعض. والعمل بكل سائغ.
(25)
جلسة الاستراحة: هى الجلوس بعد الرفع من السجدة الثانية من الركعة الأولى؛ وكذا من الثالثة فى الرباعية. وقد اختلف العلماء فى مشروعيتها (فقال) باستحبابها الشافعية وداود وأحمد فى آخر أمره.
لقول أبى قلابة: جاء مالك بنُ الحُويرث إلى مسجدنا فقال: والله إنى لأُصلى وما أريد الصلاة ولكنى أريد أن أُريكم كيف رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فقعد فى الركعة الأولى حين رفع رأسه من السجدة الآخرة. أخرجه أحمد والبخارى وأبو داود والنسائى (4){346}
(1) ص 79 ج 5 - نووى (صفة الجلوس فى الصلاة .. ).
(2)
تقدم رقم 339 ص 250.
(3)
ص 80 ج 5 نووى (وعقد ثلاثا وخمسين) أى قبض الخنصر والبنصر والوسطى ووضع رأس إبهامه على المفصل الأوسط من الوسطى ورفع السبابة.
(4)
ص 295 ج 3 - الفتح الربانى (جلسة الاستراحة) وص 205 ج 2 - فتح = البارى (كسف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة) وص 173 ج 1 - مجتبى (الاستواء للجلوس عند الرفع من السجدتين) وص 282 ج 5 - المنهل العذب (النهوض فى الفرد)
(وعن) مالك بن الحويرث أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم فكان إذا كان فى وترٍ من صلاته لم ينهض حتى يستوى جالسا. أخرجه أحمد والخمسة إلا مسلما. وقال الترمذى حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم (1){347}
(وقال) الحنفيون ومالك والثورى وإسحاق: جلسة الاستراحة غير مشروعة بل إذا رفع المصلى رأسه من السجود الثانى نهض قائما بلا جلوس وهو رواية عن أحد. وأكثر الأحاديث على هذا (ومنها) حديث وائلِ بن حُجْرٍ أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من السجدة الثانية استوى قائما. أخرجه البزار وذكره النووى فى الخلاصة فى فصل الضعيف (2){348}
وهو لا ينفى استحباب جلسة الاستراحة لن تركها أحيانا إنما ينافى وجوبها (واستدلوا) أيضاً بقول عبد الرحمن بن يزيد: رمقت عبد الله بن مسعود فى الصلاة فرأيته ينهض ولا يجلس قال: ينهض على صدور قدميه فى الركعة الأولى والثالثة. أخرجه ابن أبى شيبة والطبرانى ف الكبير ورجاله رجال الصحيح (3) وهذا لا ينافى أنها سنة كما تقدم.
(وأجابوا) عن حديث مالك بنِ الحُويرث ونحوه بأنها محمولة على حال
(1) ص 204 ج 2 - فتح البارى (من استوى قاعدا فى وتر من صلاته ثم نهض) وص 282 ج 5 - المنهل العذب. وص 173 ج 1 مجتبى. وص 137 ج 1 - تحفة الأحوذى (كيف النهوض من السجود).
(2)
ص 302 ج 2 - نيل الأوطار (كيف النهوض للثانية).
(3)
ص 136 ج 2 - مجمع الزوائد (صفة الصلاة).
الكبَر أو أنه صلى الله عليه وسلم جلس لعلة من ضعف ونحوه، ولذا قال أبو إسحاق المروزى: إن كان المصلى ضعيفا جلس للراحة، وإن كان قوياً لم يجلس (وردّة) الحافظ فى الدراية بأنّ هذا تأويل يحتاج لدليل، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم:" صلوا كما رأيتمونى أصلى (1) " ولم يفصل.
فالحديث حجة فى الاقتداء به فى ذلك. ولذا ثبت أنّ الإمام أحمد رجع إلى القول يجلسة الاستراحة (قال) ابن قدامة: واختلف الرواية عن أحمد هل يجلس للاستراحة؟ فروى عنه لا يجلس وهو اختيار الخرقى. والرواية الثانية أنه يجلس واختارها الخلال قال: رجع أبو عبد الله إلى هذا " يعنى ترك قوله بترك الجلوس " لما روى مالك بن الحويرث أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض. متفق عليه (2) وذكره أيضاً أبو حُميد ف صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو حديث حسن صحيح. فتعين اعمل به والمصير إليه. فإذا قلنا يجلس فيتحمل أنه يجلس مفترشا، وهو مذهب الشافعى (3).
