المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الثامن) شروط الصلاة - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٢

[السبكي، محمود خطاب]

الفصل: ‌(الثامن) شروط الصلاة

إنه يستحب بل هو من جملة البدع المكروهة، لأنه لم يكن فى عهده صلى الله عليه وسلم ولا عهد أصحابه. وليس له أصل فيما كان على عهدهم يرد إليه فليس لأحد أن يأمر به ولا ينكر على من تركه، ولا يعلق استحقاق الرزق به لأنه إعانة على بدعة. ولا يلزم فعله ولو شرطه الواقف لمخالفته السن (وقال) عبد الرحمن بن الجوزى فى كتاب تلبيس إبليس: قد رأيت من يقوم بليل كثيراً على المنارة فيعظ ويذكر ويقرا سورة من القرآن بصوت مرتفع فيمنع الناس من نومهم ويخلط على المتهجدين قراءتهم وكل ذلك من المنكرات (1).

(الثامن) شروط الصلاة

هى جمع شرط. وهو لغة العلامة. وشرعا ما يتوقف عليه الشئ ولم يكن داخلا فيه، وهى قسمان: شروط فرضية، وشروط صحة.

(أ) فشروط الفرضية ستة: (الأول) الإسلام. فلا تفترض على كافر افتراض أداء على الصحيح عند الحنفيين، والشافعى وأحمد، لأنه غير مخاطب بأداء الشرائع كالصلاة والصوم لأن الإيمان شرط فيه. ولا يجوز أمر الكافر بالأداء بشرط تقديم الإيمان لأنه أصل فلا يكون تبعاً، وعليه فلا يعذب على تركها عذابا زائدا على عذاب الكفر عند الحنفيين.

(وقال) الشافعى وأحمد: يعذب على تركها وإن لم يطالب بأدائها فى الدنيا (وقالت) المالكية: الإسلام شرط صحة بناء على المعتمد عندهم من أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة. وأما على القول بأنهم غير مخاطبين بها،

(1) انظر ص 168 ج 1 كشاف القناع (الأذان).

ص: 97

فالإسلام شرط وجوب وصحة معاً (واتفق) العلماء على أن الكافر إذا أسلم لا يكلف قضاء ما فاته من الصلوات وغيرها من أعمال الإسلام، لقوله تعالى:{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ} (1)، (ولحديث) عمرو بن العاص أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" الإسلام يجب ما قبله " أخرجه أحمد والطبرانى. وكذا مسلم بلفظ: " أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم مكان كان قبله؟ "(2){139}

فمن أسلم فقد فحيت عنه جميع الخطايا، وكان بإسلامه كيوم ولدته أمه.

وأما الطاعات التى أسلفها قبل إسلامه، فلا يقطعها الإسلام لحديث حكيم ابن حزام أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيتَ أموراً كنتُ أتَحَنّث بها فى الجاهلية هل لى فيها من شئ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمتً على ما أسلفت من خير. أخرجه مسلم (3){140}

(وقال) المازرى: الكافر لا يصح منه التقرب، فلا يثاب على العمل

(1) سورة الأنفال آية: 38.

(2)

انظر رقم 363 ص 127 ج 1 - كشف الخفاء. وص 138 ج 2 نووى (الإسلام يهدم ما قبله

) وانظر تمام الحديث بهامش ص 371 ج 7 - الدين الخالص، ولا ينافيه ما فى حديث ابن مسعود رضى الله عنه: قال: قال رجل. يا رسول الله نؤاخذ بما عملنا فى الجاهلية؟ قال: من أحسن فى الإسلام لم يؤاخذ بما عمل فى الجاهلية، ومن أساء فى الإسلام أوخذ بالأول والآخر. أخرجه الشيخان. انظر ص 216 ج 12 - فتح البارى (استتابة المرتدين) وص 136 ج 2 - نووى (هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية)" فإن المراد " بالإساءة فى قوله ومن أساء " الكر بعد لإيمان " أو من دخل فى الإسلام منافقا. لا مطلق الإساءة، للإجماع على أن من أسلم ل يؤاخذ بما عمله فى الجاهلية.

(3)

ص 140 ج 2 - نووى (عمل الكافر إذا أسلم)، (أتحنث) أتعبد.

ص: 98

الصالح الصادر منه فى شركة، لأن من شرط المتقرِّب أن يكون عارفا بمن تقرّب إليه. والكافر ليس كذلك. وتابعة القاضى عياض وأستضعف ذلك النووى فقال: الصواب الذى عليه المحققون بل نقل بعضهم الإجماع فيه أنّ الكافر إذا فعل أفعالا جميلة كالصدقة وصلة الرحم ثم أسلم ومات على الإسلام يكتب له ثواب ذلك (1)(الثانى) العقل، فلا تلزم الصلاة المجنون لعدم تكليفه وهو شرط وجوب صحة عند المالكية.

(الثالث) النقاء من دم الحيض والنفاس، فلا تلزم الحائض ولا النفساء إذا كان كل من الحيض والنفاس مستغرقا للوقت أو لآخره. وهو عند المالكية شرط وجوب وصحة (الرابع) بلوغ دعوة النبى صلى الله عليه وسلم، فلا تلزم من نشأ فى جهة لم تبلغه فيها الدعوة، وهو شرط وجوب وصحة عند المالكية (الخامس) القدرة على تأديتها. فلا تلزم العاجز عن تأديتها ولو بالإيماء. ويتحقق العجز عند الشافعية بفقد الحواس. فالقدرة عندهم تكون بسلامة الحواس ولو السمع والبصر. وعند المالكية تكون بِعدَمِ الإكراه على تركها فلا تجب على مُكْرَهٍ حال إكراهه بقتل أو ضرب أو سجن أو قيد أو صفع (2) لذى مروءة بملإ، لقوله صلى الله عليه وسلم " رفع عن أمّتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " أخرجه الطبرانى عن ثوبان وفيه يزيد بن ربيعة الرحى وهو ضعيف وأنكره أحمد (3){141}

والذى لا يجب على المكره عندهم إنما هو فعلها بهيئتها الظاهرة. وإلا

(1) ص 74 ج 1 - فتح البارى (حسن إسلام المرء).

(2)

الصفع بفتح فسكون، الضرب الكف مبسوطة.

(3)

انظر رقم 4461 ص 34 ج 4 فيض القدير. وفيه: ونقل الخلال عن أحمد: من زعم أن الخطأ والنسيان مرفوع فقد خالف الكتاب والسنة. وقال ابن نصر: هذا الحديث ليس له سند يحتج بمثله.

ص: 99

فمتى تمكن من الطهارة، وجب عليه فعل ما يقدر عليه من نية وإحرام وقراءة وإيماء. فهو كالمريض العاجز يجب عليه فعل ما يقدر عليه، ويسقط عنه ما عجز عن فعله (السادس) البلوغ، فلا تلزم الصغير لعدم تكليفه ولكن يجب على ولىّ أمره أبا أو جدّا أو وصيا من جهة القاضى ذكرا أو أنثى أن يأمره بها لتمام سبع سنين ويضربه عليها لتمام عشر، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه (عبد الله بن عمرو) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر. وفرّقوا بينهم فى المضاجع ". أخرجه أحمد أبو داود والحاكم بسند حسن ورمز السيوطى لصحته (1){142}

والأمر فى الحديث للوجوب عند الجمهور القائلين بأن الأمر بالأمر بالشئ ليس أمراً به. فيكون الصبى غير مكلف فى هذه الحالة، لا يمنع من وجوب الأمر على الولىّ (وقالت) المالكية: الأمر للندب لأن الأمر بالأمر بالشئ أمر بذلك الشئ فالصبى عندهم مأمور بالصلاة ندبا وتكتب له الحسنات ولا تكتب عليه السيئات. والضرب يكون بيد لا بنحو جريدة ولا يتجاوز الثلاث.

(1) ص 83 ج 3 - الفتح الربانى. وص 121 ج 4 - المنهل العذب (متى يأمر الغلام بالصلاة) والتفريق بينهم فى المضاجع، يكون لعشر سنين إذا جعل معطوفا على قوله واضربوهم، ولسبع سنين إذا جعل معطوفا على قوله مروهم. ويؤيد هذا قول أبى رافع: وجدنا صحيفة فى قراب سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته فيها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم فرّقوا بين مضاجع الغلمان والجوارى والإخوة والأخوات لسبع سنين واضربوا أبناءكم على الصلاة إذا بلغوا تسع سنين. أخرجه البزار وفيه غسان بن عبيد الله عن يوسف بن نافع قال الهيثمى: ولم أجد من ذكرهما انظر ص 294 ج 1 - مجمع الزوائد (أمر الصبى بالصلاة).

ص: 100

(قال) النووى: قال الشافعى فى المختصر: على الآباء والأمهات أن يؤدّبوا أولادهم ويعلموهم الطهارة والصلاة ويضربوهم على ذلك إذا عقلوا. قال أصحابنا: ويأمره الولىّ بحضور الصلوات فى جماعات، وبالسواك وسائر الوظائف الدينية. ويعرّفه تحريم الزنا واللواط والخمر والكذب والغيبة وشبهها (1).

(ب) يشترط لصحة الصلاة خمسة شروط: (الأول) طهارة بدن المصلى من الحدث إجماعا (الثانى) طهارة ثوبه المصلى من الحدث إجماعا (الثانى) طهارة ثوبه ومكانه وبدنه من الخبث كما تقدم (2)(الثالث) العلم بدخول الوقت. وهو شرط وجوب وصحة (الرابع) ستر العورة. وهو شرط عند القدرة عليه اتفاقا وكذا عند الذكر على الراجح عند المالكية. فلو كشف عورته مع القدرة على سترها، لا تصح صلاته ولو كان منفرداً فى مكان مظلم للإجماع على أنه فرض فى الصلاة، ولقوله تعالى:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد (3)} فإن المراد بالزينة محلها وهو الثوب. وبالمسجد الصلاة. أى البسوا ما يوارى عورتكم عند كل صلاة، ولحديث أبى قتادة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال:" لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى توارىَ زينتَها، ولا من جارية بلغت الحيض حتى تَخْتمِرَ " أخرجه الطبرانى فى الصغير والأوسط وقال: تفرّد به إسحق بن إسمعيل بن عبد الأعلى الأُبُلِّى. قال الهيثمى: ولم أجد من ترجمة وبقية رجاله موثقون (4){143}

(ويشترط) فى الساتر أن يكون كثيفا. فلا يجزئ الساتر الرقيق الذى

(1) ص 11 ج 3 - شرح المهذب.

(2)

انظر ص 268 ج 1 - الدين الخالص (أقسام الصلاة) وص 387 منه (تطهير محل النجاسة).

(3)

سورة الأعراف أية: 31.

(4)

ص 52 ج 2 - مجمع الزوائد (ما تلبس المرأة فى الصلاة).

ص: 101

يصف لون البشرة، ولا يضر التصاق الكثيف بالعورة بحيث يحدّد جرمها (وكذا يجب) سترها خارج الصلاة (لقول) معاوية بن حَيْدَةَ: قلت يا رسول الله: عوراتُنا ما نأتى منها وما نذَرُ؟ قال: احفَظ عورتَك إلا مِن زَوجتك أو ما ملكت يمينُك. قلت فإذا كان القوم بعضهم فى بعض؟ قال إن استطعتَ أن لا يراها أحد فلا يَرَيَنَّها. قلت فإذا كان أحدنا خاليا؟ قال: فاللهُ أحقّ أن يُستحْيا منه " أخرجه أحمد والأربعة، وحسنة الترمذى وصححه الحاكم (1){144}

ومفهوم قوله إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك، يدل على أنه يجوز لهما النظر إلى ذلك منه. وقياسه أنه يجوز له النظر إلى عورة نفسه وعورتيهما. ويدل أيضاً على أنه لا يجوز النظر لغير من استثنى. ومنه الرجل للرجل والمرأة للمرأة. وفى الحديث دليل على انه لا يجوز التعرّى فى الخلاء مطلقا. وقد استدل البخارى على جوازه فى الغسل (بحديث) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال:" بينا أيوبُ يغتسلُ عُرياناً فخرّ عليه جراد من ذهب فجعل يحتَثىِ فى ثوبه فناداه ربه يأَيوبُ ألم أكن أغنيتُك عما ترى؟ قال بلى وعزتِك ولكنْ لا غنىِ بى عن بركتك " أخرجه البخارى (2){145}

(1) ص 87 ج 3 - الفتح الربانى (وجوب ستر العورة) وص 40 ج 4 سنن أبى داود (ما جاء فى التعرى) و (ما ناتى) أى ما يجوز النظر إليه منها وما لا يجوز (أو ما ملكت يمينك) من الإماء ملكا شرعيا، كسبايا حرب الكفار. أما من بيعت لفقر، أو سرقت أو اغتصبت فلا يجوز شراؤها ولا التمتع بها إلا بعقد شرعى. و (فى بعض) أى من بعض كما فى رواية: كأصل وفرع، أو المراد الجنس مع جنسه كالرجال والإناث (فلا يرينها) بفتحات ثم ون التوكيد مشدّدة أو مخففة. أى اجتهد فى حفظها ما استطعت و (يستحيا) مبنى للمفعول.

(2)

ص 267 ج 1 - فتح البارى (من اغتسل عرياناً وحده) والحثية: الأخذ باليد.

ص: 102

(وقال) ابن بطال: إنّ الله تعالى عاتب أيوب على جمع الجراد. ولم يعاتبه على الاغتسال عريانا فدل على جوازه (1)(وقد ورد) فى التحذير من كشف العورة أحاديث (منها) حديث أبى سعيد الخدرى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا ينظرُ الرجلُ إلى عَورةِ الرجُلِ. ولا المرأةُ إلى عورة المرأة. ولا يُفْضى الرجلُ إلى الرجل فى الثوب الواحد. ولا تُفْضى المرأةُ إلى المرأة فى الثوب الواحد " أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى وحسنه (2){146}

(وقول) جَرْهَدٍ: " مر بى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلىّ بُردة وقد انكشفَتْ فخذِى فقال: غطّ فخذك فإن الفخذ عورة " أخرجه أحمد والترمذى وحسنه وابن حبان وصححه. وذكره البخارى معلقا بلفظ: الفخذ عورة (3){147}

ثم الكلام فى ثلاثة فروع:

(أ) حد العودة: اختلف العلماء فى القدر الواجب ستره من الرجل والمرأة خارج الصلاة وداخلها (قال) الحنفيون وعطاء: عورة الذكر وإن كان صغيراً بلغ سبعاً أو رقيقاً - فى الصلاة وخارجها - من تحت السرة إلى ما تحت الركبة وهو قول للشافعى فالسرة ليست من العورة بخلاف الركبة.

(1) ص 267 ج 1 - فتح البارى.

(2)

ص 87 ج 3 - الفتح الربانى (ستر العورة) وص 30 ج 4 نووى (تحريم النظر إلى العورات - الحيض) وص 141 ج 4 سنن أبى داود (التعرى - الحمام) (ولا يفضى

) من أفضيت إلى الشئ وصلت إليه. والمراد هنا نوم شخص مع آخر فى لحاف واحد ليس بينهما ما يمنع تماس جسديهما.

(3)

ص 84 ج 3 - الفتح الربانى (حد العورة) وص 325 ج 1 فتح البارى (ما يذكر فى الفخذ - ستر العورة) و (جرهد) بفتح فسكون ففتح كجعفر.