(26)
يسنّ عند الحنفيين وأحمد النهوض إلى غير الركعة الأولى صدور القدمين غير معتمد بيديه على الأرض (لقول) وائل بن حُجْرٍ فى صفة صلاته صلى الله عليه وسلم: وإذا نهض نهض على ركبتيه واعتمد على فخذه. أخرجه أبو داود (4){349}
(وقال) ابن عمر: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل
(1) تقدم رقم 190 ص 142.
(2)
تقدم رقم 347 ص 254.
(3)
ص 571 ج 1 - مغنى.
(4)
ص 279 ج 5 - المنهل العذب (كيف يضع ركبتيه قبل يديه).
على يديه إذا نهض فى الصلاة. أخرجه أبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (1){350}
(وقال) علىّ كرّم الله وجهه: إنّ من السنة فى الصلاة المكتوبة إذا نهض الرجل فى الركعتين الأُوليْين ألا يعتمدَ بيديه على الأرض إلا أن يكونا شيخا كبيرا لا يستطيع. أخرجه الأثرم (2)(وقال) مالك والشافعى: السنة أن يعتمد على يديه ف النهوض (قال) أبو قِلابة: كان مالك بن الحوَيرث يأتينا فيقول: ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيصلى فى غير وقت الصلاةِ فإذا رفع رأسه م السجدة الثانية استوى قاعدا ثم قام فاعتمد على الأرض. أخرجه النسائى (3){351}
ولأن ذلك أعون للمصلى (وأجاب) الأوّلون عن الحديث بحمله على أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك حال ضعفه وكبر سنه. ومنه تعلم أنه لا خلاف فى جواز الاعتماد على الأرض باليدين حال النهوض لمن شق عليه القيام على صدور القدمين لضعف أو كبر أو سمن أو مرض.
(27)
اتفق العلماء على أنه يسنّ التفريق بين القدمين حال القيام تفريقا يسيرا، غير أنّ المالكية عدّوه مندوبا. واختلفوا فى تقديره (فقدّره) الحنفيون بقدر أربع أصابع. فإن نقص أو زاد لغير عذر كسِمَن كره. وقدره الشافعية بشبر. والحنبلية والمالكية بالعرف بحيث لا يضمهما ولا يفرّقهما كثيرا حتى يتفاحش عرفا.
(1) ص 106 ج 6 - المنهل العذب (كراهية الاعتماد على اليد فى الصلاة) وص 230 ج 1 - مستدرك.
(2)
ص 572 ج 1 - مغنى.
(3)
ص 173 ج 1 - مجتبى (الاعتماد على الأرض عند النهوض).
(28)
يسنّ اتفاقا تخفيف القعود الأول (لحديث) أبى عُبيدة عن أبيه (ابن مسعود) عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان فى الركعتين الأوليين كأنه على الرّضْف حتى يقومَ " أخرجه الثلاثة وقال الترمذى حسن، إلا أنّ أبا عُبيدة لم يسمع من أبيه (1){352}
ولهذا قال الثلاثة والشافعى ف القديم: يستحب الاقتصار على التشهد وعدم النقض منه، فلو نقص أو زاد فيه شيئاً ولو دعاء أو صلاة على النبى صلى الله عليه وسلم كان مكروها (وقال) الشافعى فى الجديد: تسنّ الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث قط أنه صلى عليه وعلى آله فى التشهد الأوّل. ومن استحب ذلك فإنما فهمه من عمومات وإطلاقات قد صح تبين موضعها وتقييدها بالتشهد الأخير (2). وعليه فلا دليل لمن قال بأن الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى التشهد الأوّل سنة.
(29)
اتفق العلماء على أنه يطلب من المصلى أن يصلى على آل النبى صلى الله عليه وسلم بصيغة من الصيغ الواردة. وقد تقدّم بعضها فى بحث الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم فى الأركان.
واختلفوا فى حكمها (فقال) بعض الشافعية والحنبلية: إنها واجبة للأمر بها فى عدّة أحاديث (كحديث) كعب بن عُجْرة قال: قلنا يا رسول الله قد عَلِمنا كيف نسلِّم عليك فكيف نصلِّى عليك؟ قال: فقولوا اللهم صل على محمد
(1) ص 108 ج 6 - المنهل العذب (تخفيف القعود). وص 175 ج 1 - مجتبى (التخفيف فى التشهد الأول)(والرضف) بسكون الضاد، جمع رضفة، وهى الحجارة المحماة. وهو كناية عن تخفيف الجلوس.