ص: 103

(لقول) عُمير بن إسحاق: " كنتُ أمشى مع الحسن نِ علىّ فى بعض طُرُق المدينة فَلَقِيَناَ أبو هريرة فقال: أرِنى منك حيث رأيتُ النبى صلى الله عليه وسلم يقبل. فقال بقميصه فقبل سؤتَه " أخرجه أحمد والبيهقى وفى عُميرٍ مقال (1){148}

(وعن) عبد الله بن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " وإذا زوّج أحدُكم عبدَه أمتَه أو أجيرهَ، فلا تنظر الأمة إلى شئ من عورته فإن ما تحت السرة إلى الركبة من العورة " أخرجه أحمد والدار قطنى والبيهقى (2){149}

(قالوا): والغاية داخلة وإلى بمعنى مع، كما فى قوله تعالى:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِق (3)} .

(وعورة) الأمة ولو مكاتبة أو مبعَّضة كعورة الرجل مع زيادة البطن والظهر على الصحيح. وما سوى ذلك من جسدها ليس بعورة، لما روى أنس عن عمر أنه ضرب أمة مُتَقنعِّةُ وقال: اكشِفى رأسك لا تتشبّهى بالحرائر أخرجه عبد الرازق بسند صحيح (4).

(وعورة) الحرّة - ولو صغيرةَ بلغت سبعا - داخل الصلاة وخارجها جميعُ بدنها حتى شعرهَا النازلَ من الرأس فى الأصح، ما عدا الوجه والكفين، لقوله تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (قال) ابن عباس

(1) ص 86 ج 3 - الفتح الربانى. وص 232 ج 2 - بيهقى (فقال) أى فعل.

(2)

ص 83 ج 3 - الفتح الربانى (حد العورة) وص 85 الدار قطنى. وص 229 ج 2 - بيهقى. وهذا عجز حديث وصدره: مروا صبيانكم بالصلاة لسبع.

(3)

سورة المائدة آية: 6.

(4)

ص 300 ج 1 - نصب الراية.

ص: 104

وعائشة رضى الله عنهم: هو الوجه والكفان. ولا فرق فى ذلك بين باطن الكف وظاهره (لحديث) خالد بن دُرَيكٍ عن عائشة أن أسماءَ بنتَ أبى بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرَض عنها ثم قل:" ما هذا يا أسماء؟ إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلُح أن يُرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه " أخرجه البيهقى وأبو داود، وقال: هذا مرسل. خالد بن دُريك لم يدرك عائشة (1){150}

(وقال) البيهقى: مع المرسل قول من مضى من الصحابة فى بيان ما أباح الله من الزينة الظاهرة. فصار القول بذلك قويا أهـ. فالقدمان عورة داخل الصلاة وخارجها فى الأصح. وقيل إنهما عورة خارج الصلاة فقط. والراجح الأوّل (لحديث) أمّ سلمة أنها سألت النبى صلى الله عليه وسلم أنصلى المرأة فى دِرعْ وخِمار وعليها إزار؟ فقال: إذا كان الدِّرع سابغا يُغطى ظهور قدميها " أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقى (2){151}

هذا وعورة كل من الرجل والمرأة فى الخلوة ما بين السرة والركبة. وأعلم أن العورة عند الحنفيين غليظة وهى القبل والدبر ما حولهما. وخفيفة وهى ما عدا ذلك. ولابد من دوام ستر العورة من ابتداء الدخول فى الصلاة إلى الفراغ منها. فلو انكشف ربع عضو من العورة فى أثناء الصلاة زمنا يؤدىَّ فيه ركن بلا صنعه " كأن انكشف بنحور ريح " بطلت الصلاة، لأنّ للربع حكم الكل. أما إذا انكشف ذلك أو

(1) ص 62 ج 4 - سنن أبى داود (ما تبدى المرأة من زينتها - اللباس) وص 226 ج 2 بيهقى (عورة المرأة الحرة).

(2)

ص 27 ج 5 - المنهل العذب (فى كم تصلى المرأة) وص 250 ج 1 مستدرك. وص 233 ج 2 بيهقى.

ص: 105

أقل منه بصنعه فإنها تفسد ولو كان زمن الانكشاف أقل من أداء الركن.

هذا. وشعر المرأة والبطن والفخذ والقبل والدبر والأنثيان والألية كل واحد مما ذكر عضو بانفراده.

(وقالت) المالكية: عورة الرجل التى يجب سترها خارج الصلاة ما بين السرة والركبة بالنسبة للرجل والَمْحرَم والأمِة. ومثله الأمة. وكذلك الحّرة مع امرأة مثلها. وأما الحرّة مع محرمها فجميع بدنها ما عدا الأطراف وهى الرأس واليدان والرجلان، وأما مع أجنبى فجميع بدنها ماعدا الوجهَ والكفين وأماهما فليسا بعورة. ويجب عليها سترهما لخوف الفتنة على المشهور. وأما بالنسبة للصلاة فهى ما بين السرة والركبة أيضا إلا أنها مغلظة ومخففة. فالمغلظة للرجل السوءتان وهما القبل والأنثيان وحلقة الدبر. والمخففة ما زاد على ذلك مما بين السرة والركبة. وما حاذى ذلك من الخلْف والمخففة من الأمة كالرجل. أما المغلظة منها فهى الأليتان وما بينهما والفرج والعامة. والمغلظة للحرّة جميع بدنها ماعدا الأطراف والصدر وما حاذاه من الظهر. والمخففة لها هى الصدر وما حاذاه من الظهر والذراعين والعنق والرأس من الركبة إلى آخر القدم. فمن صلى مكشوف العورة المغلظة كلا أو بعضا مع القدرة على الستر ولو بشراء أو استعارة أو قبول إعارة، بطلت صلاته إن كان قادرا ذاكرا. وأعادها وجوبا أبدا ولو بعد خروج الوقت. وأما المخففة من الرجل فإن انكشف منها الأليتان أو العائلة كلا أو بعضا، فصلاته صحيحة مع الكراهة. وندب إعادتها فى الوقت. أما إذا انكشف الفخذان كلا أو بعضا فيكره ذلك ولا إعادة عليه. وأما الأمة فتعيد أبدا بالنسبة لكشف الأليتين والعانة والقبل والدبر. وتعيد فى الوقت إن

ص: 106

انكشف فخذها كلا أو بعضا. ولا تعيد فيها عدا ما بين السرة والركبة.

(وأما الحرة) فإن صلت مكشوفة الرأس أو العنق أو الكتف أو الذراع أو النهد أو الصدر أو ما حاذاه من الظهر أو الركبة أو الساق إلى آخر القدم ظهراً لا بطنا، فتعيد فى الوقت ندبا. وأن صلت مكشوفة السرة أو الركبة أعادت أبدا، ويندب لكل من الرجل والمرأة فى غير الصلاة، ستر العورة المغلظة بخلوة ولو بظلام (وقالت) الشافعية: عورة الرجل فى الصلاة وخارجها مع الرجال ومع النساء المحارم، ما بين السرة والركبة. ومع النساء الأْجانب جميع بدنه. وفى الخلوة السوءتان. وعورة الآمة فى الصلاة وخارجها مع النساء ومع الرجال المحارم وفى الخلوة ما بين سرتها وركبتها، ومع الرجال الأجانب جميع بدنها. وعورة الحرّة فى الصلاة جميع بدنها ماعدا الوجه والكفين. ومع النساء والرجال المحارم وفى الخلوة ما بين السرة والركبة. ومع الرجال الأجانب جميع بدنها. ووافقهم الحنبلية إلا أنهم يرون أنّ الكفين عورة من الحرّة (ومما تقدم) يعلم أنّ السرة والركبة ليستا من العورة بالنسبة للرجل عند المالكية والشافعية والحنبلية (لقول) عبد الله بن عمرو: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فَرجع من رَجَع وعقَّبَ من عقّب. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعا قد حفَرَه النفَسُ قد حسَر عن رُكبتيه فقال: " أبشِروا هذا ربُّكم قد فتح باباً من أبواب السماء يُباهى بكم يقول: انظروا إلى عبادى قد صلُّوا فريضة وهم ينتظرون أخرى " أخرجه ابن ماجه بسند صحيح رجاله ثقات (1){152}

(1) ص 138 ج 1 ابن ماجه (لزوم المساجد وانتظار الصلاة) و (عقب) من = التعقيب، أى أقام فى مصلاه بعد ما فرغ من الصلاة و (حفزه) بفتح الحاء والفاء من باب ضرب، أعجله.