(2)
ص 62 ج 1 - زاد المعاد (ثم كان صلى الله عليه وسلم ينهض على صدور قدميه .. )
وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد (1).
(وقال) الحنفيون ومالك وجمهور السلف: الصلاة على الآل بعد التشهد الأخير سنة. وهو مشهور مذهب الشافعى وأحمد. وقالوا الأمر بها فى الأحاديث لا يقتضى الوجوب، لأنه إنما ورد لتعليم الكيفية. ولم يبتدئهم به، فهو محمول على الندب لذلك، ولعدم ذكر الآل فى الآية.
هذا. والمعول عليه أن المراد بالآل فى مقام الدعاء أمة الإجابة. وفى مقام الثناء كل تقّى. وفى الزكاة من حرمت عليهم الصدقة.
(30)
يسنّ لكل مصلّ الدعاء فى القعود الأخير بعد الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم وآله، يدعو لنفسه ولوالديه ولجميع المؤمنين بما شاء من خيرى الدنيا والآخرة (لقوله) عليه الصلاة والسلام فى حديث ابن مسعود فى التشهد: ثم ليتخير أحدكم من الداء أعجبَه إليه فيدعو به (2).
(ولحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا فرغ أحدُكم من التشهد الأخير فليتعوّذ بالله من أربعٍ: من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر المسيح الدجال " أخرجه أحمد
ومسلم والأربعة إلا الترمذى (3){353}
(ولحديث) عائشة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يدعو فى صلاته:
(1) تقدم رقم 227 ص 170 (الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم.
(2)
هذا عجز الحديث رقم 218 ص 163.
(3)
ص 29 ج 4 - الفتح الربانى وص 87 ج 5 - نووى (التعوذ من عذاب القبر
…
) وص 97 ج 6 - المنهل العذب (ما يقول بعد التشهد) وص 193 ج 1 - مجتبى (التعوذ فى الصلاة) وص 152 ج 1 - ابن ماجه (ما يقال بعد التشهد).
" اللهم إن أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فِتنة المسيح الدجّال وأعوذ بك م فتنة المحيا والممات اللهم إنى أعوذ بك من الماثم والمغرم فال له قائل: ما أكثر ما تستعيذُ م المغرَم؟ فقال: إن الرجل إذا غرِمَ حدّث فكذَب، ووعد فأخلف " أخرجه السبعة إلا ابن ماجه (1){354}
(وقد) حمل الجمهور الأمر بالدعاء والتعوّذ فى هذه الأحاديث على الندب (وحمله) الظاهرية على الوجوب. وقال ابن حزم: يجب التعوّذ بعد التشهدين، لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث أبى هريرة - إذا تشهّد أحدكم فليستعِذْ بالله من أربع. يقول: اللهم إنى أعوذ بك من عذاب جهنم (الحديث) أخرجه مسلم والنسائى (2){355}
وهو مطلق فى التشهدين (وأجاب) الجمهور بأن ما استدل به مطلق
(1) ص 30 ج 4 - الفتح الربانى. وص 215 ج 2 - فتح البارى (الدعاء قبل السلام) وص 87 ج 5 - نووى. وص 328 ج 5 - المنهل العذب (الدعاء فى الصلاة) وص 193 ج 1 - مجتبى .. و (فتنة المحيا) ما يعرض للإنسان مدّة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات، وأعظمها والعياذ بالله تعالى ما يكون عند الموت (وفتنة الممات) يحتمل أن يراد بها الفتنة عند الموت، أضفيت إليه لفر بها منه، ويجوز أن يراد بها فتنة القبر، فقد صح أنهم يفتنون فى قبورهم. وقيل المراد بفتنة المحيا الابتلاء مع عدم الصبر، وبفتنة الممات سؤال القبر مع الحيرة. و (المأثم) ما يأثم الإنسان بارتكابه من المعاصى (والمغرم) مصدر وضع موضع الاسم. والمراد به الدين فيما يكرهه الله تعالى، أو فيما يحل ولا يقدر على أدائه، فأما دين احتيج إليه شرعا ويقدر على أدائه، فلا يستعاذ منه. واستعاذ صلى الله عليه وسلم مما ذكر تعليما للأمة، ولينتشر خبر الدجال بأنه كذاب ساع فى الأرض بالفساد، فلا يلتبس حاله على المؤمنين عند خروجه و (قائل) هو عائشة رضى الله عنها. ففى رواية للنسائى عنها: قلت يا رسول الله ما أكثر ما تتعوذ من المغرم؟
(2)
انظر المراجع بهامش.