ص: 107

(وعن) ابن عمرو أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " إذا زوّج أحدكم خادمَه عبدهَ أو أجيرَه، فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة " أخرجه أبو داود (1){153}

(وعن) أبى أيوب رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " ما فوق الركبتين من العورة. وما أسفل من السرة من العورة " أخرجه البيهقى (2){154}

والسبب فى اختلافهم فى عورة المرأة، الاحتمال فى المستثنى فى قوله تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (فمنهم) من فهم منه الوجه والكفين والقدمين (ومنهم) من فهم منه الوجه والكفين فقط (ومنهم) من فهم أن جميع بدن المرأة عورة ماعدا ما يبدو منه قهراً عند هبوب ريح مثلا أو ما تدعو الحاجة إلى النظر إليه كشهادة ومعالجة طبيب (وقالت) الظاهرية وابن أبى ذئب: عورة الرجل فى الصلاة القبل والدبر، وهو رواية عن أحمد (لحديث) أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم غزا خَيبر ثم حسَر الإزار عن فخِذه حتى إنى لأنظر إلى بياض فخذ النبى صلى الله عليه وسلم " أخرجه البخارى (3){155}

لكنه معارض بما تقدم عن جَرهدٍ (4)(وبحديث) علىّ كرم الله وجهه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تبْرِزْ فَخِذك ولا تنظُر إلى

(1) ص 64 ج 4 - سنن أبى داود (فى قوله: غير أولى الإربة - لباس النساء) و (خادمه) أى أمته.

(2)

ص 229 ج 2 - بيهقى.

(3)

ص 326 ج 1 - فتح البارى (ما يذكر فى الفخذ).

(4)

تقدم رقم 147 ص 103.

ص: 108

فخِذ حتّى ولا ميت " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقى وفيه حبيب بن ثابت لم يسمع م عاصم بن ضَمرة (1){156}

(لقول) محمد بن جحش: " مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على مَعْمَر وفخذاه مكشوفتان فقال: يا معمرُ غِّط فخذيك، فإن الفخذين عورة " أخرجه أحمد والبخارى فى تاريخه وعلقه فى الصحيح. ورجاله رجال الصحيح إلا أبا كثير (2){157}

وأيضا فإن حديث جَرْهَد وعلىّ أمر من النبى صلى الله عليه وسلم للأمة. وحديث أنس ونحوه فعل من صلى الله عليه وسلم. وإذا تعارض الأمر والفعل قدّم الأمر، لاحتمال أن يكون الفعل خاصا به صلى الله عليه وسلم (3)(وقالت) الظاهرية عورة الحرّة والأمة جميع بدنها ماعدا الوجه والكفين. فسوّوا بين لحرّة والأمة (ويردّه) ما تقدم عن عمر وغيره من التفرقة بينهما.

(ب) العجز عن السائر: م لم يجد ما يستر به عورته ولو بإعارة، صلى عريانا وصحت صلاته والأفضل عند الحنفيين وأحمد أن يصلى قاعدا مادّا رجليه إلى القبلة مضمومتين موميا بالركوع والسجود (روى) أن قوما انكسرت مراكبهم فخرجوا عراة فقال ابن عمر يصلون جلوسا يومئون إيماء برءوسهم. أخرجه الخلال (4) ويليه فى الفضل صلاته قائما موميا بالركوع

(1) انظر رقم 427 ص 244 ج 7 - الدين الخالص (كيفية غسل الميت).

(2)

ص 84 ج 3 - الفتح الربانى (حد العورة) وص 325 ج 1 - فتح البارى (ما يذكر فى الفخذ).

(3)

قال القرطبى. حديث أنس وما معه إنما ورد فى قضايا معينة يتطرق إليها من احتمال الخصوصية أو البقاء على أصل الإباحة مالا يتطرق إلى حديث جرهد وما معه لأنه يعطى حكما كلما وشرعا عاما فكان العلم به أولى. ولذا قال البخارى: وحديث جرهد أحوط. انظر ص 327 ج 1 - فتح البارى.

(4)

ص 634 ج 1 - مغنى ابن قدامة (صلاة العراة).

ص: 109

والسجود. ودونهما صلاته قائما يركع ويسجد. ولو كان عريانا ووعده صاحبه أن يعطيه الثوب إذا صلى، لزمه انتظاره ما لم يخف فوت الوقت على الراجح عند الحنفيين. ومن وجد ثوبا ربعه طاهر ولم يجد ما يطهره به لزمه الصلاة فيه فلا تصح صلاته عريانا خلافا للشافعية. وكذا إن كان كله تجسا، أو طهر اقل من ربعه عند المالكية والحنبلية ولا يعيد. وعند الحنفيين يخير بين الصلاة فيه والصلاة عريانا والأفضل الصلاة فيه، لما فيه من الإتيان بالركوع والسجود مع ستر العورة.

(ج) الصلاة فى ثوب غير حلال: تحرم الصلاة فى ثوب غير خالص الحل، لحديث ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" من اشترى ثوبا بعشرةِ دراهم وفيه دِرهْم حرام، لم يقبل الله له صلاةً مادام عليه " أخرجه أحمد بسند ضعيف جدا وقال: هذا الحديث ليس بشئ (1){158}

وإذا صلى فى ثوب مغصوب (قال) أحمد فى المشهور عنه: لا تصح الصلاة فيه، أخذا بظاهر الحديث، بخلاف ما لو صلى بعمامة مغصوبة أو بخاتم من ذهب، فإن الصلاة تصح لأنه لا يتوقف عليهما صحتها بخلاف الثوب (وقال) الحنفيون ومالك والشافعى وكثيرون: تصح الصلاة فى الثوب المغصوب مع الحرمة. وهو رواية عن أحمد. لأن التحريم لا يختص بالصلاة. والنهى عن المغصوب، فإنه لا يعود إليه فلم يمنع صحتها، كما لو غسل ثوبه من النجاسة بماء مغصوب، فإنه يطهر اتفاقا (وأجابوا) عن حديث ابن عمر بأنه ضعيف لا يحتج به. وعلى فرض صحته، فنفى القبول لا يستلزم نفى الصحة، لأنه قد يراد به نفى الكمال والفضيلة (واختلفوا) أيضا فى صلاة الرجل فى الثوب الحرير

(1) انظر رقم 8444 ص 64 ج 6 - فيض القدير.

ص: 110

(فقال) الجمهور: يحرم عليه وتجزئه صلاته (وقال) مالك: يعيد فى الوقت ومحل هذا إذا وجد ما يستر عورته من غير الحرير. فإن لم يجد إلا هو صلى فيه وجوباً عند الأكثر (وقال) أحمد فى المشهور عنه: لا يجوز له ذلك. ولو صلى فيه لا تصح صلاته. ولو لم يجد إلا هو صلى عاريا.

(الخامس) من شروط صحة الصلاة استقبال القبلة. وهو شرط بالكتاب والسنة والإجماع. قال الله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (1)} والمراد بالمسجد الحرام الكعبة (وعن) أبى هريرة أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال للمسئ صلاته: إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة " (الحديث) أخرجه الشيخان وأبو داود (2){159}

(وقد اتفق) المسلمون على أنّ التوجه نحو الكعبة حال الصلاة فرض عند القدرة والأمن، وعلى أنّ من كان قريباً منها بحيث يمكنه رؤيتها يجب عليه استقبال عينها. واختلفوا فيمن كان بعيداً عنها. فالمشهور عند الشافعية أنه يلزم استقبال عينها أيضا، لظاهر قوله تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} إلا أنه يكفى فى هذه الحالة الظن بخلاف القرب فلابُدَّ فيه م اليقين (وقال) الحنفيون ومالك وأحمد وكثيرون: يجب فى هذه الحالة استقبال الجهة لا العين وهو قول للشافعى (لحديث) أبى هريرة أن النبى

(1) سورة البقرة: آية 144 (وأولها: قد نرى تقلب وجهك فى السماء).

(2)

ص 29 ج 11 فتح البارى (من رد فقال عليك السلام - الاستئذان) وص 107 ج 4 نووى (واجبات الصلاة) وص 299 ج 5 - المنهل العذب (صلاة من لا يقيم صلبه فى الركوع والسجود)(الحديث) يأتى تاما فى (ترتيب الأركان) إن شاء الله تعالى.

ص: 111

صلى الله عليه وسلم قال: " ما بين المشرق والمغرب قِبْلَة " أخرجه ابن ماجه والترمذى، وقال حسن صحيح (1){160}

ولأنه لو كان الفرض استقبال العين لما صحت صلاة أهل الصف الطويل على خط مستو. فإنه لا يمكن أن توجه إلى الكعبة كلُّ مَنْ بالصف الطويل مع اتفاقهم على صحة صلاة الكل " ولا ينافيه " قوله تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} " فإنه " على تقدير مضاف أى فولوا وجوهكم جهة شطر المسجد الحرام. أو يراد بالشطر الجهة جميعاً بين الأدلة، وهذا هو الظاهر. فإن فى استقبال عين الكعبة فى هذه الحالة حرجا ومشقة:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} فقبلة غير المشاهد ولو بمكة جهة الكعبة وهى التى إذا توجه إليها الإنسان يكون مسامتا للكعبة أو لهوائها تحقيقا أو تقريبا. فلا يضر انحراف لا تزول به المقابلة بالكعبة بأن يبقى شئ من سطح الوجه مقابلا لها أو لهوائها.

هذا. وتُعْرَفُ القبلة فى هذه الحالة فى الأمطار والقرى:

(أ) بالأدلة التى نصبها الصحابة والتابعون فى المساجد. ولا يجوز الاجتهاد مع وجودها. فإن لم تكن لزمه السؤال ممن يعلمها من أهل ذلك الموضع ولو واحدا فاسقا إن صدقه عند الحنفيين (وقالت) الشافعية يجب عليه أن يسأل ثقة ولو عبدا أو امرأة ولا يكفى سؤال الصبى والفاسق وإن صدقهما (وقالت) الحنبلية يلزمه السؤال ولو بقرع الأبواب ويكفى إخبار

(1) ص 164 ج 1 - ابن ماجه (القبلة) وص 279 ج 1 - تحفة الأحوذى وهذا بالنسبة لأهل المدينة ومن كانت قبلته على سمتها.

ص: 112

عدل الرواية كالأنثى والعبد (وقالت) المالكية: يلزمه التحرى ولا يسأل إلا إذا خفيت عليه علامات القبلة، فيلزمه سؤال عدل مكلف عارف بالأدلة ولو أنثى أو عبدا (ب) وتعرف أيضاً بالشمس والنجم القطبى والفجر والشفق وغير ذلك (فالشمس) يستدل بها على القبلة فى كل جهة بحسبها: فإن مطلعا يُعَيِّن جهة الشرق، ومغربها يعين جهة الغرب. ومتى عُرِف المشرف أو المغرب عُرِف الشمال أو الجنوب. وبهذا يتيسر لأهل كل جهة معرفة قبلتهم. فمن كان فى مصر فقبلته الجنوب الشرقى، لأن الكعبة بالنسبة لمصر واقعة بين الشرق والجنوب وهى للشرق أقرب.

(والنجم القطبى) نجم صغير فى بنات نعش الصغرى لا يبرح مكانه. وهو أقوى الأدلة. ففى مصر يجعله المصلى خلف أذنه اليسرى قليلا وكذا فى أسيوط وفوّة ورشيد ودمياط والإسكندرية وتونس والأندلس (أسبانيا) ونحوها. وفى العراق وما وراء نهر دجلة والفرات، يجعله المصلى خلف أذنه اليمنى. وفى المدينة المنوّرة والقدس وغزة وبعلبك وطرسوس ونحوها، يجعله مائلا إلى نحو الكتف الأيسر. وفى الجزيرة وأرمينية والموصل ونحوها، يجعله المصلى على فقرات ظهره. وفى بغداد والكوفة وخوارزم والرىّ ببلاد العجم ونحوها يجعله المصلى على خدّه الأيمن. وفى البصرة وأصبهان وفارس ونحوها، يجعله فوق أذنه اليمنى. وفى الطائف وعرفات والمزدلفة ومنى، يجعله على كتفه الأيمن. وفى اليمن يجعله أمامه مما يلى جانبه الأيسر. وفى الشام يجعله وراءه مما يلى جانبه الأيسر. وفى نجران يجعله وراء ظهره.

(ج) وتعرف ببيت الإبرة المسمى (بالبوصلة) متى كان منضبطاً وغير ذلك (أما المحاريب) المجوّفة جهة القبلة فى كثير من المساجد، فإنها وإن

ص: 113

كانت تدل على القبلة، فلا ينبغى اتخاذها، لأنها من البدع المنهى عنها (قال) السيوطى فى رسالته " إعلام الأريب. بحدوث بدعة المحاريب ": إنّ قوماً خفى عليهم كون المحراب فى المساجد بدعة وظنوا أنه كان فى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم فى زمنه. ولم يكن فى زمانه قط محراب ولا فى زمن الخلفاء فمن بعدهم إلى آخر المائة الأولى. وقد ورد الحديث بالنهى عن اتخاذه وأنه من شأن الكنائس وأن اتخاذه فى المساجد من أشرط الساعة (روى) عبد الله بن عمرو أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " اتقوا هذه المذابح يعنى المحاريبَ " أخرجه البيهقى (1){161}

(قال) السيوطى: هذا حديث ثابت صحيح. ولهذا احتج به البيهق مشيراً إلى كراهة اتخاذ المحاريب. وهو من كبار الحفاظ ومن كبار أئمة الشافعية الحاملين للفقه والأصول والحديث (وعن) ابن مسعود أنه كره الصلاة فى المحراب وقال: " إنما كانت للكنائس، فلا تَشَبَّهوا بأهل الكتاب يعنى أنه كره الصلاة فى الطاق " أخرجه البزار بسند رجاله موثقون (2)(وقال) ابن بى شيبة: ثنا وكيع ثنا إسرائيل عن موسى الجهنى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال هذه الأمة أو ال أمتى بخير ما لم يتخذوا فى مساجدهم مذابح كمذابح النصارى " قال السيوطى: هذا مرسل صحيح الإسناد {162}

والمرسل حجة عند الأئمة الثلاثة مطلقا. وكذا عند الإمام الشافعى إذا اعتُضِد بمرسَل آخر أو مسند ضعيف أو قول صحابى أو فتوى أكثر أهل

(1) ص 439 ج 2 - بيهقى (كيفية بناء المساجد).

(2)

ص 51 ج 2 - مجمع الزوائد (الصلاة فى المحراب).

ص: 114

العلم بمقتضاه. وقد عضّده قول ابن مسعود وأحاديث أخر مرفوعة وموقوفة وفتوى جماعة من الصحابة والتابعين بمقتضاه (قال) أبو ذرّ: إنّ من أشراط الساعة أن تُتّحذ المذابح فى المساجد. أخرجه ابن أبى شيبة، وهو فى حكم المرفوع، لأنه لا مدخل للرأى فيه (وقال) عُبيد بن أبى الجَعْد: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: إنّ من أشراط الساعة أن تُتّخذ المذابح فى المساجد. يعنى الطاقات. أخرجه ابن أبى شيبة. وهو بمنزلة عدة أحاديث مرفوعة (وقال) ابن مسعود: اتقوا فى هذه المحاريب. أخرجه ابن أبى شيبة وأخرج عبد الرازق عن الثورى عن منصور بن المعتمر والأعمش عن إبراهيم النخعى أنه كان يكره أن يصلى فى طاق الإمام. قال الثورى: ونحن نكره ذلك. وأخرج عن الحسن أنه اعتزل الطاق أن يصلى فيه (1).