وما استدلوا به مقيد بالتشهد الأخير، فينبغى المصير إليه حملا للمطلق على المقيد.
(فائدة) اتفق العلماء على جواز الدعاء بخيرى الدنيا والآخرة فى الصلاة قبل السلام وأن أفضله ما كان بالمأثور فى القرآن والسنة " ومنه " ما فى حديث محِجَنِ بن الأدرِع أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فإذا هو برجل يتشهد وهو يقول: اللهم إنى أسألك يا أللهُ الواحد الأحد الصمد الذى لم يِلدْ ولم يولدْ ولم يكن له كُفُواً أحدٌ أن تغِفرَ لى ذنوبى إنك أنت الغفورُ الرحيم. فقال النبى صلى الله عليه وسلم قد غَفِر له ثلاثَ مراتٍ " أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى (1){356}
(ومنه) اللهم ألْف بين قلوبنا، وأصلِح ذات بيننا واهْدنا سُبل السلام، ونجِّنا من الظلُّمات إلى النور، وجنِّبنا الفواحشَ ما ظهر منها وما بطنَ، وبارك لنا فى أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك مُثْنين بها قابليها وأتمها علينا " أخرجه أبو داود عن ابن مسعود (2){357}
(ومنه) اللهم إنى ظلمت نفسى ظلماً كثيراً ولا يغِفرُ الذنوب إلا أنت فاغفر لى مغفرة من عندك وارحمنى إنك أنت الغفورُ الرحيم. أخرجه الشيخان عن أبى بكر (3){358}
(واختلفوا) فى جواز الدعاء بما يشبه كلام الناس، وهو ما لا يستحيل
(1) ص 31 ج 4 - الفتح الربانى. وص 98 ج 6 - المنهل العذب (ما يقول بعد التشهد). وص 193 ج 1 - مجتبى (الدعاء بعد الذكر).
(2)
ص 75 ج 6 - المنهل العذب (التشهد).
(3)
ص 277 ج 2 - فتح البارى (الدعاء قبل السلام) وص 27 ج 17 نووى (خفض الصوت بالذكر).
طلب مثله منهم، نحو اللهم زوّجنى فلانة اللهم اقض دينى، اللهم ارزقنى طعاما طيباً وبستاناً أنيقا (فقالت) المالكية والشافعية: يجوز لعموم قوله عليه الصلاة والسلام فى حديث ابن مسعود فى التشهد: ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه (وقال) الحنفيون وأحمد: لا يجوز الدعاء به، لأنه يعد من كلام الناس. وقد قال عليه الصلاة والسلام: إن هذه الصلاةَ لا يحل فيها شئ من كلام الناس هذا، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " أخرجه مسلم وأبو داود من حديث طويل عن معاوية بن الحكم (1){359}
وهو مقدم على عموم حديث " ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبَه إليه فيدعو به " لأنه مانع وهذا مبيح (وأجاب) الأولون بأن المراد بكلام الناس فى حديث معاوية بن الحكم توجيه الكلام إليهم بالخطاب، لا خطاب الله بالدعاء المأذون به فى الأحاديث الصحيحة، لأن سبب حديث معاوية أنه شّمت عاطساً وهو يصلى فأنكر عليه الصحابة، فلما فرغ النبى صلى الله عليه وسلم من الصلاة ذكر له الحديث.
(31)
ويسنّ تحويل وجهه يمينا ثم يسارا بالسلام كما تقدم فى بحث السلام.
(32)
يسنّ درج لفظ السلام والوقوف عليه وألا يزيد فيه على المد الطبيعى وهو حركتان، لحديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" حذْف السلام سنة ". أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم قال: صحيح على شرط مسلم وفى سنده قرة بن عبد الرحمن وهو ضعيف، وأخرجه الترمذى موقوفا (2){360}
(1) ص 29 ج 6 - المنهل العذب (تشميت العاطس فى الصلاة).
(2)
ص 42 ج 4 - الفتح الربانى. وص 122 ج 6 - المنهل العذب (حذف السلام) وص 243 ج 1 - تحفة الأحوذى.
والحذف بفتح فسكون. عدم مدّه أزيد من حركتين. قال الترمذى وهو الذى يستحبه أهل العلم.