(فائدة) روى الطبرانى فى الوسط عن جابر بن أسامة الجهنى قال: لقيت النبى صلى الله عليه وسلم فى أصحابه بالسوق فقلت: أين يُريد رسوبُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا يُريد أن يَخُط لقومك مسجدا، فأتيتُ وقد خَطّ لهم مسجداً وغرز فى قبلته خشبة فأقامها قبلة (2) أهـ كلام السيوطى ملخصا (3) (وقال) القضاعى: أوّل من أحدث ذلك عمر بن عبد العزيز وهو عامل للوليد بن عبد الملك على المدينة حينما جدّد المسجد وزاد فيه أهـ (وقال) الألوسى:

(1) ص 239 ج 4 - المحل لان حزم. وفيه: وتكره المحاريب فى المساجد وروينا عن على بن أبى طالب أنه كان يكره المحراب فى المسجد. وهو قول محمد بن جرير الطبرى وغيره.

(2)

(قال الهيثمى) وفيه معاوية بن عبد الله بن حبيب ولم أجد من ترجمة. انظر ص 15 ج 2 - مجمع الزوائد (علامة القبلة).

(3)

انظر رقم 521 مجاميع بدار الكتب المصرية ضمن مجموعة رسائل للسيوطى.

ص: 115

الصلاة فى المحاريب المشهورة ف المساجد قد كرهها جماعة من الأئمة. وهى من البدع التى لم تكن فى العصر الأوّل (1)(وقال) السمهودى فى تاريخ المدينة: أسند يحيى عن عبد المهيمن بن عباس عن أبيه قال: مات عثمان وليس فى المسجد شرفات ولا محراب. فأوّل من أحدث المحراب والشرفات عمر ابن عبد العزي أهـ (وقال) النووى: إذا صلى فى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فمحراب الرسول فى حقه كالكعبة، فمن يعاينه يعتمده. ولا يجوز العدول عنه بالاجتهاد بحال. ويعنى بمحراب الرسول مصلاه وموقفه، لأنه لم يكن هذا المحراب المعروف موجوداً فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم. وإنما أحدثت المحاريب بهده أهـ (2) (وقال) العلامة البجرمىّ: والمحراب لغة صدر المجلس سمى المحراب المعهود بذلك، لأن المصلى يحارب فيه الشيطان. ولم يكن فى زمانه صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده إلى آخر المائة الأولى محراب.

وإنما حدثت المحاريب فى أوّل المائة الثانية، مع ورود النهى عن اتخاذها لأنها بدعة ولأنها من بناء الكنائس أهـ (3). ثم الكلام فى ثلاثة فروع:

(أ) اشتباه القبلة: قد علمت أن القبلة تختلف باختلاف البقاع. فإن فقدت الأدلة واشتبهت على مريد الصلاة ولم يجد بحضرته من يسأله، اجتهد وصلى. وليس له الاجتهاد قبل السؤال. ولا يلزمه طلب من يسأله خلافا للحنبلية كما تقدم (4). والأصل فى ذلك قول عامر بن ربيعة: " كنا فى سفر مع النبى صلى الله عليه وسلم فى ليلة مُظْلمة، فلم ندر أين القبلةُ؟ فصلى كلُّ رجل منا على حِياله. فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم

(1) ص 571 ج 1 - روح المعانى (فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب).

(2)

ص 203 ج 3 - شرح المهذب.

(3)

ص 164 ج 1 - حاشية البجرمى على شرح المنهج (التوجه شرط).

(4)

تقدم ص 112.

ص: 116

فنزلت {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} أخرجه ابن ماجه والترمذى وقال حديث ليس إسناده بذاك لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان وأشعث يُضَعَّف فى الحديث (1){163}

ويؤيده قول معاذ بن جبل: " صلينا مع النبى صلى الله عليه وسلم فى يوم غيم فى سفر إلى غير القبلة فلما قَضى الصلاةَ تجلّت الشمس فقلنا يا رسولَ الله صلّينا إلى غير القبلة فقال: قد رفُعت صلاتكم بحقها إلى الله عز وجل " أخرجه الطبرانى فى الأوسط. وفيه شْمر بن يقظان. ذكره ابن حبان فى الثقات (2){164}

ولو سأل قوما فلم يخبروه حتى صلى بالتحرّى ثم أخبروه بعد فراغه أنه لم يصل على القبلة فلا إعادة عليه. فإن اجتهد فى القبلة وأخطأ ففى ذلك خلاف (قال) الحنفيون وأحمد: إن تبين خطؤه بعد الفراغ من الصلاة لم يعدها، لأنّ الطاعة على حسب الطاقة لما ذكر. وإن علم بالخطأ فى أثناء الصلاة استدار إلى القبلة وبنى على ما مضى من صلاته. وهو قول للشافعى (لقول) ابن عمر رضى الله عنهما:" بينما الناس بقُباه فى صلاة الصبح إذْ جاءهم أُمِر أن يستقبل الكعبة فاستقبِلوها. وكانت وُجوهُهم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة " أخرجه الشيخان (3){165}

(1) ص 165 ج 1 - ابن ماجه (من يصلى لغير القبلة وهو لا يعلم) وص 280 ج 1 - تحفة الأحوذى (الرجل يصلى لغير القبلة فى الغيم).

(2)

ص 15 ج 2 - مجمع الزوائد (الاجتهاد فى القبلة).

(3)

ص 343 ج 1 فتح البارى (ما جاء فى القبلة) وص 10 ج 5 - نووى (تحويل القبلة

) و (قباء) بضم القاف - يقصر ويمد، مصروف وغير مصروف - موضع على نحو ميلين جنوب المدين ة (فاستقبلوها) روى بكسر الياء وفتحها والكسر أصح.

ص: 117

(وعن) أنس: " أنّ النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى نحو بيت المقدس فنزلت: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ} فمرّ رجل من بنى سلمة وهم ركوع فى صلاة الفجر وقد صلوا ركعة فنادى: ألا إنّ القبلة قد حُوّلت. فمالوا كما هم نحو البيت"أخرجه مسلم وأبو داود (1){166}

ومثل هذا لا يخفى على النبى صلى الله عليه وسلم. فكان ما مضى من صلاتهم بعد تحويل القبلة إلى الكعبة صحيحا، ولأن المجتهد أتى بما أُمِر به فخرج عن العهدة كالمصيب، ولأنه صلى إلى غير الكعبة للعذر فلم تجب عليه الإعادة كالخائف يصلى إلى غيرها إذا تعذر عليه استقبالها. ولأنه شَرْطً عَجَزَ عنه فأشبه سائر الشروط (وقالت) المالكية: إن تبين خطؤه فى أثناء الصلاة يقيناً أو ظنا، قطعها البصير المنحرف كثيراً بأن كان مستديراً للقبلة أو مشرِّقا عنها أو مغرِّباً وابتدأها بإقامة، وغن كان الانحراف من البصير يسيراً أو كان من أعمى مطلقا، تحوّل إلى القبلة وأتم صلاته، وإن تبين الخطأ بعد تمام الصلاة، أعاد البصير المنحرف كثيرا بوقت. ولا إعادة على غيره.

(ومشهور) مذهب الشافعية أنه إن تبين خطؤه فى أثناء الصلاة بأن كان مستدبرا لها أو منحرفا يَمَنةً أو يَسْرة استأنفها، وكذا إذا تبين له الخطأ بعد الفراغ منها، لأنه بأن له الخطأ فى شرط من شروط الصلاة، فلزمه الإعادة، كما لو بأن له صلى قبل الوقت أو بغير طهارة، بخلاف ظنّ الخطأ فإنه لا يؤثر فى صحة الصلاة.