(33)
ويجب عند الحنفيين جهر الإمام بالتحريمة وتبكير الانتقال والتسميع والسلام بقدر إسماع المأمومين وهو سنة عند الشافعية والحنبلية ومندوب عند المالكية. أما المؤتم والمنفرد فيقتصر كل على إسماع نفسه، فإن رفع صوته كره كما يكره " رفع الإمام " صوته زيادة على حاجة المأمومين " والتبليغ " عند عدم الحاجة إليه بأن كان يبلغ المأمومين صوت الإمام.
وأما عند الحاجة إليه فمستحب، لحديث عائشة رضى الله عنها فى قصة صلاة النبى صلى الله عليه وسلم وهو مريض قالت: فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى جنبه يُسْمِع الناسَ. أخرجه مسلم (1){361}
(قال الكمال) ابن الهمام وفى الدراية: وبه يعرف جواز رفع المبلغين أصواتهم فى الجمعة والعيدين وغيرهما أهـ. أقول ليس مقصوده خصوص الرفع فى زماننا بل أصل الرفع لإبلاغ الانتقالات. أما خصوص الذى تعارفوه فى هذه البلاد فلا يبعد أنه مفسد، فإنه غالبا يشتمل على مدّ همزة الله أو أكبر أو بائه وذلك مفسد. وغن لم يشتمل فإنهم يبالغون فى الصياح زيادة على حاجة الإبلاغ والاشتغال بتحرير النغم إظهاراً للصناعة النغمية لا إقامة للعبادة والصياح ملحق بالكلام أهـ (2).
(هذا) ويشترط لصحة صلاة الإمام أو المبلغ أن لا يقصد بالتحريمة الإعلام فقط. وإلا لم تنعقد صلاته اتفاقا وكذا إن قصد بها الإعلام والإحرام
(1) ص 141 ج 4 - نووى (استخلاف الإمام إذا عرض له عذر).
(2)
ص 262 ج 1 - فتح القدير (الإمامة) وقد سئل الأستاذ الشيخ محمد عبده مفتى الديار المصرية عن حكم تبليغ أحد المأمومين عند قلة الجماعة وسماعهم صوت الإمام، فقال: صرحوا بأن الإمام يجهر وجوبا بحسب الجماعة. فإن زاد عليه أساء. وصرحوا بأن التبليغ عند عدم الحاجة إليه بأن يبلغ الجماعة صوت الإمام مكروه = بل نقل بعضهم اتفاق الأئمة الأربعة على أن التبليغ حينئذ بدعة منكرة أى مكروهة وأما عند الاحتياج إليه فمستحب. وصرحوا بأن المبلغ تكره له الزيادة فى الإعلام على قدر الحاجة أهـ. وهو بعض فتوى صادرة من دار الإفتاء بمصر بتاريخ 2 رجب سنة 13187 مسجلة برقم 2 سجل و 380 مسلسلة. وسنذكرها بتمامها فى بدع الجمعة إن شاء الله تعالى.
عند الشافعية. أما تكبير الانتقال والتسميع والسلام إذا قصد بها الإمام أو المبلغ التبليغ مع الذكر فإنّ صلاته صحيحة اتفاقا. وكذا إن قصد بها التبليغ فط خلافا للشافعية حث قالوا: إن قصد بها التبليغ فقط أو لم يقصد شيئا بطلت صلاته.
(خاتمة) الخشوع قسمان ظاهرى وباطنى (فالظاهرى) سكون الجوارح عن العبث وجعل بصره موضع سجوده (والباطنى) خوف القلب وخضوعه ورقته وسكونه وحفظه عن الاشتغال بغير ما هو فيه من التأمل فى معانى القرآن، فينشأ عنه سكون الجوارح (وقد) اتفق العلماء على أنه يطلب من المصلى أن يكون خاشعا خاضعا مستحضرا عظمة الله وهيبته، وأنه يناجى من لا تخفى عليه خافية، لقوله تعالى {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} أى خائفون من الله متذللون له، جاعلون أبصارهم إلى مواضع سجودهم (وعن) أبى الدرداء أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أولُ شئ يرفع من هذه الأمة الخشوعُ حتى لا ترى فيها خاشعا. أخرجه الطبرانى فى الكبير بسند حسن (1){362}
وقد عدّ الغزالى الخشوع ركنا من أركان الصلاة. وقال بعض السلف
(1) ص 136 ج 2 - مجمع الزوائد (الخشوع).