(1) ص 11 ج 5 - نووى. وص 178 ج 5 - المنهل العذب (من صلى لغير القبلة ثم علم).

ص: 118

(ب) سقوط الاستقبال: يسقط الاستقبال فى ثلاث حالات:

(الأولى) صلاة شدّة الخوف من عدوّ أو سبع أو لصّ، سواء أخاف على نفسه أم دابته، وسواء أكانت الصلاة فرضاً أم نفلا، فليس الاستقبال بشرط حينئذ. لقوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً (1)} ولقوله تعال: : {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (2)} ولحديث نافع عن ابن عمر أنه كان إذا سُئِل عن صلاة الخوف وصفَها ثم قال: فإن كان خوفً هو أشدُّ من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركباناً مستقبلى القبلة أو غيرّ مستقبليها. قال نافع: لا أرى ابنَ عمر ذكر ذلك إلا عن النبى صلى الله عليه وسلم " أخرجه مالك والبخارى وابن خزيمة والبيهقى (3){167}

(الثانية) يجوز للمسافر التنفل على راحلته حيث توجهت (لقول) ابن عمر: " كان النبى صلى الله عليه وسلم يُسبِّح على الراحة قِبَلَ أىِّ وجه توجّه. ويوُتِر عليها غير انه لا يصلى عليها المكتوبة " أخرجه البخارى وأبو داود (4){168}

(وقال) جابر: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته النوافل فى كل جهة، ولكنه يخفض السجود من الركعة ويومئ إيماء " أخرجه أحمد (5){169}

هذا. وجواز تطوّع المسافر على الراحلة مجمع عليه، غير أنه يلزم التوجه

(1) سورة البقرة: أية 239.

(2)

سورة التغابن: أية 16.

(3)

ص 139 ج 8 - فتح البارى (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا).

(4)

ص 389 ج 2 - فتح البارى (ينزل للمكتوبة) وص 82 ج 7 - المنهل العذب (التطوع على الراحلة).

(5)

ص 123 ج 3 - الفتح الربانى.

ص: 119

إلى القبلة حال التحريمة عند الشافعى وابن حبيب المالكى، وروى عن أحمد ولا يلزم عند غيرهم، وسواء فى ذلك قصير السفر وطويله عند الأكثر (وعن) مالك: لا يجوز ذلك إلا فى سفر القصر (وقال) الحنفيون: لا يشترط السفر بل تجوز صلاة النافلة خارج العمران - فى محل يجوز للمسافر القصر فيه ولو مقيما خرج لحاجة - على الراحلة مومياً بالركوع والسجود فرادى لا جماعة إلا على دابة واحدة على الصحيح (لقول) عامر بن ربيعة: " رأيت النبى صلى الله عليه وسلم وهو على الراحلة يسِّبح يومئ برأسه قِبَل أىّ وجه توجه ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك فى الصلاة المكتوبة " أخرجه البخارى (1){170}

(وعن) أبى يوسف: جواز النافلة على الراحلة فى المصر أيضا. وبه قال أبو سعيد الاصطخرى الشافعى والظاهرية مستدلين بالأحاديث المطلقة التى لم يصرح فيها بذكر السفر. وبما روى منصور بن المعْتَمِر عن إبراهيم** النخعى قال: كانوا يصلون على رحالهم ودوابّهم حيثما توجهت. ذكره ابن حزم قال: وهذه حكاية عن الصحابة والتابعين عموما فى الحضر والسفر أهـ (2) وهو مبنى على عدم حمل المطلق على المقيد. لكن الجمهور يقولون بحمل الروايات المطلقة على المقيدة بالسفر (وظاهر) الأحاديث أنّ جواز التنفل على الراحلة إلى الجهة التى قصدها، مختص بالراكب. وهو مذهب الحنفيين وأحمد والظاهرية (وقال) الشافعى والأوزاعى: يجوز للماشى التنفل إلى الجهة التى يقصدها قياساً على الراكب بجامع التيسير للمتطوّع، إلا أنه قيل لا يعفى له

(1) ص 389 ج 2 - فتح البارى (ينزل للمكتوبة).

(2)

ص 58 ج 3 - المحلى (مسألة 297).

ص: 120

عدم الاستقبال فى الركوع والسجود وعدم إتمامهما، وأنه لا يمشى إلا فى قيامه وتشهده 0 وهل يمشى حال الاعتدال من الركوع؟ قولان. ولا يمشى** فى الجلوس بين السجدتين. ودلت الأحاديث أيضا على جواز الوتر على الراحلة فى السفر. وهو مذهب الجمهور ومالك والشافعى وأحمد (وقال) الحنفيون: لا يجوز الوتر على الدابة كالفرض إلا العذر (لما روى) نافع أنّ ابن عمر كان يصلى على راحلته ويُوتِر بالأرض، ويزعُم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك كان يفعل " أخرجه البخارى (1){171}

(وروى) سعيد بن جبير أن ابن عمر كان يصلى على راحلته تطوّعا، فإذا أراد أن يوتر نزل فأوتر على الأرض. أخرجه أحمد والطحاوى بسند جيد (2)(وأجابوا) عن إيتار النبى صلى الله عليه وسلم على الدابة، بأن ذلك كان قبل إحكام أمر الوتر وتأكيده. فلما أحكم وأكد أمره، كان يصليه على الأرض، أو أن إيتاره صلى الله عليه وسلم** على الدابة كان من خصوصياته. لكن ما استدلوا به لا يستلزم عدم جواز الوتر على الدابة. وما أجابوا به عن حديث ابن عمر مردود بأنه تفرقة لم يدل عليها دليل صريح. وبأن الأصل عدم الخصوصية، لاسيما وأن ابن عمر كان يوتر على الدابة وأنكر على من كان يوتر على الأرض (قال) سعيد بن يسار: كنت مع ابن عمر بطريق مكة فلما خَشِيت الصبحَ نزلتُ فأوترتُ. فقال ابن عمر: أليس لك فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسوَة حسنة؟ قلت بلى. قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُوتِر عل البعير " أخرجه مالك والشيخان والبيهقى (3){172}

(1) ص 249 ج 1 - شرح معانى الآثار.

(2)

ص 312 ج 4 - الفتح الربانى.

(3)

ص 333 ج 2 - فتح البارى (الوتر على الدابة) وص 210 ج 5 نووى (صلاة النافلة على الدابة) وص 5 ج 2 بيهقى.

ص: 121

(وقال) جرير بن حازم: قلت لنافع أكان ابنُ عمر يُوتِر على الراحلة ظ قال وهل للوتر فضيلة على سائر التطوّع؟ إى والله لقد كان يوتر عليها. أخرجه البيهقى (1)(فالراجح) جواز الوتر على الدابة (ودلت) الأحاديث أيضا على أن المكتوبة لا تصح إلى غير القبلة، ولا على الدابة. وهو مجمع عليه إلا حال العذر. وهى:

(الثالثة) لا تجوز صلاة الفرض على الدابة إلا لعذر يتعذر معه النزول كخوف مرض أو زيادته وخوف عدوّ وسبع ونِفار دابة لا يقدر على ركوبها إلا بمعين، وكثرة طين ووحَل وفوات رُفقة. فيجوز حينئذ عند الحنفيين أن يصلى على الدابة بإيماء للسجود أخفض من الركوع. وقبلتُه حيث توجهت دابته. ولا تضر نجاسة السرج والركابين والدابة. وكالفرص فيما ذكر صلاة الجنازة والواجب كقضاء نفل أفسده ومنذورة، وسجدة التلاوة إذا تلا آيتها أو سمعها على الأرض. فلا تجوز على الدابة لغير ضرورة، لأنها وجبت كاملة فلا تتأدّى بما هو ناقص. وكذا يسقط الاستقبال عن العاجز عنه لمرض وإن وّجد من يُوجهه إلى القبلة عند النعمان (وقال) الصاحبان: يلزمه التوجه إن وجد موجِّها ولو بأجر مثله إذا كان له مال. ولو خاف إنسان أن يراه العدوّ إن قام أو قعد صلى مضطجعا بالإيماء. وكذا الراكب الهارب من العدوّ يصلى على دابته ولا إعادة علا من ذكر، لأنّ الطاعة بحسب الطاقة (وقالت) المالكية: لا يصح فرض على الدابة ولو كان مستقبل القبلة إلا فى حرب جائز لا يمكن النزول فيه عن الدابة، أو خوف من نحو سبعُ إن نزل عن دابته. ويعيد الخائف فى الوقت إن أمن، أو كان راكبا

(1) ص 6 ج 2 - بيهقى.

ص: 122

فى طين رقيق لا يمكنه النزول فيه. فله أن يصلى على الدابة إيماء. سواء أكان مسافرا أم حاضرا، أو كان به مرض لا يطيق النزول معه وأمكنه أن يؤدّيها على الدابة كما يؤدّيها على الأرض. فإن أمكنه أن يؤدّيها على الأرض كاملة الأركان، وجب عليه أن يؤدّيها على الأرض. ويجب عليه استقبال القبلة فى هذه الأحوال كلها متى أمكنه ذلك وإلا صلى حيثما اتجه.

(وقالت) الشافعية: لا تجوز صلاة الفرض على الدابة إلا إذا أمكنه استقبال القبلة والقيام والركوع والسجود والدابة واقفة. فإن كانت سائرة لم تصح على الصحيح. وقيل تصح كالسفينة فإنها تصح فيها الفريضة بالإجماع. ولو كان فى ركب وخاف لو نزل للفريضة انقطع عنهم ولحقه الضرر يصلى الفريضة على الدابة حسب قدرته. وتلزمه إعادتها لأنه عذر نادر وتجوز عند أحمد وإسحاق صلاة الفريضة على الدابة إذا لم يجد موضعا يؤدّيها فيه نازلا ورواه العراقى فى شرح الترمذى عن الشافعى رحمه الله (1).

(وحكى) النووى الإجماع على عدم جواز صلاة الفريضة على الدابة من غير ضرورة. والأصل فى ذلك حديث يعلى بن مرة أمن النبى صلى الله عليه وسلم انتهى إلى مضيق هو وأصحابه والسماءُ من فوقهم والبِلّة من أسفَل منهم وحضَرت الصلاةُ فأمر المؤذنّ فأقام. فتقدم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فصلى بهم يومئ إيماءً يجعل السجود أخفض من الركوع " أخرجه أحمد والدار قطنى والبيهقى وقال فى إسناده ضعف، والترمذى وقال غريب. تفرّد به عمر بن الرماح. والعمل على هذا عند أهل العلم. وبه يقول أحمد وإسحاق (2){173}

(1) ص 317 ج 1 - تحفة الأحوذى.

(2)

ص 126 ج 3 - الفتح الربانى = (صلاة الفرض على الراحلة لعذر) وص 146 - الدار قطنى. وص 7 ج 2 - بيهقى (النزول للمكتوبة) وص 317 ج 1 - تحفة الأحوذى وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم أذن فى سفر وهو على راحلته وأقام كما تقدم رقم 115 ص 75 (هل أذن النبى صلى الله عليه وسلم بنفسه؟ ) والمراد بالسماء المطر. وبالبلة - بكسر الباء وسد اللام - الوحل.

ص: 123

(وأما حديث) النعمان بن المنذر عن عطاء بن أبى رباحٍ أنه سأل عائشة هلى رُخِّص للنساء أن يُصلِّينَ على الدواب؟ قالت لم يُرخَّصْ لهنَ فى ذلك فى شدة ولا رَخاء. قلا محمد بن شعيب هذا فى المكتوبة. أخرجه أبو داود والبيهقى والدار قطنى وقال: تفرّد به النعمان بن المنذر (1){174}

" فالمراد " بالشدّة فيه العذر الذى لا حرج معه فى الصلاة على الأرض. أما العذر الشديد فيباح معه أداء الفريضة على الراحلة للرجال والنساء إجماعا، لعموم ما تقدم من الأدلة.

(ج) الصلاة فى السفينة ونحوها: اتفق الأئمة الأربعة على جواز الصلاة فرضا وغيره فى السفينة والقاطرة والطائرة ونحوها (فإن كانت) واقفة أو مستقرة على الأرض، صحت الصلاة فيها وغن أمكنه الخروج منها اتفاقا، لأنها إذا استقرّت كان حكمها حكم الأرض. ولابد من الركوع والسجود والتوجه إلى القبلة فى كل الصلاة. ويلزم أيضا القيام فى الفرض للقادر عليه (وإن كانت) سائرة فغن لم يمكنه الخروج إلى الشط وصلى قائماً بركوع وسجود، أو قاعداً لعجزه عن القيام - بأن كان يعلم أنه يدور رأسه لو قام - صحت صلاته اتفاقا (وإن كان) قادر على القيام أو على الخروج إل ىالشط فصلى فيها قاعدا بركوع وسجود صحت صلاته عند النعمان (لقول) ابن سيرين: صلى بنا أنس رضى الله عنه فى السفينة قعودا، ولو شئنا لخرجنا إلى الجدّ (2)

(1) ص 86 ج 7 - المنهل العذب (الفريضة على الراحلة من عذر) وص 7 ج 2 - بيهقى.

(2)

الجد بضم الجيم، شاطئ النهر. وكذا الجدة، وبه سمى ثغر مكة " جدة ".

ص: 124

(وقال) مالك والشافعى وأحمد وأبو يوسف ومحمد: لا تصح الصلاة فى السفينة من قعود إلا لمن تعذر عليه الخروج وعجز عن القيام (لحديث) عِمْران بن حُصَين أنّ النبى صلى الله عليه وسلم قال: " صَلِّ قائما. فإن لم تَسْتَطِعُ فقاعدا. فإن لم تستطع فعلى جنب " أخرجه البخارى والنسائى وزاد: فغن لم تستطع فمستلقياً لا يكلف الله نفسا إلا وسعها (1){175}

وخذا مستطيع القيام (وقال) ابن عمر: " سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فى السفينة قال: صلِّ قائما غلا أن تَّخافَ الغرَقَ " أخرجه الدار قطنى والحاكم وقال صحيح الإسناد على شرط مسلم (2){176}

وهذا هو الراجح لقوّة أدلته. هذا. وإذا دارت السفينة ونحوها فى أثناء الصلاة استدار إلى القبلة حيث دارت إن أمكنه، لأنه قادر على تحصيل هذا الشرط بغير مشقة. فيلزمه تحصيله اتفاقا. فغن عجز عن الاستقبال صلى إلى جهة قدرته ولا إعادة عليه عند الأئمة الثلاثة (وقالت) الشافعية: إن هبت اريح وحوّلت السفينة فتحوّل صدره عن القبلة، وجب ردّه إلى القبلة ويبنى على صلاته، بخلاف ما لو كان فى البر وحوّل إنسان صدره عن القبلة قهرا فإنها تبطل صلاته. والفرق أن هذا ف البر نادر وفى البحر غالب، وربما تحوّلت ف ساعة واحدة مرارا (3). وما تقدّم م التفصيل والبيان يجرى فى الصلاة فى القاطرة والطائرة " وما قيل " من أنه لا تصح الصلاة فى الطائرة، لأنه يشترط فى السجود أن يكون على الأرض أو متصل بها " غير صحيح " لأن هذا بالنسبة لمن وقف بمكان وسجد على مرتفع أمامه

(1) ص 3969 ج 2 - فتح البارى (إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب).

(2)

ص 152 - الدار قطنى. وص 275 ج 1 مستدرك.

(3)

ص 242 ج 3 - شرح المهذب.

ص: 125